ستكون مفاجأة غير سارَّة للكثيرين حين نعلم أنه لا توجد -على حد علمي- دراسة أكاديميَّة مُعتبَرة واحدة لموضوع صورة العرب - وعلى رأسهم «الشَّيخ»- فـي السِّينما الأمريكيَّة باللغة والفكر اللذين يفترض أنهما الأكثر اهتمامًا بالأمر: العربيَّة. وبكل تأكيد فإن هذه الحقيقة المؤلمة كثيرًا تأتي باعتبارها تعليقًا حزينًا للغاية حول الوضع المؤسف للدِّراسات النقديَّة السِّينمائية فـي أكاديميا الوطن العربي، وذلك على الرغم من ظهور بوادر مشجِّعة هنا وهناك بضرورة الاهتمام بالموضوع إن فـي الدوائر الفكريَّة والثقافـيَّة العربيَّة أو العامَّة، حيث يتزايد الوعي بأهمية وتأثير الصورة وضرورة تحليلها ودراستها.

وفـي إطار البحث والنَّقد الفكريَّين نجد أن موضوع صورة العربي فـي السِّينما الغربيَّة إجمالًا، والسِّينما الأمريكيَّة على وجه محدَّد أكثر، مقصيٌّ من البحث والنقاش حتى فـي السِّياقات الأكثر وثاقة وصلة بالأمر، كما فـي المثال الضارب والمؤسف التالي.

فـي العامين 1993 و1996 عقدت الجمعيَّة العربيَّة لعلم الاجتماع مؤتمرًا عالميًّا كبيرًا تكوَّن من دورتين، وذلك لأجل بحث الأسئلة والإشكالات المتعلِّقة بـ «صورة العربي». وقد قدَّم باحثون وأكاديميون مرموقون، فـي تينك الدورتين، بحوثًا وأوراق عمل مهمة. ومن الملاحظ أن أولئك الباحثين والأكاديميين جاءوا ضمن قائمة طويلة مثيرة للإعجاب من واحد وعشرين بلدًا عربيًّا وأجنبيًّا هي تونس، ولبنان، ومصر، والمغرب، والأردن، والسُّعودية، وليبيا، وفلسطين، والجزائر، وفرنسا، وفنلندا، وسويسرا، وإيطاليا، وروسيا، وجمهورية التشيك، وهولندا، والنرويج، وهنجاريا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية. وقد صدرت أوراق دورتي ذلك المؤتمر غير العادي فـي مجلد ضخم يتكوَّن من تسعمائة وست وخمسين صفحة من القطع الكبير بعنوان «صورة الآخر: العربي ناظرًا ومنظورًا إليه». وإنه تمامًا وبالضَّبط لأن عنوان ذلك المجلَّد النَّفـيس يبرز الصُّوري والبصري فـي واجهته العنوانيَّة («صورة»، و«نظرة»)، فإنه من المخيب للآمال بصورة لاذعة للغاية أنه ليس هناك حتى بحث واحد من تلك الأعمال الرَّزينة والمضيئة حقا التي احتواها قد تخصَّص فـي بحث الأسئلة المتعلِّقة بتمثيلات (representations) العربي فـي السِّينما(ت) الأجنبيَّة عمومًا، والأمريكيَّة خصوصًا، سواء باعتبار العربي ذاتًا للقراءة أو بوصفه موضوعًا لها (1).

بيد أن هناك سببًا آخر لذلك الغياب البحثي فـي الأمر فـي العالم العربي، وهو، فـي هذه المرة، سبب عمليٌّ/ تاريخيٌّ وغير نظري؛ فالأفلام التي يمكن أن تشكِّل موضوعًا للدِّراسة كانت وإلى فترة قريبة (أي الفترة التي شهدت تعاظم حضور قنوات التَّواصل الاجتماعي وازدياد المنصَّات والمواقع السينمائيَّة المتخصِّصة والعامة) لم تكن متوافرة فـي مختلف بلدان الوطن العربي. وهذا يقود رأسًا إلى ضرورة مساءلة الموقف العربي الرَّسمي إزاء التَّمثيلات (representations) السينمائيَّة للعربي (بما فـي ذلك، بطبيعة الحال، صورة «الشَّيخ») المركّبة والوافرة فـي السِّينما(ت) الغربيَّة عمومًا، والسِّينما الأمريكية خصوصًا فهي صاحبة نصيب الأسد من ناحية الكم والكيف). والحقيقة أن الموقف العربي الرَّسمي نحو الأمر غريبٌ ومحيِّر جدًا فـي أحسن الأحوال، وريائيٌّ، وانبطاحيٌّ، وفصاميٌّ إلى أبعد الحدود فـي أسوأ تلك الأحوال؛ فمن ناحية، نجد أن السُّلطات الثقافـيَّة العربيَّة تمنع فـي الغالب العروض العامَّة للأفلام التي تعتبرها «مسيئة للعرب والمسلمين» بمجرد صدورها فـي الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة أو غيرها من الأقطار الغربيَّة (ويتبع ذلك مصادرة تسجيلات تلك الأفلام على أشرطة الفـيديو والأسطوانات والأقراص الممغنطة بمختلف أنواعها خلال فترة رواجها، بما فـيها تلك التي كانت تُرسل أو تُجلب بقصد المشاهدة الشخصيَّة فـي مناخ خاص فحسب). ومع ذلك فإن السُّلطات السياسيَّة العربيَّة، على أعلى المستويات، كانت ولا تزال تبارك رسميًّا (وإن يكن فـي الخفاء غالبا؛ بمعنى أن الأمر لا يُذكر فـي الوسائل الإعلاميَّة الرَّسمية العربيَّة وإن كان الإعلام الغربي يوثِّق وينشر ذلك بصورة منهجيَّة، إما لاعتبارات مهنيَّة أو بقصد الفضح والإحراج)، وتدعم -أي تلك السُّلطات السياسيَّة العربيَّة- بسخاء منقطع النَّظير من النَّواحي الماليَّة واللوجستيَّة، وذلك بعد منح الموافقات القانونيَّة والتَّصاريح الإداريَّة والإجرائيَّة اللازمة، للمنتجين السِّينمائيين الغربيين للعمل العلني والتَّصوير الاحترافـي بكامل الأجهزة والمعدَّات فـي أماكن مفتوحة واقعة تحت السُّلطة والسِّيادة الوطنيَّتين، وذلك لإنجاز بعض من أكثر الأفلام المسيئة للعرب، بل والمعادية لهم بصورة صريحة ومفتوحة، واستفزازيَّة للرَّأي العام والوجدان المحليين. وبذلك فإن تلك السُّلطات السِّياسية العربيَّة، فـي الوقت الذي تضِّيق فـيه الخناق بطرق مبالغ فـيها على حرِّيات التَّعبير الثَّقافـي والإبداعي الوطني، وتحجب فـيه الدعم المالي أو تقتِّره وتفرض قيودًا تعجيزيَّة فـي أحسن الأحوال، وتمارس أقسى أنواع الرَّقابة على المُصَنَّفات الثقافـيَّة، وعلى رأسها النتاجات الأدبيَّة والفنيَّة، بما فـي ذلك -إن لم يكن فـي أوَّله- الإنتاج السِّينمائي المحلي، تاركة بذلك الجمهور العام وأفراد الانتلجنتسيا معًا فـي حالة من الاغتراب المضاعَف الشَّديد. وفـي هذا يُعَدُّ التعاون الباذخ من الحكومة الأردنيَّة على أعلى المستويات فـي إنتاج فـيلم «لورَنس العرب» [Lawrence of Arabia] (من إنتاج سام سبيجل Sam Spiegel لصالح شركة هورايزُن [Horizon] الأمريكيَّة وإخراج ديفد لين David Lean، 1962) مثالًا كلاسيكيًّا على ما أقول؛ فقد مُنع عرض الفـيلم، خلال عقود الزمن التي تلت إنتاجه، فـي الأردن نفسه، وذلك فـي الوقت الذي يبوح فـيه أرشيف الفـيلم ومستنداته بوثائق تؤكد الاهتمام الملكي الكامل والخاص بالفـيلم والانخراط المباشر فـي شأنه. وإلى ذلك فإن جامعة الدُّول العربيَّة ذاتها أصدرت، فـي تتويج للسُّلوك الغريب والمفارقة المريرة، قرارًا بحظر عرض الفـيلم وتداوله فـي الوطن العربي، بحيث لم يتمكن المشاهدون العرب من التفرَّج عليه بصورة مصرَّح بها إلا مع تسعينيَّات القرن الفائت، أي بعد أكثر من ثلاثين سنة من تاريخ إنتاجه. وفـي هذا فإن الاحتجاج النَّادر الذي حاولته جامعة الدُّول العربية ضد فـيلم «كنوز الملك سليمان» [King Solomon’s Mines] (من إخراج جي لي ثومبسُن J. Lee Thompson، 1985) لم يكن مؤثِّرًا.

---------------------------------------

(1). انظر: الطاهر لبيب، محرر، «صورة الآخر: العربي ناظرًا ومنظورًا إليه» (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1999).

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة العربی فـی الس

إقرأ أيضاً:

عاجل| الرئيس السيسي يصل مقر الديوان الأميري القطري والأمير تميم في مقدمة مستقبليه

وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى مقر الديوان الأميري القطري، حيث كان الأمير تميم بن حمد آل ثاني في مقدمة مستقبليه، وبدأت مراسم الاستقبال الرسمية، ويعقب الاستقبال مباحثات رسمية بين وفدي البلدين.

ومن جانبه، صرّح السفير محمد الشناوي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن الرئيس سيتوجه بعد ذلك إلى الكويت، المحطة الثانية في جولته الخليجية، حيث تأتي هذه الزيارة تأكيدًا على عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين، وحرصهما المشترك على توسيع آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري.

ومن المقرر أن يلتقي الرئيس في الكويت بشقيقه الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، بالإضافة إلى الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، ولي العهد، والشيخ فهد يوسف سعود الصباح، النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الداخلية ورئيس مجلس الوزراء بالإنابة.

اقرأ أيضاًموفدة قطاع الأخبار بـ«المتحدة»: زيارة الرئيس السيسي لقطر تؤكد قوة العلاقات بين البلدين

الرئيس السيسي: مصر لديها بيئة آمنة ومستقرة مواتية للاستثمار

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي يغادر الكويت والأمير مشعل في مقدمة مودعيه
  • أمير البلاد في مقدمة مودعيه..الرئيس السيسي يغادر الكويت
  • 12 صورة ترصد وصول الرئيس السيسي الكويت.. والشيخ مشعل في مقدمة مستقبليه
  • عاجل| الرئيس السيسي يصل مقر الديوان الأميري القطري والأمير تميم في مقدمة مستقبليه
  • لو جيون هونج: مسئولون في الإدارة الأمريكية يرون أن التعريفات الجمركية التي أقرها ترامب قرار سيئ
  • مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «17»
  • سماء إبراهيم تشارك في مقدمة عروض مهرجان الفضاءات المسرحية .. صور
  • «الوزراء» يحقق حلم طالبة من ذوي الهمم في «لاب توب» ومنحة لدراسة البرمجة
  • عاجل | الرئيس السيسي يصل قطر والأمير تميم في مقدمة مستقبليه بمطار حمد
  • السبكي: منصة لدراسة تطبيق نماذج إنترنت الأشياء بالمجال الطبي بالتعاون مع هواوي