جريدة الوطن:
2024-10-05@18:05:33 GMT

نحن أيضا نستطيع

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

كانت مدينة صلالة السَّاحرة على موعد قبل أسبوعين مع حدث ربَّما سينظر له يومًا على أنَّه الحدث الذي صنع فارقًا في مَسيرة التعاون والتكامل الخليجي في مجال البحث العلمي والابتكار. ففي منتدى واقع ومستقبل البحث العلمي والابتكار بدوَل مجلس التعاون الخليجي والذي دعت إليه سلطنة عُمان ـ ممثلةً بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ـ اجتمع تحت قبَّة واحدة متَّخذو القرار الخليجي والعديد من الباحثين والأكاديميين وممثِّلون عن القِطاع الخاصِّ.

لَمْ يجتمعوا فقط لاستعراض تجارب الدوَل الأعضاء في المجالات العلميَّة إنَّما للتأمل في هذه التجارب والتمعُّن في القواسم المشتركة الكثيرة التي تجمعنا. كما أنَّ سقف الطموحات في كُلِّ الدوَل الأعضاء كان عاليًا وتجسَّد في التحسُّن المستمر في الكثير من المؤشِّرات الدوليَّة ذات العلاقة بالبحث العلمي والابتكار.
تمتلك دوَل مجلس التعاون الخليجي العديد من عناصر القوَّة التي يُمكِن أن تجعلَها مركزًا رائدًا للبحث العلمي والابتكار والتكنولوجيا. لقَدْ ركَّزت هذه الدوَل واستثمرت وبكثافة ـ وما زالت ـ ومنذ عقود على التعليم بجميع مستوياته. أدَّى ذلك إلى نهضة تعليميَّة واسعة أثمرت عن وجود قوَّة عاملة مثقَّفة ذات مهارات عالية في مختلف التخصُّصات العلميَّة والإنسانيَّة. كما أنَّ الموقع الاستراتيجي لدوَل مجلس التعاون الخليجي على مفترق طُرق ثلاث قارَّات يجعلها مركزًا طبيعيًّا لجذب الاستثمار الأجنبي في مجالات متعدِّدة مِنْها العلوم والتكنولوجيا. العنصر الأبرز هو وجود الإرادة السِّياسيَّة لحكومات دوَل مجلس التعاون. فالمادَّة الرابعة للنظام الأساسي للمجلس تنصُّ على أنَّ أحد أهدافه هو «دفع عجلة التقدُّم العلمي والتقني في مجالات الصناعـة والتعدين والزراعـة والثروات المائيَّــة والحيوانيَّة وإنشاء مراكز بحوث علميَّة، وإقامة مشــاريع مشــتركة، وتشـــجيع تعاون القِطاع الخاصِّ بما يَعُودُ بالخير على شعوبها».
تكمن أهمِّية التعاون العلمي والتكنولوجي في تعزيز القدرة على الوصول بشكلٍ أسرع إلى الاكتشاف والابتكار. هذه ميزة في غاية الأهمِّية في عالَم يتسابق فيه الجميع للحصول على حقوق الملكيَّات الفكريَّة التي تعطيه الامتيازات الحصريَّة في التطبيقات الصناعيَّة لابتكاره. كما أنَّ التكامل بَيْنَ دوَلنا سيجعل من مشاركة الموارد مثل مرافق البحث العلمي من جامعات ومراكز بحثيَّة وأجهزة وبيانات أمرًا متاحًا ممَّا سيمنح الباحثين والعلماء بنية تحتيَّة علميَّة واسعة وسيُقلِّل من الإنفاق المزدوج. وبلا شك، سيساعد التعاون العلمي أيضًا في تعزيز النُّمو الاقتصادي وخلق فرص جديدة للعمل، وإيجاد الكثير من الحلول للتحدِّيات الخاصَّة بمنطقتنا والتي لها الكثير من الخصوصيَّة الجغرافيَّة والثقافيَّة والسِّياسيَّة. ولذلك فإنَّ اعتمادنا على الإنتاجات العلميَّة والتكنولوجيَّة التي نستوردها قَدْ لا يكُونُ دائمًا هي الخيار الأنسب لنَا. علَيْنا أن ننتجَ معرفتنا بأنفُسِنا. وأن نصنعَ مستقبلنا بأيدينا من خلال العِلم والتكنولوجيا والصناعات التي تقوم عليها، وأن ننتجَ ثرواتنا وغذاءنا ودواءنا من خلال استكشاف إمكانات مواردنا الطبيعيَّة التي حبانا الله بها في البَر والبحر.
إنَّ الطريق للتعاون والتكامل الخليجي في البحث العلمي والابتكار واضح المعالم إلى حدٍّ كبير. تتمثل الخطوة الأولى في تحديد الأولويَّات البحثيَّة الأكثر إلحاحًا لمنطقة دوَل مجلس التعاون الخليجي في المجالات المختلفة. علَيْنا أن نسألَ أنفُسَنا: ما المجالات التي نحتاجها أوَّلًا والمجالات التي نستطيع أن نتفوقَ فيها؟ وبالنظر في التحدِّيات والفرص الفريدة في المنطقة فإنَّ قائمة الأولويَّات طويلة وتتمثل في مجالات عدَّة مِنْها الصحَّة والتغذية والطَّاقة والبيئة والتكنولوجيا الرقميَّة والأمن. لكن علَيْنا أيضًا ألَّا نحصرَ الدعم في مجالات محدَّدة لأنَّ العلوم مترابطة وما يتمُّ إنجازه في مجال علمي معيَّن يدعم ويُعزِّز البحث والابتكار في المجالات الأخرى.
بمجرَّد تحديد الأولويَّات، فإنَّ الخطوة التالية هي إنشاء منظومة تجمع الباحثين من جميع أنحاء منطقة دوَل مجلس التعاون في المجالات العلميَّة والتكنولوجية. يُمكِن استخدام هذه المنظومة لتسهيل التعاون ومشاركة الموارد وتعزيز تبادل الأفكار. ولخلق بيئة داعمة للباحثين والعلماء والمؤسَّسات العلميَّة والقِطاع الصناعي العامِّ والخاصِّ لتطوير وتسويق التقنيَّات الجديدة علَيْنا أن نتمعَّنَ في القوانين الحاليَّة، وأن نضْمنَ أن لا تكُونَ متضاربة بَيْنَ الدوَل الأعضاء.
كما أنَّ العنصر الجوهري في دعم البحث المشترك هو تطوير آليَّات تمويل مستدامة تكُونُ في متناول الباحثين والفِرق البحثيَّة المشتركة من جميع دوَل مجلس التعاون الخليجي. يُمكِن أن يشملَ ذلك إنشاء صندوق أبحاث خليجي، وتقديم إعفاءات ضريبيَّة للشركات البحثيَّة. تُشكِّل القوَّة الاقتصاديَّة لدوَل مجلس التعاون الخليجي عنصرًا محوريًّا في دعم البحث العلمي وما يُمثِّله من فرص ابتكاريَّة واقتصاديَّة كبيرة.
في العام 2021 ألقت رئيسة المفوضيَّة الأوروبيَّة فون در لاين خطابًا بمناسبة الاحتفال بوصول عدد منح التمويل للمشاريع العلميَّة والابتكاريَّة في أوروبا والتي قدَّمها مجلس البحوث الأوروبي إلى 10000 منحة. أُنشئ هذا المجلس قبل أربعة عشر عاما فقط. قالت في خطابها وعلامات السعادة والفخر واضحة علَيْها: «أدَّى الدعم المقدَّم من مجلس البحوث الأوروبي إلى اكتشافات رائدة. قائمة الإنجازات التي حقَّقها المستفيدون من المنح مذهلة: سبع جوائز نوبل. أوَّل صورة حقيقيَّة للثقب الأسود. مفهوم حدود الكواكب وهو أمْرٌ حاسم لفهمنا لتغيُّر المناخ… نحن بحاجة إلى مساعدة العِلم لمواجهة التحدِّيات الكبيرة في عصرنا، من تغيُّر المناخ إلى إتقان العصر الرَّقمي، إلى مكافحة الأوبئة. تؤمن أوروبا بالعِلم ونؤمن بباحثينا».
نحن أيضًا لَنَا الحقُّ ولدَيْنا جميع المُقوِّمات وعناصر القوَّة في أن نتطلعَ بأن يقفَ يومًا ما مسؤول خليجي لِيلقيَ خطابًا بمناسبة وصول عدد المنح الخليجيَّة إلى آلاف المنح، وبأنَّ قائمة الإنجازات للفِرق البحثيَّة الخليجيَّة المشتركة مذهلة: العديد من جوائز نوبل في الطب والكيمياء والفيزياء. اكتشاف أشكال حياة جديدة على الكواكب الأخرى. تطوير علاجات فاعلة للأمراض المستعصية. تطوير تقنيَّات جديدة من خلال التكنولوجيا الحيويَّة تكفل الأمن الغذائي لدوَلنا، إيجاد مصادر مبتكرة لإنتاج الطَّاقة المستدامة وغيرها من الإنجازات ممَّا تطول به القائمة. في الخليج، ماضينا مشترك ومستقبلنا مشترك والتحدِّيات التي نواجهها مشتركة، ولدَيْنا كُلُّ مُقوِّمات النجاح لكَيْ نطمحَ ونحقِّقَ طموحاتنا من خلال دعم البحث العلمي والابتكاري والتكنولوجي المشترك ودعم المبتكرين في جميع المجالات. وهو الطريق الوحيد لمستقبل مشرِق نتطلع إليه ونفخر به جميعًا.
د. محمد بن ناصر اليحيائي
كاتب عماني

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: البحث العلمی والابتکار فی المجالات فی مجالات من خلال کما أن ة التی الدو ل

إقرأ أيضاً:

مبادرات داعمة للبحث والابتكار ضمن مخرجات عيادة تمكين

العُمانية: اختتمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار اليوم العيادة الختامية لقطاع البحث العلمي والابتكار "تمكين"، وذلك في معهد النفط والغاز بمجمع الابتكار بمحافظة مسقط.

تهدف عيادة البحث العلمي والابتكار "تمكين" إلى تمكين المنظومة الوطنية للبحث العلمي والابتكار والارتقاء والنهوض بالقدرات البحثية والابتكار وتعزيز أداء سلطنة عُمان في مؤشر الابتكار العالمي.

حضرت الجلسة الختامية معالي الدكتورة رحمة بنت إبراهيم المحروقية وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ومعالي خميس بن سيف الجابري رئيس وحدة عُمان 2040، وأصحاب السعادة وكلاء الوزارة ومديرو العموم ورؤساء المرتكزات والممكنات لعيادة البحث العلمي والابتكار وذلك لاطلاعهم على مخرجات العمل وخارطة الطريق في تنفيذ المخرجات والتوصيات، والاطلاع على العيادة الختامية لقطاع البحث العلمي والابتكار.

وقال سعادة الدكتور سيف بن عبدالله الهدابي، وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار للبحث العلمي والابتكار: جاءت عيادة البحث العلمي والابتكار كأحد متطلبات تحسين مؤشر الابتكار العالمي، بهدف تعزيز مكانة سلطنة عُمان في هذا المؤشر.

وأوضح أن العيادة تُعد جزءًا من سلسلة من العيادات والمختبرات التي تناولت مختلف قطاعات الابتكار، بما في ذلك اللوجستيات، وسوق المال، والملكية الفكرية، والمخرجات الإبداعية، بالإضافة إلى المؤشرات المتعلقة بالبحث العلمي والابتكار، حيث تم التركيز على 17 مؤشرًا من أصل 80 مؤشرًا يقيسها مؤشر الابتكار العالمي.

وأضاف سعادته أنه تم دراسة الفجوات في المؤشرات المستهدفة لرؤية "عُمان 2040"، ومقارنة تلك الفجوات بالواقع الذي تقيسه المؤشرات الحالية، وذلك للخروج بمبادرات تتوافق مع مستهدفات الرؤية.

وأشار إلى أن العيادة استمرت أسبوعين، حيث ركز الأسبوع الأول على المبادرات المتعلقة بالبنية الأساسية، وشملت المرتكز البحثي والابتكاري، بالإضافة إلى مبادرات مثل "عملاء عُمان" والموارد البشرية المعنية بالبحث العلمي والابتكار.

أما في الأسبوع الثاني، فقد تم الانتقال إلى المحاور التشريعية والتمويلية اللازمة لدعم هذه المبادرات، حيث تم مناقشة محاور مثل قانون البحث العلمي والابتكار، ومحور التمويل بمختلف قطاعاته، والمناطق العلمية، وكيفية تشجيع استثمارات الشركات في هذا المجال.

وقالت الدكتورة جميلة بنت علي الهنائية، المديرة التنفيذية لعيادة البحث العلمي والابتكار: تتمثل أهمية هذه العيادة في توقيت تنفيذها، حيث تتزامن مع الاستعداد لوضع الخطة التنموية الخمسية الحادية عشرة. وتسعى العيادة إلى تحديد التحديات الأساسية التي تواجه المنظومة الوطنية للبحث العلمي والابتكار، والعمل على وضع حلول مستدامة عبر مبادرات تنفيذية بنهج تشاركي، قائم على مدخلات جميع شركاء المنظومة، مع الاستفادة من أفضل الممارسات الإقليمية والدولية، والتجارب المتميزة، والمواءمة مع الجهود الوطنية القائمة.

وأكدت أن عيادة البحث العلمي والابتكار تعد مشروعًا وطنيًا تشاركيًا، يهدف إلى رفع مستوى سلطنة عُمان في مؤشر الابتكار العالمي وتعزيز المنظومة الوطنية وربطها بالاقتصاد. مضيفة إلى أن العيادة تناولت عدة مرتكزات وممكنات تسعى إلى تجاوز الفجوات والتحديات، ورسم خارطة طريق على المدى المتوسط والبعيد.

وأشارت الدكتورة الهنائية إلى أن الجلسة الختامية للعيادة تهدف إلى إطلاع متخذي القرار على خطة تنفيذ العيادة، والمخرجات الأساسية، والتوصيات المتعلقة بتطوير البنى الأساسية والرقمية، وتعزيز القدرات البحثية والابتكارية، إلى جانب دور التشريعات والقوانين التي تعد دعامة أساسية للبحث العلمي والابتكار.

وقال سرحان بن شطيط الغنامي، المشرف العام على أولوية التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية ضمن رؤية "عُمان 2040": إن التعاون والتنسيق بين هذه الجهات يسهم في بناء القدرات الوطنية وتطوير الكفاءات المحلية، مما يضمن جاهزية السلطنة للتعامل مع التحديات المستقبلية وتحقيق اقتصاد قائم على المعرفة.

وأشار إلى أن الشراكة الوطنية تمثل نهجًا إستراتيجيًا يسعى لتحقيق الاستدامة والابتكار من خلال تضمين آراء جميع الشركاء والاستفادة من التجارب العالمية الرائدة، وهو ما يدعم مسيرة التطوير والتحديث المستمرة في مختلف مجالات التعليم والبحث العلمي.

خرجت الجلسة الختامية للعيادة بمجموعة من المبادرات الممكنة للمنظومة الوطنية للبحث العلمي والابتكار وذلك على المحاور الأساسية التي تمثلت في البنى الأساسية والابتكارية، والقدرات البشرية في البحث العلمي والابتكار، والأطر التشريعية والقانونية والتنظيمية ومرتكز تمويل البحث العلمي والابتكار، وذلك تأكيدا على أهمية تمكين المنظومة الوطنية وربطها بالاقتصاد الوطني وتقرير أداء سلطنة عُمان على مؤشر الابتكار العالمي.

مقالات مشابهة

  • وزير المالية يترأس وفد المملكة في الاجتماع الـ 122 للجنة التعاون المالي والاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي
  • مبادرات داعمة للبحث والابتكار ضمن مخرجات عيادة تمكين
  • مجلس التعاون الخليجي يدعو لوقف إطلاق النار بغزة ولبنان
  • في ختام اجتماعاته.. المجلس الوزاري الخليجي يحذر من التصعيد المتزايد في المنطقة
  • بيان لوزراء خارجية التعاون الخليجي بشأن الاعتداءات على لبنان
  • مجلس التعاون الخليجي: يجب وقف إطلاق النار في غزة وتطبيق اتفاق الطائف في لبنان
  • في اجتماع استثنائي..التعاون الخليجي يؤكد دعمه للبنان وغزة
  • مجلس التعاون الخليجي يدعم لبنان ويدعو لوقف فوري لإطلاق النار في غزة
  • أمين عام مجلس التعاون الخليجي: ندين العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية
  • مجلس التعاون الخليجي: نقف مع لبنان في هذه المرحلة