ما دلالة استقبال السيسي لحفتر في القصر الجمهوري بهذا التوقيت؟
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
أثار استقبال الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي لقائد القيادة العامة في ليبيا، خليفة حفتر، في القصر الجمهوري بعد غياب لأكثر من 3 سنوات تساؤلات حول أهداف هذه الزيارة وتأثيرها على المشهد السياسي والعسكري في ليبيا.
والتقى السيسي بحفتر في القصر الرئاسي بالعاصمة الإدارية الجديدة لمناقشة تطورات المشهد في ليبيا، وسط تأكيدات من السيسي أن استقرار ليبيا يرتبط ارتباطا وثيقا مع الأمن القومي المصري، وأن القاهرة تبذل كل ما في وسعها من جهود ومساعي لضمان الأمن والاستقرار في ليبيا، والحفاظ على سيادتها ووحدتها، واستعادة مسار التنمية بها، مؤكدا دعم مصر لكافة المبادرات الرامية إلى تحقيق هذا الهدف.
"انتخابات وإخراج المرتزقة"
وشدد السيسي على حرص مصر على ضمان وحدة وتماسك المؤسسات الوطنية الليبية، وأهمية التنسيق بين جميع الأطراف الليبية لبلورة خارطة سياسية متكاملة تؤدي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن، وعلى ضرورة منع التدخلات الخارجية وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.
من جهته، أكد "حفتر" تقديره العميق للدور المحوري الذي تلعبه مصر في استعادة الاستقرار في ليبيا، والجهود الحثيثة التي تبذلها لدعم ومساندة الليبيين منذ اندلاع الأزمة، مشددًا على استمرار الجهود الرامية لحلحلة الأوضاع في ليبيا بما يسهم في استعادة مقدرات الشعب الليبي وفتح آفاق الاستقرار والازدهار والرخاء، وفق زعمه.
"روسيا والسودان"
وذكرت مصادر مصرية وليبية لـ"عربي21" أن "الزيارة كانت ذات طبيعة عسكرية وأهم محاورها التقارير التي تحدثت عن نقل معدات وجنود روس من سوريا إلى شرق ليبيا، وكذلك دور حفتر في دعم قوات "حميدتي" ضد "البرهان" الذي يعد حليفا للدولة المصرية".
ولاقت الزيارة ردود فعل واسعة محليا وإقليميا كونها جاءت بعد حالة انقطاع بين السيسي وحفتر وعدم زيارة الأخير للقاهرة لأكثر من 3 سنوات، ما اعتبره مراقبون بأنها زيارة غير تقليدية وتحمل عدة دلالات وتداعيات مستقبلا.
فما الدلالة والرسالة من زيارة حفتر للقاهرة الآن واستقبال السيسي له في القصر الرئاسي؟
"تكرار نموذج سوريا"
من جانبه أكد الكاتب الليبي والمستشار السياسي السابق لحفتر، محمد بويصير أن "ما حدث في سوريا وما تبعه من زيارة وفد لحكومة الدبيبة للإدارة الجديدة هناك والتصريح بتشابه الظروف بين سوريا وليبيا وسعي الدبيبة للتعاون الأمني والعسكري وظهور عناصر ليبية متشددة شاركت في أعمال مسلحة في الشرق الليبي ثم انسحبت إلى الغرب ضمن الوفد، هو ما أدى إلى زيارة مدير المخابرات المصري، خالد رشاد لحفتر والتعبير عن خشيته من تكرار نموذج سوريا في ليبيا".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21"، أن "شرق ليبيا هي منطقة تأثير على الأمن القومي المصري، وسقوط حكم حفتر وخضوعها لحكم مجموعات متشددة ينقل الخطر إلى مصر مباشرة، نتيجة للامتداد الديموغرافي للقبائل الليبية داخل مصر، لذلك فإن مصر تحتاج إلى دعم حليفها "خليفة حفتر"، كما قال.
وأضاف: "احتمال الهجوم على برقة من قبل الجماعات المسلحة المتشددة وظهور "جولانى آخر" في بنغازي بدعم تركي وتمويل قطري أمر أكثر من محتمل، وسيتم بمباركة أمريكية حيث أن ذلك سيجرد الوجود الروسي من حاضنته الليبية وهذا غرض استراتيجي أميركي"، بحسب رأيه.
وحول الدعم المصري المتوقع لحفتر مستقبلا، قال بويصير: "الدعم سيكون في الاتجاهات العسكرية والسياسية حيث يدفع حفتر لمزيد من الانفتاح وعمل انفراجات في الشرق والجنوب ما يمكن أن يوسع من دائرة قبوله ، أما مصر فهي تواجه مخاطر من كل الاتجاهات، لذا فهي وحدة المخاطر ووحدة المصير ما صنع هذه الزيارة وظهور الصور الحميمية غير المسبوقة بين السيسي وحفتر".
"توازن إقليمي ودور إيجابي"
في حين رأى المتحدث السابق باسم المجلس الأعلى للدولة، إسماعيل السنوسي الشريف أن "الدور المصري في ليبيا واضح منذ دعم القاهرة لاتفاق وقف إطلاق النار وما تبعه من عملية سياسية انطلقت من تونس وصولا إلى جنيف ومتوازية مع المسار الدستوري الذي مضى بشكل جيد في القاهرة هو الأخر".
واستطرد قائلا لـ"عربي21": "لكن ثمة تعثر دولي سببه ضعف البعثة الأممية أثناء رئاسة باثيلي حيث تجمدت العملية السياسية ورغم ذلك كان هناك تواصل مستمر للدبلوماسية المصرية مع الأطراف الليبية سواء البرلمان والقيادة العامة في الشرق أو مجلس الدولة وحكومة طرابلس في الغرب وحافظت القاهرة على التوازن الإقليمي مع تركيا وهو توازن يتطلبه بالضرورة الوضع المستقر الهش في ليبيا"، وفق كلامه.
وتابع: "أما ما يتردد عن أسلحة تنطلق من ليبيا تجاه السودان فهذه معلومات ذكرتها الحكومة السودانية دون تقديم أدلة تثبت هذا الدعم الذي هو أقرب إلى الخيال من الواقع الليبي الذي ليس فيه فائض لأحد الأطراف الليبية ليفكر في التدخل في أزمة السودان التي تهدد القارة الأفريقية بأسرها إذا لم تتعامل معها الدول الأفريقية الكبيرة بهدف وقفها"، كما صرح.
"تخوفات مصرية واضحة"
الصحفي من الجنوب الليبي، موسى تيهو ساي قال من جهته إن "زيارة حفتر إلى مصر تأتي في سياق إقليمي متبدل وواقع جديد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على غرار سقوط الأسد، وهناك تقارب مصري تركي سيؤدي في النهاية إلى تغيير في الوضع الليبي على كل المستويات بما في ذلك متطلبات على حفتر الالتزام بها في مقاربة حل الأزمة الليبية أو إدارتها بشكل جديد في ظل إدارة أمريكية أكثر انكفاءا فيما يتعلق بليبيا".
وأضاف أن "مصر تريد أن تنقل مخاوفها ومعارضتها الشديدة لاستمرار دعم قوات "حميدتي" في السودان انطلاقا من ليييا، وكذلك تخوفها الكبير من التوسع الروسي في ليبيا بعد خروجها من سوريا واحتمال أن تكون ليييا هي المركز الأساسي لوجودها في الخارج والانطلاق إلى أفريقيا كما هو حاصل بالفعل.
وتابع لـ"عربي21": "كذلك تخوف القاهرة من خسارة دورها المحوري في ليبيا لصالح الروس في النهاية لأن حفتر نفسه قد يصل يفضل روسيا إذا حصل منها على كل شيء ولم يعد بحاجة إلى دعم سياسي مصري"، حسب تقديراته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية المصري السيسي ليبيا حفتر ليبيا مصر السيسي حفتر المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی لیبیا فی القصر فی الشرق
إقرأ أيضاً:
الرمزية الإستراتيجية لتحرير القصر الجمهوري
(1) العمق الاستراتيجي في عملية تطهير القصر الجمهوري ومنطقة وسط الخرطوم من دنس مرتزقة آل دقلو يتجلى في استعادة مباني ومعاني دولة 1956م والذين يهرفون بما لا يعرفون فإن تخلقات بذرة دولة 56 هي ثمرة مجاهدات أبناء السودان بكل تمايزاتهم الدينية والهوياتية والاثنية منذ عبقرية الثنائيات التاريخية بين عمارة دونقس الفونجاوي وعبد الله محمد الباقر الملقب بجماع والمتحدر من عرب القواسمة، والتي أثمرت السلطنة الزرقاء 1504م، وثنائية أحمد المعقور من بني هلال والقادم من غرناطة مع سلطان الكيرا شاوردورشيت والتي أثمرت عن تحول سلطنة الفور من الوثنية إلى الإسلام في عهد سليمان صولونج ، وثنائية محمد الجعلي وكيركيت والتي أثمرت مملكة تقلي الإسلامية، وثنائية الإمام محمد أحمد المهدي، وعبد الله التعايشي والتي أرست اللبنة الأولى للدولة السودانية.
(2)
استمرت مجاهدات أبناء السودان بذات التنوع العبقري خلال مرحلة الحكم الثنائي البريطاني المصري بدءا من ثورة عبد القادر ودحبوبة في الوسط 1907م ، وثورة الفكي نجم الدين في سنار، وثورة السلطان علي الميراوي والسلطان عجبنا في جبال النوبة، وثورات الدينكا والشلك والنوير في الجنوب، ومقاومة السلطان علي دينار وثورة الفقيه السحيني في دارفور .
ثم استمر النضال ضد الحكم الثنائي عبر الأدوات الناعمة بذات التنوع العبقري والذي بدأ بجمعية الاتحاد السوداني 1922م والتي تطورت إلى جمعية اللواء الأبيض 1924 حيث قدم عبيد حاج الأمين البطل علي عبد اللطيف الدينكاوي قائداً للجمعية والتي قادت الثورة السلمية ثم تطورت إلى صدام مسلح ضد الاستعمار انتهى بإجهاض الحركة.
ثم تداعت بذات التنوع الطليعة المستنيرة في مؤتمر الخريجين 1938م والتي قادت النضال ضد المستعمر عبر الأدوات الفكرية والسياسية والثقافية حتى الوصول إلى برلمان الحكم الذاتي 1953م والذي أعلن في جلسته التاريخية في 19 ديسمبر 1955م الاستقلال حيث تقدم بالمقترح ممثل حزب الأمة عن دائرة نيالا عبد الرحمن دبكة وجاءت التثنية من ممثل الحزب الوطني الاتحادي عن دائرة دار حامد غرب مشاور جمعة سهل ورفع علم الاستقلال على سارية القصر الجمهوري رئيس الحكومة اسماعيل الازهري وزعيم المعارضة محمد أحمد المحجوب.
(3)
وهكذا استمرت عبقرية التنوع في دورات الحكم الوطني في مرحلة ما بعد الاستقلال سواء الانظمة البرلمانية (ثنائية الحكومة والمعارضة) أو النظم الشمولية (التنوع داخل المجالس العسكرية الثلاثة عبود ونميري والبشير ).
إن عبقرية التنوع والقومية في المؤسسة العسكرية الوطنية كانت المهاد لانحياز الجيش لثورات الشعب في اكتوبر 1964م ، وأبريل 1985م وديسمبر 2018م
حتى حركات الهامش المسلح التي نهضت منذ العام 1963 في الجنوب، وصولاً إلى دارفور 2003م اتسمت بقدر من التنوع والعقلانية والأخلاق السودانية.
إن هذا الإرهاق التاريخي الخلاق وعبقرية الثنائيات والتنوع رغم المنحنيات والانحرافات في عبرة المسير والمصير حتما ستثمر في لحظة نهوض وطني تاريخي عن مشروع وطني ديمقراطي مستدام يسر الناظرين.
(4)
لكن السؤال الاستراتيجي هل مشروع ثنائية محمد حمدان دقلو الماهري وعبد الرحيم دقلو الماهري تصب في صالح قضايا البناء الوطني والديمقراطية المستدامة في السودان؟؟
إن مشروع أسرة آل دقلو يمثل حالة قطيعة جذرية مع قضايا البناء الوطني والديمقراطي لأنه ينزع إلى اختزال الحكم في السودان في مملكة آل دقلو يتوارثونها جيلا بعد جيل والممالك الإسلامية القديمة كانت تستمد المشروعية والاستمرارية في الحكم بالتفاني في خدمة المجتمع وقد استوت ركائز الدولة الأموية على فقه المساقاة والمؤاكلة وكان شعارها، لن نحول بين الناس وألسنتهم ما حالوا بيننا وسلطاننا بتعبير الأب المؤسس للدولة معاوية بن أبى سفيان لكن مشروع أسرة آل دقلو يقتدي بمقولة ميكافلي ، من يبني على الشعب يبني على الطين، وتجلى ذلك في الانتهاكات الشنيعة للممتلكات الخاصة والعامة وانتهاك كرامة وكبرياء الإنسان السوداني بسفور فاق خيال ميكافلي أب الانتهازية وهو ينصح أمراء الاستبداد قائلا: إن قتل المواطنين ليس من الفضائل كما أن التغرير بالأصدقاء وفقدان قيم الرحمة والدين يمكن أن تصل بك إلى القوة لا إلى المجد .
إن خطورة مشروع أسرة آل دقلو هي محمولاته النازية التي تكرس للأحادية العرقية والسلالية في الحكم ، الماهرية السادة والقوميات السودانية الأخرى محض رقيق وأتباع.
(5)
من البشارات إن معركة الكرامة ستكون آخر حروب السودان إذ لأول مرة تتماثل إرادة المجتمع السوداني مع إرادة الجيش والحكومة على منازلة خطر وجودي يهدد بقاء الدولة السودانية بل إن إرادة المجتمع سبقت إرادة الحكومة في التعبئة والاستنفار والتداعي إلى مقرات الجيش للقتال معه كتفا بكتف، ولا زالت إرادة المجتمع تسبق الحكومة في عمليات إعادة الاعمار والتنمية والخدمات في القرى والمدن المحررة من أوغاد المليشيا الإرهابية.
إن هذه الحرب ستنتهي باستئصال شأفة المليشيا الإرهابية، وستنتهي معها دورات الاختلال التي مازت الحكم في مرحلة ما بعد الاستقلال والتي كرست لصيغة هيمنة مؤسسات الحكم على مؤسسات المجتمع وستتحقق إرادة وهيمنة مؤسسات المجتمع السوداني في قضايا البناء الوطني والتحول الديمقراطي المستدام، وصناعة النهضة الحضارية بكل أبعادها الفكرية والمعرفية والسياسية والثقافية والاقتصادية. ورب ضارة نافعة.
عثمان جلال الدين
إنضم لقناة النيلين على واتساب