كانت مدينة صلالة السَّاحرة على موعد قبل أسبوعين مع حدث ربَّما سينظر له يومًا على أنَّه الحدث الذي صنع فارقًا في مَسيرة التعاون والتكامل الخليجي في مجال البحث العلمي والابتكار. ففي منتدى واقع ومستقبل البحث العلمي والابتكار بدوَل مجلس التعاون الخليجي والذي دعت إليه سلطنة عُمان ـ ممثلةً بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ـ اجتمع تحت قبَّة واحدة متَّخذو القرار الخليجي والعديد من الباحثين والأكاديميين وممثِّلون عن القِطاع الخاصِّ.
تمتلك دوَل مجلس التعاون الخليجي العديد من عناصر القوَّة التي يُمكِن أن تجعلَها مركزًا رائدًا للبحث العلمي والابتكار والتكنولوجيا. لقَدْ ركَّزت هذه الدوَل واستثمرت وبكثافة ـ وما زالت ـ ومنذ عقود على التعليم بجميع مستوياته. أدَّى ذلك إلى نهضة تعليميَّة واسعة أثمرت عن وجود قوَّة عاملة مثقَّفة ذات مهارات عالية في مختلف التخصُّصات العلميَّة والإنسانيَّة. كما أنَّ الموقع الاستراتيجي لدوَل مجلس التعاون الخليجي على مفترق طُرق ثلاث قارَّات يجعلها مركزًا طبيعيًّا لجذب الاستثمار الأجنبي في مجالات متعدِّدة مِنْها العلوم والتكنولوجيا. العنصر الأبرز هو وجود الإرادة السِّياسيَّة لحكومات دوَل مجلس التعاون. فالمادَّة الرابعة للنظام الأساسي للمجلس تنصُّ على أنَّ أحد أهدافه هو «دفع عجلة التقدُّم العلمي والتقني في مجالات الصناعـة والتعدين والزراعـة والثروات المائيَّــة والحيوانيَّة وإنشاء مراكز بحوث علميَّة، وإقامة مشــاريع مشــتركة، وتشـــجيع تعاون القِطاع الخاصِّ بما يَعُودُ بالخير على شعوبها».
تكمن أهمِّية التعاون العلمي والتكنولوجي في تعزيز القدرة على الوصول بشكلٍ أسرع إلى الاكتشاف والابتكار. هذه ميزة في غاية الأهمِّية في عالَم يتسابق فيه الجميع للحصول على حقوق الملكيَّات الفكريَّة التي تعطيه الامتيازات الحصريَّة في التطبيقات الصناعيَّة لابتكاره. كما أنَّ التكامل بَيْنَ دوَلنا سيجعل من مشاركة الموارد مثل مرافق البحث العلمي من جامعات ومراكز بحثيَّة وأجهزة وبيانات أمرًا متاحًا ممَّا سيمنح الباحثين والعلماء بنية تحتيَّة علميَّة واسعة وسيُقلِّل من الإنفاق المزدوج. وبلا شك، سيساعد التعاون العلمي أيضًا في تعزيز النُّمو الاقتصادي وخلق فرص جديدة للعمل، وإيجاد الكثير من الحلول للتحدِّيات الخاصَّة بمنطقتنا والتي لها الكثير من الخصوصيَّة الجغرافيَّة والثقافيَّة والسِّياسيَّة. ولذلك فإنَّ اعتمادنا على الإنتاجات العلميَّة والتكنولوجيَّة التي نستوردها قَدْ لا يكُونُ دائمًا هي الخيار الأنسب لنَا. علَيْنا أن ننتجَ معرفتنا بأنفُسِنا. وأن نصنعَ مستقبلنا بأيدينا من خلال العِلم والتكنولوجيا والصناعات التي تقوم عليها، وأن ننتجَ ثرواتنا وغذاءنا ودواءنا من خلال استكشاف إمكانات مواردنا الطبيعيَّة التي حبانا الله بها في البَر والبحر.
إنَّ الطريق للتعاون والتكامل الخليجي في البحث العلمي والابتكار واضح المعالم إلى حدٍّ كبير. تتمثل الخطوة الأولى في تحديد الأولويَّات البحثيَّة الأكثر إلحاحًا لمنطقة دوَل مجلس التعاون الخليجي في المجالات المختلفة. علَيْنا أن نسألَ أنفُسَنا: ما المجالات التي نحتاجها أوَّلًا والمجالات التي نستطيع أن نتفوقَ فيها؟ وبالنظر في التحدِّيات والفرص الفريدة في المنطقة فإنَّ قائمة الأولويَّات طويلة وتتمثل في مجالات عدَّة مِنْها الصحَّة والتغذية والطَّاقة والبيئة والتكنولوجيا الرقميَّة والأمن. لكن علَيْنا أيضًا ألَّا نحصرَ الدعم في مجالات محدَّدة لأنَّ العلوم مترابطة وما يتمُّ إنجازه في مجال علمي معيَّن يدعم ويُعزِّز البحث والابتكار في المجالات الأخرى.
بمجرَّد تحديد الأولويَّات، فإنَّ الخطوة التالية هي إنشاء منظومة تجمع الباحثين من جميع أنحاء منطقة دوَل مجلس التعاون في المجالات العلميَّة والتكنولوجية. يُمكِن استخدام هذه المنظومة لتسهيل التعاون ومشاركة الموارد وتعزيز تبادل الأفكار. ولخلق بيئة داعمة للباحثين والعلماء والمؤسَّسات العلميَّة والقِطاع الصناعي العامِّ والخاصِّ لتطوير وتسويق التقنيَّات الجديدة علَيْنا أن نتمعَّنَ في القوانين الحاليَّة، وأن نضْمنَ أن لا تكُونَ متضاربة بَيْنَ الدوَل الأعضاء.
كما أنَّ العنصر الجوهري في دعم البحث المشترك هو تطوير آليَّات تمويل مستدامة تكُونُ في متناول الباحثين والفِرق البحثيَّة المشتركة من جميع دوَل مجلس التعاون الخليجي. يُمكِن أن يشملَ ذلك إنشاء صندوق أبحاث خليجي، وتقديم إعفاءات ضريبيَّة للشركات البحثيَّة. تُشكِّل القوَّة الاقتصاديَّة لدوَل مجلس التعاون الخليجي عنصرًا محوريًّا في دعم البحث العلمي وما يُمثِّله من فرص ابتكاريَّة واقتصاديَّة كبيرة.
في العام 2021 ألقت رئيسة المفوضيَّة الأوروبيَّة فون در لاين خطابًا بمناسبة الاحتفال بوصول عدد منح التمويل للمشاريع العلميَّة والابتكاريَّة في أوروبا والتي قدَّمها مجلس البحوث الأوروبي إلى 10000 منحة. أُنشئ هذا المجلس قبل أربعة عشر عاما فقط. قالت في خطابها وعلامات السعادة والفخر واضحة علَيْها: «أدَّى الدعم المقدَّم من مجلس البحوث الأوروبي إلى اكتشافات رائدة. قائمة الإنجازات التي حقَّقها المستفيدون من المنح مذهلة: سبع جوائز نوبل. أوَّل صورة حقيقيَّة للثقب الأسود. مفهوم حدود الكواكب وهو أمْرٌ حاسم لفهمنا لتغيُّر المناخ… نحن بحاجة إلى مساعدة العِلم لمواجهة التحدِّيات الكبيرة في عصرنا، من تغيُّر المناخ إلى إتقان العصر الرَّقمي، إلى مكافحة الأوبئة. تؤمن أوروبا بالعِلم ونؤمن بباحثينا».
نحن أيضًا لَنَا الحقُّ ولدَيْنا جميع المُقوِّمات وعناصر القوَّة في أن نتطلعَ بأن يقفَ يومًا ما مسؤول خليجي لِيلقيَ خطابًا بمناسبة وصول عدد المنح الخليجيَّة إلى آلاف المنح، وبأنَّ قائمة الإنجازات للفِرق البحثيَّة الخليجيَّة المشتركة مذهلة: العديد من جوائز نوبل في الطب والكيمياء والفيزياء. اكتشاف أشكال حياة جديدة على الكواكب الأخرى. تطوير علاجات فاعلة للأمراض المستعصية. تطوير تقنيَّات جديدة من خلال التكنولوجيا الحيويَّة تكفل الأمن الغذائي لدوَلنا، إيجاد مصادر مبتكرة لإنتاج الطَّاقة المستدامة وغيرها من الإنجازات ممَّا تطول به القائمة. في الخليج، ماضينا مشترك ومستقبلنا مشترك والتحدِّيات التي نواجهها مشتركة، ولدَيْنا كُلُّ مُقوِّمات النجاح لكَيْ نطمحَ ونحقِّقَ طموحاتنا من خلال دعم البحث العلمي والابتكاري والتكنولوجي المشترك ودعم المبتكرين في جميع المجالات. وهو الطريق الوحيد لمستقبل مشرِق نتطلع إليه ونفخر به جميعًا.
د. محمد بن ناصر اليحيائي
كاتب عماني
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: البحث العلمی والابتکار فی المجالات فی مجالات من خلال کما أن ة التی الدو ل
إقرأ أيضاً:
رئيس جامعة المنوفية يعقد اجتماع مجلس الدراسات العليا الشهري "أون لاين"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ترأس الدكتور أحمـد فـرج القاصـد رئيس جامعة المنوفية إجتماع مجلس الدراسات العليا بمشاركة عمداءووكلاء الكليات للدراسات العليا و أعضاء اللجنة "أون لاين" وحضور دعاء فهمي مدير عام العلاقات الثقافية ومحمد زيدان مديرعام الإدارةالعامة للدراسات العليا .
وتابع الدكتور أحمد القاصد أثناء اللجنة سير خطة الجامعة والكليات في مجال البحث العلمي والدراسات العليا بكليات ومعاهد الجامعة أثناء الفصل الدراسي الثاني، مؤكدا علي ضرورة تذليل العقبات التي تواجه الباحثين وطلاب الدراسات العليا وحل مشاكل المتعثرين ،ومتابعة ملفات الطلاب، مؤكدًا ضرورة الإنتهاء من دورات قيد فبراير ٢٠٢٥.
وأشار الدكتور أحمد القاصد إلي أن الجلسة تناولت الموضوعات الخاصة بأعمال الإدارة العامة للدراسات العليا والعلاقات الثقافية ،و قامت اللجنة بالمصادقة علي محضر إجتماع الجلسة السابقة والإحاطة بمتابعة ماتم تنفيذه من قرارات.
كما تم خلال الاجتماع الإحاطة بالتقارير السنوية ونصف السنوية الخاصة ببعض طلاب الدراسات العليا المسجلين لدرجتي الماجستير و الدكتوراة عن العام الجامعي السابق والحالي إلي جانب الإحاطة بالتقارير العلمية المقدمة من أعضاء البعثات العلمية والتقارير العلمية المقدمة من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة عن حضورهم مؤتمرات داخل الجامعة وخارجية بالجامعات المصرية والعربية والأجنبية.
وأضاف رئيس الجامعة إلى انه تم تسجيل "٢٠٢" بحث علمي جديد لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة ونشره بالمجلات العالمية، خلال شهر فبراير الماضي، إلى جانب تسجيل"١٥٣" رسالة علمية لنيل درجتي الماجستير والدكتوراة بكليات ومعاهد الجامعة منهم "١٠٠" طالب وطالبة لدرجة الماجستير و "٥٣" طالب وطالبة لدرجة الدكتوراة، مؤكدا علي أهمية البحث العلمي والنشر الدولي وضرورة زيارة الأبحاث المنشورة وتشجيع البحث العلمي المشترك القابل للتطبيق لخدمة المجتمع وتحقيق أهداف الدولة والتنمية المستدامة.