د. عبدالله باحجاج

أكثر من عشر مرات متفرقة يدفع بنا شغفنا إلى زيارة الفعاليات الشتوية على شاطئ الحافة، ويكون المسوغ دائما واحد، وهو متابعة اقبال شبابنا من مختلف المستويات السنية 20، 21، 25 سنة على استئجار محلات صغيرة مؤقتة محددة زمنيا بفترة الفعاليات لتقديم خدمات كالمأكولات والمشروبات، وكلما نلتقي بالبعض منهم نقف على عمق الانفتاح الكامل لذهنيات الجيل الجديد تحت ضغوطات الحاجة، ونستمتع بمشاهد فئاتهم السنية، وهم يقدمون المأكولات والمشروبات للزبائن إلى فوق طاولاتهم أو من داخل محلاتهم التي أنشأتها بلدية على الطابع المعماري التقليدية الظفاري؛ لكي تتماهى مع بيوت المنطقة التاريخية، يودون مهنتهم دون حرج لانتمائهم للكيانات الاسرية التي بعضها من الطبقة المتوسطة، وبعضها تأثرت بالتحولات المالية الجديدة في البلاد بصورة عميقة.

ولو ركزتم معنا في عامل السن سالف الذكر، سنرى أن تلكم الفئات السنية هي الأكثر توجهًا للعمل الحر، والكثير منهم من فئة حملة البكالوريوس- كما سياتي لاحقًا- وهي تنتظر الفعاليات الخريفية والشتوية بترقب كبير وبقلق في الوقت نفسه على حظوظها في فرص العمل التي تنتجها هذه الفعاليات. صحيحٌ أن العمل الحر بمفهومه الحديث يعتمد بشكل كبير على تكنولوجيا الإنترنت والاتصالات الحديثة، وفي بلادنا هناك منصات العمل الحر تعمل كوسيط يربط بين أصحاب الأعمال الذين يحتاجون إلى خدمات معينة والأفراد الذين يمتلكون المهارات والخبرات اللازمة لتنفيذها، لكن فكرة العمل الحر هي فكرة أقدم من الانترنت، ولا تزال تطبق بصورها التقليدية.

ونقدم إقبال الشباب على العمل الحر في فعاليات بلدية ظفار كنموذج يمكن من خلاله قيادة توجهات الدولة لتحقيق هدفين أساسيين هما: التقليل من الاعتماد على الوظائف الحكومية، والآخر تمكين الشباب، الذين هم الفئة الغالبة في فئات المجتمع من النجاح في العمل الحر، وهنا نقترح على بلدية ظفار الآتي:

1- منح المحال للشباب مباشرة ومجانًا، على أن يكون ذلك نهجًا مُستدامًا في كل فعالياتها السياحية ومواقعها الدائمة والمؤقتة.

2- تحويل بعض المواقع كموقع "عودة الماضي" في شاطئ الحافة إلى فعاليات دائمة، مثلما ما حدث في أحد المواقع في سهل إتين، بعد أن اقامت فيها مرافق ترفيهية جاذبة على مدار العام، وجعلها مجانية أو برسوم مناسبة، وذلك لدواعي استدامة العمل الحر للشباب بموارده حتى يتمكن الشباب من تأسيس حياتهم الاجتماعية عليه، وما فعلته البلدية في سهل اتين نموذجًا ينبغي أن يُعمم فعلًا.

3- إنشاء لجنة تضم البلدية والمديرية العامة للسياحة والمجلس البلدي بظفار لضمان نجاح الشباب في العمل الحر.

الملاحظ أنه في بعض فعاليات بلدية ظفار تُمنح المواقع لشركات بالمجان، ومن ثم تقوم هذه الشركات بإيجارها للشباب بأسعار مختلفة أدناها 380 ريالًا وأعلاها 1200 ريال، لمدة شهر أو 40 يومًا حسب مدة الفعالية. فلماذا لا تمنحها البلدية للشباب مباشرة ما دامت خزينة البلدية لم تستفد منها ماليًا؟ الأولى بالمجانية هنا دعم ورعاية توجه الشباب نحو العمل الحر، حتى تُرسِّخ القيمة المالية من العمل الحر في ثقافتهم، حتى لو أنفقت البلدية قليلًا من المال لدواعٍ إشرافية وتنظيمية؛ لأنها بذلك تساهم في تأسيس المستقبل الجديد، وفي حالات أخرى تمنح الفعاليات لشركة عن طريق المنافسة برسوم، وتقوم هذه الشركات بإيجارها للشباب بمبالغ كبيرة أيضًا.

وفي زياراتنا لموقع شاطئ الحافة، حاورنا الكثير من الشباب مثل أحمد برهام الذي يعمل مع أخيه الأكبر في إعداد المأكولات، وقيس الغساني الحاصل على بكالوريوس تسويق، وبجانبه أحمد مقيبل خريج تسويق كذلك، وقد استأجر كل واحد منهم محلًا صغيرًا. وكذلك عمر باحجاج ومعه 3 من أصدقائه يبيعون الشاي، والقائمة طويلة.

وقد خرجنا من حواراتنا وزياراتنا الميدانية بأن كل من يلوح بمبررات مثل العزوف والاتكالية والترفع عن المهن والاعمال وتفضيل الوظيفة الحكومية أو الراتب الشهري المضمون، إنما يُغرِّد خارج واقعنا الجديد الناجم عن التحولات الراديكالية التي تشهدها بلادنا، وسينضم لمطالبتنا البلدية والسياحة بضرورة منحهم المحال مجانًا ومباشرة عن طريقها عوضًا أن يكونوا أداة انتفاع لغيرهم.

التحول الذهني للجيل الجديد ليس كافيًا لصناعة جيل اقتصاد العمل الحر، كما إن بلادنا تسير فيه ببطء، في وقت قطعت فيه دول إقليمية أشواطًا كبيرة فيه، وأصبح هذا القطاع له انعكاسات على إيرادات الدول، ويُنتِج فرص عمل كثيرة؛ فكيف نجعل محافظات السلطنة تتسابق من الناحية الجغرافية في المساهمة المستدامة في تأسيس اقتصاد العمل الحر؟ ويكون ذلك معيارًا من معايير نجاح أو فشل تطبيقات اللامركزية في كل محافظة؛ لأن العمل الحر- نُكرِّر- قد أصبح ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني وتمكين الشباب من تحقيق أهدافهم المهنية، وهو من الخيارات الاستراتيجية لرؤية "عُمان 2040"، فلا مجال للإخفاق أو السير فيه بوتيرة بطيئة.

العمل الحُر يختلف عن ريادة الاعمال أو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ فهذه الأخيرة لها صفة الديمومة، وتتأسس على مشروع تجاري، وفيها قد قطعت البلاد أشواطًا كبيرة بفضل الدعم والمزايا الحكومية العديدة، وقد بلغ عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحاصلة على بطاقة ريادة الأعمال حتى نهاية العام الماضي 29 ألفًا و809 مؤسسة بنسبة 22% من إجمالي عدد المؤسسات المسجلة في قاعدة بينات هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة البالغ عددها 135 ألف و64 مؤسسة بنهاية 2023. بينما العكس بالنسبة للعمل الحر؛ فهو مؤقت، وينتقل أصحابه من مشروع لآخر؛ كالشباب الذين يستغلون فرص عمل المواسم السياحية، لذلك يحتاجون لدعم ورعاية، خاصةً لأن حالة الإقبال عليه- وفق ما سبق ذكره- لن تتعاظم وتستدام جميعها إلّا إذا نجح الشباب الذين كسروا حاجز العزوف والتردد.

ولمثل هذه الاعتبارات، وهي مجرد نموذج فحسب، فإن عملية التنفيذ لا تقل شأنًا عن عملية التفكير والتخطيط ورسم الاستراتيجيات؛ فهي تؤكد الحاجة إلى مفكرين تنفيذيين يتميزون بأداء عالٍ وكفاءة تنفيذية غير اعتيادية؛ لاستجلاء وتحقيق الغايات الوطنية المباشرة وغير المباشرة، والعمل على تحقيقها في آجالها الزمنية؛ لأن كل أجندة من اجندات النهضة المُتجدِّدة تحتوي على تحولات استثنائية لصناعة مستقبل غير اعتيادي، ودونه فإن هناك اختلالات ستحدث، ومن ثم ستؤثر على المجتمع بصورة واسعة، فمثلًا القطاع الحكومي لم يعد مصدر التوظيف المعتاد، ورهانات الدولة الان على القطاع الخاص والعمل الحُر والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فكيف نجعل قطاعات العمل الجديدة جاذبة وتعمل على نجاح شبابنا فيها؟

أيقينا أنها تحتاج لفكر تنفيذي، وليس شخص تنفيذي، يكون هاجسه هذه الاستحقاقات الوطنية وليس العوائد المالية فحسب، ولا ننكر وجود هذا الفكر، لكنه محدود ومُنعزل، ونجاح التحول يحتم بالضرورة أن يكون شاملًا ليس في مجال العمل الحر؛ بل كل التحولات الوطنية في البلاد في ضوء تبني البلاد نهج اللامركزية الذي يحتاج لفكر تنفيذي أكثر من مُنفِّذين بيروقراطيين.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

راتب 8 آلاف جنيه.. وظائف جديدة للشباب بشركة أدوية كبرى في 4 تخصصات

تتيح وزارة العمل عبر نشرات التوظيف التي تصدرها بشكل دوري، فرص عمل جديدة، في شركة تعمل في مجال إدارة وتطوير المشروعات الدوائية، أعلنت حاجتها لتوظيف 300 شخص من الكوادر البشرية المؤهلة، في 4 مجالات مختلفة، تتضمن وظائف مساعد صيدلي، مبيعات في قسم التجميل، أفراد أمن ونظافة، ومندوبي توصيل. 

تفاصيل 300 وظيفة شاغرة بشركة أدوية كبرى

جميع هذه الوظائف تتطلب شروطًا محددة، مع تقديم مزايا ورواتب مجزية، وإليك تفاصيل تلك الوظائف الخالية وشروطها والرواتب المقدمة لكل وظيفة:

80 مساعد صيدلي، بشرط أن يمتلكون مؤهلا عالٍ من الجنسين، وخبرة لا تقل عن 6 أشهر، وأن تتراوح أعمارهم من 23 إلى 34 سنة، مقابل ذلك يحصلون على راتب 6 آلاف جنيه شهريا.

80 موظف مبيعات (قسم التجميل)، بشرط الحصول على مؤهل عالٍ من الجنسين، وتوفر خبرة لا تقل عن 6 أشهر، وعمر يتراوح من 23 إلى 34 سنة، والراتب 6 آلاف جنيه شهريًا.

90 فرد أمن ونظافة، الحصول على مؤهل متوسط، والسن يبدأ من 22 إلى 39 سنة، براتب 8 آلاف جنيه شهريًا.

50 مندوب توصيل، بمؤهل متوسط، وسن من 22 إلى 39 سنة، مع ضرورة امتلاك دراجة بخارية، والراتب يصل إلى 8 آلاف جنيه شهريًا.

كيفية التقديم

يمكن للراغبين في التقديم على وظائف وزارة العمل في شركة الأدوية، زيارة الموقع الإلكتروني الرسمي للنشرة القومية للتشغيل عبر الضغط على هذا الرابط، ثم التوجه إلى مقر وزارة العمل الواقع في 3 شارع يوسف عباس، مدينة نصر، القاهرة، أو التوجه إلى مديريات العمل والمكاتب التابعة لها في المحافظات.

كما يمكن زيارة مقر الشركة الطالبة للموظفين في: 6 ج تقسيم إسماعيل فهمي، خلف الرقابة الإدارية، مدينة نصر، أو الاتصال بالمسؤول لمعرفة المزيد من التفاصيل عن الوظائف عبر الأرقام التالية:

أرقام الاتصال: 01146000358 - 01123414040

مقالات مشابهة

  • الحاج حسن: نحتاج إلى انطلاقة إيجابية تتوافر لها الظروف السياسية المناسبة من خلال الشراكة الوطنية
  • تفعيلاً لمبادرة علشان نربى صح..تنظيم ندوة توعوية حول دور المرأة في الإسلام ببلبيس
  • النتوءات الحمراء على الجلد: الأسباب وطرق العلاج المتاحة
  • روسيا وفرنسا والصين أبطال «دولية» تنس دبي للشباب
  • التنمية الشبابية تنظم ندوة توعوية حول دور المرأة في الإسلام ببلبيس
  • ندوات وتدريب مهنى للشباب.. جهود وزارة العمل بسوهاج وكفر الشيخ
  • راتب 8 آلاف جنيه.. وظائف جديدة للشباب بشركة أدوية كبرى في 4 تخصصات
  • مرتبات تصل إلى 9 آلاف جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف شاغرة للشباب
  • للمرة الأولى.. حزب مغربي يستعين بالذكاء الاصطناعي في العمل السياسي