هل يرث دواعش البراء بن مالك السودان؟
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
صلاح شعيب
كل ما يجري في السودان اليوم هو من صنيع قادة الحركة الإسلامية الذين تقع عليهم مسؤولية كبرى في تحمل الانتهاكات المنسوبة لطرفي القتال. أي تحليل خلاف هذا لا يحقق توصيفاً دقيقاً للأزمة السودانية التي تفاقمت منذ عام 1989. البلد الآن تدفع الثمن الباهظ لمغامرات الإسلاميين البراغماتية للاستيلاء على السلطة منذ استهلال تنظيمهم العمل السياسي في الخمسينات.
تلك الفتنة هي التي ضيعت إمكانية نهوض السودان، وأفرزت تفاصيل سياسية استهلكت طاقة النخبة السياسية من بداية الاستقلال حتى يوم الناس هذا. ومن الناحية الثانية عمقت التشظي في نسيج المجتمع فانتهينا إلى أمة يصبح فيها ذبح الإنسان مدخلاً لعودة الإسلاميين للحكم مرة أخرى.
إن الحرب الحالية لم تكن وليدة اللحظة، فقد سبقتها
أسباب عديدة قبل حكم الحركة الإسلاموية عبر ما سمته الإنقاذ الوطني. ولكن بظهورها في المشهد السياسي عمقت الصراعات السياسية، وأوصلتها إلى قمة تعقيداتها البالغة في السوء. وبرغم سقوط حكم الإنقاذ إلا أن سدنته استداروا على الواقع السياسي بمكر كبير، ووظفوا وجودهم داخل القوات النظامية، والخدمة المدنية ليحاصروا المسعي الثوري الذي ترافق مع ثورة ديسمبر.
غالب النخبة المناوئة للإسلام السياسي لم يحسنوا الموقف ضد خطورة الإسلاميين أثناء حكمهم، وفي واقع ما بعد الثورة. ذلك بوصف أن الإسلام السياسي يعد مهددا أساسياً لوحدة السودان، ولا وجود له متى ما سيطر مرة ثانية على الحكم. فتارة كانت تستجيب هذه النخبة للترهيب الذي بلغ مداه أثناء سيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم لثلاثة عقود، وتارة أخرى تستجيب للترغيب عبر عطايا سلطوية. وحتى بعد نجاح ثورة ديسمبر تساهلت حكومة الفترة الانتقالية في التعامل الجاد مع التركة المثقلة التي خلفتها تجربة المشروع الحضاري في إفساد الأوضاع السياسية. فهي كانت قبل مجيء الإسلاميين تتمحور حول قضايا محدودة ليس من بينها أي نوايا مؤسسة لانفصال الجنوب الذي مورس ضده الجهاد. كما ان الأوضاع السائدة انذاك لم تشهد حروب مناطق النزاع، ووجود مليشيات موازية للقوات المسلحة، وافتقاد البلاد للملايين من الكوادر المؤهلة في هجرتها للخارج، وتسييس الخدمة الوطنية المدنية والعسكرية، وتصاعد معدلات الفساد، وارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد المواطنين، والعزلة عن المجتمع الدولي، وتصعب فرص الإصلاح الحكومي.
الآن خلق الإسلاميون هذه الحرب لتعيد سيطرتهم على الدولة، والقضاء على أحلام ثورة ديسمبر، والانتقام ضد الشعب السوداني الذي أزاحهم عن السلطة. وما استثمار الإسلامويين للغش السياسي، وتوظيف مال الدولة المسروق غير المحدود، في هذا الحرب، سوى المفاضلة بين نهاية تامة لحقبتهم السياسية في أرض السودان وبين مقاومة أي مسعى ثوري لإعادة الأمور إلى نصابها، ومن ثم يمكن البناء على زخم الحلم التاريخي للسودانيين ببناء دولة مدنية تتأسس على الديمقراطية والعدالة والسلام.
وقد أدرك الإسلاميون أن الخطوات المبذولة إبان الفترة الانتقالية ستجردهم من الكسب غير المشروع الذي حققوه في دولتهم الاستبدادية، ولذلك فضلوا استثمار طاقاتهم الشريرة لقطع الطريق أمام ذلك الحلم السوداني حتى لو قضت الحرب التي اشعلوها على وحدة البلاد.
إننا نخشى، في ظل بروز التيارات الداعشية المساندة للجيش في حربه ضد الدعم السريع، أن ينتهي السودان إلى بؤرة جديدة لنسخ متطرفة من الإسلام السياسي. وقد شاهدنا أثناء هذه الحرب كيف أن تنظيم البراء بن مالك قد أعادنا إلى تذكر سنوات قليلة كانت فيها داعش قد أقلقت إقليم الشرق الأوسط، وهددت مستقبل الدول التي ازدهرت فيها حتى تم دحرها.
لا اعتقد أن هناك فرقاً جوهرياً بين الممارسة الداعشية للإسلام السياسي أثناء سيطرة المؤتمر الوطني على الدولة وممارسات البراء بن مالك طوال زمن هذه الحرب. ففي فترة حكم الترابي والبشير كان قتل المعارضين، وتعذيبهم، واغتصاب الرجال والنساء، وجلدهم، وقمع الحريات، عوامل مفتاحية استندوا عليها لتجذير الاستبداد الإسلاموي. والآن يبني البراءوون على ذلك التطرف الدموي كخطوة لترهيب السودانيين حتى يتسنى لهم الخضوع لشروطهم في إقامة دولة دينية جديدة أكثر بطشاً من السابقة إذا ما انتصروا في هذه الحرب.
النخبة السودانية المستنيرة الآن أمام تحدٍ حقيقي لبقاء السودان حراً وموحداً، أو أن تسهم الحركة الإسلامية بأجنحتها الداعشية للسيطرة عليه، وذبح كل من قال “تسقط بس”. وتلك خطوة مؤجلة لا تستثني هؤلاء الذين يدعمون استمرار الحرب بتلك الافتراضات الموهومة. ولذلك فإن وحدة المدنيين الديمقراطيين لتشكيل رأي عام صلب لإيقاف الحرب تمثل الهزيمة المؤكدة لتحول السودان إلى مرتع خصب للدواعش، ومتطرفي الإسلام السياسي. الوسومصلاح شعيب
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صلاح شعيب الإسلام السیاسی هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
“هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق
وأكمل بالقول: “معظم فترة الحرب، رفض نتنياهو مناقشة الترتيبات لما بعد الحرب في قطاع غزة، ولم يوافق على فتح باب لمشاركة السلطة الفلسطينية في غزة، واستمر في دفع سيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل تام. والآن، من يمكن الاعتقاد أنه اضطر للتسوية على أقل من ذلك بكثير”.
ورأى هرئيل أن رئيس حكومة العدو، هذا الأسبوع، قد حقق ما أراده، إذ إن حماس وضعت عوائق في طريق تنفيذ الدفعات التالية من المرحلة الأولى في صفقة الأسرى، لكن نتنياهو تمكن من التغلب عليها، على حد تعبيره، موضحًا أنه: “حتى منتصف الليل يوم الأحد، تأخر نتنياهو في الموافقة على عبور مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال القطاع، بعد أن تراجعت حماس عن وعدها بالإفراج عن الأسيرة أربيل يهود من “نير عوز””، ولكن بعد ذلك أعلنت حماس نيتها الإفراج عن الأسيرة، وفق زعمه، فعلّق هرئيل: “حماس وعدت، والوسطاء تعهدوا، أن يهود ستعود بعد غد مع الجندية الأخيرة آغام برغر ومع أسير “صهيوني” آخر، والدفعة التالية، التي تشمل ثلاثة أسرى “مدنيين” (من المستوطنين)، ستتم في يوم السبت القادم”. لذلك، قاد تعنّت نتنياهو – ومنعه عودة النازحين الفلسطينيين – على تسريع الإفراج عن ثلاثة أسرى صهاينة في أسبوع، على حد ادعاء الكاتب.
تابع هرئيل: “لكن في الصورة الكبيرة، قدمت حماس تنازلًا تكتيكيًّا لإكمال خطوة استراتيجية، أي عودة السكان إلى شمال القطاع”، مردفًا: “أنه بعد عودتهم إلى البلدات المدمرة، سيكون من الصعب على الكيان استئناف الحرب وإجلاء المواطنين مرة أخرى من المناطق التي عادت إليها حتى إذا انهار الاتفاق بعد ستة أسابيع من المرحلة الأولى”، مضيفًا: “على الرغم من نشر مقاولين أميركيين من البنتاغون في ممر “نِتساريم” للتأكد من عدم تهريب الأسلحة في السيارات، لا يوجد مراقبة للحشود التي تتحرك سيرًا على الأقدام، من المحتمل أن تتمكن حماس من تهريب الكثير من الأسلحة بهذه الطريقة، وفق زعمه، كما أن الجناح العسكري للحركة، الذي لم يتراجع تمامًا عن شمال القطاع، سيكون قادرًا على تجديد تدريجي لكوادره العملياتية”.
وادعى هرئيل أن حماس تلقت ضربة عسكرية كبيرة في الحرب، على الأرجح هي الأشد، ومع ذلك، لا يرى أن هناك حسمًا، مشيرًا إلى أن هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها “وزير المالية في كيان الاحتلال” بتسلئيل سموتريتش، المتمسك بمقعده رغم معارضته لصفقة الأسرى، بشأن العودة السريعة للحرب التي ستحل المشكلة مرة واحدة وإلى الأبد، ويعتقد هرئيل أن: “الحقيقة بعيدة عن ذلك، استئناف الحرب لا يعتمد تقريبًا على نتنياهو، وبالتأكيد ليس على شركائه من “اليمين المتطرف”، القرار النهائي على الأرجح في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن المتوقع أن يستضيف الأخير نتنياهو قريبًا في واشنطن للاجتماع، وهذه المرة لا يمكن وصفه إلا بالمصيري”.
وأردف هرئيل ، وفقا لموقع العهد الاخباري: “ترامب يحب الضبابية والغموض، حتى يقرر، لذلك من الصعب جدًّا التنبؤ بسلوكه”، لافتًا إلى أنه وفقًا للإشارات التي تركها ترامب في الأسابيع الأخيرة، فإن اهتمامه الرئيسي ليس في استئناف الحرب بل في إنهائها، وأكمل قائلًا: “حاليًا، يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي سيضغط فيه على نتنياهو لإتمام صفقة الأسرى، وصفقة ضخمة أميركية – سعودية – صهيونية وربما أيضًا للاعتراف، على الأقل شفهيًّا، برؤية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية”.
وقال هرئيل إن “نتنياهو، الذي أصرّ طوال السنوات أنه قادر على إدارة “الدولة” (الكيان) وأيضًا الوقوف أمام محكمة جنائية، جُرّ أمس مرة أخرى للإدلاء بشهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه يبدو بوضوح أنه لم يتعاف بعد من العملية التي أجراها في بداية الشهر، واستغل الفرصة لنفي الشائعات التي تفيد بأنه يعاني من مرض عضال، لكنه لم يشرح بشكل علني حالته الصحية”، مشددًا على أن نتنياهو الآن، من خلال معاناته الشخصية والطبية والجنائية والسياسية، قد يُطلب منه مواجهة أكبر ضغط مارسه رئيس أميركي على رئيس وزراء الكيان الصهيوني.