مستقبل حماس بعد الحرب.. هذا ما لا يمكن تجاهله
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
عشية الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، قال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، إن المسؤولين الأميركيين قدروا أن حماس جلبت عددًا من المقاتلين الجدد يعادل تقريبًا عدد مَن فقدتهم في الحرب.
تصريح جاء عابرًا، خلال مساحة من الكلام، تجاوزت نصف ساعة أو يزيد قليلًا. بيدَ أنها كانت ذات حمولة لا تخطئها عينُ المراقب المدقق، في دلالتها ومغزاها: فهل كانت رسالة "ضمنية" أو "ناعمة" إلى تل أبيب بأنه يتعين عليها قبول حماس "كواقع" لا يمكن تجاهله في مرحلة ما بعد غزة؟!
ويبدو أنَّ ثمة قناعة، بأن العودة إلى القتال ـ إذا كانت خيارًا إسرائيليًا الآن أو لاحقًا بعد اتفاق وقف إطلاق النار ـ لن تغير من الواقع شيئًا: حماس "الوتد" الفلسطيني، الذي لا يمكن بحال خلعه من القطاع حربًا أو سلمًا.
حتى مراكز البحث الإسرائيلية، التي تقدم خدماتها الأمنية للموساد، تقدم شرحًا مفصلًا، على هامش متن تصريحات بلينكن. يقول مايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان للأبحاث الشرق أوسطية والأفريقية: "لقد كسبت حماس الكثير من النقاط من خلال هذه الصفقة. فقد حصلت على الأمرين اللذين كانت تطالب بهما منذ البداية مكتوبين في الاتفاق: إنهاء القتال، والانسحاب الإسرائيلي".
إعلانويضيف: "إذا استأنفت إسرائيل الصراع، فإنها بذلك تدخل "حرب استنزاف لا يوجد فيها أي ضوء في نهاية النفق"، على حد تعبيره وقال ميلشتاين: "حماس مستعدة لسحب إسرائيل مرة أخرى إلى وحل غزة".
وقد يُعتقد ـ بحسب تسريبات غير رسمية ـ أن "زعماءً" من حماس، أبدوا استعدادهم للتخلي عن الحكم المدني في غزة، بيد أنه ـ كما يعتقد كثيرون ـ لم يتطرق الحديث، والحال كذلك، إلى مستقبل جناحها العسكري، وما إذا كان سيتحول مع الوقت، إلى صورة مماثلة لحزب الله في لبنان.
منذ بداية الحرب، أظهرت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة انقساماتٍ بشأن إدارة غزة بعد الحرب، حتى إن الوزراء المتطرفين، بمن في ذلك وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اقترحوا عودة "الوجود المدني اليهودي" في غزة.
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، اقترح وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي أُقيل لاحقًا؛ بسبب خلافات سياسية مع نتنياهو، خطة تسمح للجيش الإسرائيلي بالاحتفاظ بما يسميه "الحقوق العملياتية" في غزة، على غرار الطريقة التي يتبعها في الضفة الغربية المحتلة.
وقال غالانت في بيان" "حماس لن تحكم غزة، وإسرائيل لن تحكم المدنيين في غزة. سكان غزة فلسطينيون، وبالتالي فإن الهيئات الفلسطينية ستشرف على الحكم"، وهو تصريحٌ فضفاض ومطاطي، لا يمكن ضبطه أو البناء عليه.
وأضاف: "الكيان المسيطر على غزة سيعتمد على الآليات الإدارية القائمة (اللجان المدنية)"، وهذه الخطة تستبعد السلطة الفلسطينية بحكم الأمر الواقع، على الرغم من أن الولايات المتحدة دعت مرارًا وتكرارًا إلى أن تلعب السلطة دورًا في مستقبل غزة.
وتظل الخيارات المتاحة لحكم غزة، بما في ذلك الحكم العسكري أو الإشراف الأجنبي على توزيع المساعدات الإنسانية، مثيرة للانقسام الشديد داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي. فقد تجنب نتنياهو، الذي كان يعارض ـ قبل اتفاق الدوحة الأخير ـ بشدة الانسحاب الكامل للقوات من غزة، اتخاذ قرار، الأمر الذي جعل نواياه ـ آنذاك ـ غير واضحة.
إعلانوفي السياق ـ أيضًا ـ ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو سخر من فكرة استبدال حماس بتحالف عربي مؤقت، يتشكل من عدة دول، ونقلت عنه قوله؛ إن مثل هذا الشيء لن يحدث "قبل تحقيق النصر الكامل والقضاء على حماس"، وهو الشرط الذي لم يتحقق، وظلت حماس موجودةً، واضطر صاغرًا إلى أن يجلس معها ـ بشكل غير مباشر ـ على طاولة المفاوضات في العاصمة القطرية، والنزول عند مطالبها وشروطها.
وعشية الإعلان الرسمي، عن اتفاق الدوحة، تعهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب "بالعمل بشكل وثيق مع إسرائيل وحلفائنا للتأكد من أن غزة لن تصبح مرة أخرى ملاذًا آمنًا لحماس".
ولم تكشف إدارته المستقبلية عن نواياها فيما يتعلق بالحكم في غزة، أو عن الهوية السياسية لحكام القطاع الجدد، بافتراض قبول حماس إخلاء الساحة لهم، والرضا بالجلوس في مدرجات المشاهدين وحسب.
ويبدو أن الخطط المتاحة والمُعلن عنها ـ حتى اللحظة ـ لا تغادر البديل غير الموثوق به "السلطة الفلسطينية" وتتضمن في نهاية المطاف استبدال حماس بها، وذلك بحسب بلينكن، "توحيد غزة والضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية؛ وعدم وجود احتلال عسكري إسرائيلي لغزة أو تقليص أراضيها".
فيما يظل هذا البديل "السهل" أو المتاح، لا يحظى بثقة حاضنته العربية من جهة، ولا بثقة العواصم الغربية الراعية له من جهة أخرى.
فعلى الرغم من النصائح المتكررة من عدة دول عربية وغربية، وعلى رأسها واشنطن، لمحمود عباس بإدخال إصلاحات جوهرية وجريئة على السلطة الفلسطينية التي أنهكها الفساد المتفشي و"تصفير" الشعبية، فإن عباس الذي انتهت ولايته الرئاسية في عام 2009، ولا يزال متمسكًا بالسلطة في سن التاسعة والثمانين، لم يبدِ أية حماسة لإدخال هذه الإصلاحات الضرورية والملحّة ومكافحة الفساد حتى الآن.
ليظل السؤال عمن سيتولى إدارة غزة بعد الحرب.. وكيف؟!.. سؤالًا مرتبكًا ومضطربًا، وكأنه يحمل ـ ضمنيًا ـ معنى الفوضى المتوقعة حال غياب حماس صاحبة الخبرة المدنية، والجماهيرية داخل القطاع وخارجه، رغم فواتير الدم والدمار التي لحقت بغزة وبنيتها الأساسية، مع غياب البديل الموثوق به "السلطة الفاسدة" من جهة أو "شرطة عربية" متعددة الجنسيات، يرفضها نتنياهو من جهة أخرى.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات السلطة الفلسطینیة لا یمکن من جهة فی غزة
إقرأ أيضاً:
حرب لا يمكن الفوز بها.. وواشنطن تضع نهاية "اللعبة" في أوكرانيا!
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حذّر الكثيرون منذ وقت مبكر من أن الحرب الأوكرانية لا يمكن لأي طرف الفوز فيها وأن الجميع خاسر، بل ذهب صمويل شارب إلى أكثر من ذلك؛ وهو عضو فريق تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية خلال إدارة أوباما ومؤلف مشارك لكتاب "الجميع يخسر: الأزمة الأوكرانية والمسابقة المدمرة لأوراسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي". وقد تنبأ "شارب" قبل ثلاث سنوات بنهاية قد تكون صادمة للحرب في أوكرانيا بسبب غموض الهدف والخطة. يقول: "كان الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 لحظة فارقة للولايات المتحدة وحلفائها، وكانت أمامهم مهمة عاجلة وهي مساعدة أوكرانيا في الرد على روسيا، لكن دون أن يكون هناك وضوح لكيفية وموعد وقف الحرب".
ولعل من يتأمّل موقف واشنطن داخل مربع الحرب الأوكرانية يضع يده على الفور على سمة من سمات التحرك الأمريكي الخارجي وهي الغموض، وهذا لا يقع تحت بند ارتكاب أخطاء سياسية بل هو غموض مقصود ومتكرر، ومن يفحص الحروب التي أعلنتها وشاركت فيها الولايات المتحدة خلال القرن الأخير يتأكد أن الغموض حول نهاية المهمة كان سمة دائمة لتلك التدخلات. الحرب الأفغانية وحرب العراق نموذجان مليئان بالدروس المشابهة، ومن قبلهما حرب فيتنام التي تحولت إلى كابوس للأمريكيين وفشل ذريع للتدخل الأمريكي الخارجي.
وقد اتفق مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في يونيو 2022، مع ما قاله شارب، عندما أشار إلى أن الولايات المتحدة "امتنعت في الواقع عن وضع ما تعتبره نهاية اللعبة؛ لقد ركزنا على ما يمكننا القيام به اليوم، وغدًا، والأسبوع المقبل، لتقوية يد الأوكرانيين في ساحة المعركة إلى أقصى حد ممكن.. وكان مسار الحرب بعيدًا عن الوضوح في تلك المرحلة. ومع امتداد المعارك وزيادة الخسائر أصبح من الصعب على الولايات المتحدة التحدث عن وجهة نظرها بشأن هدف الحرب التي لا تخوضها قواتها".
صحيح أن التوقعات بانتهاء "اللعبة"-كما وصفها سوليفان-تفترض أن يقرر الأوكرانيون متى يتوقفون، لأنهم هم من يموتون من أجل بلدهم، بغض النظر عما قد تريده واشنطن. لكن كييف ظلت تبحث عن النصر المزعوم رغم تعاظم الخسائر. وجاء قرار وضع حدّ للسيناريو الأسوأ مع وصول ترامب للبيت الأبيض، لأن الولايات المتحدة ضجرت من دفع المزيد من التمويلات بالمليارات دون جدوى، خاصة بعد أن أوضحت سنوات القتال أن أيًا من الطرفين لا يملك القدرة-حتى بمساعدات خارجية-لتحقيق نصر عسكري حاسم على الطرف الآخر.
ومن الواضح أن العوامل المؤدية إلى صراع مدمر كانت مؤهلة للاستمرار لسنوات مقبلة دون نتيجة نهائية. وظل العالم ينظر ويتأسى ويتأسف لأنه مجرد رقم صغير في هذه الحرب. والجميع يعلم في الحرب والسلم أن الأرقام الصغيرة لا تحدد نهاية اللعبة، وبالتالي قررت الولايات المتحدة البدء في توجيه الحرب نحو نهاية تفاوضية في القريب العاجل، ولا يهمها الآن الاستراتيجية المستقبلية لحلفائها الأوروبيين أو حتى موقف كييف. ولن يكون أمام الجميع خيار الانتظار بعد تضاعف تكاليف الحرب البشرية والمالية والعسكرية. كما أنه لا مجال الآن لأي دور لمن كانوا يروجون للعكس بعد أن أهلكت تداعيات الحرب التماسك الغربي وتضررت بشكل عميق الاقتصادات الأوروبية، خاصة مع تبخّر الأمل لدى العواصم الغربية من تحقيق كييف لمكاسب في ساحة المعركة، من شأنها أن تجبر بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
كما اتضح لواشنطن أيضا أن رغبة أوكرانيا هي الاستمرار في القتال حتى لو كانت ستقودها للخسارة. وقد كشف التاريخ أن الدول قد تختار الاستمرار في القتال على الرغم من الاعتراف بحتمية الهزيمة، وألمانيا كانت خير مثال لذلك إبان الحرب العالمية الأولى. باختصار، لن تؤدي المكاسب أو الخسائر في ساحة المعركة بالضرورة إلى إنهاء الحرب.
الجميع يتذكرون ما قاله الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، عن الرئيس بوتين، وبثقة منقطعة النظير: "هذا الشخص لا يمكن أن يظل في السلطة". كان ذلك بعد شهر من اندلاع الحرب في فبراير 2022؛ وها هو بايدن اليوم يجلس في نادي المتقاعدين، بينما بوتين مازال في مركزه يدير دفة الحكم بل وارتفعت شعبيته لأن الناس يلتفون حول الزعيم والعلم في أوقات الحرب. وهذا في حد ذاته مؤشر على أن الولايات المتحدة كثيرا ما تندفع في الحروب دون قدرة على حسمها. وجاء ترامب وسعى إلى التراجع وكانت عملية إخراج القرار على طريقته الدرامية، وشاهد العالم المؤتمر الصحفي الذي حاول خلاله مع نائبه إهانة حليفهما زيلينسكي بشكل متعمد حتى يستسلم لقرار وقف الحرب. بينما فشل الافتراض السابق لدول حلف الناتو وأوكرانيا بأن العلاقات بين روسيا والغرب لا يمكن أن تتحسن طالما ظل بوتين في منصبه. لكنها تتجه إلى التحسن رغما عنهم ولأن ترامب يريد ذلك!
وسيثبت أن هناك معادلة أخرى في العالم –وهي أدوات السلم وليس الحرب-وشرط الرحيل ربما كان أحد السيناريوهات التي تجول في ذهن الحكام الغربيين –ويحلمون بها لتخليصهم من الكابوس-عندما كان بايدن في الحكم لكن سجلُّ التحولات السياسية التي أعقبت خروج بايدن وفريقه لم يوفر مساحة للتفاؤل الأوروبي لأن الطريق إلى روسيا "أفضل"، من وجهة نظر المصالح الغربية، اختفى تماما!