بعد فترة زمنيَّة قصيرة تدخل سلطنة عُمان مرحلة وطنيَّة سياسيَّة جديدة تبدأ بتشكيل مجلس عُمان بشقَّيْه مجلس الدولة ومجلس الشورى، بالإضافة إلى ما اعتدنا عليه دائمًا، أقصد إعادة تشكيل مجلس الوزراء ولو بشكل جزئي، والذي يفترض أن يعملَ على تنفيذ رؤية سلطنة عُمان 2040م، بالإضافة إلى ما تبقَّى من الخطَّة الخمسيَّة العاشرة 2021 – 2025.


فما التغيُّرات السِّياسيَّة الوطنيَّة المنتظرة؟ وما أبرز التوصيات التي يُمكِن أن تُسهمَ في تمكين تلك التغيُّرات السِّياسيَّة المأمولة والتي بِدَوْرها ستُسهم في تمكين رؤية سلطنة عُمان 2040، بالإضافة إلى ما تُسهم به من دعم منظومة الأمن السِّياسي والاجتماعي، وتعزيز ثقة المُجتمع بمؤسَّسات الدولة؟ مع الإشارة إلى أنَّ أيَّ شكلٍ من أشكال الإصلاح والتطوير في الفكر السِّياسي الوطني أو تحديث هياكل المؤسَّسات الحكوميَّة أو السُّلطات الثلاث في الدولة سيصبُّ في مجمل العمليَّة السِّياسيَّة الوطنيَّة.
أوَّلًا: يجِبُ الاعتراف بأنَّ المرحلة الوطنيَّة القادمة لَنْ تكُونَ خالية من المنغِّصات والصعوبات السِّياسيَّة والتي هي نتاج طبيعي لبيئة أمنية وطنيَّة حكمتها إلى حدٍّ بعيد تلك الظروف والتحدِّيات العابرة للحدود الوطنيَّة (البيئة الدوليَّة) خلال المرحلة الماضية بسبب أسعار النفط وانتشار وباء كورونا على سبيل المثال.
لماذا نطرح هذا التحدِّي الناتج عن تفاعل البيئة الوطنيَّة مع البيئة الدوليَّة؟ باختصار لأن صانع القرار والمسؤول عن وضع الاستراتيجيَّات الوطنيَّة للمرحلة القادمة (رؤية 2040 وغيرها من الخطط) يجِبُ أن يأخذَ في الحسبان ذلك التفاعل، وكيف ينبغي أن يوضحَ ويوظفَ لِمَا فيه المصلحة الوطنيَّة؟ وكيف يجِبُ على القيادة السِّياسيَّة أن تركزَ على عمليَّات صنع القرار في حقل السِّياسة والاستراتيجيَّة؟
ثانيًا: لماذا يجِبُ أن تحدثَ تغيُّرات جذريَّة في هياكل بناء النظام السِّياسي الوطني؟ لا شك أنَّ القيادة السِّياسيَّة العُليا ـ ممثلةً بحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق «أعزَّه الله» تحمل بَيْنَ جنباتها الطموحات والآمال الوطنيَّة الكبيرة لهذا الوطن وأبنائه. لذا فإنَّ تلك الرؤية لا بُدَّ أن تدعمَها سياسات وأفكار استراتيجيَّة بحجمها، كما يجِبُ أن تعملَ على تحقيقها قيادات سياسيَّة تملك الفكر الاستراتيجي، بالإضافة إلى القَبول المُجتمعي، وهذا الأخير أمْرٌ مُهمٌّ للغاية.
ونقول ذلك لأنَّ «السِّياسات والاستراتيجيَّات الوطنيَّة التي لا ترتكز على القِيَم الجوهريَّة للشَّعب في الدولة تكُونُ معرَّضةً دائمًا لخطر عدم الحصول على الإرادة الوطنيَّة أو فقدان هذه الإرادة مع مرور الوقت» وهنا نطرح السؤال الآتي: ما نتائج تقييم المرحلة الوطنيَّة الماضية، أقصد منذ التعديلات الوزاريَّة في العام 2020، مرورًا بإعادة تشكيل مجلس الوزراء في 2022؟ تقييم الوزراء والمرافق الحكوميَّة؟ التعرُّف على مستوى نجاح الفريق السِّياسي والتنفيذي المختار خلال تلك الفترة حتى العام 2023، هل من حقِّ المواطن معرفة أداء الوزارات والوزراء، من حصل على تقييم C من بَيْنِ الوزارات والوزراء؟ وما المعالجات والمسارات التصحيحيَّة التي وُضِعت لتقيم وتقويم عمل تلك المؤسَّسات والوزراء؟
وفي هذا السِّياق أعيد طرح سؤال للدكتور عبد الله باحجاج في مقاله: هل نحتاج إلى تشكيل وزاري جديد والمنشور بصحيفة الرؤية العُمانيَّة بتاريخ 13 أغسطس 2023؟
ثالثًا: أهمِّية مراجعة المؤشِّرات السِّياسيَّة التي تعمل عليها رؤية 2040؛ لِمَا لذلك من أهمِّية بالغة، خصوصًا أنَّ سلطنة عُمان وخلال المرحلة القادمة ما بعد العام 2024 ستحتاج إلى أفكار وعقول استراتيجيَّة أكثر قدرة على الإبداع وتجاوز التحدِّيات، بالإضافة إلى أهمِّية وجود أفكار واستراتيجيَّات أكثر تمكينًا وقدرةً على تجاوز التحدِّيات والمُعوِّقات التي يُمكِن أن تصادفَنا في المرحلة الوطنيَّة القادمة، ويُمكِن التعرُّف على ما أقصده حَوْلَ هذا الأمْرِ من خلال الرجوع لمقال سابق لي نشر بهذه الصحيفة الغرَّاء (الوطن) العُمانيَّة بتاريخ 5 مارس 2023، والذي خرج بتوصية أخيرة مفادها:
«أهمِّية تعزيز وتمكين القِيَم السِّياسيَّة الأربعة وهي العدل والشورى والمساواة والحُريَّة، بالإضافة إلى أهمِّية وضوح مؤشِّرات (تمكين) درجة التنمية والتنشئة والثقافة والمشاركة السِّياسيَّة للمُجتمع في الحياة الاجتماعيَّة والسِّياسيَّة الوطنيَّة والدوليَّة بما يحقِّق الخصوصيَّة السِّياسيَّة الوطنيَّة من المعارف والقِيَم والاتِّجاهات السِّياسيَّة، وجميع تلك المؤشِّرات تدخل في الهدف الأعلى للرؤية في سياق آليَّات تنمية المُجتمع المَدَني وتفعيل دَوْره في الحياة الوطنيَّة».
رابعًا: ضرورة إعادة النظر في تفعيل المواد من (55-62) من النظام الأساسي للدولة. والتي يُعدُّ وجودها أصلًا في دستور البلاد وبشكلٍ مسبق دليلًا على تمهيد الوعي السِّياسي في البيئة الوطنيَّة لأيِّ رؤية أو متغيِّر أو طارئ يحتاج إلى هذا النَّوع من التحوُّلات في هياكل البناء السِّياسي للحكومة. وهو دليل على تقدُّم الوعي السِّياسي والرؤية السِّياسيَّة والإداريَّة المستقبليَّة للقيادة السِّياسيَّة فيما يتعلق باستيعاب تلك المتغيِّرات والتحوُّلات التي يُمكِن أن تحدُثَ في البيئة الوطنيَّة خلال فترة من الفترات الزمنيَّة التي قَدْ تحتاج فيها البلد إلى إعادة تشكيل بناء منظومتها السِّياسيَّة والإداريَّة لمواكبة تلك المتغيِّرات والتحوُّلات.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: المرحلة الوطنی بالإضافة إلى ة القادمة ة الوطنی ة التی التی ی

إقرأ أيضاً:

الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية تنظّم لقاء “الشخصية السعودية في ظل التغيرات الاجتماعية”

المناطق_واس

نظّمت الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية لقاء علميًا بعنوان: “الشخصية السعودية في ظل التغيرات الاجتماعية”.

وشارك في هذا اللقاء الذي أقيم مساء اليوم في “مؤسسة الملك خالد الخيرية” بالمعذر، رئيس جمعية البحوث الاجتماعية والابتكار الاجتماعي الدكتور عبدالعزيز الغريب، والأستاذ في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود الدكتور عبدالملك الشلهوب، وأستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالسلام السليمان، وأدار الحوار رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية الدكتور ذيب الدوسري .

أخبار قد تهمك “الصادرات السعودية” تتوّج بجائزة “كوتلر” لأفضل حملة تواصل إعلامي مرئي 25 فبراير 2025 - 5:52 مساءً السعودية تدعو لتعزيز حقوق الإنسان في فلسطين 25 فبراير 2025 - 1:23 صباحًا

وتناول اللقاء عدة موضوعات عن الرؤية وتشكل الشخصية السعودية الجديدة، ودور الإعلام في تشكيل الشخصية السعودية في ضوء رؤية المملكة 2030، وعن الشخصية السعودية ومقومات التغير.

وأشار الدكتور الغريب إلى أن الشخصية السعودية تتسم بالعمق التاريخي الذي تبرهنه آثار بلاده الضاربة في جذور الزمن، كما تتسم بالثبات على الرغم من الأحداث الكبيرة التي مرت بها المنطقة، وتتميز بالقوة التي يفسرها عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله-.

وأكد الدكتور عبدالملك الشلهوب، أن الشخصية السعودية تتسم ببعض المقومات التي تميزها عن الآخرين، ومنها الدين الإسلامي، والثقافة المشتركة، والتماسك والتسامح، واللغة المشتركة، والتفاعل مع الحضارات.

وبيّن أن التغير الاجتماعي الذي حدث في المملكة العربية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، ما هو إلا انعكاس لرؤية 2030 على الشخصية السعودية، كما أن الإعلام وتحديدًا الإعلام الاجتماعي قد أدى دورًا في التعبير عن مضامين الرؤية في رسائله، الأمر الذي انعكس على نظرة السعوديين لمجتمعهم ولأنفسهم.

وجاءت كلمة الدكتور عبدالسلام السليمان عن الخلفية التاريخية لإنسان الجزيرة العربية القديم، ومدى تكيفه مع الصحراء بعد انقضاء فترة العصور المطيرة قبل قرابة خمسة آلاف سنة، حين بدأت الجزيرة العربية تتعرض للجفاف، لكن سكانها كانوا أذكياء جدًّا، حيث أقدموا على فعل أشياء جديدة ومبتكرة، مما أتاح لهم البقاء على قيد الحياة.

مقالات مشابهة

  • مختص بالتطوير التكنولوجي: التغيرات الجيوسياسية تتحكم في العملة المشفرة
  • الوطنية للانتخابات: حريصون على نشر الوعي الانتخابي وتعزيز ثقافة المشاركة السياسية
  • في ظل التغيرات المناخية.. خبير زراعي يوجة نصائح هامة للمزارعين حول التعامل مع الطقس المتغير
  • عاجل.. المغرب تمنع ذبح الأضاحي في العيد الكبير.. ما علاقة التغيرات المناخية؟
  • الزيادة المنتظرة | قرار مهم بشأن المرتبات والأجور والمعاشات .. إيه الحكاية؟
  • «الوطني» يواصل مناقشة مشروع قانون اتحادي بشأن المنصة الوطنية للزكاة
  • الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية تنظّم لقاء “الشخصية السعودية في ظل التغيرات الاجتماعية”
  • الطاس ترفض إلغاء نتيجة مباراة نهضة بركان و اتحاد العاصمة الجزائري بسبب “قميص الخريطة”
  • مصر تستعد لإطلاق قمرين صناعيين لرصد تأثير التغيرات المناخية نهاية العام
  • «الفضاء المصرية»: إطلاق قمر جديد لمتابعة التغيرات المناخية خلال العام الجاري