السوريون يعودون إلى فلسطين.. فلسطين تعود للسوريين
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
مع الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة الاربعاء الماضي خرجت العديد من مظاهرات الاحتفال في العديد من المدن السورية، وباتت لا تنسى مشاهد خروج أهالي دمشق وحماة ومناطق كثيرة في سوريا من تلقاء أنفسهم للاحتفال بشكل عفوي عقب إعلان وقف إطلاق النار. والمعروف أن الاحتفالات في كثير من البلاد العربية والإسلامية بصورة عفوية، لكن الفوارق في سوريا مهمة ونوعية، أبرزها:
أولها، أن هذا الشعب مكلوم رغم فرح انتصار الثورة والتحرير، ولم يتعاف بعد من معاناته وآلامه، بل أمضى الأسد الهارب ووالده نصف قرن ونيف في المتاجرة والكذب وتجويع السوريين وإفقارهم وإذلاهم باسم فلسطين، لكن على الرغم من ذلك خرجوا محتفلين بغزة ولغزة.
وثانيها، أن أمرا كهذا لم يحدث كثيرا في سوريا في سابق المواعيد خلال عهد الممانع الهارب وخاصة خلال الحروب السابقة؛ بأن يكون بهذه العفوية والحرية، ولم يحدث حتى في حروب وأحداث فلسطينية سابقة قبل الثورة أو خلالها باستثناء حالات محددة خلال تشييع القادة الفلسطينيين الشهداء كخليل الوزير وفتحي الشقاقي؛ لأن الأمر حينها كان أكبر من كل نظام الأسد.. كان الأمر في معظم الأحيان مقتصرا حينها على أهالي المخيمات الفلسطينية فقط؛ الذين يتفاعلون مع قضيتهم الأم ويكسرون جدران المتاجرة والخوف لأجل أبناء جلدتهم في فلسطين.. أما نظام الأسد المتاجر فقد كان يحول بين الشعب السوري وفلسطين ويمنعه عن الشعور بحرية تبني القضية الفلسطينية، يكفي الرعب الآتي إليهم من فرع فلسطين ويكفي الخوف من محاولة إبراز عن أي شكل من أشكال التعبير عن النفس اجتماعيا أو سياسيا، فكيف إن كان الأمر يتعلق بفلسطين.. حين زال هذا الجدار عادت الأمور لنقطة البداية في علاقة السوريين الفطرية بفلسطين وشعبها، وتحررت القلوب والعقول وبات مجال الحرية مفتوحا وبمنأى عن حسابات سياسية أو مخاوف أمنية، وتغير فهمهم للأمر وطبيعة تعاطيهم وفهمهم لعلاقتهم بفلسطين وشعبها ولكيفية التعاطي مع الاحتلال، وهو ما ظهرت مؤشرات له بعد انتصار الثورة وباتت تظهر وتُرى بشكل أوضحممنوع عليك أيها السوري في حظيرة الأسد أن تعبر عن فلسطين عفويا وبصورة شعبية أو بأي صورة إلا من خلال هذا المتاجر ووفقا لما يراه ممكنا ومناسبا. والأمر لدى هذا النظام مضاعف جدا عن بقية أنظمة العرب خاصة في ما يتعلق بفلسطين، فهو يظهر بصورة المستبد الممانع لكنه في الواقع بممارسة الجاسوس الديكتاتور؛ على عكس كل الأنظمة العربية الواضحة غالبا في الأمر، وهنا صعوبة المسألة على السوريين..
حين زال هذا الجدار عادت الأمور لنقطة البداية في علاقة السوريين الفطرية بفلسطين وشعبها، وتحررت القلوب والعقول وبات مجال الحرية مفتوحا وبمنأى عن حسابات سياسية أو مخاوف أمنية، وتغير فهمهم للأمر وطبيعة تعاطيهم وفهمهم لعلاقتهم بفلسطين وشعبها ولكيفية التعاطي مع الاحتلال، وهو ما ظهرت مؤشرات له بعد انتصار الثورة وباتت تظهر وتُرى بشكل أوضح.. نصف قرن من التعتيم والمنع للسوريين عن فلسطين الحقيقية والصحيحة التي باتت تقوم على علاقة الشعب السوري المباشرة بالشعب الفلسطيني وقضيته دون أصنام تتوسط الطريق، وصار زمام المبادرة بيد الشعب نفسه..
الحقيقة الثالثة هي أهمية موقع سوريا لفلسطين وحقيقة أن هناك أراضي سورية محتلة إسرائيليا، ما أعاد في أذهان الشعب السوري فهم وترتيب علاقته بهذا الغول المترصد لسوريا واللص الطامع بأراضيها وغير الراغب بانعتاقها ورؤيتها بخير من جهة الجنوب، فكل ما قام به الاحتلال الإسرائيلي بعد سقوط الأسد من إبطال اتفاق فض الاشتباك للعام 1974 وتوغلات وعبث وتوتير للأجواء وقصف وغارات وتدمير واستباحة للقنيطرة وريفها وريف درعا؛ ما هي إلا انتهاكات وجرائم يصعب بعدها أن يسمح السوريون بأي شكل من أشكال الشعور بأن إسرائيل شيء آخر سوى المحتل والعدو الذي تغيظه فرحة السوريين وحريتهم ولا تناسبه أن تكون سوريا موحدة أو حرة، فلا سلام أو شعور بالأمان مع من يقوم بتدمير ما تبقى من قدرات سوريا ويعفش أراضيها ويهجر سكانها.
ما كلمات أم وليد الساروت، والدة أيقونة الثورة السورية عبد الباسط الساروت، بأن الفرحة السورية ناقصة بدون فلسطين في ظل الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة ودعواتها المتكررة لجموع السوريين في الساحات ألا ينسوا دعم ونصرة فلسطين وغزة؛ إلا دليل شعبي صادق وعميق على أن عامة السوريين يرون أنفسهم فلسطينيي الانتماء بطبيعتهم، وبأن الهتاف الذي زين ساحات الثورة والمخيمات "واحد واحد واحد فلسطيني سوري واحد" هو حقيقة تراها العين
وأما الحقيقة الرابعة فهي أن طبيعة علاقة الفلسطيني بسوريا تقوم على الاندماج والانتماء التام لها جغرافيا واجتماعيا وحضاريا، وهو ما أثبتته الوقائع وآخرها الثورة السورية، واختلاط الدماء بين السوريين والفلسطينيين، والدور الكبير والتضحيات التي قدمها فلسطينيو سوريا على مذبح الحرية. وسأكرر هنا ما قاله المفكر الفلسطيني السوري الكبير أحمد برقاوي: "نحن الفلسطينيين ناسا ومجتمعا سياسيا ومدنيا ما زلنا على قناعة كاملة بأننا نحن والسوريين شعب واحد"
وهذا ما يقود إلى الحقيقة الخامسة التي تكمل فكرة برقاوي، إذ إن السوريين وبعد التخلص من الطاغوت وتحرر قلوبهم وعقولهم من الخوف والاستبداد والمتاجرة بفلسطين والحيلولة دونها، وفعله الأسدان لإشغالهم عنها بجراحهم العميقة ودمائهم الغزيرة وقتلهم وترهيبهم أمنيا وسياسيا، من قبل الأسد وإيران، إضافة إلى مسيرة الاندماج الاجتماعي الطويلة مع الفلسطينيين في سوريا، وامتلاك السوريين كل الأدلة الدامغة على أن هؤلاء الفلسطينيين هم سوريون مثلهم بالممارسة وفي كل شيء، حتى في الثورة ضد الأسد وفي بذل الشهداء والدماء بعد التحرر.
وبإدراك كل ذلك باتوا يبنون في العقلية الجمعية والممارسة وليس الخطاب والشعارات فقط؛ فكرة مفادها أن فلسطين أرضا وقضية وشعبا هي جزء طبيعي من سوريا، وما كلمات أم وليد الساروت، والدة أيقونة الثورة السورية عبد الباسط الساروت، بأن الفرحة السورية ناقصة بدون فلسطين في ظل الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة ودعواتها المتكررة لجموع السوريين في الساحات ألا ينسوا دعم ونصرة فلسطين وغزة؛ إلا دليل شعبي صادق وعميق على أن عامة السوريين يرون أنفسهم فلسطينيي الانتماء بطبيعتهم، وبأن الهتاف الذي زين ساحات الثورة والمخيمات "واحد واحد واحد فلسطيني سوري واحد" هو حقيقة تراها العين.
ربما يصح القول إن السوريين عادوا إلى فلسطين بالطريقة الصحيحة للعودة، بل عادت فلسطين إليهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة سوريا الثورة الأسد فلسطين الاحتلال سوريا الأسد احتلال فلسطين غزة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
حماة.. أبو راتب ينشد في ساحة العاصي بعد 44 عاما من إبعاده
حماة- تهافت المئات من أهالي حماة وسط سوريا إلى ساحة العاصي الشهيرة في مركز المدينة ظهر أمس الجمعة، للاحتفال بأربعينية سقوط نظام الأسد، في مهرجان أطلق عليه اسم "مهرجان النصر والتحرير" الذي أقامته منظمات وهيئات مجتمعية مختلفة.
وتخللت الاحتفال مشاركة شعبية واسعة بدأت بالهتافات التي عاصرها الحمويون طوال سنوات الثورة السورية والأناشيد التي كانوا يتغنون بها في مظاهراتهم -خاصة مع بداياتها عام 2011- وعندما طالبوا بمحاسبة بشار الأسد وإعدامه.
أبو راتب يتوسط منشدي الثورة السورية في حماة (الجزيرة) أبو راتب "الرمز"وشارك في المهرجان المنشد محمد أبو راتب الذي يعد رمزا من رموز الثمانينيات في حماة، ولأناشيده تاريخ عاش في ذاكرة أهالي المدينة منذ الصغر، ولا سيما بعد مجزرة حماة التي نفذها نظام حافظ الأسد في عام 1982، إذ اشتهرت حينها أناشيده المطالبة بالدفاع عنها ومناهضة حكم الأسد.
وطوال فترة حكمه منع نظام الأسد تداول أناشيد أبو راتب أو سماعها، لكنه عاد بعد 44 عاما وأنشدها وسط ساحة العاصي، ورددها خلفه المئات من الأهالي لأول مرة.
وعبر أبو راتب للجزيرة نت عن فرحته من وسط المدينة، وقال إنها "لحظات تاريخية أعيشها اليوم في حماة بعد 44 عاما من خروجي من سوريا ونشيدي لصمودها وصمود حماة بالأخص، لأنها مدينة أراد لها الأسد أن تموت ولكنها وقفت شامخة تناضل ضده".
إعلانوأضاف "لا أستطيع وصف مشاعري وأنا أغني في حماة، فقد غنيت لكل مدن سوريا، ولكن حماة لها خصوصية رغم أنني حلبي، أحمد الله أن منحنا هذا الفتح والنصر بعد أن طال".
وحضر المهرجان الفنان موسى المصطفى ومنشدا الثورة أبو صهيب الحموي وأبو مالك الحموي "نادر القاضي" اللذان كانا يتغنيان بشعارات الثورة السورية وهتافاتها في ساحة العاصي وفي "باب قبلي" بحماة إبان المظاهرات الشعبية في 2011، مثل أناشيد "كبّر عليهم يا ابن بلادي"، و"مع صوت الزغاريد".
احتفالات في ساحة العاصي الشهيرة وسط مدينة حماة (الجزيرة) تناقلوها سرابدوره، يقول بلال أبو أسامة -وهو أربعيني من أهالي حماة- وكان يحضر الحفل مع أبنائه إنه كان يتمنى سماع أناشيد "أبو راتب" وحضور احتفالات النصر في ساحة العاصي بحماة، نسبة للخوف الذي زرعه نظام الأسد داخلهم من سماع أو تداول هذه الأناشيد منذ الثمانينيات في حماة حتى سقوطه، "حتى منع ذكر اسمه".
وأعادت أناشيد أبو راتب ذكريات تاريخية عاشها أهالي حماة في أحداث 1982، والتي وثقتها أناشيده في "أشرطة الكاسيت" التي كان يتم تناقلها سرا بعد أن تصلهم من مدينة حلب مسقط رأس المنشد.
وقال أبو أسامة إنه ترعرع على هذه الأناشيد المعارضة للنظام، كما ربّى أبناءه أيضا على أناشيد الثورة في 2011 وأناشيد أبو مالك الحموي وغيره.
ويعتقد أنها ستظل محفورة في ذاكرة جميع السوريين الذين دفعوا آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين حتى وصلت حماة وسوريا "إلى ما هي عليه اليوم من الحرية".
وبتأثر واضح، قال أبو أسامة "هذه الفرحة من حق السوريين أن يعيشوها لشهور وأيام بعد 51 عاما من الظلم والحرمان"، مشيدا بما وصفه بالتنظيم الجيد للاحتفال من المسؤولين في حماة وبمشاركة الأمن العام والدفاع المدني الفرحة مع الأهالي.