شفق نيوز:
2025-03-17@06:31:32 GMT

قمة بريكس: هل يتغير العالم بعدها ؟

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

قمة بريكس: هل يتغير العالم بعدها ؟

شفق نيوز/ العالم فيما بعد قمة "بريكس" التي تعقد الثلاثاء، لن يظل كما هو بعدها. هذا أقل ما تأمله الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، ذلك أن هذه الدول وحدها تشكل نحو نصف سكان الكرة الأرضية، ونحو 30 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 16 % من حجم التجارة العالمية، وتراهن بذلك على خلق عالم متعدد الأقطاب، وهو مصطلح بات يعني كسر "الاحادية" التي يمثلها الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة.

 

ولن تكون قمة "بريكس" الـ15 في جوهانسبورغ عادية وفق كل المعايير، ذلك انها الاولى منذ وباء كورونا، وجدول أعمالها حافل بالقضايا الكبرى في ظل التوتر العالمي الناشئ عن الحرب الاوكرانية، وتصاعد التوترات الكامنة في شرق آسيا، وتأهب جبهات القتال بالوكالة في مناطق الساحل الافريقي بعد انقلاب النيجر. 

لكن الأهم كما يقول مراقبون إن القمة التي دعيَ إليها 67 زعيما عالميا، ستتخذ قرارات مصيرية تتعلق ببدء العمل من اجل اصدار عملة مالية مشتركة، بما يعني السعي الى اقصاء الدولار الامريكي عن عرش العملات العالمية، بالإضافة الى تعزيز استخدام العملات المحلية للدول الخمسة في العمليات التجارية فيما بينها، وإنشاء نظام آليات للمدفوعات المشتركة، وذلك الى جانب دراسة طلبات العضوية من جانب دول مثل إيران والسعودية وتركيا والجزائر ومصر والأرجنتين. 

ويقول سياسيون ومراقبون إن تقدم مجموعة "بريكس" نحو اهدافها هذه تعني بالتأكيد تبدلات هائلة على صعيد توازن القوى، وتؤشر ايضا الى ان الولايات المتحدة التي تسيدت شبه وحيدة، على العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، تفقد قبضتها السياسية والاقتصادية تدريجيا، وربما العسكرية أيضا. 

وبينما بلغت ميزانية الدفاع العسكري للولايات المتحدة رقما قياسيا بلغ 858 مليار دولار، فإن الإنفاق العسكري لدول "بريكس" يبلغ حاليا 400 مليار دولار، لكن لديها أيضا 11 مليون جندي، بالاضافة الى نحو 6500 قنبلة نووية (بحوزة الصين وروسيا والهند). 

وبرغم صورتها كتكل يتحدى الهيمنة الغربية، فإن هيبة "بريكس" مع ذلك منيت بانتكاسة بعدما فشلت في ضمان حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا (سيشارك من خلال تقنية الفيديو) وذلك بعد تعرض جنوب أفريقيا لضغوطات غربية حول فكرة زيارته باعتبار أن بوتين صادرة بحقه مذكرة اعتقال من جانب المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بدوره في حرب أوكرانيا. لكن الوزير سيرغي لافروف سيمثل موسكو في القمة، بينما سيحضر الرئيس الصيني شي جي بينغ بالاضافة الى زعماء البرازيل والهند وجنوب افريقيا. وكان من اللافت أن حكومة جوهانسبورغ تعمدت الإعلان مؤخرا عن أنها لم توجه دعوة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لحضور القمة رغم ان عشرات من زعماء الدول وحكوماتها سيشاركون. 

وحتى ان كان بشكل رمزي، فان "بريكس" تعتبر من أبرز المؤشرات على  صعود قوى بديلة عن الثنائي الاوروبي-الاميركي الذي هيمن على الشؤون الدولية خلال القرون الثلاثة الماضية، واتخذ منحى أكثر حدة منذ شبه الاستفراد الأميركي بالتحكم في الصراعات الجيوسياسية سياسيا واقتصاديا، بعد انتهاء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي في العام 1991.

ومن خلال حصتها من الاقتصاد العالمي، فإن "بريكس" تتفوق على حصة "مجموعة ال7"، كما أن دول "بريكس" حاليا تمثل 40% من مساحة العالم وهي نسبة تتزايد بالتأكيد في حال انضمام دول أخرى إليها، وهي لا تخفي منذ انطلاقتها على مستوى القمة في العام 2009، مسعاها للتحول إلى قوة اقتصادية عالمية، وكسر الأحادية القطبية التي يمثلها الغرب بزعامة الولايات المتحدة، وإنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب.

ومن المعروف أن "بريكس" ظلت منذ انضمام جنوب أفريقيا المتأخر، شبه مغلقة أمام الأعضاء الجدد، وها هي تحاول الآن فتح أبواب العضوية الآن. وسيكون على الأعضاء الجدد الالتزام بأهداف المجموعة التي من بينها مكافحة الفقر والتنمية المستدامة وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي وتقوية الأمن والسلام لضمان النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية ليكون للدول الناشئة صوت اكبر، وتعزيز الأمن الغذائي.

ويقول مراقبون إن من بين الخطوات الاكثر دلالة على النزعة الاستقلالية وكسر الاحادية الامريكية، قرار الصين في العام 2013 إطلاق مبادرة “الحزام والطريق” بعد شهور قليلة على قمة "بريكس" في مدينة ديربان الجنوب افريقية في العام 2013. كما يمكن ملاحظة هذه النزعة بوضوح في قرار "بريكس" افتتاح "بنك التنمية الجديد" خلال قمة المجموعة في مدينة أوفا الروسية في العام 2015، وهو بنك، مقره في مدينة شنغهاي الصينية، حيث تراهن "بريكس" أن يكون بمثابة بديل عن مؤسسات البنك الدولي الذي يعتبر الذراع المالي للهيمنة الغربية عالميا، ويقدر رأسماله بحوالى 100 مليار دولار.

ووفقا لأرقام مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فقد لعب "الاستثمار الأجنبي دوراً مهما في نمو اقتصادات دول بريكس منذ العام 2001، حيث تضاعفت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوية الى الكتلة بأكثر من أربعة أضعاف من العام 2001 إلى العام 2021 (من 84 مليار دولار إلى 355 مليارا) وساهمت بشكل كبير في تكوين رأس المال الثابت الإجمالي". 

وكان عقد قمة "بريكس" في سان بطرسبورغ الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، بالشراكة مع "منظمة شنغهاي للتعاون" التي تعتبر بمثابة تكتل آخر بديل عن الهيمنة الغربية، ويتشكل منذ العام 2001، مؤشرا مهما آخر على التحولات الجارية عالميا، وهي منظمة انضمت اليها ايران رسميا في تموز/يوليو الماضي. وبحسب بعض المحللين، فإن "بريكس" هي بمثابة "الذراع الاقتصادي-المالي" لـ"منظمة شانغهاي"، وهي ظاهرة ما تزال قيد التطوير. 

وكثرت خلال الشهور الماضية تقديرات الخبراء والمراقبين بأن الحرب الاوكرانية التي انخرطت فيها روسيا، سرعت من تحرك موسكو وبكين، والدول الاخرى في "بريكس" باتجاه ضمان الاستقلالية المالية بعيدا عن الدولار الامريكي، خصوصا بعدما شاهد العالم سرعة العقوبات وحدتها والتي فرضت على العلاقات والمصالح التجارية والاقتصادية وممتلكات الروس في أنحاء العالم، وكانت بمثابة جرس إنذار دفع زعماء دول المجموعة إلى البحث عن خيارات مالية جديدة، للتخلص من "استبدادية" الدولار الذي استخدم مرات كثيرة لمحاصرة واضعاف دول وشعوب خلال العقود القليلة الماضية، كما في العراق وإيران وسوريا ولبنان وغيرها. 

ويمكن القول إن التكتلات والأحلاف التي يشهدها العالم، برغم أنها تعكس شكلا من التلاقي في المصالح والأهداف والتقارب بين دول التكتل نفسه، إلا أنها تعكس في الوقت نفسه، صراعات الدول الكبرى والانتقال من الحروب العسكرية الطاحنة، إلى الصراع على المصالح الاقتصادية، لضمان الاستمرارية والبقاء الازدهار، ولو على حساب الدول أو التكتلات الأخرى، وهي أهداف تستدعي بشكل حتمي أحيانا، اللجوء الى جبهات القتال والخنادق.

واذا كانت "بريكس" تحمل مؤشرا على قيام تكتلات بديلة، فإن التاريخ يقول ايضا ان العالم شهد قيام وسقوط تكتلات أخرى، وعلى سبيل المثال حلف وارسو (تأسس في العام 1955) لمواجهة حلف "الناتو" الذي يمثل أوروبا الغربية والولايات المتحدة. كما شهد العالم سقوط ما سمي "حلف سياتو" لدول جنوب شرق آسيا الذي تأسس العام 1954، وذلك بدعم من واشنطن لمواجهة نفوذ موسكو. 

وسقط أيضا حلف بغداد (الذي تأسس في 1955) وضم العراق وايران وتركيا وبريطانيا وباكستان، وذلك لمواجهة التمدد السوفياتي والثورة الناصرية. وكان هناك ايضا "حلف الريو" (1947) وهو يمثل أول تحالف من نوعه فيما بعد نهاية نهاية الحرب العالمية الثانية وضم دولاً من الأميركيتين، لكنه صار الآن بلا تأثير يذكر في ظل هيمنة واشنطن المطلقة عليه.

ومع ذلك، هناك تكتلات عالمية لا تزال نشطة في العام، فإلى جانب "حلف الناتو" القائم منذ العام 1949، هناك "منظمة شنغهاي للتعاون"، وتكتل دول "الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ" المشكل في العام 2018 بعد اعلان خروج الولايات المتحدة من نواته التأسيسية من جانب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. ويضم التكتل أستراليا، بروناي، كندا، تشيلي، اليابان، ماليزيا، المكسيك، نيوزيلندا، بيرو، سنغافورة، وفيتنام، وتمثل مجتمعة نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي عالميا.

وهناك أيضا "مجموعة الـ7"، وحلف "اوكوس" الأمني الذي يجمع الولايات المتحدة مع بريطانيا واستراليا منذ العام 2021، من أجل التصدي لنفوذ الصين، وهناك "تحالف كواد" الرباعي (2007) الذي تحاول واشنطن تعزيزه مع الهند واستراليا واليابان، للمساهمة ايضا في تطويق الصين والتصدي لنفوذها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ويذكر ايضا ان هناك "منظمة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية" (النافتا)، ورابطة جنوب شرق آسيا "آسيان"، وتحالف "العيون الخمسة" الذي يضم الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا، وينسق ايضا مع الدنمارك وفرنسا وهولندا والنرويج، من خلال التعاون الاستخباراتي والأمني.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية (ميركوسور)، واتحاد المغرب العربي، ومنطقة التجارة الحر لدول البلطيق،، وكومنولث الدول المستقلة، إلى جانب مجلس التعاون الخليجي.

خاص: وكالة شفق نيوز

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: محمد شياع السوداني السوداني العراق نيجيرفان بارزاني بغداد ديالى الحشد الشعبي تنظيم داعش النجف السليمانية اقليم كوردستان اربيل دهوك إقليم كوردستان بغداد اربيل العراق اسعار النفط الدولار سوريا تركيا العراق روسيا امريكا مونديال قطر كاس العالم الاتحاد العراقي لكرة القدم كريستيانو رونالدو المنتخب السعودي ديالى ديالى العراق حادث سير صلاح الدين بغداد تشرين الاول العدد الجديد روسيا جنوب افريقيا قمة بريكس الولایات المتحدة ملیار دولار منذ العام فی العام

إقرأ أيضاً:

مقامرة ترامب التي ستضع الدولار في خطر

الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب تنطلق بتغييرات جذرية

بدأت الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب بعاصفة من التغييرات في المشهد السياسي داخل واشنطن العاصمة، وفي علاقات الولايات المتحدة مع العالم. فالتخلي السريع عن الوضع الراهن، بدءًا من فرض تعريفات جمركية أكبر على كندا، الحليف الأكثر ولاءً للولايات المتحدة، مقارنةً بالصين، وطرح إمكانية احتلال غزة، إلى التهديد بضم غرينلاند، والسعي للتواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تُعدّ أمرًا ساحقًا، ومتعمدًا كذلك.

التعريفات الجمركية وتأثيرها طويل الأمد

قد لا تكون التعريفات الجمركية التي يفرضها ترامب أكثر خطوات سياسته الخارجية إثارة للدهشة في ولايته الثانية، لكنها قد تكون الأكثر تأثيرًا على المدى الطويل.

وكغيرها من سياساته التي تجذب العناوين الرئيسية، فإن خطة التعريفات الجمركية تأتي ضمن خطته الأوسع لإعادة تشكيل الاقتصاد الأميركي.

ويصرّ ترامب على أنه سيفرض تعريفات على أوروبا والصين وجميع الشركاء التجاريين الآخرين للولايات المتحدة؛ بهدف إعادة التصنيع إلى الداخل، وتحقيق شعاره الشهير: "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى".

انعكاسات التعريفات الجمركية على الدولار الأميركي

لكن في هذه الحالة، من غير المرجح أن يحقق ترامب أهدافه بعيدة المدى؛ بسبب التأثير غير المقصود الذي ستتركه هذه التعريفات على الدولار الأميركي. فتكاليف التصنيع في الولايات المتحدة أعلى بكثير مما هي عليه حتى في أوروبا، ناهيك عن آسيا، وبالتالي فإن التأثير الفوري لفرض التعريفات الجمركية، والتهديد بفرض المزيد، سيؤدي إلى رفع توقعات التضخم، ويبدأ دورة جديدة من قوة الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى.

إعلان

ورغم أنه قد يبدو أن الدولار الأقوى سيحدّ من التضخم، فإن التعريفات الجمركية وتوقعاتها تضيف تكاليف إضافية للتجارة، مما يقلل من هذه الفائدة المحتملة.

بالإضافة إلى ذلك، أوقف مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي دورة خفض أسعار الفائدة، بينما تواصل البنوك المركزية الأخرى، مثل بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي، خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو في مواجهة التهديدات التجارية. ومع ذلك، فإن هيمنة الدولار على النظام النقدي العالمي، تعني أن التوقعات بعوائد أعلى على الأصول الأميركية ستعزز قوة الدولار أكثر.

امتياز "الدولار المفرط" في خطر

لطالما أدى الطلب العالمي على الدولار الأميركي إلى جعله الصادر الرئيسي للولايات المتحدة، وهو ما مكّن واشنطن من تشغيل عجوزات تجارية ومالية دون تأثير سلبي كبير على الاقتصاد. وقد أدرك ترامب تدريجيًا أهمية حماية هذا النظام، مهددًا بفرض تعريفات بنسبة 100٪ وإجراءات أخرى ضد الدول التي تسعى إلى فك الارتباط بالدولار والانضمام إلى منظمة "بريكس" المدعومة من روسيا والصين.

يرى ترامب أن مهمته لا تقتصر فقط على إعادة هيكلة السياسة المالية لدعم التصنيع المحلي، بل تشمل أيضًا وضع قواعد جديدة للنظام النقدي الدولي.

باختصار، يريد الرئيس الأميركي أن يضمن أن الدولار يمكن أن يتداول بقيمة أضعف مقارنة بالعملات الأخرى، دون أن يفقد مركزيته، خاصةً بالنسبة للأوراق المالية الحكومية الأميركية، في النظام النقدي العالمي.

إمكانية التوصل إلى اتفاقيات استقرار الدولار

أثار هذا الوضع نقاشًا حول ما إذا كانت إدارة ترامب تسعى إلى التوصل إلى اتفاقيات جديدة لاستقرار الدولار مع الحكومات الأخرى وبنوكها المركزية، على غرار اتفاق "بلازا" و"اللوفر" في الثمانينيات. وبالفعل، أصبح الحديث عن محاولة ترامب التوصل إلى ما يسمى بـ"اتفاق مارا لاغو" موضوعًا متكررًا بين الاقتصاديين.

لكن من غير المرجح أن يكون تحقيق مثل هذه الاتفاقية سهلًا، إذ إن الوضع اليوم يختلف عن اتفاقيات الثمانينيات، التي ركزت على اليابان، حيث رأت الولايات المتحدة حينها أن ضعف الين يمثل تهديدًا لمصالحها، وعملت على تصحيحه.

إعلان

لم يكن هذا تحديًا كبيرًا، نظرًا لأن طوكيو كانت -ولا تزال- حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة. أما الصين، فهي ليست كذلك بأي شكل من الأشكال، وهي أقل اهتمامًا بالمفاوضات، إذ تشير إلى آثار اتفاقيات الثمانينيات على اليابان، حيث أدى ارتفاع قيمة الين إلى ما يعرف بـ"العقود الضائعة"، كسبب رئيسي لعدم رغبتها في رفع قيمة عملتها مقابل الدولار.

ترامب يستخدم النظام النقدي العالمي كأداة ضغط

يبدي ترامب استعدادًا لاستخدام النظام النقدي العالمي كسلاح لتحقيق تنازلات وأهداف طويلة الأمد، حتى لو لم تكن مرتبطة بالتجارة. حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة يجب أن يكونوا مستعدين لمواجهة تهديدات تتجاوز التعريفات الجمركية.

وقد كان هذا واضحًا في تهديده بفرض "عقوبات مالية ومصرفية وخزانة" على كولومبيا في أواخر يناير/ كانون الثاني إذا لم تقبل طائرات عسكرية أميركية تحمل المرحلين، وهي خطوات تُستخدم عادةً ضد الدول المارقة مثل كوريا الشمالية وإيران وروسيا.

هل ستؤدي سياسة ترامب إلى انهيار هيمنة الدولار؟

قد تكون هذه التهديدات أشد تدميرًا اقتصاديًا من التعريفات الجمركية؛ نظرًا لمركزية الدولار الأميركي وأوراقه المالية الحكومية والنظام المالي الأوسع في الاقتصاد العالمي.

لكن استعداد ترامب لاستخدام هذه الأدوات ضد الحلفاء يعني أنه لن يكون لديه أمل في دخول مفاوضات مع الصين بدعم اقتصادي من حلفائه.

وستحاول بكين والدول الداعمة لتقويض النظام القائم على الدولار استغلال هذه الثغرات، إذ إن تفكيك هذا النظام يعد هدفًا أهم بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى من إضعاف حلف الناتو.

يحاول ترامب إعادة هيكلة النظام النقدي الدولي لصالح الولايات المتحدة، لكن تحركاته تشير إلى أنه لا يدرك تمامًا تعقيدات هذا النظام. وهذا ما بدا جليًا عندما تحدث عن مستويات الإنفاق في الناتو خلال زيارته لإسبانيا بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، حيث أخطأ في تصنيفها كعضو في مجموعة "بريكس".

إعلان

النظام النقدي القائم على الدولار لم يكن أميركيًا بالكامل، بل نشأ إلى حد كبير في أوروبا، حيث بدأت البنوك في إصدار القروض بالدولار في الخمسينيات؛ لتلبية الاحتياجات التمويلية الإقليمية.

وعليه، فإن تقويض ترامب وحدة السياسة الخارجية بين الولايات المتحدة وأوروبا، تحت شعار "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، قد ينتهي به الأمر إلى الإضرار بالنظام المالي القائم على الدولار، الذي ساهم في تعزيز القوة الأميركية لعقود.

الفرق بين "بريكس" والدول الأوروبية

الفرق الرئيسي بين دول مجموعة "بريكس" والدول الأوروبية مثل إسبانيا، هو أن معظم أعضاء "بريكس" هم من الدول التي تحقق فائضًا تجاريًا عالميًا، حيث تصدّر أكثر مما تستورد، كما أنها تفرض قيودًا رأسمالية كبيرة.

أما في أوروبا، فالقوة التجارية ليست كافية لدعم مستويات الإنفاق الحكومي في معظم دول الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة، ولا حتى في اليابان التي تفوق نسبة دينها إلى الناتج المحلي الإجمالي أي اقتصاد رئيسي آخر.

وبالتالي، فإن هؤلاء الحلفاء التاريخيين هم المقترضون الرئيسيون في أسواق رأس المال الدولية، بينما تسعى الدول ذات الفوائض، مثل الصين، إلى استثمار أموالها في هذه الدول.

ترامب يخاطر بتدمير النظام المالي العالمي

تحركات ترامب، مثل التعريفات الجمركية والتهديدات بضم أراضٍ تابعة لحلفاء الولايات المتحدة، تُضعف هذا النظام. كما أن تهديداته الجيوسياسية لإعادة تشكيل النظام النقدي قد تستهدف بكين، لكنها تهدد أيضًا بتفكيك التحالف السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين.

إذا نجح ترامب في تحقيق رؤيته، فقد يؤدي ذلك إلى بعض المكاسب للصناعة الأميركية، إذ سيؤدي نمو قطاع التصنيع الذي يمثل حاليًا 10.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي إلى تعزيز دعم قاعدته الانتخابية.

لكن المخاطرة تكمن في أنه، أثناء محاولته تحقيق ذلك، قد يتسبب في انهيار النظام القائم على الدولار الأميركي، مما سيكون له تأثير مدمر على الاقتصاد الأميركي، حيث سيؤدي إلى تضخم حاد وركود اقتصادي عميق.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مقامرة ترامب التي ستضع الدولار في خطر
  • فيديو. مضران : نهضة بركان الفريق الوحيد في العالم الذي إحتفلت الطبيعة بفوزه بلقب البطولة
  • جولة واسعة لوالي الخرطوم تكشف حجم الدمار الذي طال المرافق الخدمية ومنازل المواطنين بشرق النيل
  • ما الاختلاف الذي لمسه السوريون في أول رمضان بدون الأسد؟
  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!
  • السؤال الذي يعرف الغرب الإجابة عنه مسبقا
  • ما هي «التيارات النفاثة» التي تسبب ارتفاع درجات الحرارة في الشتاء؟ خبير مناخ يجيب «فيديو»
  • اسأل المفتي.. كيف اكتشف سيدنا إبراهيم أن هناك إلهًا واحدًا أزليًّا لا يتغير؟
  • الأمين العام للأمم المتحدة: ارتفاع مقلق في التعصب ضد المسلمين
  • الاسمر: لدمج الرواتب التي تعطى كمساعدات في القطاع العام ضمن أساس الراتب