19 يناير، 2025

بغداد/المسلة: يشهد القطاع المصرفي العراقي مرحلة من التحولات الجذرية التي تعكس محاولات الحكومة لإصلاح بنية الاقتصاد الوطني، وسط تحديات كبيرة في مواجهة البيئة المالية المحلية والدولية.

و في الوقت الذي تركز فيه الحكومة على تطوير هذا القطاع، تبرز عدة عقبات قد تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة.

فإعادة الهيكلة المنتظرة للمصارف الحكومية، وعلى رأسها مصرفا الرافدين والرشيد، تواجه عدة إشكاليات تتعلق بالاستقرار المالي، والتمويل، والحوكمة، ما يجعل مهمة إصلاح هذا القطاع أمرًا معقدًا.

إحدى أبرز الخطوات التي أعلنت عنها الحكومة في بداية العام 2025 هي تأسيس مصرف جديد بالكامل، يحمل اسم “مصرف الرافدين الأول”، والذي سيعتمد على أحدث تقنيات المصارف الرقمية.

ومن المتوقع أن يبدأ المصرف برأسمال قدره 500 مليار دينار عراقي (نحو 381.8 مليون دولار)، مع تطلع للوصول إلى تريليون دينار (حوالي 763.7 مليون دولار) في المستقبل القريب.

ورغم أن المصرف يهدف إلى تقديم خدمات مصرفية متكاملة للأفراد والشركات داخل العراق وخارجه، إلا أن هذه الخطوة تثير تساؤلات حول مدى قدرة المصرف على التفوق على المعوقات التي يعاني منها القطاع المصرفي العراقي في الوقت الحالي.

و أحد أهم التحديات التي يواجهها القطاع المصرفي العراقي هو توزيع الأدوار بين المصارف الحكومية والأهلية.

فعلى الرغم من أن المصارف الأهلية تمتلك حوالي 78% من رؤوس الأموال المصرفية، إلا أن دورها في العمليات المصرفية لا يتجاوز 20% من إجمالي الإيداعات والتمويلات، في حين يسيطر مصرفا الرافدين والرشيد على 80% من هذه العمليات.

و هذا التفاوت في الأداء يعكس ضعف كفاءة المصارف الحكومية التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي، ما يجعل القطاع المصرفي في وضع حرج من حيث تطوير خدماته وتنويع مصادر إيراداته.

المصارف الحكومية، وبالأخص الرافدين والرشيد، تواجه تحديات متراكمة من أبرزها الأصول المالية المتعثرة، لا سيما القروض القديمة التي تم منحها قبل عام 2003. هذه القروض أدت إلى تدهور التصنيف الائتماني للمصارف، مما صعّب من علاقاتها مع المؤسسات المالية الدولية.

وللتعامل مع هذا الواقع، تتضمن خطة إعادة الهيكلة تحويل المصرفين إلى شركات مساهمة، مع إنشاء “مصارف رديفة” لاستيعاب الأصول السيئة، بينما يتم دمج الأصول السليمة في كيانات مصرفية جديدة.

و هذه الخطوة تهدف إلى إصلاح الوضع المالي للمصارف وجذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أنها تتطلب دعمًا ماليًا كبيرًا، وهو ما يثير تساؤلات بشأن قدرة الحكومة على توفير هذا الدعم.

من جانب آخر، يواجه النظام المصرفي العراقي تحديات إضافية تتعلق بالسياسات المالية المتبعة، إذ تعتبر بعض الأصوات الاقتصادية أن الاقتراض المستمر من المصارف الحكومية قد ساهم في إضعاف قدرتها على تقديم خدمات مصرفية مبتكرة.

و يرى الخبير الاقتصادي جمال كوجر أن استمرار هذا الاقتراض قد أدى إلى تراجع أداء المصارف، ويؤكد ضرورة تبني سياسة دعم للمصارف بدلاً من الاعتماد عليها كمصدر للتمويل الحكومي. هذه الدعوات تزداد أهمية في ظل عجز الحكومة عن توفير الدعم الكافي لمصارفها الحكومية، مما يعرقل خطط التنمية الاقتصادية.

على الرغم من هذه العقبات، فإن إعادة هيكلة المصارف الحكومية قد تمثل فرصة كبيرة للنهوض بالقطاع المصرفي، شريطة أن تتم بشكل مدروس يعالج المشاكل الهيكلية ويعزز الحوكمة والشفافية.

ومع تكليف شركات استشارية عالمية لدراسة كيفية دمج المصارف الحكومية وتحويلها إلى كيانات أكثر قوة، يتزايد الأمل في تحسين الوضع المالي للقطاع. غير أن التحدي الأكبر يبقى في تجاوز المعوقات الداخلية والخارجية التي قد تقف حائلًا أمام نجاح هذه الإصلاحات.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: المصارف الحکومیة المصرفی العراقی القطاع المصرفی

إقرأ أيضاً:

التموين: تعزيز التحول الرقمي وربط المنشآت والمنافذ بمنظومة GIS لإحكام الرقابة

تأكيدًا على دورها في تحقيق أعلى مستويات الرقابة والشفافية، أطلقت وزارة التموين والتجارة الداخلية مشروعًا طموحًا لتحديث بيانات المنشآت التموينية باستخدام نظام المعلومات الجغرافية (GIS)،ويهدف المشروع إلى إحكام الرقابة والسيطرة على المنافذ التموينية بمختلف أنواعها، وتتبع العمليات التموينية بدقة، بما يضمن كفاءة توزيع الموارد ووصول الدعم إلى مستحقيه، كما يعزز المشروع الشفافية في إدارة المنشآت والمنافذ التموينية ويتيح للوزارة متابعة أدائها بشكل فوري ودقيق.

في إطار رؤية مصر 2030 الرامية إلى التحول إلى اقتصاد رقمي متكامل وتحسين كفاءة الخدمات الحكومية، أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية عن إطلاق هذا المشروع يأتي ذلك ضمن جهود الوزارة لتعزيز الرقمنة والحوكمة وتحقيق أعلى مستويات الدقة والشفافية في إدارة منظومة التموين.

وصرح الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، بأن هذا المشروع الطموح يمثل خطوة رئيسية نحو تحقيق التحول الرقمي الكامل في قطاع التموين والتجارة الداخلية، وأوضح أن ربط المنشآت والمنافذ والمخابز التموينية بمنظومة GIS يعزز من قدرة الوزارة على تتبع البيانات الجغرافية وتحليلها، بما يدعم اتخاذ القرارات بشكل أكثر كفاءة ودقة.

وأضاف الوزير أن التحديث يهدف إلى تعزيز الرقابة والحوكمة، تحسين الخدمات المقدمة، وتمكين الوزارة من متابعة أداء المنشآت والمنافذ التموينية بدقة وسرعة، كما يسهم في دعم اتخاذ القرار من خلال إنشاء خرائط جغرافية دقيقة تحدد مواقع شبكة مقدمي الخدمات التموينية.

وأوضح الدكتور شريف فاروق أن مديريات التموين بالمحافظات تقوم حاليًا بمتابعة تعبئة استمارات مخصصة عبر نظام إلكتروني لجمع بيانات شاملة حول المنشآت التموينية، تشمل الموقع الجغرافي، العناوين التفصيلية، أرقام التواصل، وبيانات الإدارة المشرفة، مما يضمن إحكام السيطرة على العمليات التموينية وتحقيق الرقابة الشاملة.

وأكد الوزير أن التعاون بين المديريات والوزارة هو ركيزة أساسية لإنجاح هذا المشروع، مشددًا على أن تفعيل نظام GIS يمنح الوزارة رؤية شاملة لمواقع المنشآت التموينية وتحليل أدائها بشكل فوري، مما يرفع من كفاءة العمل ويعزز تلبية احتياجات المواطنين بدقة.

واختتم الدكتور شريف فاروق تصريحه بأن هذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية الوزارة لتعزيز التحول الرقمي وتطوير الخدمات التموينية بما يواكب التطورات التقنية العالمية، ويدعم رؤية مصر نحو رقمنة القطاعات الحكومية كافة.

كما تؤكد وزارة التموين والتجارة الداخلية التزامها بمواصلة الجهود لضمان تحقيق أعلى معايير الجودة والشفافية في إدارة منظومة التموين، بما يحقق تحسين مستوى الخدمات ويزيد من ثقة المواطنين في المنظومة التموينية.

مقالات مشابهة

  • وزيرة الصحة الإستونية: التحول الرقمي يفتح آفاقاً واسعة للتعاون مع الإمارات
  • العراق يعاني من العجز المالي والسوادني يتبرع بالمال العام لدعم حزب الله اللبناني وحماس
  • أمانة الاتصالات بـ"مستقبل وطن" تناقش التحول الرقمي وتطوير البنية التحتية التكنولوجية
  • التموين: تعزيز التحول الرقمي وربط المنشآت والمنافذ بمنظومة GIS لإحكام الرقابة
  • خبير اقتصادي:العجز المالي في الموازنة جراء الافراط في الإنفاق التشغيلي والفساد الحكومي
  • ما أهداف العراق من خطة إعادة هيكلة مصارفه الحكومية؟
  • بن طوق: التحول الرقمي يقدم معلومات دقيقة للمستثمرين
  • الكارت الموحد.. خطوة نحو التحول الرقمي في الخدمات الحكومية
  • بنك البركة مصر: ريادة مصرفية وإنجازات في التحول الرقمي والاستدامة خلال 2024