يمر المشهد السياسي في ليبيا بحالة من الجمود جراء تعنت الأطراف المتنفذة ورفضها تقديم أية تنازلات من أجل الدفع نحو عملية انتخابية تجدد الشرعية والدماء في مؤسسات الدولة.

ورغم تشدق الجميع بالانتخابات إلا أنهم جميعا ضدها ويقاومون من أجل ألا تحدث لتأكدهم أنها لو تمت بشفافية ونزاهة ستزيحهم عنوة عن كراسييهم، لذا لن يوافقوا عليها أو يسمحوا بها إلا إذا ضمنوا البقاء والاستمرار.

وفي محاولة لكسر هذا الجمود طرحت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني خوري مبادرة جديدة خلال إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي في ديسمبر الماضي رأت خلالها ضرورة حل أزمة القوانين الانتخابية الخلافية وتشكيل حكومة توافقية على أن تلتزم أي حكومة جديدة قد تنبثق عن مفاوضات ليبية- ليبية التزاما صارما بالمبادئ والضمانات والأهداف والآجال الزمنية للوصول إلى الانتخابات كشرط لشرعيتها والاعتراف بها دوليا.

ولاقت المبادرة الأممية ترحيبا دوليا ودعما من الدول الكبرى ومن الفاعليين الدوليين والإقليميين في الملف الليبي لكن في المقابل لاقت صمتا ومراوغة وتشكيكا من الأطراف المحلية خاصة مجلسي النواب والدولة كونهما اعتبرا الخطوة محاولة لإزاحتهما من المشهد القابعين عليه منذ سنوات، لذا حاولا معا اتخاذ خطوات استباقية للتشويش على مبادرة خوري أو إرباكها.

لكن البعثة الأممية، التي رفضت المشاركة في اجتماع ليبي ضم أعضاء من مجلسي النواب والدولة في دولة المغرب، أصرت على الاستمرار في مبادرتها وأعلنت رسميا عن عناصرها الستة المتمثلة في: تشكيل لجنة استشارية، وتوحيد الحكومة، وإطلاق حوار شامل، والإصلاحات الاقتصادية، وتوحيد المؤسسات الأمنية، والمصالحة الوطنية، مؤكدة أن اللجنة الاستشارية سيوكل إليها معالجة كل القضايا التي تعيق إجراء الانتخابات، وفي مقدمتها القضايا المختلف بشأنها سياسيا في القوانين الانتخابية.

وفي محاولة للكشف عن طبيعة وآليات عمل اللجنة أوضحت البعثة أن اللجنة الفنية ستكون من مهامها وضع معايير وضمانات تؤطر عمل الحكومة القادمة، مشددة أن اللجنة لن تكون بديلا عن المؤسسات الحالية، كما أنها ستكون استشارية، وليست جسما لاتخاذ القرار، ما يمنحها مساحة كبيرة في وضع المقترحات والتصورات والخيارات الممكنة لحل الإشكاليات القائمة، وفق بيان البعثة الأممية.

ومن المؤكد أن هذه المبادرة الجديدة ستصطدم بحالة الجمود السياسي من ناحية وتعنت الأطراف المحلية الرافضة لإزاحتها من ناحية أخرى، لذا حتى تنجح هذه المبادرة وتدفع نحو تسوية سياسية مستدامة لابد لها من استراتيجيات قوية يحميها موقف دولي داعم سلاحه العقوبات في وجه أي معرقل.

ورغم أن المبادرة لازال ينقصها الكثير من التوضيحات خاصة ما يتعلق بمعايير اختيار اللجنة والمدد الزمنية لإنجاز مهامها وعلاقة مجلسي النواب والدولة بهذه اللجنة ومن يملك ترشيح عناصر الحكومة القادمة وآلية اختيارها وضمان المجتمع الدولي ممثلا في البعثة للقبول بهذه الحكومة وإجبار الحكومتين على تسليم السلطة دون تعنت أو رفض.

لكن في المجمل هي خطوة جيدة لتحريك مياة راكدة أزكمت رائحتها أنوف المواطن ومحاولة لكسر حالة الجمود السياسي التي طالت، ويتوقف نجاح وجدية هذه الخطى على عدة أمور منها ما هو محلي ومنها ما هو دولي وأممي.

محليا: تحتاج هذه المبادرة إلى حاضنة قوية من مؤسسات لها قبول ومصداقية وتأثير وفاعلية، وكذلك قبول من أطراف الصراع ومؤسسات الأمر الواقع وأخيرا ضغطا شعبيا وتحشيدا من قبل البعثة للشارع الليبي للضغط على هذه الأطراف من أجل تقديم التناولان وإبداء مرونة للمضي قدما في تنفيذ المبادرة.

دوليا: تحتاج الخطوة دعما حقيقيا على الأرض وليس مجرد بيانات، دعما يترجم على هيئة تهديد بعقوبات وتنفيذ عقوبات بالفعل على الأطراف المحلية المتعنتة وإجبارها على المضي قدما نحو تسوية سياسية مستدامة وتعديل القوانين الانتخابية وإنهاء حالة الانقسام والصراع ثم الانتقال إلى مرحلة التجهيز لعملية انتخابية شفافة وليست انتخابات مخطط لها ومضمونة نتائجها، ووجود القوى الدولية الفاعلة كمراقب لكل هذه الخطوات.

وإن لم تتوافر الأدوات الدولية وسياسة “العصا والجزرة” عبر يد مجلس الأمن والأمم المتحدة ستنجح الأطراف المحلية في المراوغة والتنصل من أي توافقات أو حلول تدفع نحو تسوية سياسية مستدامة وعملية انتخابية قريبا ستكتب فيها نهاية هذه الوجوه، لكن مع تفعيل الدور الدولي في ردع هذه الأطراف المتعنتة ستنجح المبادرة وتتبعها خطوات انتخابية تنعش المشهد الليبي وينجح المواطن في اختيار من يمثله مستفيدا من التجارب المريرة التي مر بها طيلة العشر سنوات الأخيرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“*” باحث سياسي في العلاقات الدولية وشؤون المغرب العربي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الأطراف المحلیة

إقرأ أيضاً:

السمدوني: الحكومة تنجح في تطوير ثاني أقدم سكة حديد في العالم

أكد الدكتور عمرو السمدوني، سكرتير عام شعبة النقل الدولي واللوجستيات بغرفة القاهرة التجارية، أن مصر نجحت في تنفيذ خطتها لتطوير منظومة السكك الحديدية والتي تعد أول خطوط السكك الحديدية التي تم إنشاؤها في أفريقيا والشرق الأوسط، والثانية على مستوى العالم بعد المملكة المتحدة.

وأوضح السمدوني أن توقيع اتفاقية لتأسيس شركة جديدة بين الهيئة القومية لسكك حديد مصر وشركة “سالشيف” الإيطالية المتخصصة في إنشاء وتجديد وصيانة خطوط السكك الحديدية، يعزز دور مصر الإقليمي والدولي، خاصة أن نطاق عمل الشركة سيتوسع ليشمل تنفيذ مشروعات خطوط السكك الحديدية في أفريقيا والشرق الأوسط.

يذكر أن أن وزارة النقل تعمل بالتوازي مع إنشاء الشركة الجديدة، على تطوير الشركات التابعة لها في هذا المجال، مثل “إيرتراك” و”إيجيفراي” من خلال تزويدها بأحدث المعدات.

كما تسعى الوزارة إلى تعزيز دور شركات القطاع الخاص الوطنية المتخصصة في تنفيذ أعمال تجديد وصيانة الخطوط الحالية وإنشاء خطوط جديدة، بما يدعم تحقيق أهداف التطوير الشامل في قطاع السكك الحديدية.

وأكد سكرتير عام شعبة النقل الدولي، أن خطة وزارة النقل تعتمد على تطوير الشبكة القومية للسكة الحديد، على عدة محاور أهمها ربط عناصر التنمية الشاملة للدولة فى كافة المجالات ببعضها، وذلك فيما يتعلق بالمدن الجديدة، أو المناطق الزراعية الصناعية الجديدة، وربطها بشبكة الطرق الرئيسية والموانى البحرية والبرية والجافة والمناطق اللوجيستية، واستحداث شبكة القطار الكهربائى السريع وربطها مع شبكات السكة الحديد القائمة، والطرق الرئيسية، والموانى بمختلف أنواعها، إلى جانب إنشاء محطات شحن وتفريغ للبضائع داخل الموانى والمناطق الصناعية، وكذلك تطوير نظم الإشارات، وإزدواج الخطوط المفردة عالية الكثافة، وإنشاء خطوط جديدة.

ونوه إلى أن وزارة النقل أعلنت يوليو الماضي، أنه تم وضع خطة شاملة لتطوير عناصر منظومة السكك الحديدية منذ عام 2014 وحتى 2024 بتكلفة 225 مليار جنيه؛ ترتكز على خمسة محاور رئيسة تشمل تطوير الوحدات المتحركة، والبنية الأساسية، ونظم الإشارات، والورش الإنتاجية، وتنمية العنصر البشري، بهدف رفع طاقة النقل وتعظيم نقل الركاب والبضائع على خطوط الشبكة.

وأشار السمدوني إلى تلقي الهيئة القومية لسكك حديد مصر  عروضًا من 5 تحالفات دولية ومحلية، للمنافسة على الأعمال الاستشارية، والإشراف على تنفيذ مشروع تطوير ممر لوجستيات التجارة بين “القاهرة – الإسكندرية”، الممول بقرض قيمته 400 مليون دولار من  البنك الدولي للإنشاء والتعمير، و15 مليار جنيه ستوفرها الهيئة.

ضم  التحالف الأول كلًا من “دويتشه بان الألمانية، وEgis الفرنسية”، والثاني شمل “Tybsa الإسبانية، ومجموعة محرم باخوم المصرية”، والثالث يتكون من “Brysel الهندية، مع K&A المصرية”، والرابع من “Ssf الألمانية، مع Ehaf المصرية”، والأخير مجموعة “Italfeer” الإيطالية منفردة.

وقد سعت مصر خلال السنوات الماضية إلى توفير الدعم المالي اللازم لكل تلك المشروعات، والتي تمثل نقلة كبيرة في مجال السكك الحديدية، ورغم الظروف الاقتصادية التي مرت بها الدولة المصرية خلال العقد الماضي، فقد استطاعت الحكومة جذب العديد من المؤسسات الدولية وكبريات الشركات العالمية في قطاع النقل السككي، لتمويل وتوريد ما تحتاجة البنية التحتية والأساسية لهذا القطاع.

مقالات مشابهة

  • السمدوني: الحكومة تنجح في تطوير ثاني أقدم سكة حديد في العالم
  • بو بريق: نجاح مبادرة البعثة الأممية مرهون بحسن اختيار أعضاء اللجنة الاستشارية
  • المسماري: إيجاد سلطة تنفيذية موحدة ضمن المبادرة الأممية خطوة لحل الأزمة الليبية
  • روسيا تدعو لتأجيل تعيين المبعوثة الأممية إلى ليبيا وتطالب بالشفافية في الإجراءات
  • عثمان البدري: البعثة الأممية تدير الأزمة الليبية دون محاولة حل جذري
  • أبو بريق: مبادرة ستيفاني لإنهاء الانقسام والمُضي قدمًا نحو الانتخابات.. إيجابية
  • أونيس: البعثة الأممية لن تقبل بحكومة جديدة قبل الانتخابات البرلمانية
  • الحصادي: ينبغي تحقيق التكامل بين عمل مجلسي النواب والدولة وجهود البعثة الأممية
  • فريق البعثة الأممية: مصرع 41 مدنيا بانفجار ألغام الحوثي بالحديدة