النصرُ الاستراتيجي لليمن ومعركةُ “الكرامة”
تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT
يمانيون ـ إبراهيم العنسي
لخمسة عشر شهرًا كان من النادر أن يمر يوم دون أن تستهدف اليمنُ سُفُناً إسرائيلية أَو أمريكية أَو بريطانية أَو مرتبطة بموانئ فلسطين المحتلّة في البحر الأحمر؛ فقد ظهرت ثنائية القوة في صنعاء وغزة آخر المطاف، وها هي صنعاء تفرض قوتها بمنع تلك السفن في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي حتى وقف العدوان على غزة.
ولمن لا يدرك حقيقة التراجع الأمريكي فَــإنَّ خياراتِ أمريكا في التعاطي مع سيطرة القوات المسلحة اليمنية على حركة السفن في بحارها محدودة للغاية؛ فقد أثبتت الأخيرة أنها قادرة على المضي في تنفيذ تهديداتها وأن واشنطن عاجزة عن تحقيق أي هدف لعملياتها في المنطقة.
ومع هذه الحقيقة أثبت اليمنيون أَيْـضًا أنهم شعب ليس من شيمهم التراجع مهما بلغ مستوى التصعيد وحجم العدوان، طالما ارتبط ذلك بوقف الحرب على قطاع غزة.
هنا تظهَرُ حدودُ القوة في مواجهة الإرادَة، وهكذا قرأ التحليلُ الدولي لقنوات ومحطات ووكالات إخبارية الحالَ في مواجهات اليمن -أمريكا.
خياراتٌ مفتوحة:
هذا المعطى الجديد ما يمكن البناء عليه، فأمام خيار اليمن المفتوح يمكن إدراك ضآلة حركة الأمريكان، حَيثُ يقودون تحالفاً معادياً باسمهم؛ فمع أن ما يتجه الأمريكان إليه محدود الأثر، فيما فُرَصُه قد تراجعت في الميدان، تتحَرّك واشنطن من وقت لآخر لتنشيط مليشيات وفصائل التحالف المنتفعة.
هذا ليس التحَرّك الأول، يمكن استذكار أن سفير الأزمات الأمريكي “ستيفن فاجن” قد عقد لقاءات من قبلُ مع قيادات أحزاب الخارج؛ فجمعت لقاءاته تناقضاتِ الليبراليين مع الإخوانية مع السلفية مع القومية، وحاولت كما فعلت منذ سنوات أن تجمع شتات المليشيات التابعة للرياض وأبو ظبي في بوتقة واحدة، غير أن أجندات القيادات وصراع الأيديولوجيات والمصالح وحسابات الربح والخسارة تظل تعقيدات تنبئ عن مصير محتوم باستحالة أن يجتمع الشتاتُ على شور أَو قول.
قبل أَيَّـام كان اجتماعُ سفير الأزمات الأمريكي “فاجن” مع مرتزِقة الرياض وأبو ظبي؛ طارق صالح، أبو زرعة المحرَّمي، سلطان العرادة وكلها دارت حول اهتمامات الأمريكان وتطلعات كيان العدوّ، وكيف يمكن تحريك تلك المليشيات على الأرض في مواجهة القوات المسلحة اليمنية؛ بذريعة تحرير اليمن من الخطر “الإيراني”، حَيثُ الأسطوانة الأمريكية التي لا تكف عن الكذب.
في تلك الاجتماعات حضرت كما كانت من قبل مصالح قيادات المليشيات، فهناك من اشترط عودة نظام قديم وهناك من اشترط “إذنًا سعوديًّا” للدخول في المعركة وهناك من اشترط لجماعته، ومن يدرك أنه ورقة لعب لكنه يشترط لنفسه مكاسبَ مسبقة، وهذا كله تغريدٌ خارج سرب وحقائق الواقع المفروض تمامًا.
ولفهم ذلك يمكن إدراك أن التحَرّك الأمريكي اليوم من جديد مع فصائل ومليشيات الرياض وأبو ظبي هو تحَرّك من أصحبت خياراته في أضيق حدودها، فهو لا يجد من خيار سوى أن يطرق هذا الباب على ما ورائه من عاهات وخواء وضعف لن يقود إلى شيءٍ إلا أماني أن عسى أن ترضخ صنعاء لأي ضغط، ولو محدود للتفاوض معها، أما مسألة أن يقود تحريك المليشيات إلى نصر أَو ما شابه فهو اليوم وهذا واقع من أبعد ما يمكن التفكيرُ فيه، حَيثُ معطيات الأرض وحقيقة التجربة تقول إن صنعاء ستحرق ورقة المرتزِقة إلى غير رجعة، كما فعلت مع الأمريكان وتحالفها في البحار وفعلت مع “إسرائيل” في عُقر دارها وفي باب المندب.
مفاجآت قادمة:
يمكن تذكر أن صنعاء وقيادتها قد وعدت أمريكا والغرب وتحالفهم بالمفاجآت في معركة البحار وفعلت ذلك بقوة، نفس الشيء تعدهم به اليوم في معركة البر وستفعل ذلك بقوة، ومن لا يدرك قوة وتناميَ شعبيّة أحرار اليمن في صنعاء والمحافظات الحرة، ما بعد طوفان الأقصى يعيش حالة وَهْمٍ كبير، ويستعجل الهزيمة المؤكّـدة.
ومع مؤشرات أن تنتقل المعركة مع وقف حرب غزة إلى جبهة اليمن، ما من خيارات وفرص كما أسلفنا وكان حديثنا عن الأمريكان، وهنا حديثنا عن أطراف خليجية تدرك أن المجازفة اليوم ليست إلَّا لعب الأصابع بالنار، وقد كرّرت صنعاء الإنذارَ أكثر من مرة في أكثر من مناسبة، والأمر لن يقتصر الآن على معركة قد تفتح سعيرها باسم مليشيات تقودها الإمارات والسعوديّة، بل معركة يجد اليمنيون أنفسهم أمامها إن ظل الحصارُ والعدوان كما هو.
ويمكن القول إن السعوديّة اليوم أمام خيارَين لا ثالث لهما؛ فإما رفع الحصار وتنفيذ اشتراطات عملية السلام، أَو الاستعداد لمعركة “كرامة”، ستخوضها اليمن، لكنها ليست كأية معركة، وهذا ليس تضخيماً لما قد يحدُثُ، فما بعد هذه المعركة يكونُ النظام السعوديّ قد فقد الكثير مما لن يُدرَكَ بعدها، ولن نتناول تفاصيل ما قد يحدث، وهذا ما تدركه السعوديّة جيِّدًا، حَيثُ إن لديها الكثير لتخافَ عليه ومنه.
وسيكونُ أمام السعوديّة والإمارات طريقٌ واحدٌ للسلام بأن يوقفا عبثيةَ وفوضى ما يحصل في مناطق اليمن المحتلّة، فحقائق ما جرى في المنطقة تفصح عن انتصار الدم والمقاومة، وعن كسر مشروع “إسرائيل” وأمريكا للحد الذي وصل فيه غضب “ترامب” إلى مهاجمة نتنياهو، حَيثُ يتنبأ العالم بنكوص مشروع أمريكا وتراجع التأثير العولمي إلى تأثير إقليمي، وهذا أمرٌ تدركُه الرياضُ وأبو ظبي على مرارة.
المصدر: المسيرة
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: السعودی ة وأبو ظبی
إقرأ أيضاً:
عادل الباز يكتب: آخر الدقائق.. هدية الأمريكان للبرهان!!
1 القرار الأمريكي الذي صدر بالأمس تجاه الرئيس البرهان كان بمثابة هدية، إذ أعلى من قدره وصعّد مكانته بين شعبه، وسرعان ما سرى هاشتاق (كلنا البرهان) في الأسافير فاشتعلت بعبارات النصرة والتأييد. وانهالت موجة كبيرة من المحبة حُظي بها الرئيس البرهان في أعقاب قرار أراد أن يهز مكانته، فثبّته في وجدان شعبه وصعّده إلى آفاق البطولة، وحصدوا هم رماد كيدهم. خرج الرئيس البرهان بالأمس محاطا بشعبه في عطبرة مستهزئًا بقراراتهم، قائلًا: “مهما تكالبت علينا الدول والأعداء، سننتصر في النهاية.” ما قصة هذا القرار وما هي عجائبه؟
2
في الدقائق الأخيرة من عمر الإدارة الأمريكية، أفلحت جنجويدات (مولى في، فيكتوريا نولاند) – واللّتان قال عنهما د. عشاري محمد أحمد: “هم الأقانيم الثلاثة المضخّمة، الأزوال، متصنّعو البراءة والنزاهة، الفالصو، جنجويد الإمبراطورية الأمريكية الذين يدّعون أنهم يتحكمون في قرار السودانيين في بلادهم السودان” – في نثر هباء كثيف في الأجواء وهنّ يغادرن إلى العدم.
الغثاء الذي أُثير ليس له مترتبات سياسية ولا قانونية ولا اقتصادية، لا على الرئيس البرهان، ولا أحمد عبد الله، ولا أي شخص آخر. إذن، لماذا سارعت الجنجويديات بهذا القرار وهن على باب الخروج؟
السبب أنهن إنما ينتقمن لأنفسهن بسبب الفشل المزمن الذي شهدته فترتهن في إدارة بايدن، من عجز عن إحداث أي تقدم أو نجاح في الملف السوداني. ثم إنهن يسعين لوضع العصي في دواليب الإدارة الجديدة لتعجز هي الأخرى عن تحقيق أي نجاح بسبب مثل العراقيل التي خلفتها وراءهن.
3
تُرى، ما هي الأسباب التي استندت إليها إدارة بايدن في فرض العقوبات على الرئيس البرهان؟ استند القرار إلى ثلاثة أسباب:
الأول: (الفظائع الموثقة التي ارتكبتها قواته في ذلك القصف العشوائي للمدنيين). أين وكيف وما هي الجهات التي وثّقت الفظائع؟ كل اللجان الدولية كانت تتحدث عن “انتهاكات” ، ووثقت جرائم المتمردين، وهي الجرائم التي عجزت أمريكا لزمن طويل عن إدانتها.
4
الثاني: (استخدام المجاعة كسلاح حرب). شوف جنس الكذب ده! عندما ادّعت جهات أن هناك مجاعة في السودان دون أن تقدم أي دليل، سارعت الحكومة بنفي المجاعة، وأقرّت بنقص في الغذاء نتيجة لممارسات المتمردين في تهجير المزارعين ونهب أدوات الإنتاج. ولكن، رغم ذلك، فتحت الحكومة كل المطارات والمعابر لكل منظمات الإغاثة، وأصدرت أكثر من 2000 تأشيرة لموظفي وكالات الإغاثة، وسمحت بتوزيع الإغاثة في كل أنحاء البلاد، حتى تلك التي يسيطر عليها المتمردون، رغم كل المخاطر التي تحيط بالعمليات الإغاثية المشبوهة في (أدري) وخلافها. إذن، كيف عرقل الرئيس البرهان الإغاثة؟ إنه كيدهن، وكيدهن عظيم.
5
الثالث: (عرقلة جهود السلام). ويلٌ للكاذبين! كيف عرقل الرئيس البرهان جهود السلام وهو الذي سارع في أول ثلاثة أسابيع للتفاوض في منبر جدة، ووصل لاتفاق بإعلان جدة، ورفض المتمردون تنفيذه؟ وللعجب، منبر جدة من دعت له أمريكا، ومن رعته أمريكا، ومن تخاذلت عن فرض تنفيذ مقرراته أمريكا! مشكلة الرئيس البرهان أنه رفض الإذعان للأوامر الأمريكية بالذهاب فورًا إلى جنيف، وهذا ما جر عليه غضب الأمريكان وأوقعه في مكائد الجنجويديات وتابعهن وزير الخارجية بلينكن.
6
ثم انظر إلى ما قاله نائب وزير الخزانة، والي أديموا: “ستواصل الولايات المتحدة استخدام أدواتنا لتعطيل تدفق الأسلحة إلى السودان وتحميل هؤلاء القادة المسؤولية عن تجاهلهم الصارخ لأرواح المدنيين.” عجيب أمر الأمريكان، لا يتوقفون عن الكذب! كم من الأدلة قدمتها اللجان الدولية على أن الإمارات تزوّد الجنجويد بالسلاح، فلم تأبه لها أمريكا ولم تقم بأي خطوة لمنع الإمارات أو حتى تحذيرها من مواصلة دعمها للمتمردين بالسلاح!
أمس، قدمت الإدارة الأمريكية إجابتها على تساؤلات الكونغرس الأمريكي حول مواصلة الإمارات دعم الجنجويد، وللأسف كذبت على الكونغرس وقالت إن الإمارات توقفت عن إمداد المليشيا بالسلاح! ولسوء حظها، صدر التقرير الخاص16 يناير 2025 عن مختبر الأبحاث الإنسانية التابع لمدرسة ييل للصحة العامة، وهي واحدة من المؤسسات الأكاديمية الرائدة عالميًا والمعروفة بدورها في تقديم تحليلات دقيقة ومستقلة حول القضايا الإنسانية والصراعات المسلحة كشف التقرير (عن وجود طائرات مسيّرة (UAVs) متقدمة في مطار نيالا بجنوب دارفور، الذي تسيطر عليه مليشيا قوات الدعم السريع (RSF)، قامت الإمارات العربية المتحدة بتوفيرها لصالح المليشيا في الفترة بين بين 9 ديسمبر 2024 الي 14 يناير 2025.
تقرير مدرسة بيل أثبت أن الإمارات لا تزال حتى نهاية الشهر الماضي تواصل دعمها للجنجويد، ونشرت صورًا لطائرات وحاويات تحمل أسلحة بمطار نيالا!.( راجع تفاصيل التقرير فيما كتبه د. أمجد فريد في موقع الصحيفة أو أدنى هذا المقال).
هكذا ستغادر إدارة بايدن البيت الأبيض، وكل سيرتها موشّحة بالسواد وملطخة بالأكاذيب بسبب مكر الجنجويديات الفاشلات وتابعهن بلينكن.
7
ما هي النتيجة السلبية التي تمخضت عن كل تلك الاتهامات؟ مجرد هباء.. أي والله! فبحسب قرار الخزانة الأمريكية: (تجميد الأصول المملوكة لهؤلاء الأفراد والكيانات داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى منع أي تعاملات مالية أو تجارية معهم من قبل أشخاص أو شركات أمريكية). بما أن الرئيس البرهان ليس له أصول أو ممتلكات أو أموال أو معاملات تجارية في أمريكا أو في أي حتة، فهذه عقوبة عبثية لن تضره بشيء. (لن يضروكم إلا أذى).
8
ما هي النتيجة الإيجابية التي حصل عليها السودان من إعلان عقوبات على الرئيس البرهان؟ سيجعل القرار التدخل الأمريكي في ملف السودان صعبًا أو له ثمن، وهو أن تنظف الإدارة الجديدة (إدارة ترمب) ملف السودان وتلغي سخف جنجويديات إدارة بايدن. إذ يصعب أن تضع السودان في قفص الاتهام ثم تدّعي أنك وسيط نزيه.ثم لابد للإدارة الجديدة من التفريق بين التعامل مع المليشيا وتعاملها مع الدولة، إذا قدّرت أن تنشط في الملف السوداني مرة أخرى.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب