خبراء إيرانيون يقيّمون طوفان الأقصى بعد اتفاق غزة
تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT
طهران – مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة حيز التنفيذ، يرى سياسيون في إيران أن معركة طوفان الأقصى بشكل عام وصمود المقاومة الفلسطينية في القطاع على وجه الخصوص؛ جنبا الشرق الأوسط تطورات إقليمية خطيرة كان الاحتلال الإسرائيلي قد خطط لها.
وبالعودة إلى التطورات التي سبقت "طوفان الأقصى"، نرى أنه بعد احتواء إيران احتجاجات مهسا أميني الشابة الكردية التي توفيت عام 2022 إثر إصابتها بإغماء جراء اعتقالها من قبل "شرطة الإرشاد" بسبب ارتدائها "ملابس غير مناسبة"، انهالت العقوبات الأميركية والأوروبية على طهران بزعم "استخدامها العنف المكثف ضد المتظاهرين السلميين".
وقالت السلطات الإيرانية حينها إن لديها معلومات استخبارية تشير إلى وقوف جهات خارجية وراء الأحداث التي شهدتها البلاد.
في السياق، اتهم المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، الولايات المتحدة وإسرائيل ومن وصفهم بـ"عملاء واشنطن" وبعض "الخونة" من الإيرانيين المقيمين في الخارج "بالتخطيط لزعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الشغب في البلاد"، وفق تعبيره.
اتفاقيات أبراهام
وتزامنت تلك الأحداث بتكثيف واشنطن نشاطها الدبلوماسي لدفع بعض الدول العربية للتوقيع على اتفاق سلام مع كيان الاحتلال الإسرائيلي في إطار اتفاقيات أبراهام، حتى أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، في كلمة أمام المجلس الأطلسي بأن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 "أثرت على مسارات التطبيع".
إعلانوعلى وقع التقديرات الأمنية لدى محور المقاومة -كما ورد على لسان قادته- واستشرافه مخططًا إسرائيليا للانقضاض على فصائله الواحدة تلو الأخرى، قررت حركة حماس مباغته فجر يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فخلطت أوراق إسرائيل وبرهنت على هشاشة منظومتها الأمنية.
ويعتبر الباحث الإيراني المختص في النزاعات الإقليمية مصطفي نجفي، أن اتفاقيات التطبيع والمخطط "الصهيوأميركي" لتصفية القضية الفلسطينية، محركًا أساسيا لعملية طوفان الأقصى التي استبقت الإعلان الأميركي عن تطبيع دولة عربية وازنة مع الكيان الإسرائيلي بـ3 أيام فقط.
طوفان الأقصى
وفي حديث مع الجزيرة نت يرى الباحث الإيراني، أن تفجيرات أجهزة التنبيه (البيجر) والاتصالات اللاسلكية في لبنان وكذلك ما كشفته المخابرات الإيرانية من عملية تخريب واسعة كانت تستهدف صناعاتها الصاروخية وبرنامج الفضاء، وكذلك اجتياح كيان الاحتلال مؤخرا للأراضي السورية وتدميره تسليحاتها الإستراتيجية؛ يدل على صوابية تقديرات محور المقاومة بشأن ما كانت تدبره إسرائيل طوال السنوات الماضية للمنطقة بأسرها.
وتابع نجفي أن محور المقاومة قد دشن "إستراتيجية وحدة الساحات" إثر عملية طوفان الأقصى، وفرض موازنة جديدة للقوة بالمنطقة بانتقاله من موقع الدفاع إلى الهجوم في رسالة للجهات المعنية على الصعيدين الإقليمي والدولي حول عدم السماح باستفراد الأعداء بحلقات محور المقاومة بعد السابع من أكتوبر.
وخلص الباحث المختص في النزاعات الإقليمية إلى أن عملية طوفان الأقصى أربكت مخططات الاحتلال الإسرائيلي، وجنبت المنطقة تطورات أمنية خطيرة لم يكن تفويتها بالحسبان سوى بتجرع مرارة تداعياتها التي استمرت نحو 15 شهرا، على حد تعبيره.
صمود غزة
من جهته، يضيف مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري، أن صمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإسناد فصائل المقاومة في لبنان واليمن والعراق لأهالي غزة قد جنّب المنطقة حربا واسعة بين طهران وتل أبيب لاسيما بعد أن حظيت الأخيرة بشتى أنواع الدعم التسليحي والمالي والسياسي من قبل حلفائها الغربيين.
إعلانوفي حديث للجزيرة نت، يشير زواري إلى فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بالقضاء على المقاومة بالقطاع، والسيطرة الكلية الآمنة على غزة بشكل كامل، واستعادة الأسرى لدى المقاومة، مضيفا أن عجز حكومة الاحتلال عن مواجهة فصيل مقاوم على رقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومترا يطرح تساؤلات جدية عن مدى جاهزيتها لمواجهة محور المقاومة بكامل طاقاته وأوراق قوته.
وبرأي المتحدث نفسه فإنه ما كان لصواريخ ومسيرات فصائل المقاومة أن تدك عمق كيان الاحتلال بشكل يومي خلال أكثر من عام لولا صمود جبهتي غزة وجنوب لبنان اللتين استنزفتا قدرات العدو الإسرائيلي الذي كان يمنّي نفسه بالإجهاز على ما يسميه "رأس الأفعى" بالمنطقة.
واستدرك زواري أن المواجهة الصاروخية المباشرة بين طهران وتل أبيب وكذلك الرسائل التي أرسلتها طهران بشكل صريح عن تصورها لليوم التالي لأي هجوم قد يستهدف أراضيها قد أقنعت الدول الإقليمية بضرورة الضغط على الولايات المتحدة لكبح جماح إسرائيل واحتواء التوتر بالمنطقة.
وختم بالقول إنه بعدما أفشلت عملية طوفان الأقصى مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتصدير أزماته الداخلية إلى الخارج هروبا من المحاكمة، فإن المجازر التي ارتكبها في غزة قد فضحته في الأوساط الدولية وجعلته ملاحقا بعد صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ضده، مما يجعل حلفاءه الغربيين يفكرون جيدا قبل إعطائهم الضوء الأخضر لإقدامه على أية مغامرة جديدة في الشرق الأوسط.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات عملیة طوفان الأقصى محور المقاومة
إقرأ أيضاً:
بعد 15 شهرا من الحرب والحصار.. هكذا ترى الأوساط الإيرانية اتفاق الهدنة في غزة
طهران- بعد 15 شهرا تصدرت خلالها تطورات العدوان الإسرائيلي في غزة حديث الرأي العام الإيراني وساسة طهران، يعيد الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار البهجة إلى الشارع الإيراني، الذي سارع إلى إقامة احتفالات عفوية في العاصمة والعديد من المدن الأخرى.
ورسميا، هنّأت الخارجية الإيرانية بالاتفاق وعدّته "نتيجة لصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد إحدى أكبر عمليات الإبادة الجماعية والتهجير السكاني على مر التاريخ"، وطالبت "بمحاكمة قيادات الكيان الصهيوني لارتكابهم أفظع الجرائم" بحق المدنيين العزل.
أما المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي -الذي سيطرت تطورات العدوان الإسرائيلي على فصائل المقاومة المتحالفة مع طهران على جميع كلماته طوال أكثر من عام- فقد غرّد تحت وسم "غزة تنتصر" قائلا "سيخطون في الكتب أن في يوم من الأيام قتلت جماعة آلاف الأطفال والنساء في غزة! وسيدرك الجميع أن صبر الناس وصمود المقاومة الفلسطينية وجبهة المقاومة أجبروا الكيان الصهيوني على التراجع".
بينما عمدت المؤسسة العسكرية بإيران على تذكير الرأي العام بالدعم المطلق الذي حظي به الاحتلال الإسرائيلي من حلفائه الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة، مشددة في بيان أصدره الحرس الثوري أن "جرائم الكيان الصهيوني لم تحقق له أي إنجاز، وأنه سيواجه بعد اتفاق الهدنة انهيارا مجتمعيا وعسكريا واقتصاديا وعزلة سياسية وهجرة عكسية".
خامنئي غرد قائلا إن صبر الناس وصمود المقاومة وجبهة المقاومة أجبروا "الكيان" على التراجع (الأناضول) اهتمام كبيريرجع مراقبون الاحتفاء الشعبي والرسمي باتفاق التهدئة إلى رهان شريحة كبيرة من الشارع الإيراني ومعها "جمهور المقاومة" على جدوى النضال المسلح لتحرير أولى القبلتين، في حين ترى شريحة أخرى في الهدنة فرصة لتجنيب البلاد المواجهة المسلحة مع تل أبيب وحلفائها.
إعلانمن ناحيته، يرجع أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران محمد صادق كوشكي سبب اهتمام الإيرانيين بتطورات الحرب على غزة إلی حضور القضية الفلسطينية في وجدانهم، وكون بلادهم كانت الغائب الحاضر في مجريات الحرب منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح كوشكي أن الحصار المفروض على قطاع غزة حال دون وصول المساعدات الإيرانية بشكل مباشر إلى الشعب الفلسطيني هناك، بيد أن بصمة طهران كانت واضحة في كل رصاصة أطلقت نحو العدو الإسرائيلي.
واستدرك أن بلاده كانت قد قدمت ما يجب تقديمه إلى غزة خلال السنوات الماضية، مضيفا أن بذور المقاومة والاكتفاء الذاتي في إنتاج السلاح التي نشرتها طهران خلال الفترة الماضية في قطاع غزة قد أثمرت وتجلت في عملية طوفان الأقصى والدفاع عن الشعب الفلسطيني.
ورأى الأكاديمي الإيراني أنه رغم الحصار المفروض على غزة فإن الدبلوماسية الإيرانية بذلت ما بوسعها لوقف إطلاق النار منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، مشيرا إلى أن الجمهورية الإسلامية دخلت على خط الأزمة بشنها هجومين صاروخيين على "كيان الاحتلال" الإسرائيلي دعما للشعب الفلسطيني ما أنذر بحرب إقليمية.
المواجهة المباشرة
وعما إذا سيطوي اتفاق الهدنة في غزة صفحة أول مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، يعتقد كوشكي أن ما أسماها "المغامرات الإسرائيلية" لن تنتهي مع إنهاء الحرب في القطاع، وأن احتمالات تكرار المواجهات المباشرة ستبقى واردة وفقا للسلوك الإسرائيلي.
من ناحيته، يشاطر الباحث السياسي صلاح الدين خديو هذا الرأي، لكنه لا يخفي خشيته من أن يمنح اتفاق الهدنة فرصة لتل أبيب لصب جام غضبها على إيران، مستغلة عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتوقف العمليات الحوثية في البحر الأحمر، وكذلك جبهة جنوب لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد.
إعلانوبرأي الباحث الإيراني، في حديث للجزيرة نت، فإن طهران وجدت نفسها أمام الأمر الواقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنها لم تتخلّ يوما عن حلفائها في قطاع غزة، فأوعزت بتفعيل سياسة وحدة الجبهات التي أفشلت العديد من المخططات الإسرائيلية، وأرغمت تل أبيب على القبول بالهدنة.
وبالرغم من حرص طهران الشديد في بادئ الأمر على عدم الانخراط في المواجهة المباشرة مع إسرائيل -والكلام لخديو-، فإن استمرار تل أبيب في استهداف المصالح الإيرانية بسوريا وقيامها باغتيال أقرب حلفاء الجمهورية الإسلامية، دفع طهران إلى إطلاق الصواريخ والمسيرات نحو إسرائيل، "فكانت الدولة الوحيدة التي تتحرك عسكريا لنصرة حلفائها".
آثار الغارات الإسرائيلية بمنطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت (الجزيرة) ضربات موجعةويعتقد الباحث الإيراني أن محور المقاومة بقيادة إيران تلقّى ضربات موجعة بسبب عملياته الإسنادية لأهالي غزة، والتي حالت دون قضاء إسرائيل على حركة حماس وتحقيق أهدافها المعلنة بالرغم من تدمير القطاع وقتل الآلاف من المدنيين، على حد قوله.
ومع إطالة أمد العدوان واستشراس إسرائيل في هجماتها على جنوب لبنان بعد اغتيالها العديد من القادة العسكريين والسياسيين في حزب الله، كثفت إيران تحركاتها الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق هدنة في كل من لبنان وغزة، فكانت جزءا من الحل من جهة وفوّتت الفرصة على إسرائيل للقضاء على فصائل المقاومة من جهة أخرى، وفقا لخديو.
وترى الأوساط السياسية في طهران أن فصائل المقاومة سجلت انتصارا في العدوان الأخير، من خلال تفويتها الفرصة على "الكيان الإسرائيلي" لتحقيق أهدافه، ومنها عدم إطلاق سراح الأسرى إلا عبر اتفاق مع حركة حماس التي توعد بالقضاء عليها.
وبقبول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتفاق الهدنة مع حماس والانسحاب من غزة، سيجد نفسه أمام تساؤلات الرأي العام الإسرائيلي عن جدوى مواصلته الحرب وتكبيد كيانه المزيد من الخسائر، ما ينذر بأزمة سياسية جديدة في تل أبيب.
إعلانوعلى وقع المحاولات الإسرائيلية لتسديد آخر ضربة قبيل دخول الهدنة حيز التنفيذ وفقا للسياسة التي دأبت عليها من أجل الاستهلاك الداخلي، فإن الأوساط الإيرانية ترى في الأشهر الـ15 الماضية حقبة تاريخية مهمة لا بد من تدوينها وروايتها للأجيال المقبلة، وفضح الأطراف التي لطالما نظرت ودافعت عن حقوق الإنسان لكنها التزمت الصمت حيال المجازر في غزة.