"الاستسلام لمطالب حماس سيكون بمثابة هزيمة نكراء لدولة إسرائيل، نحن لسنا مستعدين لقبول وضع تخرج فيه كتائب حماس من مخابئها، وتسيطر على غزة مرة أخرى".

بنيامين نتنياهو

في الخامس من مايو/أيار 2024، وبعد 7 أشهر تقريبا على بدء حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة ضد قطاع غزة، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا التصريح للتأكيد على الهدف الرئيسي لحربه وهو تدمير حركة حماس ومنعها من السيطرة على غزة.

ولكن مرور أكثر من 250 يوما على تصريح نتنياهو و470 يوما على انطلاق العدوان الإسرائيلي، بدا أن تعهدات نتنياهو تحولت إلى سراب.

ففي الساعات الأولى لسريان المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، اليوم الأحد، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن "رجال شرطة حماس ينفذون إعادة انتشار في جميع أنحاء القطاع، وإن حماس التي لم تفقد في أي لحظة من الحرب سيطرتها أو قبضتها على أي جزء من القطاع، تستغل هذه الساعات لتعزيز وإحكام قبضتها وحكمها".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الإلحاد والطب النفسي.. ما العلاقة؟list 2 of 2لماذا أراد رفعت الأسد القضاء على أخيه حافظ؟end of list

وثمة مفارقة ضخمة إذن بين طموحات نتنياهو وتعهداته، والواقع الذي تظهره الصور والمشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام من قطاع غزة، بما يؤكد أن الأهداف الرئيسية للحملة العسكرية الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني قد تبددت تماما، على الرغم من حالة الدمار الهائلة في المباني والبنية التحتية التي خلفها العدوان، وأعداد الشهداء التي بلغت قرابة 44 ألفا، فضلا عن أضعافهم من المصابين والمشردين.

إعلان الحاضنة الشعبية.. الباقيات الراسخات

تشير أدبيات العلوم العسكرية إلى ما يعرف باسم "مركز الثقل للمنظمات العسكرية" (COG – Center of Gravity) والذي قد يختلف من تنظيم لآخر ومن سياق لآخر. بيد أنه في حالة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، تُظهر التجربة أن مركز ثقلها يعتمد بشكل رئيسي على الحاضنة الشعبية التي تمنح المقاومة عمقا اجتماعيا لا يقدر بثمن، وتمثل الخزان البشري دائم الإمداد الذي يمدها بالطاقات البشرية.. كما أن إيمان تلك الحاضنة بالخيارات الإستراتيجية للمقاومة، وبجدارة قيادتها في تقدير الموقف، واتخاذ القرار يمنح المقاومة ما يشبه تفويضا شعبيا مريحا لتنفيذ خططها، بغية تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية.

فلسطينيون في غزة يتجمهرون حول مقاتلين تابعين لحماس بعد بدء اتفاق وقف إطلاق النار (الجزيرة)

ومع إدراكه لهذه الحقيقة، يتعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف تلك الحاضنة الشعبية، عسكريا ومعنويا، بهدف رفع تكلفة دعمها للمقاومة، وممارسة الضغوط على قياداتها ونزع الغطاء الشعبي عنها. ومن ثم تتعامل قوات الاحتلال مع البنية التحتية للقطاع باعتبارها أهدافا عسكرية، كما تعتبر توسيع عمليات القتل في صفوف المدنيين وإيلام المجتمع الغزاوي إلى أقصى درجة ممكنة هدفا عسكريا في حد ذاته، إذ بات الإسرائيليون يرون قطاع غزة بأكمله حركة مقاومة شعبية.

ويخبرنا ذلك عن أسباب تعمد إسرائيل ممارسة أقسى درجات العنف لإدماء الحاضنة المدنية في قطاع غزة وتدمير مقومات الصمود اليومية والحياتية لسكانه، ومع ذلك أظهرت الأجواء الاحتفالية التي نقلتها وسائل الإعلام في مناطق مختلفة من غزة بما فيها مناطق الجهد العسكري الإسرائيلي الكثيف، مثل شمال القطاع، أن حالة غزة استثنائية وفريدة، وأن ثقافة المقاومة متجذرة في هذا القطاع على نحو بالغ.

وكما يبدو أن ثمة وعيا إستراتيجيا جماعيا لدى الناس في غزة بضرورة الاحتفاظ بصورة النصر في اللحظات الأخيرة وتصديرها للعدو وللعالم، وهو ما يدفعهم بشكل غير منظم وعفوي، على ما يبدو، لتعمد إظهار مثل هذه الصور على الرغم من المأساة الإنسانية الهائلة التي عاشوها والتي ستظل آثارها حاضرة لفترة طويلة.

إعلان فشل مخطط التهجير

كانت الأسابيع الأولى للحرب قد كشفت النقاب عن مخطط إسرائيلي لدفع سكان غزة لمغادرة القطاع، وقالت صحيفة "إسرائيل اليوم" في أكتوبر/تشرين الأول 2023 إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعمل على "تهجير سكان غزة إلى دول أخرى". بيد أن ما أظهره القطاع وسكانه، بعد أشهر الحرب الطويلة، كان عكس ذلك تماما، حيث بدا سكان القطاع متمسكين بالبقاء فيه، كما ظهرت أجواء ابتهاجية في أماكن مخيمات النازحين بسبب اقتراب عودتهم لأحيائهم الأصلية على الرغم من الدمار الذي طالها.

صورة نشرها جندي إسرائيلي لتهجير مئات العائلات من جباليا بشكل قسري (مواقع التواصل)

وفي شمال غزة تحديدا، كان اشتراط عدم عودة النازحين إليه وتحديدا إلى مناطق بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا والشجاعية إحدى أكبر العقبات التي عرقلت اتفاق وقف إطلاق النار لشهور طويلة. ولا ننسى الإشارة إلى تفاصيل الخطة التي أعدها الجنرال احتياط غيورا آيلاند رئيس شعبة العمليات السابق بهيئة رئاسة الأركان الإسرائيلية الذي يُعرف بأنه أحد المستشارين العسكريين المقربين من نتنياهو، والمعروفة إعلاميا باسم "خطة الجنرالات". وتهدف الخطة لممارسة ضغوط عسكرية ومعيشية هائلة على شمال غزة لإجبار سكانه على النزوح وتحويله إلى منطقة عازلة.

واليوم، تنقل الصور المتتابعة أن مشاهد الحياة ما زالت حاضرة في مناطق الشمال، وأن تكتلات بشرية ضخمة ما زالت لم تغادر أماكن سكنها، كما بدأت الدفعات الأولى من النازحين في العودة إلى الشمال خلال شارع الرشيد وفق ما تقضى المرحلة الأولى من الاتفاق، وخلال المرحلة الثانية ستنسحب قوات الاحتلال من محور نتساريم بما يسمح بفتح شارع صلاح الدين حيث سيكون طريق العودة خلاله أكثر سهولة وأمانا.

كتائب القسام لم تتفكك

إلى جانب ذلك، كان أهم أهداف نتنياهو المعلنة هو تفكيك كتائب القسام، ومع ذلك أظهرت الساعة الأولى أيضا من صباح اليوم مجندين عسكريين في كتائب القسام يقومون بما يشبه "العرض العسكري" جنوب القطاع في رفح، حتى قبل أن يبدأ رسميا تنفيذ وقف إطلاق النار من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي.

إعلان

بل إن الباحث والصحفي الإسرائيلي غاي بيخور نشر مقالًا قال فيه إن مشاهد انتشار شرطة حماس وكتائب القسام في قطاع غزة فور سريان وقف إطلاق النار، خلفت لديه انطباعًا أن "حماس عادت، وعاد معها كل شيء"، وحذر من أن الهجوم على مستوطنات غلاف غزة قادم "وسيكون فظيعًا".

وكانت هيئة البث الإسرائيلية قد قالت في 9 فبراير/شباط 2024، إن رئيس الوزراء طلب من الجيش تنفيذ مخطط تفكيك كتائب القسام الجناح العسكري لحماس بمدينة رفح، قبل حلول شهر رمضان. وقالت أيضا إن رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي قال لنتنياهو إن "الجيش لديه خطة بالفعل، لكن هناك حاجة إلى تهيئة الظروف وهي إخلاء المنطقة والتنسيق مع مصر" وهو ما فشلت فيه إسرائيل لاحقا.

أعضاء كتائب القسام مع مواطنين يحتفلون بوقف إطلاق النار في خان يونس جنوبي قطاع غزة (رويترز)

وعلى الرغم من مزاعم إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول الماضي أنها استطاعت قتل ألفين من "عناصر" حماس في رفح وهدم 15 كيلومترا من شبكة الأنفاق، إلا أن هذا الظهور السريع والمنظم لكتائب القسام ربما يرجح أن التصريحات الإسرائيلية كانت موجهة للداخل لتبرير فشل مخطط التهجير إلى مصر واقتحام مناطق رفح بشكل واسع.

فشل مخططات اليوم التالي

في ديسمبر/كانون الأول 2023 هاجم نتنياهو مقترحا فلسطينيا يتضمن أن تكون حركة حماس شريكة في حكم غزة بعد الحرب، قائلا "لن تكون هناك حماس في اليوم التالي للحرب، سوف نقضي عليها".

وطوال أشهر الحرب حاولت الحكومة الإسرائيلية تجريب عدة صيغ أحادية لإدارة قطاع غزة، من بينها الإدارة العسكرية المباشرة، لكن جيش الاحتلال فشل في إدارة عملية توزيع المساعدات في القطاع التي كانت بمثابة التجربة الأولى لهذه الصيغة. كما فشل في تخليق سلطة تكنوقراط جديدة عبر مجموعة من رموز العائلات والعشائر في غزة، ولم تنجح محاولاته المتكررة للاتصال مع شخصيات مرشحة للقيام بهذا الدور.

إعلان

وأخيرا، وصلت الحرب إلى ما يفترض أن تكون في مرحلتها النهائية، ولم تتغير طبيعة السلطة في قطاع غزة، بل يبدو أن منظومة القيادة والسيطرة لكتائب القسام ما زالت تعمل بكفاءة كاملة، حيث استطاعت الالتزام بموعد الإعلان عن أسماء الأسيرات الإسرائيليات اللواتي سيجري تسليمهن لسلطات الاحتلال.

قوات الشرطة الفلسطينية انتشرت في أرجاء قطاع غزة مع بدء سريان وقف إطلاق النار (الجزيرة)

كما بدأت السلطات المدنية الأمنية في إعادة انتشارها والظهور مجددا في القطاع، على الرغم أنه منذ بدء الحرب نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات اغتيال استهدفت 723 من عناصر أجهزة الشرطة ولجان تأمين المساعدات، وفق آخر إحصائية نشرها المكتب الإعلامي الحكومي بغزة في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

كل هذا دفع معلق الشؤون العربية في قناة i24 الإخبارية العبرية للتساؤل عن جدوى الإبادة: "ماذا فعلنا هنا خلال عام وخمسة أشهر؟ دمّرنا العديد من المنازل، وقُتل خيرة أبنائنا، وفي النهاية النتيجة هي نفس الصيغة: حماس تحكم، المساعدات تدخل، ونخبة [القسام] تعود."

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد وقف إطلاق النار کتائب القسام على الرغم من قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

استشهاد نحو 25 شخصاً في قصف إسرائيلي استهدف جنوب قطاع غزة

أفادت وسائل إعلام فلسطينية باستشهاد نحو 25 شخصا وفقدان آخرين في قصف إسرائيلي استهدف جنوب قطاع غزة منذ مساء أمس وحتى فجر اليوم الأحد.

وقال المركز الفلسطيني للإعلام إن 18 فلسطينينا استشهدوا بغارات إسرائيلية على منازل وخيام نازحين بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.

وأشار إلى وجود شهداء ومصابين جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الياباني غربي مدينة خان يونس.

كما استشهد وأصيب عدد من المواطنين جراء غارات جوية إسرائيلية استهدفت شمال شرقي مدينة رفح جنوب القطاع، واستهدف الجيش الإسرائيلي سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني شمالي المدينة.

حركة فتح تدعو حماس للتنحي عن حكم قطاع غزةإسرائيل تصادق على 13 مستوطنة جديدة في الضفة وتبحث تهجير سكان غزةباحث بالشؤون الإسرائيلية: التصعيد في لبنان من الجانب الإسرائيلي مرتبط بالدخول إلى غزةبيان عاجل من حماس بعد استشهاد القيادي صلاح البردويل في غزةحماس: لا طموح لدينا لإدارة غزة ونناقش مقترح ويتكوفاستشهاد القيادي في حماس صلاح البردويل في غارة جنوبي قطاع غزةمستشار التنمية بالأمم المتحدة: العدوان الإسرائيلي على غزة رغم الهدنة انتهاك صارخ

كما استشهد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" صلاح البردويل وزوجته في قصف إسرائيلي استهدف مكان سكنهم غرب مدينة خان يونس فجر اليوم الأحد.

وفي وسط القطاع: أصيب عدد من الأشخاص جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلا بالقرب من مقبرة السوارحة في مخيم النصيرات.

وقصفت المدفعية الإسرائيلية بشكل مكثف شرق وشمالي مخيمي البريج جنوب مدينة غزة، والنصيرات وسط القطاع.

كما استهدف قصف مدفعي إسرائيلي بلدة المغراقة وبلدة الزهراء شمالي مخيم النصيرات.

جدير بالذكر أن إسرائيل استأنفت فجر الثلاثاء 18 مارس عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة منهية بذلك هدنة هشة استمرت لنحو شهرين بدأت في يناير 2025 بوساطة مصرية - قطرية - أمريكية، ونفذت سلسلة غارات جوية مكثفة وأحزمة نارية على عدة مناطق في القطاع.
 

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يكشف عدد الأهداف التي ضربها في غزة
  • شاهد.. نتنياهو يصف فيديو الأسيرين الإسرائيليين بـ "الحرب النفسية"
  • “استئناف الحرب يعرض حياتنا للخطر”.. أسيران “إسرائيليان” محتجزان لدى المقاومة يطالبان بوقف العدوان على غزة
  • ماذا يريد الاحتلال من الاغتيالات الممنهجة لقادة حماس في غزة؟
  • مقترح مصري لوقف النار في غزة يتضمن تقديم المقاومة معلومات عن المحتجزين
  • برلماني: تجدد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يشعل الحرب في المنطقة
  • هل اقترح الأردن نفي قادة حماس ونزع سلاح المقاومة؟
  • ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على جنوب غزة إلى 35 / صور
  • استشهاد نحو 25 شخصاً في قصف إسرائيلي استهدف جنوب قطاع غزة
  • اغتيال صلاح البردويل عضو المكتب السياسي لحماس جنوب قطاع غزة