شادية أبو غزالة تعيد تشكيل شخصية المرأة الفلسطينية المناضلة
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
أول شهيدة فلسطينية، بعد نكسة 1967، وأول شهداء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، استشهدت في بيتها بنابلس خلال التحضير لعملية مسلحة.
كانت متفوقة في دراستها، جدية، صامتة، وكانت تحب أن تردد بيت الشعر "أنا أن سقطت فخذ مكاني..
يا رفيقي في الكفاح" والذي كتب على ضريحها فيما بعد.
ولدت شادية أبو غزالة في البلدة القديمة في مدينة نابلس عام 1949، لعائلة فلسطينية لجأت من يافا، وتوفيت والدتها بعد ثلاث سنوات من ولادتها.
تلقت شادية تعليمها الابتدائي والثانوي في مدارس نابلس، ثم التحقت عام 1966 بجامعة عين شمس في القاهرة، قسم علم الاجتماع وعلم النفس.
درست سنة واحدة في الجامعة ومن ثم عادت إلى فلسطين في الطائرة الأخيرة الّتي هبطت في مطار القدس/قلنديا، وقالت يومها: "لا فائدة للشهادة الجامعية إن لم يكن هناك جدارا تعلقها عليه". وأكملت دراستها في جامعة النجاح الوطنية في نابلس في تخصص علم الآثار. أحبت قراءة الأدب والشعر، وقرأت في علم النفس وفي الفلسفة، وتأثرت بسارتر وفكره الوجودي الاشتراكي.
انتسبت في سن السادسة عشرة إلى حركة القوميين العرب التي سيتحول فرعها الفلسطيني لاحقا إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كان رمزها الأول جورج حبش، حكيم الثورة، إلى جانب وديع حداد وأبو علي مصطفى وأحمد اليماني أبو ماهر.
تلقت أبو غزالة تدريباتها العسكرية فيها، وتعتبر من المساهمين في تأسيس الجبهة الشعبية وإحدى قادتها.
وحازت شادية احترام زملائها ورفاقها المناضلين لتمتعها بصفات قيادية ظهرت من خلال عملها الصامت، وصوتها الهادئ الرصين. والأهم من كل هذا شخصيتها الديمقراطية، فقد كانت تحترم الآراء المخالفة لها وتناقش أصدقاءها بتفهم وحب واحترام.
وبالرغم من أنها انتمت إلى تنظيم تقدمي طليعي إلا أنها لم تكن فئوية أو فصائلية، وهو الأمر الذي جعلها تتعاون مع غيرها من أبناء التنظيمات المختلفة، ومع المستقلين خدمة للهدف الفلسطيني الـمشترك وهو تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
بعد حرب حزيران/يونيو عام 1967 رفضت شادية العودة إلى الدراسة في مصر وظلت في الأرض المحتلة حيث شاركت في العمل السري في تنظيم الأفراد وتأمين الاتصالات وجمع التبرعات وإخفاء السلاح والمقاومين، وطباعة المنشورات، وشاركت في هجمات مسلحة، يذكر منها عملية تفجير حافلة لشركة "إيجد" الإسرائيلية في تل أبيب.
صورة شادية أبو غزالة في أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي.
شكلت شادية نقطة تحول في نضال المرأة الفلسطينية، والانتقال من العمل الاجتماعي والمقاومة الشعبية المتمثلة في المظاهرات والاعتصامات وكتابة المنشورات التوعوية والتحريضية ضد الاحتلال إلى العمل العسكري المباشر، خاصة أنها كانت تدربت سرا على السلاح والمتفجرات.
وعلى نحو مفاجئ وفي الأول من شهر رمضان استشهدت شادية أبو غزالة في 28 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1968، في منزل عائلتها بانفجار قنبلة كانت قد أعدتها، كان المفترض أن تقوم بتفجيرها في بناية في تل أبيب، وتروي أختها إلهام أبو غزالة الحادثة كالتالي:
"كنا جميعا حول مائدة الطعام، كانت غرفة الطعام في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من بيتنا القديم الكبير، ذي الأقواس العالية والقبب المرتفعة، قرع الجرس قفزت شادية لتفتح الباب، وفي لحظة، انفجر المنزل، واقتحم اللهيب كل مكان من البيت، رأينا ألسنة النيران من كل حدب وصوب، تراكضنا مذعورين لمعرفة ما الذي جرى وسط الظلام الدامس، أخذت الأصوات تتعالى، ابحثوا عن شادية. ابحثوا عن شادية".
آنذاك لم يمهل الاحتلال وجيشها المحتل لنابلس أهل شادية وأقاربها وقتا كافيا لإخراج أثاثهم والبحث عن ابنتهم بين الأنقاض، فداهم الجنود المدججون بالسلاح المنزل في حارة الغرب في البلدة القديمة، وهدموا ما تبقى منه على رأس العائلة وفوق أشلائها المترامية هنا وهناك التي بدأت العائلة في جمع أشلاء شادية تمهيدا لدفنها في مقبرة نابلس الغربية إلى جوار والدتها، ونقشت على القبر أبيات شعرها المفضلة، "أنا إن سقطت فخذ مكاني.. يا رفيقي للكفاح" للشاعر الفلسطيني معين بسيسو.
المصادر
ـ رحاب الخترشي، "شادية أبو غزالة: أول شهيدة فلسطينية بعد النكبة"، مجلة ميم الإلكترونية، 14/12/2017.
ـ "شادية أبو غزالة"، وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، 2019.
ـ نبيل السهلي، "شادية أبو غزالة..سيرة أول شهيدة فلسطينية بعد النكسة"، عربي21، 16/10/2021.
ـ- عاطف دغلس، "شادية ورفيقاتها..شهيدات فلسطين وجذوة نضاله"، 25/5/2021، الجزيرة نت.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير فلسطينية فلسطين مقاومة مسيرة امرأة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
انتحل شخصية يهودي عراقي ليكشف أسرار سرديات الاحتلال.. من فادي قرعان؟
وفي حلقة جديدة من برنامج "بودكاست البلاد" على منصة الجزيرة 360، يكشف قرعان كيف تحول من فتى فلسطيني شاهد أمه تنزف تحت الرصاص الإسرائيلي في مدينة البيرة، إلى خبير في التنظيم الشعبي والتفكير الإستراتيجي وأحد المساهمين في بناء حراكات مناصرة دولية للقضية الفلسطينية.
فمنذ طفولته، نشأ فادي قرعان على واقع المجابهة مع الاحتلال، واستقرت في وعيه من مذكرات الرصاص ومشاهد الدماء قناعة أن المواجهة لا تنتهي في ميدان المعركة، بل في ساحات السرد والأفكار.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4علاقات إسرائيل الرقمية وتوظيفها في الحرب على غزةlist 2 of 4المؤتمر العالمي لمناهضة عنصرية إسرائيل: نحشد لمقاطعة إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًاlist 3 of 4رغم الضغوط الأميركية.. جنوب أفريقيا تواصل ملاحقة إسرائيل أمام العدل الدوليةlist 4 of 4إسرائيل تُطوّق الفلسطينيين في الضفة الغربية بـ"السور الحديدي"end of listومتسلحا بشغف مبكر للفيزياء، ومدفوعا برغبة عميقة للفهم والتغيير، وصل قرعان إلى جامعة ستانفورد المرموقة بالولايات المتحدة بمنحة تفوق في وادي السيليكون، لدراسة الفيزياء النووية، وهناك عايش بيئة يطغى عليها الهيمنة الإسرائيلية بكافة أبعادها الروايتية والفكرية.
لكن مسيرة قرعان الأكاديمية لم تكن خالية من العراقيل، فبعد عامه الأول في الجامعة، تعرض لتهديدات أمنية إسرائيلية بالمنع من العودة لفلسطين لاستكماله لدراسة الفيزياء النووية، وفي غمرة تلك المواجهة، اختار أن يمضي في تخصص ثانٍ في العلاقات الدولية والقانون الدولي.
وفي تلك المرحلة، كان قرعان قد رصد مخططات التطبيع المنظمة في الجامعات الأميركية، فقرر دخول المعركة بشكل غير مألوف، منتحلا شخصية "سامي بن عامي" اليهودي العراقي، وتغلغل في مراكز النشاط اليهودي، وتلقى تدريبا مخصصا في مقر القنصلية الإسرائيلية حول فنون "الهاسبارا" (البروباغندا الإسرائيلية).
إعلانوعلى مدى نصف عام، تقمص قرعان الشخصية المفترضة وتوغل في نفسية الجيل اليهودي الأميركي، مستكشفا عن كثب آليات تأطير الوعي وإعادة إنتاج الخوف كأداة للربط بين معاناة الهولوكوست وشرعية دولة الاحتلال.
إستراتيجيات الهاسباراويروي قرعان أن التدريبات بدأت بعرض فيلم عن المحرقة، ثم انتقلت لتأكيد أن الكيان الإسرائيلي هو الضامن الوحيد لعدم تكرارها، قبل الانتقال إلى تلقين المشاركين ردودا جاهزة لمواجهة أي نقاش ينتقد إسرائيل.
وتجلت أبرز إستراتيجيات الهاسبارا، بحسب قرعان، في العمل على تحييد الأغلبية الرمادية من الطلاب، دون محاولة كسبهم، بل دفعهم للامتناع عن تبني أي موقف، عبر بث الشكوك واتهامات معاداة السامية.
وهدف هذه الإستراتيجية هو الحفاظ على القاعدة الصلبة المؤيدة لإسرائيل، والاستفادة من تفوق مواردها وحلفائها، دون الحاجة لإقناع الأغلبية الصامتة أو المترددة، بل يكفي إبقاؤها بعيدة عن التأثير الفلسطيني.
وانتهت مهمة "سامي بن عامي" بعد 6 أشهر، لكن نتائجها ستظل علامة فارقة في فهم آليات الهيمنة السردية، فعبر هذا الانتحال، تمكن قرعان من تفكيك منظومة متكاملة من البروباغندا، ومعرفة مكامن قوتها وتناقضاتها.
بعد هذه التجربة، ومع اقتراب نهاية دراسته، بدأ فادي يفكر جديا بالعودة إلى فلسطين، متأثرا بقصص شبيهة بقصة الشاب أحمد، الذي التقى به في زيارة صيفية وكان شغوفا بالرياضيات رغم حرمانه من التعليم بسبب ظروف الاحتلال.
شعر فادي أن فلسطين بحاجة إليه، وأن هناك طاقات شبابية هائلة تُهدر بسبب الاحتلال، فعاد ودرس القانون الدولي في جامعة بيرزيت ليكون أقرب إلى الواقع ويبني شبكة علاقات تخدم العمل الوطني.
تجارب التحرر العالميةوخلال دراسته في الخارج وعودته، تعمق فادي في دراسة تجارب التحرر العالمية، مقارنا بين الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية السلمية، من تجربة غاندي في الهند إلى نضال مارتن لوثر كينغ.
إعلانواكتشف أن الحركات التحررية الناجحة لم تبدأ باختيار التكتيك، بل بتحديد العقيدة والرؤية الإستراتيجية أولا، ثم تقييم الموارد الذاتية وموارد العدو لاختيار الأساليب الأنسب، وغالبا ما جمعت بين أشكال النضال المختلفة.
وأشار قرعان إلى أن العدو الاستعماري، خاصة الإحلالي كإسرائيل، يدرك أن قوة الشعب المحتل تكمن في وحدته، فيعمل باستمرار على ضرب هذه الوحدة وتفتيت النسيج المجتمعي والسياسي، مستغلًا أي خلاف تكتيكي أو مناطقي.
وهدف الاحتلال النهائي، حسب قرعان، هو نزع الشرعية عن أي شكل من أشكال المقاومة، سواء كانت مسلحة أو شعبية كالمقاطعة (بي دي إس)، وإشعار الفلسطيني بالعجز والاستسلام.
واستعرض قرعان تاريخ الحركات الشعبية الفلسطينية، مشيرا إلى أنه رغم الضربات المتتالية التي تعرض لها النضال الفلسطيني، كالنكبة والنكسة والخروج من بيروت عام 1982، فإن الشعب كان دائمًا يعيد تنظيم صفوفه.
فبعد الخروج من بيروت، وفي ظل ضعف الفصائل، بدأت تتشكل في الداخل الفلسطيني المحتل، بالضفة وغزة والـ48، تنظيمات شعبية قاعدية غير مركزية تعمل في مجالات الإغاثة الطبية والزراعة والتعليم لمواجهة إهمال الاحتلال ومقاطعته.
التمهيد للانتفاضة الأولىهذه البنى التحتية الشعبية هي التي مهدت لانطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987، والتي قادتها في البداية لجان شعبية قبل أن تتبلور القيادة الوطنية الموحدة، محققة إنجازات هامة كإلحاق خسائر اقتصادية كبيرة بإسرائيل وتقليص الاستيطان.
ومع الانتفاضة الثانية، شهدت حركة التضامن الدولية زخما جديدا، حيث تأسست حركة التضامن العالمية (آي إس إم) التي انضمت إليها الناشطة الأميركية راشيل كوري، والتي قتلت في رفح وهي تحاول منع جرافة إسرائيلية من هدم منزل فلسطيني.
وفي عام 2005، وبعد قرار محكمة العدل الدولية بعدم شرعية جدار الفصل العنصري، ومع غياب أي تحرك دولي فاعل، اجتمعت أوسع قاعدة من مؤسسات المجتمع المدني والنقابات الفلسطينية لإطلاق نداء مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها (بي دي إس).
إعلانواجهت إسرائيل في البداية حركة المقاطعة بالتجاهل، لكن بعد حرب غزة عام 2008 وتوسع حملات المقاطعة دوليا، أدركت خطورتها فأسست وزارة الشؤون الإستراتيجية لملاحقة الحركة وتشويهها ووصمها بـ"معاداة السامية".
ورغم التحديات والانقسام السياسي الفلسطيني، شهد العقدان الأخيران أشكالا مختلفة من الحراك الشعبي في الضفة وغزة والداخل والشتات، كرد فعل على سياسات الاحتلال وممارساته.
تجارب الحراك والمقاومةومن أبرز هذه التجارب، ذكر قرعان تجربة "باب الشمس" عام 2013، وهي محاولة لبناء قرية فلسطينية رمزية قرب القدس لمواجهة مخططات التوسع الاستيطاني، والتي قمعها الاحتلال بقوة كبيرة.
كما أشار إلى مسيرات العودة عام 2011، التي انطلقت من دول الجوار (سوريا ولبنان) ومن داخل الضفة، ونجح خلالها عشرات اللاجئين في اختراق الحدود والوصول إلى فلسطين المحتلة، في مشهد أعاد إحياء حلم العودة وكسر حاجز العجز.
ويستذكر الشاب حسن حجازي الذي عبر من الجولان إلى يافا، محققا عودة رمزية ألهمت الآلاف، مؤكدا أن لحظات الفعل النضالي تلك تكسر وهم العجز وتعيد للناس شعور الإمكان.
وتحدث أيضا عن مسيرات العودة الكبرى في غزة عام 2018، والحراك ضد مخطط برافر لتهجير أهالي النقب، والصمود في الخان الأحمر، مؤكدا أن هذه الحركات، وإن بدت متفرقة أو قصيرة الأمد، شكلت فعلا تراكميا ملهما وأثرت في الوعي والسردية.
وتطرق إلى النقاش الدائر حول زيارة الفلسطينيين اللاجئين أو العرب لفلسطين، مؤكدا على ضرورة التمييز بين العودة ذات الهدف النضالي أو استعادة الارتباط بالوطن، وبين الزيارات التي تندرج في إطار التطبيع وتعترف بسيادة الاحتلال.
وشدد قرعان على أن الفلسطينيين والعرب، في هذه اللحظة التاريخية، مدعوون لإعادة تموضعهم حول فلسطين لا كمكان بل كقضية، وأن أدوات النضال الجديدة تحتاج إلى شجاعة فكرية وتنظيم إستراتيجي يعيد الصراع إلى جذوره.
إعلان 15/4/2025