يمانيون../
دخَلَ اتّفاقُ وقف إطلاق النار في غزةَ حيِّزَ التنفيذ، الأحد، وسط أجواء احتفالية بالانتصار التاريخي الذي تعاضدت المقاومة الفلسطينية مع شعبها في تأمين الوصول إليه وتثبيت شروطِه على مدى 15 شهرًا من الصمود في وجه الإبادة الجماعية الوحشية والتدمير الشامل، بمساندة تأريخية أَيْـضًا من جانب جبهات المقاومة في لبنان واليمن والعراق؛ ليعودَ العدوُّ إلى نقطة البداية محرومًا من أي إنجاز فعلي، وعاجزًا عن تغيير الواقع الجديد الذي فرضه “طوفان الأقصى”.

مع أول ساعات دخول الاتّفاق حيز التنفيذ، كانت الأجواء في غزة تعبّر بوضوح عن الطرف المنتصر، حَيثُ خرج أبناء الشعب الفلسطيني مع مجاهدي المقاومة للاحتفال معًا بالانتصار على إرادَة العدوّ وإسقاط أهدافه وإجباره على القبول بنفس الشروط التي ظن في البداية أنه سيتجاوزها، والمتمثلة بوقف الإبادة وتبادل الأسرى والانسحاب من غزة، وهو إنجاز لم تخفف من قيمته أرقام الضحايا والمشاهد المروعة للدمار الشامل، بل زادته قيمةً وأهميّةً؛ لأَنَّها تعني أن كُـلّ ما يستطيع العدوّ فعله وارتكابه من جرائم لا يغيِّر من حتمية هزيمته، وبالتالي حتمية زواله.

مشاهد عودة النازحين إلى مناطقهم برغم غِيابِ ملامحها؛ بسَببِ التدمير الهائل، ترجمت هذا بوضوح، حَيثُ عكست تلك المشاهد السقوط المدوي لما سُمِّيَت بـ “خطة الجنرالات” التي كان العدوّ يسعى من خلالها إلى تهجير الفلسطينيين قسرا بتحويل مدنهم وأحيائهم إلى أراضٍ محروقة ومناطق عسكرية، وهي خطة كان العدوّ الصهيوني يعول عليها كَثيرًا في الأشهر الأخيرة لتعويض فشله في تحقيق أهداف الحرب، وسقوطها يثبت اليوم أن إرادَةَ الشعب الفلسطيني ومقاومته أقوى وأكثر ثباتًا وفاعلية من كُـلّ استراتيجيات العدوّ وإمْكَاناته، وأنه لا يمكن هزيمةُ غزة.

هذا أَيْـضًا ما بات يدركه العدوّ بشكل واضح، وتترجمُه اعترافاتُ قادته ومسؤوليه الذين لم يتردّدوا في اعتبار الاتّفاق “هزيمة لإسرائيل” وفقًا لكل الاعتبارات، ومنها اعتراف الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي ومهندس ما تسمى “خطة الجنرالات” نفسه الذي أكّـد أن “إسرائيل فشلت بشكل مدوٍّ في غزة” وأن “حماس انتصرت بكل تأكيد”، وهي اعترافات لم يفلح مجرم الحرب بنيامين نتنياهو في تخفيف وقعها إعلاميًّا، وقد تكاملت مع دلائل أُخرى على الهزيمة، مثّل انسحاب ما يسمى بوزير الأمن القومي لكيان العدوّ، إيتمار بن غفير، مع أعضاء حزبه من حكومة العدوّ، اعتراضًا على الاتّفاق، وتهديد ما يسمى بوزير المالية سموتريتش، بإسقاط الحكومة إذَا لم تتم العودة إلى القتال؛ الأمر الذي يعمِّقُ بلا شك الأزمةَ الداخليةَ التي يواجهُها نتنياهو بالفعل منذ مدة، ويفتحُ البابَ أمام المزيد من الانقسامات التي ستبرز المزيد من دلائل الهزيمة والفشل.

المقاومة أكثر تماسكاً

لقد بدت غزةُ صباحَ الأحد، أكثَرَ تماسُكًا بكثير مما بدا عليه العدوّ الصهيوني بعد 15 شهرًا من الحرب فيما يتعلق بالموقف والتلاحم الداخلي، وإلى جانب النصر الواضح الذي حقّقته من خلال فرض شروطها العادلة على العدوّ وتعطيل فاعلية كُـلّ ما يمتلكه من نفوذ وإمْكَانات وتحالفات، فَــإنَّ غزة لم تخرج وحيدة من الحرب أَيْـضًا؛ إذ مثّل انتصارُها تثبيتًا لواقع إقليمي جديد لم يكن بحسبان العدوّ وشركائه، وهو واقعُ الإسناد متعدد الجبهات للشعب الفلسطيني والذي سعى العدوُّ طيلةَ الحرب لتفكيكِه من خلالِ استهداف كُـلّ جبهة مساندة، وُصُـولًا إلى شَنِّ حرب شاملة على لبنان، وإطلاق عدوانٍ دولي على اليمن، لكنه لم يتمكّن أَيْـضًا من تحقيق أهدافه، بل ضاعَفَ معطياتِ الفشل التي رسّخت حتميةَ هزيمته في هذه الجولة وفي أية جولة قادمة.

وفي هذا السياق فقد مثَّلَ انتصارُ “حزب الله” على العدوّ الصهيوني، مقدمة مهمة لخروج غزة منتصرة، وهو الهدف الذي وضعه سماحة الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله لجبهة الإسناد اللبنانية منذ البداية، وبرغم أن العدوّ تمكّن من توجيه ضربة كبيرة للحزب من خلال اغتيال قيادته، فَــإنَّ المقاومة الإسلامية في لبنان استطاعت بشكل مدهش احتواء تلك الضربة وقتل تأثيرها بسرعة وعكس اتّجاه الضغط العسكري والأمني باتّجاه العدوّ لإجباره على وقف عدوانه والانسحاب من جنوب لبنان بعد تعرضه لإنهاك كبير ساهم في تمهيد الطريق لانتصار غزة التي أدرك العدوّ مجبرًا أنه لن يحقّق أهدافَه فيها مثلما لم يحقّق أهدافَه في لبنان.

وقد أسهمت جبهة الإسناد اليمنية في تثبيت هذا الواقع بشكل لم يتوقعه العدوّ الذي كان في البداية قد أوكل مهمة “ردع اليمن” إلى حلفائه الأمريكيين والبريطانيين والأُورُوبيين، ليتفاجأ أنهم غيرُ قادرين حتى عن تشكيل جدار حماية فعال ضد الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية التي تطورت تقنياتها بسرعة وتحولت إلى تهديد استراتيجي -فضلًا عن وقف إطلاق تلك الصواريخ والطائرات- وهو ما دفعه في النهاية إلى محاولة التصرف بشكل مباشر، لكنه لم يستطع أن يحدث بتلك المحاولة حتى تأثيرًا دعائيًّا بسيطًا، وبرغم الرقابة التي يمارسُها على وسائل إعلامه، لم يستطع أن يمنعَ استحواذَ عناوين الفشل والإحباط على مشهدِ المواجهة مع جبهة الإسناد اليمنية، وهو ما تكامَلَ بشكلٍ فَعَّالٍ مع نتائج هزيمة العدوّ في لبنان وفشله في غزة؛ لترسيخِ واقع استحالة الانتصار في المواجهة وحتمية التعاطي مع شُرُوط غَزَّةَ في النهاية.

ولم تكتفِ جبهةُ الإسناد اليمنية بالمساهمة الفعالة في تثبيت أرضية الانتصار الفلسطيني خلال الحرب، بل عملت أَيْـضًا على ضَمانِ الإطار التفاوضي للانتصار من خلال التصعيد الكبير الذي تزامن مع آخرِ الترتيبات التفاوضية لاتّفاق وقف إطلاق النار، وُصُـولًا إلى ما قبلَ دخول الاتّفاق حيزَ التنفيذ بساعات قليلة، بالإضافة إلى دور المراقبة الذي أعلنت القوات المسلحة عن توليه من خلال الاستعداد للتعامل مع أية خروقات صهيونية للاتّفاق بعد دخوله حيز التنفيذ بالتنسيق مع المقاومة الفلسطينية، وهو دورٌ يحافظ على الانتصار بعد تحقيقه، ويثبّت واقعَ هزيمة العدوّ وواقع التغيُّر الإقليمي لصالح المقاومة الفلسطينية؛ الأمر الذي يثبّت معادلات ثباتها وانتصارها في الجولات القادمة أَيْـضًا.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الات فاق فی لبنان من خلال ة العدو

إقرأ أيضاً:

شروطُ “غزة” تطيحُ بالأهداف الإسرائيلية في اتّفاق وقف الإبادة .. جبهةُ المقاومة تهزمُ جبهةَ العدو

يمانيون../
تجسّد واقعُ هزيمة العدوّ الصهيوني في معركة “طوفان الأقصى” وحتميةُ هذه الهزيمة، بشكل أوضح من خلال الإعلان عن التوصل إلى اتّفاق لوقف حرب الإبادة التي يشنها منذ أكثر من عام على قطاع غزة.

ويمَثَّلَ الاتّفاق شاهدًا صريحًا على فشل العدوّ في تحقيق أيٍّ من أهدافه التي أعلنها منذ بدء الحرب، وبالمقابل نجاح المقاومة الفلسطينية في تثبيت مطالبها وشروطها العادلة في وجه الوحشية الهائلة المدعومة دوليًّا؛ الأمر الذي يجعلُ شركاءَ العدوّ وداعميه وفي مقدمتهم الولايات المتحدة مشمولين بالهزيمة التأريخية، مثلما يجعلُ جبهاتِ الإسناد الإقليمية لغزة شريكةً في الانتصار.

العناوين الرئيسية للاتّفاق الذي تم الإعلان عن التوصل إليه تمثلت في وقف حرب الإبادة الصهيونية، وانسحاب قوات الاحتلال بشكل تدريجي من غزة، وتبادل الأسرى، وبغض النظر عن الترتيبات والشكوك التي ستحومُ دائمًا حول جدية العدوّ في التنفيذ، فَــإنَّ هذه العناوين تمثّل بلا شك، وبشهادة الأعداء أنفسهم، انتصارًا فعليًّا للمقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني؛ لأَنَّها تعني تبخُّرَ كُـلّ الأهداف الرئيسية التي أعلنها العدوُّ في بداية عدوانه، والمتمثلة في القضاء على المقاومة تمامًا، وتحرير الأسرى بالقوة، وإحداث تغيير جيوسياسي جديد في فلسطين والمنطقة لناحية تصفيةِ القضية الفلسطينية، حَيثُ برهنت المقاومةُ قدرتَها على الثبات والصمود برغم الظروف الصعبة والتي أصبحت مستحيلةً مع العدوان الوحشي والتدمير الشامل والتخاذل الكبير، وهو ما انعكس بشكلٍ أوضحَ من خلال العمليات البطولية الأخيرة التي نفّذتها المقاومة ضد جيش العدوّ في شمال غزة المدمّـر كليًّا مع آخر أَيَّـام وساعات التفاوض، وقد أجبرت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على الاعترافِ صراحةً بأن “القضاءَ على حماس” غيرُ وارد.

وفيما يتعلق؛ بهَدفِ تحرير الأسرى بالقوة، فالاتّفاق لا يثبت فقط فشَلَ العدوّ في تحقيق هذا الهدف، بل يثبِتُ أَيْـضًا عجزه عن التقليل من قيمة ورقة الأسرى من خلالِ قتلهم بالغارات الجوية وتجاهل مطالبِ عائلاتهم ومحاولة تحويلهم إلى مِلَفٍّ ثانويٍّ لصالح عنوان “النصر المطلق”، حَيثُ بات واضحًا الآن أن المقاوَمةَ استطاعت أن تفرِضَ ورقةَ الأسرى كورقة ضغط فعالة ورئيسية، ثم استطاعت أن تفرض طريقةَ خروج الأسرى على العدوّ، وهو ما يعكسُ تماسكًا كَبيرًا على مستوى القرار والصمود الميداني، بشكل يعزّز حقيقةَ استحالة تحقيق هدف القضاء على المقاومة أَيْـضًا.

أما فيما يتعلق بمسألة تغيير الحُكم في غزة والتي أكثر العدوّ الحديث عنها تحت عنوان “اليوم التالي للحرب” فَــإنَّ قبولَ العدوّ بالانسحاب ولو بشكل تدريجي، يعبِّرُ بوضوح عن سقوطِ آماله ورهاناته بهذا الصدد، وهو أَيْـضًا ما يعبّر عنه فشلُه في تحقيق الأهداف الأُخرى؛ فبدون القضاء على المقاومة لا مكانَ لـ “التغيير” الذي كان يسعى العدوُّ لتحقيقه، الأمرُ الذي يظهر كيف تكاملت نجاحاتُ المقاومة مع بعضها بشكل فعال في مواجهة أهداف العدوّ لتجعلَه يصلُ إلى نهاية مسدودة كليًّا لا مخرَجَ منها سوى الاتّفاق الذي كانت محدَّداته واضحة وثابته منذ البداية.

وبعد أن كان العدوُّ قد ربط وَهْمَ “انتصاره” طيلة الفترة الماضية بعناوينَ أُخرى مثل تغيير الشرق الأوسط، والقضاء على جبهات المقاومة الأُخرى، فَــإنَّ الاتّفاقَ الذي تمكّنت المقاومةُ من تأمينه قد جسّد أَيْـضًا سقوطَ هذه العناوين وهزيمة العدوّ في هذا الميدان، فعلى عكس فشَلِ شركاء العدوّ وداعميه في مساعدته على تحقيق أهدافه المعلنة، فَــإنَّ جبهاتِ الإسناد الإقليمية قد نجحت في تثبيتِ معادلة عدم هزيمة المقاومة الفلسطينية وترسيخ واقع أن غزة ليست وحدها، وقد تجسد ذلك في فشل كُـلّ محاولة العدوّ لإخماد جبهة الإسناد اللبنانية من خلال اغتيال قادتها، وعلى رأسهم سماحة السيد حسن نصر الله ومحاولة اجتياح لبنان، ثم فشل محاولته لفرض معادلة الاستباحة على إيران، وعجزه الفاضح عن التعامل مع جبهة الإسناد اليمنية التي لم تكتف فقط بمواصلة وتصعيد عملياتها رغم كُـلّ الضغوط والتهديدات والاعتداءات على طول مسار المواجهة، بل صدمت العدوّ بأن تصدَّرت واجهةَ المشهد بسرعة كتهديد استراتيجي جديد وغير مألوف ومؤثّر بشكل هائل ويستحيلُ عَزلَه عن تفاصيل المعركة في غزة، حَيثُ تمكّنت هذه الجبهة من مؤازرة المقاومة الفلسطينية على طاولة المفاوضات خلال الأيّام القليلة الماضية بعمليات نوعية مكثّـفة عكست حضورا بالغ التأثير في موقع متقدم للغاية بقلب الصراع.

ووفقًا لهذه النتائج كلها، فَــإنَّ هزيمةَ العدوّ لا تقتصرُ فقط على الفشل في تحقيقِ أهدافه المعلنة خلال هذه المعركة، بل تمتدُّ إلى جولات الصراع القادمة مع العدوّ؛ لأَنَّ المكاسبَ التي حقّقتها جبهةُ المقاومة في غزة وفي المنطقة خلال هذه المعركة تفتح العديد من الآفاق غير المسبوقة لتحولات جديدة واسعة النطاق في مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي، بدءا من تحولات الوعي بالصراع بشكل عام، وُصُـولًا إلى التحولات المرتبطة بالمواجهة العملية من حَيثُ التنسيق بين جبهات المقاومة وتطوير القدرات والأدوات والاستفادة من نقاط الضعف التي انكشفت لدى العدوّ وشركائه.

وفيما لا تزالُ الكثيرُ من الأسئلة والشكوك الموضوعية تحيطُ بمسألة جدية العدوّ في تنفيذ الاتّفاق، فَــإنَّ مساحة المراوغة التكتيكية لدى العدوّ في هذا الشأن ضيقة ولن تسمح له بتغيير أي مَعْلَمٍ من معالم هزيمته التي جسدها اللجوء إلى الاتّفاق بعد 15 شهرا من الإبادة؛ فحتى لو تم الانقلاب على الاتّفاق واستئناف حرب الإبادة، فَــإنَّ العدوّ قد استنفد بالفعل كُـلّ الخيارات التي يملكُها ولا يوجد لديه أي خيار جديد لتغيير معطيات الوقع.

مقالات مشابهة

  • أبو عبيدة:”تضحيات ودماء شعبنا لن تذهب سدى ولها ما بعدها”
  • شروطُ “غزة” تطيحُ بالأهداف الإسرائيلية في اتّفاق وقف الإبادة .. جبهةُ المقاومة تهزمُ جبهةَ العدو
  • تدشين دورات “طوفان الأقصى” للقطاع الزراعي في الجوف
  • مسير عسكري لخريجي دورات المفتوحة “طوفان الأقصى” من الأجهزة الأمنية بحجة
  • مناورة عسكرية لخريجي الدورات المفتوحة “طوفان الأقصى” في بني بهلول بصنعاء
  • “حماس”: “طوفان الأقصى” جسدت تلاحم شعبنا مع مقاومته وحطّمت غطرسة العدو
  • مسيرات حاشدة بالجوف تبارك للشعب الفلسطيني النصر على العدو الصهيوني
  • بن حبتور يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بنجاح معركة طوفان الأقصى
  • الدكتور بن حبتور يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بنجاح معركة “طوفان الأقصى”