الجزيرة:
2025-02-22@05:10:35 GMT

هل انتصرنا ولماذا كان الطوفان؟

تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT

هل انتصرنا ولماذا كان الطوفان؟

قد يبدو للوهلة الأولى أن طرح السؤال في ظل المأساة الإنسانية في غزة تقليل منها أو عدم إدراك لأبعادها، بينما هو على العكس تمامًا سؤال ملحٌّ لأسباب عديدة في مقدمتها المأساة الإنسانية العميقة والمركّبة في القطاع، إضافة لطرح السؤال بأشكال مختلفة وبطريقة غير صحيحة من عدة أطراف، ولأهداف متباينة، ما يفرض النقاش والتقييم.

ذلك أن التضحيات الضخمة لأهل القطاع تُستخدم كقرينة على الهزيمة و/ أو خطأ قرار السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تأثرًا بالخسائر الفادحة أو استغلالًا لها لأهداف سياسية. بينما الخسائر المادية المباشرة، البشرية والاقتصادية والعمرانية، ليست المعيار الوحيد، وقد لا تكون الأهم (على أهميتها الكبيرة) في تقييم الحروب التقليدية، فما بالنا بالحروب غير المتناظرة وتحديدًا مقاومة الاحتلال، التي تتميز باختلال موازين القوى، واحتمال الطرف الأضعف/ المقاوم خسائر أكثر بكثير من عدوه الأقوى/ المحتل.

فالتقدير لا يعتمد منظورًا إنسانيًا بحتًا، ولا يقيّم طرفًا واحدًا فقط، وإنما يهتم بالسياق والظروف والمتغيرات والفواعل والأهداف، مضافًا لذلك تفاصيل الاتفاق، فضلًا عن خسائر العدو قصيرة وطويلة الأمد، والأهم منظور التقييم المختلف جذريًا في هذه الحرب.

إعلان خسائر العدو

تجري الحرب بين طرفين، فمن البديهي أن خسائر أحدهما ليست عاملًا كافيًا لتقييم النتائج، حتى في حال اعتماد الخسائر كعامل أساسي فيه. وعليه، فإنه مع كل التضحيات التي قدمها الغزيون، ينبغي النظر لخسائر الاحتلال.

وهنا، لن نتوقف فقط عند خسائره المباشرة، بين قتلى وجرحى وأسرى واقتصاد، والتي هي أكبر بكثير من حصيلة أي حرب سابقة، على أهمية ذلك، ولكننا سننظر في مساحات أكثر إستراتيجية.

فقد فشل الاحتلال في تحقيق أي من الأهداف الكبرى التي وضعها للحرب، فلا استعاد أسراه بالقوة ودون اتفاق، ولا قضى على المقاومة، ولا أقصى حركة حماس تمامًا عن غزة، فضلًا عن أن يمنع التهديدات ضد الداخل "الإسرائيلي".

في المقابل، حقق الفلسطينيون جلّ ما نادوا به شرطًا للاتفاق، أي وقف إطلاق النار، وصفقة لتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات، وعودة النازحين، وإعادة الإعمار، مع انتظار التطبيق العملي في المدى المنظور.

أكثر من ذلك، فقد هشّمت المقاومة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول كلَّ مقومات الأمن القومي "الإسرائيلي"، وإستراتيجيات حربه، فتداعى "الردع"، وفشل "الإنذار المبكر"، ولم تدُرْ الحرب "على أرض العدو"، ولم يستطع الاحتلال "الحسم" السريع".

وكان من تداعيات ذلك خسائر إستراتيجية كبيرة لـ "إسرائيل"، التي لم تعد بالنسبة لمجتمعها واحة الاستقرار والرفاهية، ولا القاعدة الآمنة التي يمكنها حمايتهما ومنع أي طرف من مجرد التفكير في مقاومتها، فضلًا عن مهاجمتها، وقد انعكس ذلك في أعداد الهجرة المتراجعة إليها والمتزايدة منها للخارج.

يضاف لكل ما سبق خسارة الاحتلال صورة القوة والردع ليس فقط أمام المقاومة الفلسطينية وحلفائها وشركائها، ولكن أيضًا إزاء أطراف ليست بالضرورة في مواجهة مباشرة معه حاليًا، حيث تحدث وزير الخارجية التركي (رئيس جهاز الاستخبارات السابق) عن "الثغرات الكبيرة" التي تبدت في المنظومة الأمنية "الإسرائيلية"، بينما أقر رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل بأن "عملية حماس حطمت صورة إسرائيل القوية أمام العالم".

إعلان

ومن الواضح أن هذه الخسائر من النوع الإستراتيجي، المفتوح على التفاعل مستقبلًا، والقادر على إذكاء مشاكل داخلية ومفاقمة بعضها الآخر، وأنه مما يرتبط بشكل مباشر بمسألة الصراع مع الفلسطينيين ومآلاته بعيدة المدى، لا سيما إذا ما أضيف إليها خسارة "إسرائيل" سمعتها ومعركة الصورة والسردية عالميًا، ومحاكمتها أمام محكمة العدل الدولية (بتهمة ارتكاب الإبادة)، والمحكمة الجنائية الدولية، وهذه أيضًا خسائر لا ينبغي الاستهانة بها.

لماذا الطوفان؟

يفسر كل ما سبق، وغيره، لماذا يرى الكثيرون في "إسرائيل" أنهم مهزومون، وأن الفلسطينيين انتصروا، وأن بنود الاتفاق كانت لصالح الأخيرين لا لصالح الاحتلال، حتى وصفه بعضهم باتفاق الذل أو الاستسلام، فضلًا عن الاستقالات العديدة خلال الحرب، وبعد توقيع الاتفاق في المستويات السياسية والعسكرية والأمنية.

ورغم ذلك، سيبقى سؤال يتردد عند البعض. حسنًا، لقد فشل الاحتلال في تنفيذ أهدافه، وصمدت المقاومة، ثم حققت معظم أو كل أهدافها من الاتفاق، لكن بعض/ معظم ذلك منوط بأمور لم تكن موجودة أصلًا قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، فضلًا عن الفاتورة الفادحة، فلماذا كان قرار "الطوفان" إذن؟ وهل كان يستحق كل هذه التضحيات؟

يفترض هذا السؤال، ضمنًا، أن من اتخذ قرار السابع من أكتوبر/ تشرين الأول كان يتوقع كل هذه التداعيات بما فيها حرب الإبادة، ورغم ذلك اتخذ قراره، أو أنه "فشل في توقع" هذه الارتدادات. والحقيقة أن هذين الافتراضين، المتناقضين للمفارقة، لا يقومان على أساس نظري أو عملي صحيح.

عمليًا، كان واضحًا أن "طوفان الأقصى" مختلفة عما سبقها من مواجهات وحروب مع الاحتلال، وأن ردة فعله ستكون بالتالي أشد قسوة بما في ذلك الدخول البري للقطاع، والذي بات من الواضح أن المقاومة قد اتخذت احتياطاتها له على مستوى هيكلة كتائب القسام تحديدًا في مناطق القطاع، وكذلك الأساليب القتالية والأسلحة المستخدمة.

إعلان

وأما نظريًا ومبدئيًا، فثمة مغالطة خطرة في هذا الطرح، الذي يعرض حرب الإبادة، ضمنًا، وكأنها رد فعل عادي ومنطقي ومتوقع كان ينبغي الاحتياط له أو تجنبه بخطوات محددة، وهذا غير صحيح، وغير أخلاقي كذلك.

فهل كان ينبغي على المقاومة الفلسطينية أن تتوقع أن تكون ردة الفعل على مهاجمة قوة غزة استباحة القطاع بالكامل، بناسه وبنيانه ومرافقه، وتنفيذ حرب إبادة وسيناريو تهجير المدنيين، وحصول "إسرائيل" على دعم غير مسبوق ولا محدود ولا مشروط – بل مشاركة فعلية – من المنظومة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، بينما يقف العالم العربي والإسلامي بين متفرج ومتواطئ وعاجز عن إدخال أبسط المساعدات الإنسانية، وأن العالم سيتحمل مشاهد المجازر اليومية على مدى ما يقرب من 500 يوم متواصلة؟

فالإبادة لم تكن ممكنة لولا مواقف مختلف الأطراف طوال العدوان، فكيف يُتغاضى عن هذه الأدوار التي ساهمت بها، بينما يوجه اللوم للطرف الوحيد الذي اضطلع بمسؤولياته بشكل شبه مثالي؟

من جهة ثانية، فقد تغيرت مبادئ الأمن القومي "الإسرائيلي" في الحرب الأخيرة بشكل جذري وكامل، بعد أن انهارت الأسس السابقة، ما يصعّب كثيرًا إمكانية المقارنة مع المواجهات السابقة.

ولئن كان تهميشُ المنظومة الأمنية "الإسرائيلية" يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول أحد أهم الأسباب في هذا التغيير، لكنه لم يكن العامل الوحيد، حيث حضرت عوامل ذاتية وإقليمية ودولية مستقلة عن تلك العملية، بدليل تغير هذه المنظومة مع حزب الله في لبنان بدون تغيرات دراماتيكية في قواعد المواجهة في جنوب لبنان، والضفة الغربية مثال آخر.

بهذا المعنى، يمكن النظر للعدوان البري على غزة كحرب أو مرحلة مستقلة عن الطوفان وإن كانت متأثرة به، ولذلك فإن من يقيس قرار الطوفان على خسائر حرب الإبادة وكأنه يقيّم معركة/ حربًا بناءً على نتائج أخرى مختلفة عنها بالكلية.

إعلان

كما أن هذه النظرة تتجاهل التداعيات بعيدة المدى للحرب على دولة الاحتلال، من حيث الانقسامات والخلافات الداخلية، والمحاكمات والاستقالات، فضلًا عما يرتبط مباشرة بمسألة البقاء والخطر الوجودي، من قبيل تهاوي الردع، والحاجة لدعم قوى عظمى، وتداعي الاقتصاد، وفقدان الشعور بالأمن، وتراجع الثقة بالمؤسسة العسكرية – الأمنية.

وأخيرًا، فإن رفض القيام بعمليات مبادِرة أو مهاجِمة من باب أن ردة فعل الاحتلال ستكون دموية يقدح في أصل فكرة المقاومة، التي مسؤوليتها ورسالتها التحرير وليس مجرد المناوشة، في ظل أن الاحتلال سيسعى دائمًا لتعظيم الثمن ضمن سياسة كيّ الوعي، وهو ما يتطلب حذرًا إضافيًا في ترديد سرديات قد تخدم بعض أهدافه في هذا السياق.

في الختام، لا شك أن مجرد نجاة شعبنا في غزة من المقتلة التي عرضهم لها الاحتلال كل هذه الشهور مكسب عظيم، ولا شك أن المشهد فيه من الجلال والرهبة ما يفرض الخطاب الرصين الهادئ أمام فداحة التضحيات.

لكن، ومن زاوية أخرى، فإن من حق هذا الشعب العظيم الذي قدم التضحيات العظيمة وصمد رغم الإبادة وأفشل خطط التهجير أن نقول له إن تضحياته لم تذهب هباءً، وإن صموده أينع نصرًا، وإن تراجع الاحتلال وإذعانه في الاتفاق الأخير لم يكن ليحصل لولا بسالة المقاومة وصمود شعبها الذي راهن الاحتلال على رفعه الراية البيضاء، أو تخليه عن المقاومة وتسليمها، وهو مما ينبغي لنا الفخر به كواجب تجاههم وليس فقط كحقّ لنا.

لقد انتصرت غزة، بأهلها ومقاومتها، ليس من باب الادعاء والرطانة اللغوية، ولكن بتقييم موضوعي للحرب ونتائجها قصيرة الأمد وبنود الاتفاق، والأهم بما مهدته من مسارات لاستكمال مشروع التحرير على المدى البعيد.

الأهم، أن يكون النظر واستخلاص الدروس للاستفادة في تحسين المسارات المستقبلية وتقديم النصح في هذا الاتجاه، وليس من باب التقريع وادعاء احتكار الحكمة والمصلحة، والأهم الاضطلاع بالمسؤوليات الفعلية وعدم الاكتفاء بالكلام على أهميته.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات السابع من أکتوبر تشرین الأول فضل ا عن فی هذا

إقرأ أيضاً:

تفريغ الطوفان من زخمه

خطة ترامب بالتهجير بدت غير قابلة للتطبيق على الأرض، ومع الإفراط في تداولها بدت كأنها خطة تمويه لأمر آخر لم ينكشف للكثيرين. القائلون بجهل ترامب بالتاريخ يغفلون علمه بالتجارة وهو يفكر كتاجر، لذلك لا نراه يعرض في السوق سلعة غير قابلة للبيع، أو على الأقل هناك صاحب سلعة لا يشاركه الصفقة وأعني الفلسطيني صاحب الأرض وموضوع التهجير، لقد دفع ثمن الأرض دوما وفضل الموت فوقها على الهجرة إلى أمكنة قد يكون فيها رفاه كبير.

خطة التهجير تمويه لأمر أهم من التهجير ولترامب فيه شركاء ما زالوا يواصلون الكذب على الجمهور الطيب. هناك انتصار عظيم في غزة والمنتصرون يستعرضون قوتهم بما يعني أنهم مستعدون للمزيد من المواجهة، أي أن عدوهم يفكر ألف مرة الآن في العودة إليه محاربا، لكن لا يجب أن يتمتع الفلسطيني بنصره ويجب إذلاله وتجريده من سلاحه. كيف يمكن تفريغ الانتصار من زخمه ليثقل بهزيمة نفسية؟ ومن سيتكفل بالمهمة القذرة؟

ترامب وشركاؤه
ترامب لا يتحرك وحده بل له شركاء، وقد سماهم وهو في وضع الإملاء عليهم. وفي ظني أن قدرته على الإملاء لا تأتي من أن له عليهم يد وفضل مالي فحسب، بل لأنه أعرف منهم بأن الفلسطيني المنتصر يشكل وحيا للجمهور في دول هؤلاء الشركاء
ترامب لا يتحرك وحده بل له شركاء، وقد سماهم وهو في وضع الإملاء عليهم. وفي ظني أن قدرته على الإملاء لا تأتي من أن له عليهم يد وفضل مالي فحسب، بل لأنه أعرف منهم بأن الفلسطيني المنتصر يشكل وحيا للجمهور في دول هؤلاء الشركاء. انتصار الطوفان وقد كملته حماس باستعراض قوة؛ حسّن المزاج النفسي للشعوب وحرّض خيالها على أمر، فإذا كان جيش العدو قابلا للهزيمة فإن شرطة هؤلاء أهون وأقل تسليحا. إن ترامب وشريكه العربي يعرفان أن عروشهم على فوهات براكين، والطوفان أيقظ كل البراكين.

لقد ناصروا العدو لكي لا تصلهم أمواج الطوفان أو نيرانه، لكن رغم ذلك انتصرت حماس والمقاومة (الأطروحة والأشخاص)، وشركاء ترامب العرب الآن واقفون في صف المهزوم ويحتاجون غسل العار، وهذا ما يعرفه ترامب. كيف نقلل من حجم النصر فتظهر حماس قاصرة وعاجزة فيثور عليها جمهورها (ثم تقول الأنظمة لشعوبها انظروا إن حماس فاشلة ولا يمكن الاقتداء بها أو إن رجال حماس شجعان لكنهم عاجزون عن الإدارة فلا تتبعوهم)؟

خطة ترامب بالتوافق مع الأنظمة نرسل تهديدا بالتهجير، ولا نتابع التهديد بأي إجراء ميداني كنقل قوات عسكرية. نمنح فرصة للأصدقاء (وبرقابهم عار غزة) ليتسلطنوا بالتهديدات التي نعرفها ولا تزعجنا، نغطي في مرحلة أولى الحديث عن بقعة الضوء الكبيرة التي أرسلها الطوفان إلى كل مكان. هكذا ننقل الحديث بسرعة عن مفاعيل الطوفان إلى كيفية التصدي للتهجير (هذا جزء من الخطة)، وصار الحديث عن كرم السيسي أهم من معاناة من يتلقى المساعدة (حتى الآن تم التنظيف بنجاح، فالسيسي صار بطلا قوميا بمال قطري).

هاتوا المال وانسوا التهجير

هذا جانب آخر من رسائل التهديد بالتهجير؛ الآن وقد خفتم من الفلسطيني عليكم القيام بأمور مهمة وإلا.. (نعود إلى التهجير).

المال مقابل عدم التهجير هذا حديث التاجر وهو موجه للسعودية بالخصوص، فهي ليست عند ترامب أكثر من "كدس فلوس" يمكن له أن يغرف منه بقدر ما يشاء.

يمكن أيضا التخفف من عبء مساعدات مصر والأردن، فلا شيء يلزم ترامب بمساعدة جيش لا يحارب أو ليس له عدو ولا معركة. ليس لإسرائيل عدو في مصر (وفي الأردن) غير شعب مصر، وهذا تتكفل به شرطة مدربة ومسلحة تسليحا كافيا، ولو بدون مساعدة أمريكية. لقد وضع ترامب وعلى طريقة قائد عصابة؛ المسدس على بعض الجماجم وليس في نيته قتلها لأنه يعرف أن لها في جيوبها ما به تفتدي وستفتدي، وتظن نفسها غنمت سلامتها من فلسطيني مهاجر.

محاصرة الطوفان

الطوفان لا يخيف ترامب بقدر ما يخيف الجوارَ العربي، إن لديه علما بعمق الموجة التحررية التي أطلقها الطوفان، وقد عمل الجوار أثناء المعركة على قهر الشعوب فلا تتعاطف ولا تشارك، ولكن الفكرة لا يمكن حصارها. إنه يتخيل الصورة التالية؛ حماس منتصرة وباقية في غزة فاعلا وحاكما، أي نجاح في القتال ونجاح في الحكم وبمال يرسلونه للتغطية على خيانة المعركة. وترجمة هذه الصورة أن نصر الطوفان سيتوسع ويمتد بالقوة إلى الشعوب المقهورة، متى وكيف؟ هذه أسئلة تشغل الجوار، لذلك يحتاط لها بتفريغ النصر من قوته بوضع مطلب نزع سلاح المقاومة على طاولة تفاوض وتهجير المقاتل، كما حصل لقوات فتح من بيروت العام 1982.

التهجير لم يكن هدفا حقيقيا لترامب، كان الهدف إعادة تدوير الأنظمة وقد حصل، وتهيئة الأرض لطمس النصر بحديث اليوم التالي، حيث يمكن لمن خان المعركة أن يدس أنفه في الحكم بعدها. هذه معركة أخرى سيفوز بها الفلسطيني الذي دفع ثمن حريته
إن مقاومة أثر الطوفان وتقليل مكاسب المقاومة أو محوها نهائيا، مطلب يلتقي فيه العدو مع النظام العربي الرسمي. وهذا ليس جديدا، فقد كان الفلسطيني وقضيته مزعجا لهذه الأنظمة، إنها لا تفلح في تجاهل الفلسطيني لأن الشعوب متعاطفة معه ولكنها لا تريد له أن ينتصر لأن نصره يمتد لها فيسقطها، فضلا على أنه ما دام الملف مفتوحا فيمكنها العمل دوما مثل نظام البعث السوري وإن بمفردات مختلفة (تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو).

يوشك نصر الطوفان أن يقلب المعادلة، فلا تجد هذه الأنظمة ذريعة لقمع شعوبها باسم المعركة القومية، وتوشك أن تفقد سبب وجودها القائم على خدمة العدو وحمايته من هزيمة.

لقد اتضحت صورة المستقبل بنصر الطوفان؛ العدو قابل للهزيمة وتغيير المنطقة ممكن جدا، بما يعني نهاية الأنظمة العربية التي عاشت من كسر جناح الفلسطيني خدمة للعدو حتى صار بقاؤها مرتهنا ببقاء العدو. هذه حقيقة قديمة ظهرت في كل معارك الفلسطيني، ولكن الطوفان جلّاها وأخرجها إخراجا قويا ومقنعا وواعدا بأمل حقيقي.

التهجير لم يكن هدفا حقيقيا لترامب، كان الهدف إعادة تدوير الأنظمة وقد حصل، وتهيئة الأرض لطمس النصر بحديث اليوم التالي، حيث يمكن لمن خان المعركة أن يدس أنفه في الحكم بعدها. هذه معركة أخرى سيفوز بها الفلسطيني الذي دفع ثمن حريته.

مقالات مشابهة

  • تفريغ الطوفان من زخمه
  • القانوع: جاهزون لإتمام تنفيذ الاتفاق لكل مراحله بما يحقق مطالبنا
  • ما نوع القنابل التي عرضتها المقاومة خلال تسليم جثث الأسرى الإسرائيليين؟
  • خسائر الاحتلال.. 67 مليار دولار و25 ألف جريح و846 قـ.تيلا
  • ما هي الصورة التي أخفتها المقاومة على منصة التسليم ؟
  • ماذا يقلق الاحتلال بمخيمات الضفة ولماذا يحولها إلى أحياء؟
  • محللون: هذه الأسباب تمنع نتنياهو وترامب من استئناف الحرب في غزة
  • حماس: معنيون بإنجاز المرحلة الأولى من الاتفاق بكافة بنوده رغم تعنت الاحتلال
  • جواد ظرف: سردية "إيران الضعيفة" التي يبينها نتنياهو "خطيرة"
  • حماس ترد على تصريحات إسرائيل بشأن مستقبل المقاومة في غزة