يا أهلنا في غزة، سامحونا واغفروا لنا. سامحونا على عجزنا، واغفروا لنا تضامننا معكم بالقلب فقط. ماذا تفعلون بانكسار قلوبنا على مسلسل محقكم وإبادتكم، التي روّعت الحيوان قبل الإنسان؟
اعذرونا يا أهل غزة، فما ترك لنا النظام العربي العاجز حولًا ولا قوة، ولا حيلة لنجدتكم أو إرسال قطعة خبز لأطفالكم، أو خيمة لنسائكم.
مذ عرّاهم مظفر النواب في قصائده الغاضبة، لم يعد لهوانهم من قاع، ولم يعد لحيلتهم من حيلة، صاروا مثل دكة غسل الموتى
الحياة بعد هولوكوست غزة لن تكون هي الحياة، بعد أن يتوقف عداد الاستهتار بالحياة، والضمير، والقانون، والعدالة، والرحمة…أعلم أننا لا نحب أطفالنا أكثر مما تحبون أطفالكم، الذين دفنتموهم دون جنازة في قطع كتان أبيض.
أعلم أن الخبز في فمنا، والوسادة تحت رأسنا، والثوب فوق أجسادنا عار علينا أمامكم، وأمام جوعكم، وبردكم، وترويعكم.
عصر البربرية الجديد يأكل من إنسانيتنا قبل أن ينال من أطفالكم ونسائكم وشيوخكم وأملكم.
عصر النفاق العاري هذا، يتبول على الضمير العالمي، الذي وقف يتفرج على همجية نتنياهو لمدة 15 شهرًا.
الحياة بعد هولوكوست غزة لن تكون هي الحياة، بعد أن يتوقف عداد الاستهتار بالحياة، والضمير، والقانون، والعدالة، والرحمة…
هي كلمات ندفع بها اليأس والقنوط، أما الفعل، فإنه معلق إلى زمن آخر. فاعذرونا يا أهل غزة، لأننا لم نكن في مستوى مدّ يد العون، وردّ المظلوم، ولو برفع الصوت.
كم كان الجندي الأمريكي آرون بوشنيل نبيلاً وشجاعًا، وهو يحرق نفسه أمام سفارة إسرائيل في واشنطن احتجاجًا على إبادة غزة!
موته، هو الآخر، لم يكن سوى صرخة في وجه حياتنا، مذلتنا، وهواننا.
كان الجندي الذي غسل حصته من عار بلاده، التي موّلت الهولوكوست الفلسطيني، يصرخ بألسنتنا الخرساء وهو يحترق: Free Palestine
توقف الرصاص هذا الصباح، لكن عداد الضحايا ما زال يدور، ويحصي جثث الشهداء تحت الأنقاض، وجثث الخذلان العربي فوق التابوت الممدّد من البحر إلى البحر.
شعب الله المحتار لم يفقد عقله فقط، بل فقد آخر ذرة إنسانية فيه على أرض غزة… وغدًا سيفقد ما تبقى له من أسطورة وسلطة وأرض.
لا كلام يوفي الشهداء حقهم، ولا استعارات قادرة على تأبين أطفال غزة، الذين دُفنوا في مقابر صغيرة على أرضهم المحروقة..
لو أن لي أمنية، لما كانت سوى: ياليتني كنت معكم، شاهدًا ، وليس عاجزًا أو صامتًا إزاء الدم المسكوب على ضفاف بحر غزة المحاصر .لو أن لي أمنية، لما كانت سوى: ياليتني كنت معكم، شاهدًا ، وليس عاجزًا أو صامتًا إزاء الدم المسكوب على ضفاف بحر غزة المحاصر .
لا كلمات تعبر عن هذه الدراما افضل من كلمات شاعر فلسطين الذي وهبه الله قدرة استثنائية على ترجمة الوجع الفلسطيني شعرا ونثرا تذوب أمامهما آلة القتل الإسرائيلية لنستمع لصوته :
"غزة لا تَتَجَمَّل. لا تَتَذَمَّر. لا تَرفع رايةً بيضاء، ولا تُلقِي السلاحَ إلى الأرض.
لا تُساوِم. وهي تُواصل السيرَ على الطُرقات نفسِها التي شُقَّت على جسدها. .
غزة تكره الموت، لكنها تعرف أنه الوسيلة الوحيدة لِإنهاءِ الموت.
وقال درويش:
يخرج أطفال غزة من رحم الحصار كأنهم جنود خرجوا من رحم المعركة.
لا وقت لديهم للبكاء، ولا وقت لديهم للطفولة.
غزة تُعَلِّمُكم أن الاحتلالَ مؤقت، وأن جروحها لا تنزف إلا لتُشعلَ مجدًا جديدًا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة وقف الفلسطيني احتلال فلسطين غزة رأي حرب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ظواهر من الحياة
سؤال يدور في ذهني ويعصف بفكري: هل الزمن تغير أم البشر تغيروا؟ سأكتب في مقالي عن بعض الظواهر المعينة والمهمة، وسأتحدث أولًا عن «صلة الأرحام»: صلة الأرحام واجبة، لقوله تعالى في كتابه العزيز: ﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ...﴾ «سورة البقرة: الآية 83».
صلة الرحم هي أقرب إليك في إهداء الكلمة الطيبة، وفي الإنفاق، وفي التصدق، وفي زيارة المريض، وفي نواحٍ كثيرة تستطيع أن تقوم بها، ولكن -للأسف- في هذا الوقت أصبحت قلوب البعض مشحونة بالحقد والحسد والغضب لأقرب الناس، وانقطعت الزيارات بحجة «الظروف»، أيُّ ظرفٍ هذا الذي تستسلم إليه؟ أيُّ ظرفٍ هذا يجعلك قاسي القلب على أخيك أو أختك أو حتى والديك؟
خصص لهم وقتًا واترك الزعل بعيدًا، فإذا كنت قد زعلت منهم لموقفٍ ما، أو سمعت خبرًا لست متأكدًا من صحته، فلا تجعل ذلك حاجزًا بينك وبينهم، امشِ بين الناس محبوبًا، وقدم الخير دائمًا، وواجبك تجاه أهلك أن تصلهم، وتجالسهم، وتشاركهم في أفراحهم وأحزانهم.
في السابق، كان الناس يهتمون بصلة الرحم، ويكثرون من الزيارات في كل وقت، ولم يكن هناك موعدٌ محددٌ لزيارة والديك، أو عمك، أو خالتك، أما الآن، فأصبحت الزيارات تتم بمواعيد مسبقة، وقلت اللقاءات بحجة «الظروف».
الظاهرة الثانية هي: العادات والتقاليد من ناحية «اللباس»، للأسف أشاهد تغيرًا كبيرًا بين عاداتنا وتقاليدنا سابقًا وبين وقتنا الحاضر، لباس الرجال هو الدشداشة العُمانية ذات اللون الأبيض الناصع، وغطاء الرأس هو الكمة أو المِصر، وهنا أتحدث عن أن البعض أصبح يواكب الموضة، ويا لها من موضة غريبة دخيلة سيطرت على عقول شبابنا، أنا شخصيًا أسميه «التقليد الأعمى»، حيث يرتدي كلا الجنسين، الولد والبنت، الملابس الضيقة، والألوان المخلوطة، والرسومات الغريبة، ناهيكم عن تسريحات الشعر.
ومن ناحية أخرى، نجد أن البعض يذهب لتأدية الصلاة بملابس النوم «البجامة»، كيف ذلك؟! لو أتينا وقارنا ذهابك إلى مناسبة مهمة، هل سترتدي هذا اللباس؟ لا، بالطبع ستلبس وتختار أجمل الثياب، وتضع أحلى العطور، للأسف الشديد، هذا هو حال البعض، كان اللباس أو الزي التقليدي مصدر فخر لنا، لا سيما في أيام المناسبات.
الظاهرة الثالثة: «جلوس الأبناء خلف الشاشات الإلكترونية لساعات طويلة»، لا رقيب ولا حسيب! وهذا واقع للأسف يجب الحد منه، والتنويه بخطورته، والانتباه والحذر الحذر، أكيد سمعت، عزيزي القارئ، عن أضرار هذه الظاهرة، وما يعاني منه أبناؤنا من مضار صحية واجتماعية -وخاصة الأطفال- تخيل طفلًا في عمر الأربع سنوات يمسك جوال أحد والديه بحجة أن يصمت ويلهو مع هذا الجهاز السام، بدلًا من صراخه وإزعاجه! أيهما أفضل: إزعاجه وصراخه أم انعزاله بعيدًا عنك، أيها المربي، حتى يصاب بعدة أمراض تفقده للأبد؟!
أطفالكم أمانة، كونوا معهم، وراقبوهم، كانت الأسرة في السابق تجتمع في مكان واحد في البيت، بحب وود وترابط أسري، يستمعون لبعضهم البعض، ويتشاركون أحزانهم وأفراحهم في قالب ممزوج بالتعاطف الأسري، كانوا يتشاركون الأكل في صحن واحد، أما وقت اللعب فكانوا يمارسون الألعاب الشعبية التي تتطلب الحركة والنشاط البدني، يا لها من أيام لن تعود، أما الآن، فقد حلَّت محلها الألعاب الإلكترونية، والجلوس لساعات طويلة أمام الشاشات، مما تسبب في أمراض العصر المزمنة، وقلة الحركة، واضطراب النوم، حتى ضعفت أجسادهم ومرضت.
وكثيرة هي الظواهر والسلوكيات التي يمارسها البشر في مختلف مجالات الحياة، ولكن يبقى الفكر والتطور هما ما يحددان للإنسان الصواب، ويجعلانه يبتعد عما يسمى بـ«التقليد الأعمى»، ويمارس متطلبات الحياة وفقًا للصواب، سعيًا نحو الأفضل والأحسن.