لماذا جاء العُمانيون مجدداً إلى صنعاء؟
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
منذ يومين يتواجد في العاصمة صنعاء وفد عُماني في زيارة هي العاشرة من نوعها خلال ثلاثة أعوام، في تأكيد لا يقبل الشك على محورية الوساطة العمانية، لكن الزيارة هذه المرة محاطة بقدر كبير من الشكوك في جدواها من جانب المراقبين، إلى جانب أنها تفتقد إلى الزخم الذي حظيت به الزيارة قبل الأخيرة للوفد رفقة سفير السعودية لدى اليمن محمد آل جابر لصنعاء، والتي أعطت انطباعاً بأن السلام على مرمى حجر من اليمنيين.
فلماذا تتجدد هذه الزيارة؟ سؤال يعيدنا إلى مبررات الدور اللافت لسلطنة عمان في الأزمة والحرب، والذي يتأسس إلى علاقاتها الوطيدة بإيران، وتفويضها من قبل المجتمع الدولي لتكون نقطة اتصال بين أطراف الأزمة اليمنية.
وغالباً ما تُستدعى الوساطة العمانية، بدفع من الأطراف الإقليمية والمجتمع الدولي ومن الولايات المتحدة على وجه الخصوص، وتتم عقب زيارات يقوم بها المبعوثان الأمريكي والأممي إلى المنطقة. كما أنها تتحقق في اللحظة التي يتجه فيها الوضع نحو تصعيد لا يرغب به المجتمع الدولي، في متوالية تبدأ بالتهديد اللفظي من قبل جماعة الحوثي الانقلابية بالتصعيد العسكري العابر للحدود، تليه تحركات للتهدئة يتم من خلالها تمرير مطالب تراكمية للجماعة تعزز بها قبضتها الميدانية وسطوتها على الكتلة السكانية الأكبر في اليمن.
وفي حين تكشف التغريدات العائدة لقيادات في جماعة الحوثي على خلفية زيارة الوفد العماني، عن حجم التطمينات التي منحتها الرياض لهذه الجماعة في السابق، خصوصاً بعد زيارة سفيرها لصنعاء محمد آل جابر، فإنها تُبقي على المستوى ذاته من خيبة الأمل لدى هذه القيادات من أن السعودية ربما تبيع لجماعتهم كلاماً لا أقل ولا أكثر، وهو تكتيك يفتقد إلى الألق في ظل التطورات المتسارعة على خط العلاقات السعودية الإيرانية، إذ تتزامن زيارة الوفد العماني مع زيارة لوزير الخارجية الإيراني للرياض.
الوفد العماني سوف يعود خالي الوفاض على الأرجح، ولن يتمكن من التوصل إلى تفاهمات لعقد الاتفاق الذي بشَّرتْ به بعض قيادات جماعة الحوثي مع الرياض، لأن السعودية تريد أن تحصد مقابل المزايا التي منحتها لجماعة الحوثي خلال الفترة الماضية، اعترافاً من هذه الأخيرة، بدور أبوي للمملكة في الأزمة اليمنية، بحيث تكون نهاية الأزمة مرهونة بمباحثات تلعب فيها الأمم المتحدة دوراً تنسيقياً، وتستأثر فيها الرياض بالدور الحاسم
لذلك ستبقى تهديدات قيادات جماعة الحوثي، ضمن حدود المناورة السياسية التي تمارسها الجماعة، ورغبتها كذلك في استمرار تعريض الموقف السعودي لضغوط قوية وصولاً إلى الحد الأعلى مما تطمح إليه هذه الجماعة، وهو الحصول على صفقة متكاملة من المزايا السياسية والعسكرية والجيوسياسية، التي تنتهي بالتحييد النهائي للسلطة الشرعية، وإفساح المجال لبقية قوى الأمر الواقع لتتنازع النفوذ تأسيساً على مشاريع من السابق لأوانه التعاطي مع مشروعيتها على المستوى الدولي، وهي وصفة لتكريس الفشل المُسيطَر عليه في اليمن لأطول فترة ممكنة، وهو ذات الهدف الذي تتشاركه كل الأطراف الخارجية والداخلية المتربصة بالدولة اليمنية.
إن عودة الوفد العماني إلى صنعاء بدون السفير السعودي، تشير في إحدى دلالاتها إلى أن جزءا من مهمة الوفد ربما تهدف إلى استعادة التفاهمات بين الرياض والحوثيين، وتكريس المسار التفاوضي باعتباره تعاطيا ثنائيا حصريا بين الجماعة الانقلابية والرياض، وحصر التفاهمات ضمن الملف الإنساني، بما لا يترتب عليها أي استحقاق يمكنه أن يسلب صلاحيات الدولة التي استحوذت عليها جماعة الحوثي، وإعادتها طرفاً من الأطراف التي تتفاوض حول إنهاء الحرب وإعادة الاستقرار وفق المرجعيات المعتبرة.
وتأسيساً على هذا الفهم فإن الوفد العماني سوف يعود خالي الوفاض على الأرجح، ولن يتمكن من التوصل إلى تفاهمات لعقد الاتفاق الذي بشَّرتْ به بعض قيادات جماعة الحوثي مع الرياض، لأن السعودية تريد أن تحصد مقابل المزايا التي منحتها لجماعة الحوثي خلال الفترة الماضية، اعترافاً من هذه الأخيرة، بدور أبوي للمملكة في الأزمة اليمنية، بحيث تكون نهاية الأزمة مرهونة بمباحثات تلعب فيها الأمم المتحدة دوراً تنسيقياً، وتستأثر فيها الرياض بالدور الحاسم، استناداً إلى مبررات عديدة يمكن أن يتفهمها المجتمع الدولي، ومن بينها أنها القوة الإقليمية الكبرى الضالعة بشكل رئيس في إدارة الأزمة اليمنية، والأكثر تأثراً بما يجري في اليمن، مما يتعين الأخذ بعين الاعتبار مصالح المملكة كأولوية في أية تسوية، وما من تسوية يمكن أن تلعب فيها السعودية دوراً حاسماً يمكن أن تنجز وفقاً لمعايير الأمم المتحدة، بل عبر مبادرة تحضر فيها الأعراف والتقاليد أكثر من أي شيء آخر.
وربما يحسن التذكير هنا بأن موقف السعودية لا يبدو، كما يتمنى الحوثيون، عرضة سهلة للابتزاز من قبلهم، لأن جماعة الحوثي تكاد تغرق عملياً في المزايا التي حصلت عليها طيلة السنوات الماضية، تحت أنظار ملايين الجوعى والمعدمين، الرازحين تحت سلطتها، وأنتجت طبقة حاكمة متخمة ومتسلطة ومتجبرة وعنيفة ومستأثرة بكل مقدرات اليمنيين.
الضغط الذي يتنامى ضد جماعة الحوثي، ويهدد بتقويض سلطتها من الداخل على وقع غضب مكبوت ورفض شامل لوجودها على رأس سلطة مفروضة بالقوة على اليمنيين في صنعاء، هو الذي دفع قيادة الجماعة لإعادة تصدير هذا الاحتقان نحو الخارج، عبر إظهار براءة الجماعة مما آلت إليه الأمور في صنعاء وبقية المدن والقرى الرازحة تحت سيطرتها، وإظهار الأمر كما لو كان محصلة "الحصار الشامل" المزعوم المفروض من قبل التحالف
فخلال الفترة الماضية راكمت جماعة الحوثي ثروة مالية كبيرة جداً بعد أن أفسحت لها التنازلات المقدمة من السلطة الشرعية بضغط من الرياض؛ فرصة ثمينة لتأمين مصادر دخل مهمة من ميناء الحديدة الذي بات يستقبل معظم الواردات التجارية، واعتمادها على المشتقات النفطية القادمة من إيران والإفادة من عوائد بيعها بأسعار مرتفعة، بالإضافة إلى العوائد النقدية بالعملة الصعبة من المغتربين في الخارج وعائدا قطاع الاتصالات، في وقت تعالت فيه أصوات أطراف أساسية في سلطة الأمر الواقع تطالب القيادة الفئوية والطائفية لهذه السلطة بالإفراج المليارات المخبئة في الأقبية لصرف مرتبات مئات آلاف الموظفين المعدمين، وإنقاذ الملايين من الجوعى والمرضى واليائسين.
من الواضح أن الضغط الذي يتنامى ضد جماعة الحوثي، ويهدد بتقويض سلطتها من الداخل على وقع غضب مكبوت ورفض شامل لوجودها على رأس سلطة مفروضة بالقوة على اليمنيين في صنعاء، هو الذي دفع قيادة الجماعة لإعادة تصدير هذا الاحتقان نحو الخارج، عبر إظهار براءة الجماعة مما آلت إليه الأمور في صنعاء وبقية المدن والقرى الرازحة تحت سيطرتها، وإظهار الأمر كما لو كان محصلة "الحصار الشامل" المزعوم المفروض من قبل التحالف، وهي مزاعم لم يعد يصدقها اليمنيون بعد الانفراجة الكبيرة التي تحققت منذ نحو عامين.
ذلك يعني أن الخيار العسكري الذي تلوح به جماعة الحوثي ليل نهار وإمكانية الإقدام عليه إن على المستوى الداخلي أو عبر الحدود، ليس إلا مغامرة مهلكة، إذ لم يعد لد الجماعة ما يكفي من الشعارات المقنعة لتصديرها إلى الناس، الذين ينتظرون لحظة الخلاص من هذه الجماعة على أحر من الجمر.
twitter.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ع ماني السعودية اليمن السعودية اليمن الحوثيين ع مان مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأزمة الیمنیة الوفد العمانی جماعة الحوثی فی صنعاء من قبل
إقرأ أيضاً:
الأردن يحظر رسمياً جماعة الإخوان المسلمين
#سواليف
أعلنت الحكومة تفعيل حكم قضائي يعود لعام 2020، يقضي بحل جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة في البلاد.
ويقضي القرار اعتبار جماعة الإخوان منحلة حكماً وفاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية وذلك لعدم قيامها بتصويب اوضاعها القانونية وفقا للقوانين الأردنية.
وأكد وزير الداخلية مازن الفراية، الأربعاء، ثبوت قيام عناصر بجماعة الإخوان المسلمين بالعمل في الظلام وبنشاطات من شأنها زعزعة الاستقرار.
مقالات ذات صلة استمرار التقلبات الجوية الأسبوع المقبل وارتفاع فرص تساقط الأمطار 2025/04/23كما اكد وزير الداخلية، ثبوت قيام عناصر بالجماعة بالعبث بالأمن والوحدة الوطنية والإخلال بمنظومة الأمن والنظام العام.
وقال وزير الداخلية ” حاولت الجماعة في نفس ليلة الإعلان عن مخططات الخلايا تهريب وإتلاف كميات كبيرة من الوثائق من مقارها لإخفاء نشاطاتها وارتباطاتها المشبوهة.
كما كشف وزير الداخلية عن ضبط عملية لتصنيع المتفجرات وتجريبها من قبل أحد أبناء قيادات الجماعة المنحلة وآخرين كانوا ينوون استهداف الأجهزة الأمنية ومواقع حساسة داخل المملكة.
وأضاف وزير الداخلية: إن استمرار الجماعة المنحلة بممارساتها يعرض مجتمعنا لمجموعة من المخاطر ويؤدي إلى تهديد حياة المواطنين.
وزير الداخلية: تسريع عمل لجنة الحل المكلفة بمصادرة ممتلكات الجماعة وفقاً للأحكام القضائية ذات العلاقة.
وزير الداخلية يعلن حظر نشاطات ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جمعية غير مشروعة
وزير الداخلية: حظر الترويج لأفكار الجماعة تحت طائلة المساءلة القانونية.
وزير الداخلية: اعتبار أي نشاط للجماعة أياً كان نوعه عملاً يخالف أحكام القانون ويوجب المساءلة القانونية.
وزير الداخلية: إغلاق أي مكاتب أو مقار تستخدم من قبل الجماعة حتى لو كانت بالتشارك مع أي جهات أخرى.
وبعد قرار حل الإخوان في الأردن، قامت قوات الأمن العام بإغلاق مقرات الجماعة في المراكز الرئيسية والمحافظات، وإنزال اليافطات التي تحمل اسم الجماعة وشعارها، ومصادرة الممتلكات، فيما لم تستبعد مصادر كذلك أن يصل الأمر إلى ملاحقة قياديين منها.
ويأتي القرار الأردني، بعد يوم من مطالبة حركة حماس بالإفراج عن متهمين في القضية المعروفة إعلامياً باسم خلايا الفوضى والتي وجهت فيها السلطات الأردنية الاتهام، الأسبوع الماضي، لـ16 شخصاً بالمشاركة في مخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني، وإثارة الفوضى، والتخريب المادي داخل المملكة.
وقال بيان للمخابرات العامة إن المخططات شملت قضايا تتمثل في: تصنيع صواريخ بأدوات محلية، وأخرى جرى استيرادها من الخارج لغايات غير مشروعة، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية، وإخفاء صاروخ مُجهز للاستخدام، ومشروع لتصنيع طائرات مسيَّرة، بالإضافة إلى تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج.
وكانت مصادر أردنية شددت في تصريحات عقب الكشف عن خلايا الفوضى على أن (المرونة) التي تعاملت بها السلطات الأردنية مع الجماعة غير المرخَّصة كانت فرصة لتنظيم الصفوف، واختصار النشاط، عبر ذراعها السياسية (حزب جبهة العمل) المرخَّص والممثل في البرلمان المنعقد حالياً، لكنها أساءت التصرف ولم تقابل المرونة الرسمية بضرورة وضع حد لتصرفات بعض قياداتها وأعضائها.
ومن الاحتواء إلى الخصومة وتأسست «جماعة الإخوان المسلمين» في الأردن عام 1946، بصفتها جمعيّة دعوية تنشط في تقديم المساعدات من خلال جمع التبرعات.
واستقطب نشاطها شباباً تأثروا بدعوات الجماعة ومسلكيات قياداتها في العمل العام.
وخلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي ظلت «جماعة الإخوان المسلمين» حليفاً للحكومات، وقد تدرج قياديون منها في مواقع رسمية متقدمة، تمكنوا عبرها من تعريض قواعدهم الشعبية، ونشر خطابهم في المجتمع الأردني، بعد احتكارهم خطاباً دينياً جاذباً لمجتمع محافظ تاريخياً.
وخلال حقبة السبعينات تطورت العلاقة بين الجماعة والحكومات على أرضية الشراكة والتحالف، وتحديداً خلال الحكومة الأخيرة لرئيس الوزراء الراحل وصفي التل، الذي عيّن القيادي الإسلامي البارز الدكتور إسحاق الفرحان وزيراً للتربية والتعليم ووزيراً للأوقاف في فترتين منفصلتين.
ثنائية الجماعة والحزب بعد أحداث «هبة نيسان» من عام 1989 وإقالة الحكومة وقرار العودة للحياة الديمقراطية بعد عقود من الأحكام العرفية، ترشحت الجماعة في انتخابات مجلس النواب الحادي عشر (1989 – 1993) وشكلت كتلة وازنة في ذلك المجلس الذي حظي بثقة شعبية واسعة. مع ذلك المجلس انتهت حقبة الأحكام العرفية وبدء العمل على إقرار قوانين سياسية كان في مقدمتها قانون الأحزاب.
ذهبت الجماعة في ذلك المجلس إلى منح الثقة لأول مرة والمشاركة في حكومة رئيس الوزراء مضر بدران، وكان ذلك تحت شعار دعم الأردن للعراق في مواجهة عدوان قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
حزب جبهة العمل
في عام 1992 تأسس حزب «جبهة العمل الإسلامي»، وأصبح الذراع السياسية لـ«جماعة الإخوان المسلمين» الدعوية، ومن هناك بدأ الحديث عن تبعية الحزب للجماعة، وليس فك الارتباط بين العمل الدعوي والعمل السياسي.
لكن الانقلاب في العلاقة بين الجماعة والحكومات بدأ منذ إعلان الحكومة التي تلت حكومة بدران برئاسة طاهر المصري قرارها المشاركة في «المؤتمر الدولي للسلام» الذي انعقدت أولى جلساته في العاصمة الإسبانية مدريد عام 1992، وتوقيعهم مذكرة نيابية تدعو لطرح الثقة بحكومة المصري، قبل أن يستقيل المصري بإرادته.
وبعد إقرار قانون معاهدة السلام، ابتعدت الجماعة الإسلامية وحزبها عن تحالفاتهم الرسمية، وبدأت الحركة بتوسيع قواعد رفضها للسلام مع إسرائيل والتطبيع الرسمي معها.
في تلك الفترة قاطعت الجماعة والحزب انتخابات مجلس النواب الثالث عشر الذي جرت عام 1997. ذلك القرار تبعته انشقاقات في صفوف الحركة وخروج قياديين منها احتجاجاً على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية، ليذهب بعض القياديين المنشقين إلى تأسيس حزب «الوسط الإسلامي» بقيادة عبد الرحيم العكور.
ووقتها سيطر على العلاقة بين الجماعة والحكومة غياب الثقة، ودخلت الجماعة والحزب في حالة سكون خلال فترة مرض الراحل الملك الحسين، وتسلم الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية.