بعد خفض أسعار الإقراض.. هل يفلت اقتصاد الصين من التباطؤ؟
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
من المتوقع أن تجري الصين أكبر تخفيضات هذا العام على اثنين من أسعار الإقراض الأساسية، مع تصاعد الضغط على صانعي السياسات والبنوك لوقف تباطؤ الاقتصاد وإنعاش الطلب الضعيف.
ومن المقرر أن يعلن البنك المركزي الصيني عن تخفيضات في أسعار الفائدة الرئيسية للقروض، لمدة سنة وخمس سنوات، والتي تؤثر على تكاليف الاقتراض للشركات والأسر في اجتماع شهري من المقرر عقده يوم غد الاثنين، بعد إجراء تخفيض مفاجئ في سعر الاقتراض متوسط الأجل الأسبوع الماضي.
ويأتي الإجراء كمحاولة لمواجهة مجموعة من التحديات مثل تباطؤ قطاع العقارات، وضعف الصادرات، وبطالة قياسية بين الشباب، وانكماش الأسعار مع تراجع ثقة المستهلك.
وكان من المفترض أن يكون عام 2023 هو العام الذي ينتعش فيه الاقتصاد الصيني،بعد ثلاث سنوات من عمليات إغلاق صارمة لمنع انتشار كوفيد في البلاد، وهو ما حدث فعلاً في الربع الأول من العام، لكن بيانات حديثة تشير إلى تراجع في نمو الاقتصاد ابتداء من الربع الثاني.
ويبقى السؤال هو ما الذي حدث وغير مسار الاقتصاد الصيني؟ وجوابا على ذلك يرى بعض الخبراء أن المشكلة الأولى هي "مصرفية الظل" وهي منتجات مالية يتم تصميمها وبيعها من قبل المؤسسات المالية كمنتجات ادخارية، أو قروض، ولكنها لا تظهر في الميزانيات العمومية للمؤسسة، ما يعني أنها لا تتأثر بلوائح الإيداع.
وكمثال على ذلك هناك شركة "Zhongrong International Trust" التي تشهد مظاهرات على أبوابها من مودعين ومستثمرين يطالبون بمستحقاتهم، بعدما تخلفت عن سداد عشرات من مستحقات المنتجات الاستثمارية منذ أواخر الشهر الماضي.
ويبلغ حجم قطاع مصرفية الظل في الصين 3 تريليونات دولار، وهو ما يماثل حجم الاقتصاد البريطاني تقريباً، معظم الشركات التي تقدم هذه الخدمات منكشفة ولديها استثمارات.
شركة واحدة تخسر 7 مليارات دولارويواجه القطاع العقاري الصيني الذي يشكل ربع الاقتصاد، تحديات جمة بسبب تراجع ثقة وإمكانية المشترين والمستثمرين، ما أدى إلى تراجع الانفاق الرأسمالي و الاستثمار بعد تعثر شركات عقارية كبرى وعدم تدخل الحكومة لإنقاذها، وآخرها أزمة الديون في "Country Garden" وهي أكبر شركة تطوير عقاري خاصة تخلفت عن سداد مدفوعات سنداتها وتتوقع أن تسجل خسائر بـ7.6 مليار دولار في النصف الأول من العام.
إضافة إلى تعثر مجموعة "Evergrande" التي تقدمت الخميس بطلب الحماية بموجب الفصل 15 من الإفلاس في محكمة أميركية، يضاف إلى ذلك تأثر دخل الحكومة التي كانت تعتمد بشكل كبير على مبيعات الأراضي لمطوري العقارات.
وتُظهر حسابات "Financial Times" أن المستثمرين الأجانب باعوا 7.4 مليار دولار من الأسهم في البورصة الصينية منذ الرابع والعشرين من يوليو/تموز 2023.
وتراجعت حيازات المستثمرين الأجانب من السندات بأكثر من 5 مليارات دولار.
وقال خبراء إن هذا التخارج، قد ازدادت وتيرته في أغسطس/آب الحالي، ومن المرجح أن يتسارع في أعقاب التخفيض المفاجئ لسعر الفائدة القياسي المتوقع غداً.
وهبطت الصادرات التي دعمت الاقتصاد الصيني خلال الوباء، مع ارتفاع أسعار الفائدة في أوروبا وأميركا.
وبلغت الصادرات الصينية ذروتها في ديسمبر/كانون اول 2021، عند 340 مليار دولار، ولكنها انخفضت في شهر مايو/أيار بنحو 60 مليار دولار، ومن المتوقع أن تستمر في الانخفاض، حيث يؤثر ارتفاع أسعار الفائدة على الطلب في الولايات المتحدة وأوروبا.
مؤشرات رئيسيةارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 2.5% في يوليو على أساس سنوي، وهو ما يقل عن التوقعات عند 4.5%، كما ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 3.7% في يوليو على أساس سنوي، أقل من التوقعات عند 4.4٪.
وارتفع الاستثمار في الأصول الثابتة بنسبة 3.4% للأشهر السبعة الأولى من العام مقارنة بالعام الماضي ، اقل من التوقعات عند 3.8%.
كما خفضت البنوك الكبرى العالمية توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني في 2023 إلى أقل من 5% مقابل توقعات حكومية سابقة عند 5% على مدى العقد الماضي، كانت الصين مصدر أكثر من 40 % من النمو الاقتصادي العالمي، مقارنة بنسبة 22% من الولايات المتحدة و9% من دول اليورو، وفقاً لتحليل حديث أجرته شركة "BCA Research".
مادة إعلانية تابعوا آخر أخبار العربية عبر Google News النمو في الصين الاقتصاد الصين الصينالمصدر: العربية
كلمات دلالية: النمو في الصين الاقتصاد الصين الصين الاقتصاد الصینی الاقتصاد الصین ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
بين الغلاء والبحث عن الرفاهية.. الذهب الصيني يغزو أسواق مصر
الإسكندرية– تشهد الأسواق المصرية في الآونة الأخيرة تحولا ملحوظا في أنماط استهلاك الحُلي والمشغولات الذهبية، إذ دفعت الارتفاعات الحادة في أسعار الذهب العديد من المستهلكين للبحث عن بدائل أقل تكلفة، مما أدى إلى ازدهار سوق الإكسسوارات المطلية التي تحاكي الذهب في مظهرها، ولكن بأسعار زهيدة مقارنة بالمعدن الأصلي.
وأصبح هذا النوع من المشغولات، المعروف بـ"الذهب الصيني"، بمثابة طوق نجاة لكثير من المصريين، لا سيما محدودي الدخل في المناطق الشعبية، بعد انتشاره بتصميمات متنوعة ومتميزة في مختلف الأسواق والمحلات التجارية، ليشكل بديلا أرخص للمعدن الأصفر الثمين.
أسعار الذهب تحلقوقد قفز سعر غرام الذهب عيار 24 في مصر إلى أكثر من 4700 جنيه مصري (93 دولارا)، بينما تجاوز سعر غرام الذهب عيار 21 مستوى 4100 جنيه (81 دولارا)، في حين تتراوح أسعار الذهب الصيني "المُقلد" بين 100 و2000 جنيه (بين 2 و40 دولارا) للقطعة الواحدة، بغض النظر عن وزنها.
وفي جولة بأسواق الصاغة والمجوهرات الذهبية في محافظة الإسكندرية، وتحديدًا في منطقة المنشية وسط المدينة، تحدث العديد من تجار الذهب عن انخفاض ملحوظ في معدلات الشراء.
إعلانويقول أحمد عبد الجليل، صاحب محل ذهب في المنطقة، لـ"الجزيرة نت"، إن السوق يعاني من ركود غير مسبوق، مضيفًا: "الزبائن يدخلون ويسألون عن الأسعار، لكن بمجرد معرفتهم بالزيادة الكبيرة، يتراجعون عن الشراء ويفضلون البحث عن بدائل أرخص".
من جانبه، يشير الحاج إبراهيم خليل، أحد أصحاب محال الذهب وسط الإسكندرية، إلى أن المقبلين على الزواج باتوا الفئة الوحيدة التي تُقبل على شراء الذهب لتقديمه كشبكة للعروس، بينما تلجأ السيدات من مختلف الطبقات إلى الذهب الصيني كخيار اقتصادي، خاصة بعد تطور صناعته ليصبح أكثر جودة وجمالًا وقريب الشبه بالذهب الأصلي.
رواج الذهب الصينيوعلى الجانب الآخر، تشهد محلات بيع المشغولات المطلية والإكسسوارات الصينية رواجا متزايدا. ويؤكد محمود إبراهيم، صاحب أحد أكبر متاجر الذهب الصيني في الإسكندرية، أن المبيعات ارتفعت بنسبة تجاوزت 40% خلال الفترة الأخيرة، مع تزايد الإقبال عليها في المناسبات والأعياد والمواسم.
ويشير إبراهيم إلى أن الزبائن أصبحوا يبحثون عن الشكل الخارجي دون الاكتراث بالخامة، وهو ما توفره المشغولات المطلية التي تشبه الذهب الحقيقي بدرجة كبيرة.
ويضيف إبراهيم أن ورش تصنيع الذهب الصيني تعتمد حاليًا على آلات متطورة، مما يتيح لها استخدام خامة الستانلس في التصنيع، وهو ما يمنح المنتجات عمرًا أطول ومظهرًا أكثر جاذبية. كما يوضح أن تعرض هذه المشغولات للمياه أو العطور أو العوامل الجوية لا يؤثر عليها بشكل كبير، حيث تحافظ على شكلها لمدة تقارب العامين.
أما الحاجة أمينة الصايغ، التي خاضت تجربة جديدة في التجارة بالمجوهرات الذهبية والذهب الصيني معًا، فتقول: "ورثت عن زوجي محل مصوغات ذهبية، لكن مع الارتفاع الحاد في الأسعار، شهد السوق ركودًا ملحوظًا أدى إلى انخفاض عدد العملاء والمتعاملين في الذهب، مما دفعني إلى شراء محل آخر والتجارة في الذهب الصيني، وهو ما حقق لي دخلا كبيرا".
إعلانوتضيف الصايغ: "في الفترة الأخيرة، تتوسع تجارة البدائل بشكل ملحوظ، إذ يواصل سوق المشغولات الصينية والإكسسوارات المطلية ازدهاره، حيث يبحث المستهلكون عن خيارات تلبي احتياجاتهم الجمالية والاجتماعية دون أن تثقل كاهلهم ماليا".
وأردفت قائلة: "كصاحبة تجارة في العنصرين معًا، لا أستطيع أن أُجيب بصدق عن مستقبل المعدن الأصفر كمصدر أساسي للزينة والاستثمار في المجتمع المصري. فهل سيظل الذهب التقليدي محتفظًا بمكانته، أم أن التغيرات الاقتصادية ستدفع المجتمع إلى تقبل البدائل كخيار رئيسي؟ لهذا السبب، أتحوط لأي تطورات قد يشهدها السوق في السنوات المقبلة".
من جانبه، يرى هاني جيد، رئيس شعبة الذهب بالغرفة التجارية، أن ما يعرف بـ"الذهب الصيني" لا يمت بصلة للذهب الحقيقي، كما أنه غير آمن على الصحة العامة، ولا يعدو كونه مجرد مشغولات تعتمد على الشكل والتقليد فقط.
ويؤكد، في تصريحات خاصة لـ"الجزيرة نت"، أن مستهلكي الذهب الحقيقي لا يلجؤون عادةً إلى هذه الإكسسوارات، مشيرًا إلى أن البدائل الحقيقية تكمن في الألماس المختبري أو الفضة، حيث توفر خيارات بأسعار مناسبة لكنها تحتفظ بقيمة حقيقية، على عكس الذهب الصيني، الذي وصفه بأنه "بلا قيمة".
وأضاف جيد أن العزوف عن شراء الذهب لا يعود فقط إلى البحث عن بدائل رخيصة، وإنما يرتبط بانخفاض السيولة المالية لدى المواطنين وتراجع قدرتهم الشرائية، موضحًا أن العديد من الأفراد فضلوا استثمار أموالهم في الشهادات البنكية ذات الفوائد المرتفعة بدلًا من ضخها في سوق المعادن النفيسة.
إلا أن هذا الطرح يتناقض مع ما يراه بعض التجار، الذين أكدوا أن ارتفاع أسعار المشغولات الذهبية دفع شريحة كبيرة من المستهلكين، خاصة الشباب، إلى البحث عن بدائل مظهرية، وهو ما يفسر رواج الذهب الصيني في الأسواق المصرية، حيث أصبح حلا اقتصاديا لمتطلبات الزواج في بعض الحالات خلال الفترة الأخيرة.
إعلانيتحدث محمد عزت، صاحب ورشة تصنيع ذهب، لـ"الجزيرة نت" عن التحديات التي تواجه الصناعة، قائلاً: "كنا معتادين على بيع أطقم ذهبية ثقيلة الوزن، لكن مع ارتفاع الأسعار، بدأنا بتصميم قطع أخف وزنًا، مثل الخواتم الرقيقة والسلاسل الرفيعة، حتى يكون السعر في متناول الزبائن".
ويضيف عزت أن بعض الورش بدأت في تصنيع الذهب بأعيرة منخفضة مثل عيار 14 و16، بدلًا من 18 و21، بهدف تقديم خيارات أرخص للمستهلكين، وهي خطوة تنافسية للتكيف مع تغير عادات شراء الذهب في مصر.
ويستدرك قائلًا: "نحن نحاول التأقلم مع الواقع الجديد، لكن الحقيقة أن الذهب الصيني أصبح منافسا قويا لنا، إذ يفضله الكثيرون لمظهره المشابه للذهب الحقيقي، وسعره المنخفض ..".
المستهلكون بدورهم يعبرون عن أسباب هذا التحول، إذ ترى هبة عبد الحميد، وهي موظفة حكومية في العقد الرابع من عمرها، أن اللجوء إلى المشغولات الصينية بات ضرورة فرضتها الظروف الاقتصادية.
وتقول: "لا أستطيع شراء ذهب بأسعار تتجاوز 4 آلاف جنيه للغرام الواحد، بينما يمكنني شراء طقم إكسسوارات مذهّب كامل بأقل من ربع هذا المبلغ، ويؤدي الغرض ذاته في المناسبات".
أما سعاد محمود (ربة منزل)، فترى أن الأمر يتجاوز كونه مجرد حل اقتصادي، مشيرة إلى أن هناك عاملا نفسيا واجتماعيا في ارتداء الذهب.
وتقول: "في مجتمعنا، الذهب رمز للمكانة الاجتماعية، لذا حتى إن لم يكن حقيقيا، فالظهور به يمنح إيحاءً بالرفاهية".
وعن استخدامه كشبكة، توضح سعاد أن الاعتماد على بدائل الذهب في المناسبات الرسمية لا يزال غير مقبول على نطاق واسع.
وتضيف: "ربما يكون مقبولًا للاستخدام اليومي كتقليد متقن، لكنه لا يمكن أن يحل محل الذهب الحقيقي في مناسبات مثل الخطوبة، حيث إن له قيمة معنوية واقتصادية لا يمكن تعويضها بالمشغولات المطلية".
يعود ارتفاع أسعار الذهب إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها:
التغيرات العالمية في أسواق المعادن الثمينة. تأثيرات التضخم. تقلبات سعر صرف الجنيه المصري، مما يعزز الطلب عليه كوسيلة للتحوط ضد تقلبات العملات.كما يوضح الدكتور علاء حسب الله، الخبير الاقتصادي وأستاذ التسويق بالأكاديمية العربية، في حديث لـ"الجزيرة نت"، أن أسعار الذهب في مصر مرتبطة بمبدأ العرض والطلب، وتتأثر بشكل مباشر بحركة المعدن النفيس عالميا والتوترات الجيوسياسية، والتي انعكست على السوق المحلي، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد بسبب تذبذب سعر الجنيه أمام الدولار.
إعلانويضيف حسب الله أن اللجوء إلى البدائل المطلية والذهب الصيني أصبح خيارا طبيعيا في ظل الضغوط الاقتصادية التي يواجهها المواطنون، لكنه لا يزال مجرد حل مؤقت، بينما يظل الذهب الحقيقي الملاذ الآمن للاستثمار رغم ارتفاع أسعاره.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الذهب الصيني استطاع جذب نسبة كبيرة من المستهلكين بفضل لمعانه وتصاميمه الجذابة، خاصة بعد أن شهدت أسعار الذهب ارتفاعا مضاعفا بين عامي 2022 و2024، متأثرة بتقلبات الدولار وأزمة التضخم العالمية.
وفي المقابل، زادت أسعار المشغولات الصينية والإكسسوارات المطلية عشرات الجنيهات فقط، نتيجة ارتفاع تكاليف الاستيراد، لكنها لا تزال خيارًا أكثر توفرًا مقارنة بالذهب التقليدي.
من الناحية الاجتماعية، ترى الدكتورة نهلة إبراهيم، أستاذة علم الاجتماع بجامعة الإسكندرية، أن التغيرات الاقتصادية تفرض إعادة تشكيل للعادات السائدة، بما في ذلك اقتناء الذهب للعروس أو كهدايا في المناسبات الاجتماعية.
وتضيف: "رغم ارتفاع أسعاره، لا يزال الذهب يحتل مكانة متجذرة في الثقافة المصرية، وهو من العادات التي تتمسك بها معظم الأسر عند التزين أو اقتناء المعدن النفيس. إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة قد تجبر المجتمع على إعادة النظر في مدى الإصرار على اقتنائه، خصوصًا في مناسبات مثل الزواج والخطوبة".
لكن إلى أي مدى قد تصبح هذه الظاهرة دائمة؟ تجيب إبراهيم بأن الأمر يعتمد على تطورات الاقتصاد، موضحة: "إذا استمرت أسعار الذهب في الارتفاع، فقد يصبح الذهب الصيني أو البدائل الأخرى مقبولًا على نطاق أوسع، وربما نشهد تحولا تدريجيا في ثقافة اقتناء الذهب الحقيقي، بحيث يقتصر على الطبقات الأكثر ثراءً".