البوابة نيوز:
2025-05-01@05:14:26 GMT

الإنسان الآخر في غزة

تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

على مدار أكثر من 15 شهرا كان الإنسان في غزة، يعاني من القصف الإسرائيلي الغاشم وهو محاصر من كل اتجاه بالضربات التي تترصده والغارات التي حولت حياته إلى جحيم، وبات كل حي على أرض غزة شهيدًا محتملًا، يعاني من حصار كامل تتضاءل فيه فرص الحياة يوما بعد يوم.

إلا أن الإنسان في غزة، كان محاصرًا في صورة أخرى، محكوما عليه بـ"الصمود والتحدي" دونما أي اختيار منه غير مسموح أن يئن فهو المقاوم الذي لا يشكو أو يلين، والبطل الذي لا يذرف دمعة فالصعوبات تتضاءل أمامه.

تُسهم القصص المتداولة في تكريس صورة الغزاوي كشخص لا يكترث للموت أو المعاناة، بل يعيش من أجل التضحية فقط، وهذه الصورة تُلقي بظلالها على حياة الأفراد الذين يودون فقط أن يُنظر إليهم كبشر عاديين، لهم احتياجاتهم وآمالهم الخاصة.

تلك الصورة التي يرفضها كثير من أهل غزة، وهذا هو الجانب الآخر من حياة الإنسان الراغب في حياة عادية، يكون فيها إنسانا طبيعيا بعيدا عن أسطورة البطولة المفروضة عليه، فالحياة التي يرغب في أن يحياها باختياره وإرادته، مخالفة للسائد والمتعارف عليه، ومتمردة على الأمر الواقع المفروض من سلطة تحكمه أو من إنسان آخر يرى غزة من خلف شاشة صغيرة. فالبعض يرفض أن يرى الإنسان في غزة سوى أنه خارق للطبيعة، وقاهر للمستحيلات، ومدمر للحصون، ويطرد من مخيلته أن هناك إنسان في غزة، يرغب في أن يحيا بكرامة متمسكًا بالحياة الطبيعية حيث يذهب إلى عمله أو جامعته ومدرسته ويجلس بين أفراد أسرته وعائلة وجيرانه آمنا، بعيدا عن ذعر الصواريخ ورعب الغارات، وصور البطولة.

إن الإنسان في غزة، كأي إنسان آخر في العالم، لديه تطلعات بسيطة تكمن في العيش بسلام وأمان، والتمتع بالحرية، والوصول إلى فرص التعليم والعمل، وبناء مستقبل لأطفاله بعيدًا عن الخوف والمعاناة، لكنه يواجه صراعًا داخليًا بين محاولته التمسك بحياته العادية وبين دوره المفروض عليه كبطل في نظر الآخرين.

الحياة الطبيعية بالنسبة لسكان غزة ليست ترفًا بل هى حقٌ في بيت آمن، ومدرسة جيدة، ومستشفى متكامل، وكهرباء تعمل بلا انقطاع ومياه نظيفة وسلطة تستجيب لمطالبه وتعمل لمستقبله غير مدفوعة بأجندات أخرى غير إرضاء الإنسان في غزة.

لا يعني ذلك أن الغزاويين لا يعتزون بصمودهم أو بتاريخهم النضالي، لكن هناك فارق كبير بين أن تكون مقاومًا بالاختيار وبين أن تكون محاصرًا بهذه الصورة دون فرصة للتعبير عن تطلعاتك الشخصية.

إن رغبة الإنسان في قطاع غزة في العيش حياة طبيعية هي مطلب إنساني بحت، وحق يجب أن يُحترم بعيدًا عن الصور النمطية والأساطير التي تُفرض عليهم. سكان غزة ليسوا فقط أبطالًا في روايات الصمود، بل هم أناس يسعون للحياة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يستحقون أن تُتاح لهم الفرصة للعيش بكرامة بعيدًا عن المعاناة والاضطرابات.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: القصف الاسرائيلي الإنسان فی غزة

إقرأ أيضاً:

قصة المحكي الشعبي: خاطف خضر عليه السلام

 

 

د. مريم بنت حميد الغافرية **

ارتبطت شخصية "الخضر" بالعِلم الإلهي والكرامات، ويظهر الخضر في سورة الكهف مع النبي موسى عليه السلام كرمز للعلم اللدُنِّي (العلم الغيبي)، الذي لا يُدرَك بالعقل البشري، وهذا ما أعطى له بُعدًا روحيًّا قويًّا وجعل الناس يربطونه بالأسرار الإلهية والكرامات.

ظهرت شخصية الخضر لأول مرة في قصص القرآن الكريم، في سورة الكهف، التي حكت قصته من الآية (60- 82)، يظهر الخضر معلمًا للنبي موسى عليه السلام، وهو يحمل علمًا لدُنيًّا لا يعرفه الأنبياء إلا -بإذن الله تعالى- ومن خلال أفعاله الغريبة:

(خرق السفينة، قتل الغلام، وإقامة الجدار) يتضح أنه يفعل أشياء ظاهرها شر وباطنها خير.

هذا التقديم القرآني الفريد لأحداث اللقاء وسرد الحوار القصصي؛ أعطى شخصية الخضر ميزات أسطورية، منها:

العلم اللدُنِّي الحكمة العميقة القدرة على خرق قوانين الظاهر الارتباط بالكرامات

بعد انتشار الإسلام والظهور القرآني؛ تلقفت الحكاية الشعبية شخصية الخضر ووظفتها بأساليب فنية وثقافية، فصار رمزًا روحيًّا في القصص الشعبية، بل إن ذكره عند العوام أصبح يتكرر في معرض المحكي الشعبي اليومي، صار الخضر يمثل رمزيات متعددة وأصبح:

رمزًا للحكمة الخارقة (العلم اللدُنِّي)، في القصص كثيرًا ما يظهر؛ ليقدم حلا لمشكلة تبدو مستحيلة، لكنه يفعلها بطريقة لا تخطر على بال بشر. رمزًا للمُنقِذ الغيبي؛ فيستحضر الحكواتي أو السارد الخضر في لحظة الأزمات (في البحر، في الصحاري، في المرض، في الحروب...) وبعضهم في الدعاء الصوفي: "يا خضر أدركني"... رمزًا للتجوال الأبدي؛ ففي بعض الحكايات الشعبية تصور الخضر على أنه لم يمتْ، وما زال يجوب الأرض. رمزًا للارتباط بالماء والخضر؛ فكلمة الخضر ارتبطت بالخصب والبركة.

وقد وُظفت رمزيته في الحكايات الشعبية بصور مختلفة، منها:

يعد الخضر "شيخ الأولياء" في الحكايات الصوفية، يظهر لمن بلغ مقامًا روحيًّا معيَّنًا. يظهر في حكايات النساء؛ يُروى أنه يساعد امرأة في ورطة أو يظهر لها كرامة. يظهر في القصص الريفية؛ فيأتي في صورة رجل مسافر بسيط لا يُعرف إلاّ بعد رحيله. وقد تعددت رموز شخصي الخضر في الأدب الشعبي؛ فرمز إلى المرشد الروحي، البركة، الحضور في الكرامات وبقوة، ورمز التصوف، والحكمة اللدنية.  شخصية الخضر في الأدب الصوفي.

وكان للصوفية دور مهم في نشر رمزية الخضر كـ"الهادي الغيبي" أو "الرفيق الروحي" وهو ما انعكس في القصص الشعبية بقوة. إن غموضه جعله أرضًا خصبة للأساطير والحكايات، كل بيئة تضيف له صبغتها؛ ففي المشرق يظهر في صور الأولياء والصالحين وأصحاب الكرامات؛ أما في المغرب العربي؛ فله مكانة خاصة كجامٍ للعيون والينابيع.

شخصية الخضر في الحكايات الشعبية العُمانية

تجلت صورة الخضر في الحكايات الشعبية العمانية، كفاتحة للحديث عن الأشياء العظيمة، وكثيرًا ما تنتهي في معرض التأمين بعد الدعاء أو أثنائه عند الحكواتيين أو كبار السن، ففي حكايات عمان الداخل وجبال الحجر الغربي والشرقي وبعض قرى الساحل، يذكرون الخضر في حديثهم المحكي بالعامية "خاطف خضر عليه السلام" أثناء سرد الحكاية أو قبل الختام وتأتي في جملة التأمين على الدعاء" يا خاطف خضر عليه السلام".

إن أغلب السرد المسموع عن الحكواتي والراوي يتضمن هاتين العبارتين:

" خاطف خضر عليه السلام"، "يا خاطف خضر عليه السلام"، والحكايات الشعبية تظهر الخضر صاحب كرامة وأنه من أولياء الصالحين، وغالبًا ما يكون الخضر هو البطل المنقذ في الأزمات.

وتتجلى كرامات الخضر في حكاية سالمة أخت الحطَّاب؛ إذ تقول الحكاية:

كان هناك ولدٌ شاب وأخته اسمها سالمة، يعيشان بحب وسعادة وتعاون. الأخ يعملُ حطابًا، وأخته سالمة تطبخ الطعام وتخبز على الرحى.

مرت الأيام وكبُر الأخوان...فكرت سالمة في البحث عن زوجة مناسبة لأخيها الحطاب، وبعد بحث طويل؛ وجدت زوجة لأخيها... عاش الثلاثة معًا. مرت الأيام وبدأت الزوجة تغار من سالمة وفكرت في طريقة للتخلص منها بعد أن كبرت ابنتها وأصبحت تساعدها في شؤون البيت. أصبح وجود سالمة مزعجًا بالنسبة لها.

بدأت تخطط وقالت لزوجها: ما رأيك أن تأخذ أختك سالمة؛ لتحتطب معك وتبقى إلا الليل ثم تتركها لتعيش حياتها، ونحن نعيش حياتنا... فكر الحطاب كثيرا ثم قال لزوجته: أخشى على أختي من الجوارح والسباع. قالت الزوجة: إن أختك نجيبة وتحسن التطرف.

اصطحب الحطاب أخته، التي كانت سعيدة بمرافقته. طال النهار وحضر موعد الغداء وتغديا سويا ومرت سويعات النهار، وجن الليل وأخبر سالمة أنهما سيبيتان في ذلك المكان. مرت ساعات الليل الأولى وتأكد أن أخته نامت؛ تركها مسرعا للبيت وأخبر زوجته بالتفاصيل؛ فهونت عليه.

أشرقت الشمس لتجد سالمة نفسها في الصحراء، فكرت بعد حزن وبكاء أن ترسم ما تتخيله في ذهنها من أشجار وأنهار وقصور وبدأت ترسم على الأرض؛ مر عليها الخضر وسألها عن الماء فأعطته مما تبقى عندها، وسألها عن الطعام فأعطته ما بقي من طعام. شكرها ثم مسح بيديه على تلك الرسومات وتحولت الأرض إلى غابة من الأشجار المثمرة والأنهار والقصور الجميلة؛ لتعيش سالمة بنعمة ونعيم.

مرت الأيام وبعد مدة حن الحطاب لمعرفة مصير أخته وما حل بها، وفعلاً ذهب للمكان الذي تركها فيه، لكنه تفاجأ بتلك الجنة الدنيوية ووجد أخته كالأميرة، وطلب منها السماح؛ فسامحته، وأعطته من خيرات الثمار ما لذ وطاب.

ذهب وحكى القصة للزوجة الظلوم، وأصرت عليه أن يفعل مع ابنته كما فعل مع أخته. نفذ الخطة نفسها، لكن ابنته كانت سيئة الطباع، صعبة المزاج... حين استيقظت، بدأت تنادي أباها ولا مجيب، وأخذت بعد تعب طويل ترسم السباع والضباع، ومر عليها الخضر عليه السلام، سألها: ماذا تفعل؟ صرخت عليه! ما شأنك أنت، دعني في حالي. قال لها: عابر سبيل يطلب الماء والطعام. نهرته وامتنعت عن إعطائه شيئًا مما تملك من الطعام الوفير الذي أعدته أمها. مسح الخضر عليه السلام بيديه على تلك الرسومات وتحولت إلى سباع حقيقية، افترست تلك الفتاة، سليطة اللسان.

مر يومان وقررت الزوجة الذهاب لزيارة ابنتها؛ لترَ الجنة التي رزقت بها ابنتها. تفاجأت ببقايا قماش كانت ترتديه الابنة عندما تركت أمها وأن السباع تنتظرها في المكان، التهمت الأم الظالمة وبقي الحطاب وأخته سالمة.

ظهرت شخصية الخضر صاحب الكرامة، الذي أنقذ سالمة وأهلك زوجة الأخ وابنتها، كما ظهرت شخصية الخضر كعابر سبيل اختبر كرم وبخل المرأتين؛ فكان الجزاء من جنس العمل، وكما زرعت الزوجة الظالمة؛ حصدت.

وتستأنس الجدات عند الحكاية بقولهن: "خاطف خضر عليه السلام" أو أثناء الحديث عن هول أو دعاء يعقبه قول: "يا خاطف خضر عليه السلام"، وهذا التكرار والاستحضار يدل على أثر المعتقد الديني في التراث الشعبي الحكائي العُماني، وتنبثق قصة هذا المحكي من وجود بعد ديني روحي في الحكايات الشعبية العمانية وأن وظيفة الحكاية الشعبية تؤدي دورًا في التربية والتوجيه قديمًا وحديثًا.

** باحثة وكاتبة في الدراسات الأدبية والنقدية

مقالات مشابهة

  • فرج عامر: لكل إنسان حياته الخاصة.. ما يناسبك لايناسب غيرك
  • سبب استحباب أداء العُمرة في شهر ذي القعدة .. تعرّف عليه
  • أطلق النار عليه وأصابه في قدمه
  • البيت الأبيض: ترامب يركز على تراجع معدلات التضخم التي خلفتها إدارة بايدن
  • المكتب الإعلامي في وزارة الداخلية: في ظل الأحداث الراهنة، وعلى خلفية انتشار مقطع صوتي يتضمن إساءةً لمقام النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وما تلاه من تحريض وخطاب كراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، شهدت منطقة جرمانا اشتباكات متقطعة بين مجموعات لمسلح
  • شاب ينجو بأعجوبة من الموت بعد سقوط رافعة ضخمة عليه .. فيديو
  • منظمة إنسان تدين جريمة استهداف العدوان الأمريكي لمركز إيواء المهاجرين بصعدة
  • قصة المحكي الشعبي: خاطف خضر عليه السلام
  • منظمة إنسان تدين جريمة استهداف العدوان الأمريكي مركز إيواء المهاجرين بصعدة
  • بسبب فيديو..مشاجرة بين طلاب تسفر عن إصابة إحداهما داخل الحرم الجامعي بسوهاج