لا شك أن صناعة السينما اتجهت مع التطور الزمني الذي لحق بها إلى انتهاج شتى أساليب السرد السينمائي الذي كانت الغاية منه هي الوصول إلى المشاهد وتقديم قصة تروى وتحقق الفائدة والمتعة في آن واحد.

هذا التنوّع السردي يمكن النظر إليه من زوايا متعددة ومنها مساحة ما يروى بالصورة على الشاشة باستخدام الأدوات والوسائل التي ترسخ دور الصورة ووظيفتها حاملةً في ثناياها تلك التفاصيل التي يراد إيصالها إلى المشاهد.

هذه المقدمة تنطبق على هذا الفيلم للمخرجة إيلين كوراس والمأخوذ عن كتاب للمؤلف أنطوني بينروس، والذي بني في قسم أساس منه على محور السيرة الذاتية لتلك الشخصية الاستثنائية لي ميللر التي واكبت العديد من التحولات الثقافية والإنسانية والسياسية سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة قبيل وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.

فالركن الأول في تلك السردية الاستثنائية المرتبطة بهذه الشخصية هو مواكبة لي لتطور عالم الموضة والأزياء؛ إذ ارتبطت بفئة واسعة من المصممين والعارضين والعارضات وكانت هي شخصيًا إحدى تلك العارضات وارتبطت باريس في ذهنها تلك المدينة المفعمة بالحياة والشاعرية.

لكن السؤال المهم فيما يتعلق بتلك الشخصية التي عاشت مع تلك الطبقة الاستثنائية والمخملية غالبا في المجتمع الفرنسي، هو ماذا يعني لها انتقال أوروبا وبما فيها فرنسا وصولا إلى الولايات المتحدة إلى حالة المواجهة والحرب باشتعال نيران الحرب العالمية الثانية؟

هذا السؤال شكّل في ثناياه تحولا وجوديا استثنائيا غيّر مسارات السرد الفيلمي إلى جدلية معقدة ارتبطت بشخصية (لي) في حد ذاتها وكيف يمكن الموازنة بين الدوافع الذاتية والمحركات الموضوعية، الذات الأقرب لحياة الترف والدعة في مقابل واقع حياتي مقبل على أهوال الحرب.

لقد كانت هذه الجدلية كافية لكي نشهد تحولا دراميًا ملفتًا في حياة تلك المرأة فبعد أن كانت المجلة الشهيرة واسعة الانتشار " فوغ" محملة بصور وتحقيقات الأزياء والموضة ها هي "لي" تقرر أن تكون مجلة الترف نفسها هي التي تنشر صورا لها سوف تلتقطها بنفسها ليس بصفتها عارضة أزياء معنية بالموضة بل بصفتها مصوّرة حربية، وحيث يكون الانتقال من الحياة المدنية المترفة إلى ثكنات الجنود ومرابض المدافع بمثابة كابوس كبير بالنسبة لها لكنها لن تتراجع عنه.

هذه المعالجة السردية قدمت لنا أنساقًا متوازية من السرد اشتغلت على ثلاثة مقاربات سردية أولها مرحلة ما قبل الحرب في باريس وحياة الموضة والرفاهية والحفلات ثم مرحلة الحرب ودخول "لي" مصورة حربية ثم الرحلة الثالثة ممثلة في المراجعة الذهنية عن طريق الاستذكار – فلاش باك – وهي تروي سيرتها وذكرياتها لشاب مهتم لن نعلم إلا في القسم الأخير أنه ابنها.

وفي هذا الصدد يقول الناقد ديف غيانيني في موقع سيسشن فيلم: "لاشك أن هذا الفيلم استند إلى نوع السيرة الذاتية وأنا لا أقول أنه لا يمكن بعد الآن صناعة فيلم سيرة ذاتية جيد، لكن يبدو أن الأمر أصبح أكثر صعوبة مع مرور الوقت.

الأمر في هذا الفيلم يتعلق ببنية السيناريو وكيفية تأطير القصة السينمائية من خلال مقابلة تجرى مع "لي" وهي امرأة طاعنة في السن، قناعتي أن التصميم والحل الإخراجي لم يكونا غير متقنين بما فيه الكفاية.

ثمة عدد لا يحصى من الطرق التي يمكن للمخرج أن يؤطر بها مثل هذه القصة. الجانب الإيجابي الوحيد هو أنه يوفر طريقة لعرض عمل لي ميلر الفوتوغرافي المتنوع والغزير".

بالطبع يرتكز هذا النقد على مدخل ونهاية الفيلم والذي يقوم على فكرة الاسترجاع والاستذكار من خلال لقاء "لي" مع ذلك الشاب الذي سوف يظهر فيما بعد أنه ابنها ولكن الأمر في الواقع لم يكن إلا خيال من طرفه وفيما هو جالس في وسط ركام من الصور الفوتوغرافية مما صورته أمه.

الاعتراض الفني على تلك المعالجة السينمائية القائمة على الاستذكار دفعت باتجاه قراءات متعددة للبنى السردية التي سادت في هذا الفيلم والتي لجأ إليها الثلاثي من كتاب السيناريو بطريقتهم الخاصة.

أما الناقد شين بيركيتا من موقع موقع سي دو ريفيو فيقول: "إن الطريقة التي حُكِيت بها هذه القصة هي في الأساس نسخة طبق الأصل من أفلام سبقتها؛ فالمرأة العجوز التي تحكي قصة حياتها التي عاشتها ذات يوم تشبه قصة فيلم تيتانيك، وهو أمر ملفت للنظر؛ لأن هذا الفيلم كان أيضًا من بطولة وينسليت، ولكن على الرغم من أنني شاهدت هذه النسخة من السرد مرات عديدة من قبل في أفلام أخرى إلا أن الموضوع نفسه كان مثيرًا للاهتمام. ومع ذلك، فقد قلل هذا النوع من المعالجة من أي دراما تمت إثارتها أو الاشتغال عليها لمشاهدة "لي ميلر" وهي تقاتل من أجل البقاء على قيد الحياة من رصاص العدو وقنابله إبان الحرب العالمية الثانية".

ولعلّ هذه مقاربة أخرى تستكمل ما كنا قد تحدثنا عنه بصدد أنساق السرد المتشابهة والتي وجد هذا الناقد مثالًا لها من خلال فيلم تيتانيك الذي يقوم على استذكار تلك العجوز أحداث رحلتها وذكرياتها على ظهر تلك السفينة وما جرى من وقائع في حينه.

ربما كان هذا الجانب فيما يتعلق بإدارة أفعال الشخصية الرئيسية كافيًا لإحالتنا إلى نوع السيرة الذاتية وهو ما حاولت المخرجة إيجاد توازن فعال في أدوار الشخصيات خاصة الشخصية الرئيسية لكن ذلك التوازن لم يصل إلى هدفه ونهاياته بل تشعب إلى جوانب متعددة من جوانب حياة وسيرة "لي" ولهذا مثلا بدت علاقتها مع رولاند الذي أحبته وتزوجته وكأنه علاقة سطحية وليست ذات تأثير كبير على مسارها بينما تعمقت في شخصية صديقها ديفيد، وهكذا اختلت التوازنات المنطقية والموضوعية بين الشخصيات.

أما إذا انتقلنا في إطار المعالجة السينمائية إلى دور الاسترجاع – فلاش باك – في السرد الفيلمي وهل كان حقا بمثابة قوة دافعة وإيجابية للأحداث أم أنه سبب للتراجع، واقعيًا إننا كنا أمام إشكالية تتعلق بوجود أساليب عديدة في طريقة معالجة قصص السيرة الذاتية فضلا عن البناء السردي وأنساق السرد لكن يبدو أن المخرجة لجأت إلى أكثر المعالجات تحفظًا فلم تغامر في اتخاذ مسار آخر مختلف قد تواجه صعوبة في السيطرة على مساراته مع أن غزارة القصة الفيلمية كانت مشجعة بما فيه الكفاية لخوض مثل تلك المغامرة.

...

إخراج: إيلين كوراس

عن كتاب – حياة لي ميللر للكاتب أنطوني بينروس

سيناريو: ليم دوس، ماريون هيوم، جون كولي

تمثيل: كيت وينسليت – بدور لي ميللر، اندي سومبيرغ – في دور ديفيد، اليكسندار سكارسغارد – في دور رولاند.

التقييمات: آي أم دي بي 7 من 10 روتين توماتو 71 من 100، ميتاكريتيك 74 من 100.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیرة الذاتیة هذا الفیلم

إقرأ أيضاً:

عاملة نظافة تتحول إلى عارضة أزياء بفضل صورة التقطها مصور روسي (صور)

تايلاند – شهدت تايلاند قصة تحول لافتة أشبه بأحداث الأفلام، حيث تحولت عاملة نظافة شابة إلى نجمة مشهورة وعارضة أزياء مطلوبة بين ليلة وضحاها، وذلك بعد أن لفتت انتباه مصور روسي أثناء قيامها بعملها في شوارع بانكوك. 

بدأت حكاية نوباجيت سومبونسات، الأم العزباء البالغة من العمر 28 عاماً لطفلين، في الشهر الماضي عندما لاحظها المصور الروسي سيميون ريزتشيكوف في أحد شوارع بانكوك. كانت نوباجيت منهمكة في عملها كعاملة نظافة، ولم تنتبه حتى عندما التقط لها ريزتشيكوف، الذي سحر بجمالها الطبيعي، صورة من بعيد، ثم اقترب منها لاحقاً ليُريها الصورة، ويثني على جمالها. عاملة نظافة تتحول إلى عارضة أزياء شهيرة بتايلاند.. ما القصة؟ ra2ej 1 عاملة نظافة تتحول إلى عارضة أزياء شهيرة بتايلاند.. ما القصة؟ قام ريزتشيكوف بتصوير اللقاء بأكمله بهاتفه، ونشره لاحقاً على حسابه في “تيك توك”، حيث سرعان ما انتشر الفيديو بشكل واسع، حيث أبدى الآلاف إعجابهم الشديد بجمال عاملة النظافة الشابة، وأرادوا معرفة المزيد عنها. ما سبق، دفع وسائل الإعلام للتسابق من أجل الحصول على مقابلة معها، حيث أكدت نوباجيت في إحداها، أنها كانت تعمل في وظيفة تنظيف الشوارع منذ عام تقريباً، وأنها كانت سعيدة جداً بها، كما أعربت عن دهشتها من ردود الفعل المفاجئة التي تلقتها بعد اللقاء العابر مع ريجيكوف.

ولكن هذا كان فقط بداية القصة، ففي وقت لاحق، دعاها أشهر فنان تجميل تايلاندي، تشاتشاي بينفابيشارت، المعروف بلقب “نغونغ شات”، لإجراء جلسة تجميل مجانية، حيث حولها إلى النسخة الحقيقية من شخصية “بانون” من الفيلم التايلاندي الشهير “فن الشيطان 2″، ومن ثم انتشرت صورها الاحترافية التي التقطها نغونغ شات، ليعود اسمها من جديد إلى طاولة الأحاديث، ويصبح أحد أبرز المواضيع في تايلاند. وبفضل شهرتها الواسعة، بدأت نوباجيت في التعاقد مع العديد من الشركات والعلامات التجارية، حيث قامت بعروض مع علامة “براويت” التجميلية التابعة لنغونغ شات، وتلقت عروضاً أخرى من وكالات تسويق، وتعاون مع علامات تجارية أخرى، وأعلنت مؤخرًا عن قرارها بترك وظيفتها كعاملة نظافة والتركيز على مسيرتها المهنية الجديدة في مجال عرض الأزياء.

عاملة نظافة تتحول إلى عارضة أزياء شهيرة بتايلاند.. ما القصة؟ ra2ej 1 عاملة نظافة تتحول إلى عارضة أزياء شهيرة بتايلاند.. ما القصة؟ وأعادت قصة نوباجيت للأذهان العديد من قصص النجاح المدهشة التي نُشرت في وسائل الإعلام على مر السنين، مثل قصة علي أولاكُنمي، الشاب النيجيري الذي كان ينام تحت الجسر قبل أن يصبح عارض أزياء، وماليشا كاروا، “أميرة القمامة” في الهند التي أصبحت مشهورة بعد لقاء عابر مع ممثل أمريكي، وريتا غافيولا، الفتاة الفلبينية التي كانت تتسول في الشوارع قبل أن تتحول إلى عارضة أزياء ناجحة بفضل صورة فيروسيّة على منصات التواصل الاجتماعي.

 

وكالات

مقالات مشابهة

  • استمع: بيان الانقلاب الذي سجلته المليشيا بصوت عماد عبد الرحيم (كادر حزب الأمة )
  • أسير محرر يروي يوميات العذاب في معتقل سدي تيمان
  • سامح قاسم يكتب | "أم كلثوم.. من الميلاد إلى الأسطورة".. سيرة على مقام القصيدة
  • مراسلة القاهرة الإخبارية: دعم عربي كامل للأردن في مواجهة مخططات الفوضى
  • الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟
  • غياب عارفة عبد الرسول عن أول يوم تصوير بمسلسل يوميات عيلة كواك
  • عاملة نظافة تتحول إلى عارضة أزياء بفضل صورة التقطها مصور روسي (صور)
  • قوات الاحتلال تشن عملية عسكرية في مناطق من جنين بالضفة الغربية
  • من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة
  • نائب رئيس حزب الامة القومي: الحرب التي شنتها المليشيا هدفت الى طمس هوية السودان