الصداقة ليست مجرد علاقة عابرة أو تواصل اجتماعي عادي، بل هي قيمة إنسانية عظيمة تضيف لحياتنا معنى ولونًا وتجعلها أكثر جمالًا. الصديق الحقيقي هو من يدفعك للأمام، يقف بجانبك في لحظات الفرح والحزن، ويشاركك التحدّيات والنجاحات. ولكن ماذا لو أصبحت بعض العلاقات عبئًا ثقيلًا؟ وماذا لو لم تعد تضيف لحياتنا شيئًا؟ هل من الأنانية أن نضع حدًا لمثل هذه العلاقات؟

الحقيقة أن التخلُّص من العلاقات السامة هو أمر ضروري في كثير من الأحيان.

الصديق السام هو الشخص الذي يمتص طاقتك، ينشر السلبية في حياتك، ويجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك. هؤلاء الأشخاص لا يظهرون احترامًا لمشاعرك أو قيمتك، بل قد يكونون سببًا في إحباطك وتقليل ثقتك بنفسك. اتخاذ قرار بإنهاء هذه العلاقات ليس أنانية، بل هو حب واحترام للذات. فالحياة قصيرة جدًا لنضيّعها مع أشخاص يُثقلون كاهلنا ويسحبوننا للخلف.

لكن الأمر يزداد تعقيدًا عندما نتحدث عن الأصدقاء العاديين الذين لا يضروننا، ولكنهم أيضًا لا يساهمون بشكل كبير في تقدمنا. بعض الأشخاص يرون أن التخلُّص من هؤلاء الأصدقاء أمر ضروري لتحقيق النجاح. وأتذكر مقطع فيديو لأحد رواد الأعمال الذي قال: “ليسوا أصدقاء سيئين، لكنهم لا يضيفون قيمة لحياتي، وعندما لا يتقدمون معك، لا يمكنك حمل الجميع معك”. هذا الكلام، من وجهة نظري، يعكس أنانية واضحة.

للأسف، هذا الفكر أصبح شائعًا بين الكثيرين الذين ألتقي بهم. يظنون أن أي علاقة لا تضيف إليهم بشكل مباشر يجب أن تنتهي. لكن الصداقة الحقيقية ليست صفقة تجارية أو معادلة حسابية قائمة على الفائدة المتبادلة. الصداقة الحقيقية هي شعور إنساني يتجاوز فكرة “ما الذي سأحصل عليه مقابل هذا العطاء؟”.
التخلي عن أصدقاء كانوا بجانبك منذ البداية فقط لأنهم “لا يضيفون قيمة” لحياتك هو تصرف يفتقر للإنسانية. إنه يعكس تعاملنا مع العلاقات كفرص لتحقيق مكاسب شخصية، وهذا يتنافى مع جوهر الصداقة.

بالتأكيد، لكل فرد الحق في اختيار الأشخاص الذين يحيطون به. لكن التخلي عن أصدقاء عاديين لمجرد أنهم لا يساهمون في تقدمك المهني أو الشخصي يجعلنا “انتهازيين” نبحث فقط عن العلاقات التي تخدم أهدافنا.
هنا يجب أن نفرّق بين نوعين من العلاقات: العلاقات السامة والعلاقات العادية. الصديق السام يجب أن تنهي علاقتك به لأنه يستهلك طاقتك ويسبب لك الضرر. أما الصديق العادي، فهو شخص لا يضرك، ولكنه قد لا يكون بالضرورة داعمًا لك بشكل مباشر. ربما هو شخص تستمتع بالحديث معه أو تقضي وقتًا جميلًا بصحبته دون توقع الكثير منه.
الصداقة ليست تضحية غير متبادلة، لكنها أيضًا ليست عملية حسابية باردة. علينا أن نتذكر قيمة الأصدقاء الذين كانوا بجانبنا، حتى وإن لم يساهموا في تحقيق نجاحاتنا. فكل علاقة لها قيمة مختلفة، والنجاح الحقيقي لا يعني فقط المضي قدمًا، بل يعني أيضًا الاحتفاظ بالقلوب التي شاركتنا البداية.

أستمتع شخصيًا بمشاهدة مقاطع يجتمع فيها الأصدقاء القدامى الذين لم تنقطع صلتهم بسبب مصالح دنيوية. تجد بينهم الوزير ورجل الأعمال والطبيب والمعلم والموظف البسيط. لم يسأل أحدهم يومًا: “ماذا يضيف لي صديقي المعلم؟” أو “كيف أستفيد من الطبيب؟”. هذه الصداقات قائمة على المحبة لوجه الله، لا أكثر ولا أقل.
الاهتمام بأنفسنا واحترام سلامتنا النفسية لا يعني أن نتخلى عن إنسانيتنا. الصداقة هي مزيج من العطاء والتقدير. في عالم مليء بالعلاقات السطحية والمصالح، يبقى الأثر الحقيقي للأصدقاء في كونهم شركاء للحياة، لا أدوات لتحقيق أهدافنا.
فلنتذكر دائمًا أن الصداقة الحقيقية ليست وسيلة للوصول إلى النجاح، بل هي نجاح بحد ذاته. الصداقة ليست عن “الأخذ”، بل عن “المشاركة”. إنها عن أولئك الذين يجعلون حياتنا أجمل بوجودهم، بغض النظر عما إذا كانوا يضيفون “قيمة مادية” أم لا؟

jebadr@

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: بدر الشيباني

إقرأ أيضاً:

حيوانات آلية في الصين تساعد الشباب على التخلص من وحدتهم

في أحد مراكز التسوق في بكين، تتحدث تشانج ياشون بصوت منخفض إلى ما تعتبره أكثر أصدقائها وفاءً... هو روبوت على شكل دمية محشوة يُشعرها صوته الناعم والمريح بالطمأنينة وعدم الوحدة.

خلال المرحلة التعليمية في مدرستها، عانت الشابة البالغة 19 عاما من مشاكل مرتبطة بالقلق وكانت تواجه صعوبات لتكوين صداقات.

ووجدت في نهاية المطاف حلّا في «بو بو»، وهو حيوان أليف آلي يستند إلى الذكاء الاصطناعي للتفاعل مع البشر.

وتقول لوكالة فرانس برس في شقة تتقاسمها مع والديها وبطة أليفة «أصبحت أشعر وكأنّ هناك مَن أشاركه لحظاتي السعيدة».

ويتزايد في الصين استخدام الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي الذي أصبح تكنولوجيا مكتملة، بهدف مكافحة العزلة الاجتماعية.

يُباع «بوبو»، وهو روبوت ذو شعر كثيف على شكل خنزير هند ابتكرته شركة «هانجتشو جينمور تكنولوجي»، لقاء 1400 يوان (194 دولارا).

ويشير مدير المنتجات في الشركة آدم دوان إلى أنّ هذا الروبوت الذي ابتُكر لتلبية الاحتياجات الاجتماعية للأطفال ويتمتع بحجم مماثل لكرة رجبي، بيع منه ألف نسخة منذ مايو.

أطلقت تشانج ياشون على الروبوت الخاص بها تسمية «ألوو». تضعه في حقيبة تعلّقها على كتفها، أما هو فيُصدر صوتا ويومئ برأسه.

في ذلك اليوم، اشترت له من متجر للحيوانات الأليفة، سترة شتوية صغيرة مخصصة للكلاب.

وتؤكد أن هذا الروبوت يؤدي دور صديق بشري. وتقول «يجعلك تشعر أنّك شخص لا غنى عنه».

قد تزيد قيمة سوق «الروبوتات الاجتماعية» مثل «بوبو»، سبع مرات بحلول عام 2033، لتصل إلى ما يعادل 43 مليار دولار، بحسب شركة «آي ام ايه آر سي» الاستشارية.

وتهيمن آسيا أصلا على هذا القطاع.

ويقول جوو تشن (33 عاما) إن الروبوت الآلي يساعده في تعويض الوقت الذي لا يقضيه مع أولاده.

ويضيف الشاب الثلاثيني وهو يعاين كلبا آليا في متجر تبع لشركة «ويلان» في نانجينج (شرق): «حاليا، يمضي الناس وقتا أقل مع أولادهم».

ويؤكد أن الروبوت يساعد في «القيام بأنشطة كثيرة».

يُباع «بايبي ألفا»، وهو كلب آلي من ابتكار شركة «ويلان»، لقاء 26 ألف يوان (3594 دولارا).

وتشير الشركة إلى أنّ نحو 70% من المشترين هم أسر لها أطفال صغار.

يشكك جيو زيتشن بقدرة هذه الروبوتات على جعل حامليها يشعرون بالقدر نفسه من السعادة التي توفرها الكلاب الفعلية.

ويؤكد أنّ «الفرق الرئيسي هو أن الكلاب الفعلية لها أرواح».

يركز عدد متزايد من المنتجات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في الصين على الاحتياجات العاطفية للمستهلكين، كروبوتات محادثة أو صور رمزية (أفاتار) افتراضية للأشخاص المتوفين.

ويقول الخبراء إن هناك تغييرات اجتماعية كثيرة تفيد السوق، مثل آثار سياسة الطفل الواحد.

- «ضغوط كثيرة» - الأشخاص الذين ولدوا عندما بدأ تطبيق هذه السياسة خلال ثمانينيات القرن العشرين، باتوا الآن في الأربعينيات من العمر، ولا يكون متاحا لهم أحيانا سوى وقت محدود لأسرهم، بسبب الانشغالات المهنية.

وتقول وو هايان، الأستاذة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي وعلم النفس في جامعة ماكاو، إن ذلك يترك «مساحة صغيرة للتفاعلات الشخصية، مما يدفع الناس للبحث عن بدائل لتلبية احتياجاتهم العاطفية».

وتضيف الباحثة أن هذه الصحبة، حتى لو أنها افتراضية، «تحسّن الصحة النفسية للأشخاص الذين كانوا ليشعروا بالوحدة لولاها».

يقول تشانج بينج، والد تشانج ياشون، إنه يتفهم تعلّق ابنته بالروبوت الخاص بها.

ويضيف هذا الرجل البالغ 51 عاما لوكالة فرانس برس: «عندما كنا صغارا، لم يكن هناك نقص في الأصدقاء. كانت لدينا مجموعة منهم».

ويتابع: «اليوم، يبدو أن الشباب الذين يعيشون في المدن يواجهون ضغوطا كثيرة، لذا قد ينقصهم أصدقاء».

تقول تشانج، وهي الولد الوحيد في عائلتها، إنّ الروبوت ساعدها على مشاركة مخاوفها مع والديها.

وتضيف: «يواجه أبناء جيلي صعوبة في التواصل وجها لوجه مع الآخرين. لكن ما يشعرون به في أعماقهم لم يتغير».

وكالة فرانس بريس العالمية

مقالات مشابهة

  • أستاذ في العلاقات الدولية: نتنياهو لن يكون جزء من المشهد السياسي بعد نهاية حرب غزة
  • ابراهيم الصديق على يكتب: اجندة المستقبل فى رؤية الوطني (1-2)
  • عصام السقا: أقدم شخصية الصديق «الجدع» في مسلسل «فهد البطل»
  • ملك إسبانيا والرئيس السيسي يتناولان مشروب الصداقة التاريخية
  • الرئيس السيسي: توقيع وثيقة لترفيع العلاقات المصرية الإسبانية لمستوى الشراكة الإستراتيجية
  • شكر وامتنان
  • السيسي مع رئيس الحكومة الإسبانية: أكدنا ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • حيوانات آلية في الصين تساعد الشباب على التخلص من وحدتهم
  • الساعدي: ثورة التكبير خطوة وليست كل شيء
  • حكومة المليشيات المتوقع تكوينها هي بنت الهزيمة وليست بنت الانتصار