ورغم أنف كل من زايدوا علي الموقف المصرى من حرب غزة، جاءت الأنباء أخيرًا بإعلان خطة وقف إطلاق النار برعاية مصرية لتنهي معاناة هذا الشعب الأعزل التى طالت، لم تبخل مصر يومًا عن الأشقاء هناك بأي دعم تقدر عليه منذ اليوم الأول للحرب، تحملنا تطاولات كثيرة وافتراءات عديدة، ولكن ذلك لم يثننا عن دورنا المحتوم لنصرة الشعب الفلسطيني المناضل، ليس كل ما يعرف يقال ولكن العبرة دائمًا بالنتائج والتي تثبت كل مرة أن مصر هي الكبيرة عبر تاريخنا الطويل الممتد، لم يدفع أحد مثلما دفعنا من ثمن باهظ طوال أكثر من سبعين عامًا للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتوحيد فصائله وإقامة دولته المستقلة، خضنا الحروب وساهمنا في إعادة الإعمار أكثر من مرة وقدمنا جزءًا من قوت شعبنا لدعم الأشقاء في أحلك الظروف وفتحنا معابرنا لاستقبال الجرحى وعلاجهم في مستشفياتنا، لم نترك مؤتمرا أو منتدى دوليا إلا وتحدثنا فيه عن قضية العرب الأولى وهي قضية فلسطين، لم ننس دورنا وقدرنا ولكن الآخرون نسوا وحاولوا كثيرًا الزج باسم مصر لتبرير إهمالهم لقضية كل عربي غيور على أرض فلسطين، جاء الرد أخيرًا وشاهدنا بأعيننا على الشاشات شعب غزة الأبي وهو يهتف باسم مصر وما قدمته لهم من دعم طوال الأزمة، هم يدركون جيدًا كيف كان الدور المصري على شتى الأصعدة محوريًا وداعمًا بعدم تصفية القضية أو تنفيذ مخططات التهجير، قمنا بما نقدر عليه في السر والعلن حتى كانت لحظة إعلان خطة وقف إطلاق النار لنبدأ بعدها في استكمال دعم الأشقاء لإعادة بناء دولتهم التي انهارت كليا بفعل عدوان غاشم دام قرابة الـ 500 يوم، لا نذكر ذلك من باب التفاخر ولكن ليعلم الجميع أنها الكبيرة مصر مهما حاول البعض أن يحجّموا دورها في المنطقة، أو مهما مرت بها من أزمات اقتصادية كانت كفيلة بأن تجعلنا نغلق بابنا على أنفسنا ونكتفي بمشاكلنا مثلما فعل البعض، ولكن قدرنا أن بابنا لا يغلق أبدًا في وجه الأشقاء أو في وجه كل من يستجير بنا.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
نسيان الإنسان لله وآثاره السلبية.. تحليلٌ للأزمة العربية والنموذج اليمني
طالب عمير
تمر الأُمَّــة العربية اليوم بفترات عصيبة، حَيثُ تزداد الهوة بينها وبين ماضيها المشرق، وتكتسب الهزائم والتفرقة سمات واقعها. هذا الواقع المرير لم يكن مُجَـرّد صدفة أَو نتيجة للظروف السياسية وحدها، بل هو في جوهره نتيجة لابتعاد الأُمَّــة عن إيمانها بالله، ونسينها لدور الله في تعزيز قوتها واستعادة كرامتها. إن النسيان المتعمد لله في قلوب الشعوب والحكام جعلهم عرضة للاختراق من قوى الاستعمار والغزو، فتوالت الهزائم والانقسامات في كُـلّ زاوية من الوطن العربي.
إن الأمم التي ابتعدت عن معالم إيمانها وتخلت عن قيم دينها الحنيف قد أصبحت فريسة سهلة للمخطّطات الأجنبية. فقد أصاب الأُمَّــة العربية في قلبها هذا التفرقة والضعف؛ بسَببِ النسيان التام لله، الذي كان يومًا ما سبب قوتها وصمودها في مواجهة أعتى الإمبراطوريات. ومع مرور الوقت، تحول العرب إلى أدوات في يد القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، التي لا يخفى على أحد أنها تتسلط على مصير الشعوب في المنطقة العربية. آخر هذه التصريحات التي تكشف حجم التبعية العربية هو تهديد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة والاستيلاء على أرضهم للاستثمار التجاري، في تصرف مستفز يوضح حجم التخاذل الذي تعيشه الأنظمة العربية.
ما يعكسه هذا التخاذل هو غياب الهوية والإيمان بالله، الذي كان يحمى الأُمَّــة من الضغوط والهيمنة. فالغرب، وأمريكا بشكل خاص، تحولت إلى القوة الضاربة التي يقف أمامها الحكام العرب عاجزين. تحولت أمريكا إلى “الرب” الذي يحدّد مصير المنطقة، بينما تتهاوى الأنظمة العربية أمام هذا النفوذ المقيت، فلا يتجرأ أحد على قول كلمة ضد أمريكا أَو “إسرائيل”، بل أصبح البعض منهم يسعى إلى إرضاء هذه القوى على حساب شعوبهم.
ومن أكثر هذه المؤثرات السلبية هي الفكر الوهَّـابي السعوديّ الذي زرع بذور التبعية للغرب في عقل الأُمَّــة. فالفكر الذي تروج له بعض الأنظمة العربية، والمبني على إضعاف الدين والعقيدة الإسلامية الصحيحة، ساهم بشكل كبير في خلق هذا التفكك. فبدلًا من أن يتوجّـه العرب إلى مصدر قوتهم، وهو الله، تجمدت قدراتهم تحت تأثير هذا الفكر الذي قيدهم وأصبحوا أسرى لقوى استعمارية تهيمن على مفاصل حياتهم السياسية والاقتصادية.
في مقابل هذا الواقع المأساوي، يبرز الشعب اليمني كأحد النماذج الفريدة التي استلهمت قوتها من تمسكها بالله وثقتها به. تحت قيادة السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، حفظه الله، رفض اليمنيون أن يكونوا عبيدًا لأي قوى أجنبية أَو مرتزِقة. في الوقت الذي انهارت فيه بعض الأنظمة العربية أمام الضغوط الخارجية، نادى الشعب اليمني بشعار “لا ولن تكونوا يومًا وصيين على الشعب اليمني”. كان هذا التمسك بالله هو السر في صمودهم ومقاومتهم للاعتداءات المتواصلة، واستطاعوا أن يقدموا رسالة قوية لجميع الشعوب العربية والإسلامية أن النصر يتحقّق بالاعتماد على الله، لا بالانحناء أمام القوى الغربية.
لقد أثبت الشعب اليمني بقيادة السيد القائد أن الأُمَّــة لا تنهض إلا حين تضع ثقتها بالله، وتتمسك بعقيدتها الراسخة. ففي مواجهة أعتى التحالفات العسكرية بقيادة أمريكا، صمدت اليمن بشعبها وقيادتها، رافضة الاستسلام لأية قوة تسعى لفرض هيمنتها عليها. كان الشعب اليمني في مقاومته نموذجًا يحتذى به، حَيثُ جدد معركة العزة والكرامة في زمن غابت فيه كثير من الشعوب العربية عن الساحة.
إن ما يفعله الشعب اليمني اليوم يعكس الأمل في العودة إلى الله، وفي تحقيق النصر عبر تمسك الأُمَّــة بهويتها وعقيدتها. إن النصر ليس هبة من الغرب، ولا يعتمد على تكرار التبعية للمستعمرين، بل هو ثمرة تمسكنا بالله وبقيمنا التي لا يمكن أن تهزمها أية قوة خارجية. اليمن، اليوم، يقدم دليلًا على أن الأُمَّــة التي تتوكل على الله، وتدافع عن مبادئها، لن تهزم مهما كانت التحديات.
ما يجب أن نتذكره أن ضعف الأُمَّــة العربية هو نتيجة نسيانها لله، وهو لا يعني فقط فشل الحكومات، بل هو إشارة إلى إضعاف هويتنا الدينية والعربية. علينا أن نستلهم من الشعب اليمني، الذي علمنا أن النصر لا يأتي بالتبعية، بل بالثقة في الله وتوحيد صفوف الأُمَّــة. عبر العودة إلى الله، سنستعيد قوتنا، ونواجه التحديات التي تحيط بنا، وسنحقّق العزة والكرامة التي طالما كانت غائبة عن واقعنا الإسلامي.