صراعات القوى داخل الحركة الاسلامية وأثرها على الامن القومي السوداني الجزء الثاني
تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT
محمد حسن العمدة
19-1-2025
تحدثت في الجزء الاول عن نشأت الحركة الإسلامية منذ أربعينات القرن الماضي و مراحل تكوينها و انقساماتها بسبب الصراع الداخلي بين القيادات ومراكز القوى التي تعددت وتطورت وسائل التصفيات فيها من الوسائل المدنية الغير اخلاقية وحتى التصفيات والاغتيالات الجسدية في العقد الاول من حكم انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ وذكرت التصفيات الدموية التي نالت من قيادات عليا مثل داؤود يحى بولاد و الزبير محمد صالح وابراهيم شمس الدين و مجذوب الخليفة وآخرين وكانت بداية عهد جديد من العنف الداخلي دفع بكثير من القيادات تحديدا بعد المفاصلة بين الترابي و البشير في الرابع من رمضان ١٩٩٩ ولجوء القيادات لتأسيس مليشيات وقوات خاصة كل يستند بقواته لمواجهة بقية القيادات .
تاسيس المليشيات و القوات الخاصة :
تاريخيا لم تكن القوات المسلحة تتبع لجهة سياسية محددة وحتى اولئك الذين قادوا انقلابات عسكرية بالتعاون مع جهات سياسية لم يكونوا منظمين سياسيا عدا قلة منهم فإبراهيم عبود رغم تسليم رئيس الوزراء عن حزب الامة السلطة لابراهيم عبود الا ان عبود لم يكن منتميا سياسيا لحزب الامة و جعفر نميري كذلك رغم مشاركة الحزب الشيوعي في انقلاب ٢٥ مايو إلا ان نميري لم يكن شيوعيا شذ عن ذلك عمر حسن احمد البشير في انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ بإنتماءه التنظيمي للجبهة الاسلامية القومية التي خططت ونفذت الانقلاب ، هذا لا يعني خلو القوات المسلحة من الاختراق السياسي لكن تأثيره لم يكن بالقدر الذي فعلته الجبهة الاسلامية بالقوات المسلحة كما سنعرف لاحقا في هذا المقال .
الطموح السياسي لكثير من ضباط القوات المسلحة والتسابق في الانقلابات العسكرية دفع اول ما دفع سلطة ٣٠ يونيو لتخريب ذات المؤسسة التي صعدت بها ولكن لم يكن ذلك سهلا في بداية الأمر إلا وفق تخطيط دقيق شمل قيام قوات موازية لهذه القوات النظامية و تصفية داخلية لكبار القادة الغير موالين تنظيميا و تصعيد و تعيين ضباط موالين سوى خريجي الكلية الحربية او بالتعيين المباشر لكوادر الحركة اللااسلامية علي سبيل المثال صلاح قوش الذي شغل مدير عام جهاز الامن والمخابرات و احمد البشير شفيق البشير وزوجته وعلى ذلك قيس .
*مليشيا الدفاع الشعبي :
اول قوات موازية للقوات المسلحة ما عرفت بقوات الدفاع الشعبي كان الهدف منها ايجاد قوات موازية تقوم بمهام القوات المسلحة وأوكلت قياداتها لكوادر الحركة الإسلامية داخل المؤسسة العسكرية مثل الجنيد الآحمر وعثمان عمليات القيادي بمليشيا الدعم السريع ( الجنجويد ) الان ، بالإضافة لكوادر خارج القوات المسلحة ينتمون للحركة الاسلامية . كل هذه القيادات العسكرية والمدنية كانت تدين بالولاء لمرشد الحركة حسن الترابي بما فيهم الدكتور خليل إبراهيم الذي كان اميرا للمجاهدين في حرب جنوب السودان ، كانت المعسكرات التي يزج فيها بقيادات الخدمة المدنية و الطلاب و المواطنين يتم تدجين و اختبار واختيار من تريدهم الحركة الاسلامية و يشحنون بخطاب ديني سياسي لصالح مرشد الحركة و ربانها الترابي ، عندما حدثت المفاصلة كان العشرة المتحالفين مع عمر البشير ضد الترابي وعلي رأسهم علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع وغازي صلاح الدين ( الذي اسس لاحقا حزب الإصلاح الان ) و صلاح قوش و غيرهم من القيادات العليا يعلمون جيدا متى تاثير قوات مليشيا الدفاع الشعبي لذلك تم ابعاد هذه القوات عن اي دور عسكري في الحروب التي تلت حرب ألجنوب مثل دارفور و جبال النوبة و الانقسنا ولعب صلاح قوش رجل المخابرات منذ ١٩٨٩ دورا كبيرا في تصفية النظام من جميع الموالين لحسن الترابي و التركيز علي ما عرف بالخدمة الإلزامية التي نشط النظام في تجنيد الشباب داخلها إجباريا منذ ظهور بوادر الانشقاق في ١٩٩٨ بعد دستور التوالي السياسي الذي اراد به الترابي الانفراد بالسلطة و اندلاع حرب دارفور بقيادة خليل إبراهيم مؤسسا لحركة العدل والمساواة . فاصبحت هذه القوات ( مليشيا الدفاع الشعبي ) تستخدم في الصراعات الداخلية للحركة الطلابية بالجامعات لمواجهة الطلاب العزل المعارضين لنظام الحكم الانقلابي واذكر في العام ١٩٩٨ عندما كنا طلابا في جامعة الجزيرة تم اقتحام مجمع النشيشيبة بأرتال من هذه القوات ضد طلاب عزل لا يملكون سوى دفاترهم وأقلامهم ولكن رغم ذلك استطاعوا الدفاع عن انفسهم والصمود في وجه هذه المليشيا الغازية كذلك حدثت في الكثير من الجامعات والكليات اعتداءات هذه المليشيا علي الطلاب العزل .
ومع ظهور القوى المسلحة لأطراف بالحركة الإسلامية عملت بقية القيادات لتكوين قوات مليشيا خاصة بهم يتقوون بها علي بعضهم البعض و كانت مليشيا حرس الحدود .
*تاسيس مليشيا حرس الحدود ( الجنجويد )
أسست هذه المليشيا في العام ٢٠٠١ باشراف علي عثمان محمد طه وصلاح عبد الله قوش لمواجهة قوات حركات دارفور وعلي راسها العدل والمساواة خليل إبراهيم الزراع العسكري للمؤتمر الشعبي بقيادة مرشد الحركة الإسلامية حسن الترابي . و حيث عمد علي عثمان و قوش علي تسليح القبائل العربية ضد الحركات الدارفورية علي اسس عرقية بحتة بقيادة موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد و باشراف تنفيذي احمد هرون وعلي كوشيب ، ارتكبت هذه القوات الفظائع في دارفور و وجهت لقياداتها اتهامات إرتكاب الجرائم ضد الانسانية والتطهير العرقي .
ازدياد قوة هذه المليشيات التابعة لعلي عثمان و صلاح قوش دفع بالبشير لتكوين مليشيا اخرى بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميتي وكانت بداية تحركاته في العام ٢٠٠٣ إلا ان صلاح قوش و علي عثمان اتجها لتكوين قوات اخرى تتبع مباشرة لجهاز الامن والمخابرات
*هيئة العمليات :
تأسست هيئة العمليات في ٢٠٠٤ فترة تولي صلاح قوش لادارة جهاز الامن والمخابرات وقاد بها مواجهة دخول حركة العدل والمساواة ام درمان بينما تم ابعاد القوات المسلحة نهائيا من اي دور في معركة عملية الزراع الطويل مايو ٢٠٠٨ كما اسماها خليل إبراهيم القيادي السابق بالحركة الاسلامية، تم اعداد وتسليح هذه الهيئة كقوة رئيسية تتبع لجهاز الامن والمخابرات ولمع نجم قائدها صلاح قوش في اعلام النظام الحاكم خاصة بعد ان استطاع ضم قوات مليشيا الدعم السريع ( الجنجويد ) لجهاز الامن في ٢٠٠٦ إلا ان طموح قائد جهاز الامن السياسي زرع المخاوف في قلب رئيس النظام عمر حسن البشير فعمل علي اقالة مدير جهاز المخابرات صلاح قوش وتعيين الفريق امن محمد عطا المولى خلفا له في ٢٠٠٩ حيث سيطر الموالين للقيادي بالحركة الاسلامية نافع علي نافع علي جهاز الامن والمخابرات
*بوادر صراعات المليشيا :
ظهرت الخلافات وتصفية الحسابات داخل المليشيات التي تتبع لجهاز الامن والمخابرات المتمثلة في هيئة العمليات و مليشيا الدعم السريع التي تم ضمها للجهاز وكالعادة كان المواطن هو ضحية صراعات القوى داخل الحركة الاسلامية حيث هاجمت قوات مليشيا الجنجويد منطقة هشابة جنوب مدينة الأبيض في شمال كردفان ٢٠١٤ و اعتدت علي المواطنين العزل وكانت تطالب المواطنين الضحايا بالذهاب الي علي عثمان طه لأخذ التعويضات منه !! ومعلوم العلاقة الاثنية التي تربط كل من علي عثمان و صلاح قوش في مقابل الانتماء الاثني السياسي لكل من نافع علي نافع و محمد عطا حيث ينتمي الطرفين لإقليمين مختلفين جغرافيا وإداريا و اثنيا مما وسع من التوظيف السياسي القبلي و ازدياد تمزيق النسيج الاجتماعي السوداني تماما كما حدث في دارفور .
في الجزء الثالث سأتحدث عن اقالة صلاح قوش و اعتقاله في ٢٠١٢ بتهمة المحاولة الانقلابية و تحويل مليشيا الدعم السريع الي القوات المسلحة ضمن صراعات القوى التي مزقت البلاد الان
#حرب_الجواسيس
#لازم_تقيف
#ضد_الجنجويد
#ضد_الكيزان
#السودان_في_قلوبنا
#ديسمبر_يا_وهج_الثورة_الدفاق
#السودان
mohdalumda@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: جهاز الامن والمخابرات ملیشیا الدعم السریع الحرکة الاسلامیة الحرکة الإسلامیة العدل والمساواة القوات المسلحة الدفاع الشعبی خلیل إبراهیم هذه الملیشیا قوات ملیشیا لجهاز الامن هذه القوات صلاح قوش علی عثمان نافع علی لم یکن
إقرأ أيضاً:
نصف خطوةٍ لليسار، خطوتان لليمين – مبادرة الحزب الشيوعي السوداني
حسام عثمان محجوب
تجاربٌ لا تُوَرث حكمةً
المبادرة التي أطلقتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني في ديسمبر كبرنامج عملٍ لوقف الحرب واسترداد الثورة تشير لاستمرار عجز الحزب عن اجتراح نموذج عملٍ سياسيٍّ ملهمٍ مختلفٍ، يملأ بعض فراغ الساحة السياسية السودانية، الذي يزيد اتساعاً مع التحديات غير المسبوقة في تاريخ شعبنا وبلادنا.
أتت المبادرة المقدمة لجماهير وقوى الشعب السوداني بعد عشرين شهراً من اشتعال الحرب، التي تشكل أكبر تهديدٍ وجوديٍّ للسودان، شعباً وكياناً ودولةً، وأثناء استقطابٍ قسَّم الشعب السوداني وقواه السياسية والمجتمعية بعمقٍ متزايدٍ منذ انطلاق ثورة ديسمبر. ولكن المبادرة تقاصرت عن الاقتراب من تناول قضايا شديدة التعقيد يناقشها السودانيون والسودانيات، بمن فيهم أعضاء وعضوات الحزب وأصدقاؤه وصديقاته، بصورةٍ يوميةٍ منذ اندلاع الحرب.
بدلاً من ذلك، يبدو أن من أهم ما حملته المبادرة تدشين محاولةٍ خجولةٍ لعودة الحزب الشيوعي إلى تحالف النادي السياسي القديم، وإكمال هذه الحلقة من مسلسل تحالفات الحزب السياسية المعاد، والتي يمكن تأريخها بنهاية ديسمبر 2018، حين شارك الحزب في تأسيس قوى الحرية والتغيير (قحت)، ثم انتقدها، وخرج منها، وأسس تحالف قوى التغيير الجذري المضاد لها، وها هو الآن يتهيأ للعودة لمتحورها تقدم (حين أطلقت المبادرة – أو المتحور الأحدث صمود). لتطرح أسئلةٌ مثل: فيم كان الخروج الأول، ولم العودة الآن، ولماذا تأخرت؛ إضافةً لأسئلةٍ أخرى أهم عن أداء الحزب ومنهجه وأولوياته.
ظلت قضية التحالفات مركزيةً في نظرية وممارسة الحزب الشيوعي السوداني منذ تأسيسه، ولقيت حظاً وافراً من المناقشة منذ منتصف التسعينات، خصوصاً مع التطورات الكبرى المتلاحقة التي واكبت تحالفي التجمع الوطني الديمقراطي وقوى الحرية والتغيير، وشعور عددٍ من العضوية بأن الحزب لم يقم بتوثيق ونقد هذه التجارب بمعايير النقد الذاتي الصارمة التي اختطها، ولذلك فلم يستفد منها وظل يُعيد بعض أخطائها.
تُكرر المبادرة المقولة/الشعار أن تجارب شعبنا تثبت أن وحدته كانت العامل الحاسم في نجاح ثورة ديسمبر وانتفاضة أبريل وثورة أكتوبر. ورغم فخامة هذه المقولة وشاعريتها، إلا أن الحقيقة أن التجارب الثلاثة تثبت أن الوحدة التي أدت لإسقاط الأنظمة الدكتاتورية الثلاثة، أو رؤوسها، كانت هي نفسها عاملاً مهماً في فشل الثورات الثلاثة في تحقيق شعاراتها وتطلعات الجماهير التي قامت بها. فهي وحدةٌ تقوم بتغبيش وعي الجماهير حول القضايا والمواقف ومواقع القوى والأفراد، وتخدرهم بمظنة وجود حلولٍ مختصرةٍ، وبوجاهة الاعتماد على القوى الحليفة، وحين تفشل المراحل التي تعقب هذه الثورات فإنها ترجعها لأخطاءٍ في التكتيكات أو التفاوض أو الأشخاص أو نصوص الاتفاقات أو تنفيذها، يمكن تلافيها في المرة القادمة. الإصرار على تكرار محاولة تحقيق هذه الوحدة مرةً بعد أخرى هو ضربٌ من الجنون وتجريب المجرب.
المبادرة تؤكد أن استعادة الوحدة التي أسقطت البشير ضروريةٌ الآن لإيقاف الحرب واستعادة الثورة، وهذا يعني عملياً وحدةً بين الحزب الشيوعي وتحالف قوى التغيير الجذري، الذي أشير له بـ "قوى ومنظمات التغيير الجذري"، من جانبٍ، وقحت/تقدم (والآن صمود) التي يمكن أن تدخل تحت مظلة "القوى السياسية الوطنية والقوى المدنية وحركات الكفاح المسلح والكيانات المهنية والمطلبية". ولأن ممارسات ومواقف قحت ونقد الحزب الشيوعي لها ما زالت حيةً في ذاكرة جماهير الحزب والشعب السوداني خارج قحت، فقد طلبت المبادرة من القوى السياسية النقد الموضوعي لتجربة الفترة الانتقالية كمقدمةٍ للوحدة.
ويبدو هذا الطلب (الشرط؟) ضعيفاً وقابلاً لتجاوزه في أولى خطوات الوحدة. فبإمكان قحت – إن أرادت الاستجابة لهذه المبادرة – إعادة التباهي بأنها نظمت ورشةً غير مسبوقةٍ لتقييم الفترة الانتقالية نشرتها في كتابٍ من 600 صفحةٍ، رغم النواقص الكبرى التي شابت تلك الورشة وما نتج عنها. وتكفل المبادرة قبول هذا التبرير، فالحزب الشيوعي نفسه لم يقم بنقد تجربة تحالف قوى التغيير الجذري، كما أن النقد الخجول الذي قدمه لمواقفه أثناء الفترة الانتقالية لا يختلف عن ورشة قحت إلا اختلاف مقدار، فالحزب لم يقم بَعدُ بِنَقد أدائه في تلك الفترة، مستقلاً وضمن تحالفات، بصورةٍ وافيةٍ، ولم يقم بِنَشر تفاصيل الأحداث والمواقف ولا محاضر الاجتماعات والتفاوض والنقاشات، كما أنه قام بتأسيس تحالف قوى التغيير الجذري على نفس شكل قحت. والدليل الأبرز على قصور نقد الحزب هو مبادرته هذه.
تعكس الأخطاء الواردة في نص المبادرة وهيكلها المرتبك ضعفها السياسي وتخبطها. من ذلك أنها تذهب في تفصيل أهداف لثورة ديسمبر موحيةً بكونها أهدافاً متفقاً عليها بين قوى الحرية والتغيير. والحقيقة أن تلك الأهداف لم ترد في إعلان الحرية والتغيير، ولم تلتزم أو تدع لها قحت أو الحكومة الانتقالية، بل بذلتا جهداً عظيماً في مهاجمتها وتسفيه القوى الداعية لها، ومنها قطاعاتٌ واسعةٌ من الجماهير ولجان المقاومة، إضافةً للحزب الشيوعي. أبلغ من ذلك أن قحت وحكومتها الانتقالية تراجعتا عن تنفيذ بنود إعلان الحرية والتغيير – وهو أقل جذريةً بكثيرٍ من الأهداف التي أوردتها المبادرة – ولم تبد قحت/تقدم/صمود أي إشارةٍ فيما بعد إلى أنها ترغب في مراجعة موقفها من هذه الأهداف.
ومن ذلك أيضاً إشاراتٌ لمواثيق لجان المقاومة والجبهة النقابية والتغيير الجذري التي هاجمتها أو تجاهلتها قحت/تقدم/صمود، وذكرٌ لسياساتٍ بديلةٍ تنصل عنها رئيس وزراء الانتقال إبان توليه منصبه، ثم تراجع هو وقحت عنها سياسةً سياسةً حتى الانقلاب، ولميثاقٍ يوحي نص المبادرة أنه تم توقيعه مع إعلان قوى الحرية والتغيير في يناير 2019، وهو ما لم يحدث.
كما تخص المبادرة بالذكر قضايا غير مترابطةٍ دون منطقٍ يوضح لماذا هذه القضايا وليس غيرها، ولماذا هذا التفصيل، مثل مهام المجلس التشريعي والتمييز الإيجابي للنساء. وتختتم المبادرة بالمؤتمر الدستوري، حجوة أم ضبيبينة التي تصر عليها أدبيات الحزب الشيوعي دون الاستفادة من دروس عشرات الوثائق الدستورية التي توافقت عليها القوى السياسية طوال تاريخنا الحديث، ثم اتضح أنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
أسئلة للإجابة
في قسم المبادرة الأهم الذي يتناول تكوين الجبهة الجماهيرية القاعدية العريضة لوقف الحرب، والمفترض أن يحدد واجباتٍ واضحةٍ للسودانيين والسودانيات أفراداً وجماعاتٍ، تبدو عدة تناقضات حول طبيعة الحرب وأدوار الأطراف المختلفة فيها، محليةً وخارجيةً. ويغيب تقديم وتحليل ونقاش سيناريوهات إيقاف الحرب، والمهام التي يمكن أن تقوم بها جماهير وقوى الشعب السوداني لتحقيق أفضل النتائج الممكنة بحسب هذه السيناريوهات.
مثلاً، تبدو المبادرة – والعديد من مواقف الحزب – ملتبسةً في علاقة الخارج بالداخل في الحرب، وكيفية تعاطي الجماهير مع الخارج لإيقافها. فرغم وثيقة الحزب الشيوعي المهمة " خمس سنواتٍ من اندلاع الثورة – عامٌ من الحرب" التي تناولت الوضع الدولي، إلا أنه ليس هناك تحديدٌ لحلفاء الطرفين الخارجيين ولا لأدوارهم، ولا توضيحٌ لواجباتٍ تستطيع الجماهير القيام بها لتجبر الطرفين والحلفاء على إيقاف الحرب، ولا شرحٌ لكيف توحد جهودها لـ "هزيمة التآمر والمخطط الخارجي" مع قوىً نعلم يقيناً اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى رضاها أن تكون دميةً لدى هذا الطرف الخارجي أو ذاك. كما لم يقدم الحزب آراءً واضحةً من الدروس المستفادة من تجارب العالم في مسائل خطيرةٍ مثل التدخل الدولي وحظر الطيران وتسليح الأطراف المتقاتلة.
حرب 15 أبريل هي مجموعة حروبٍ متعددةٍ ومتداخلةٍ ومعقدةٍ ومتحورةٍ، أدخلت باندلاعها واستمرارها البلاد وشعبها في محنةٍ لا يدل التاريخ والتحليل الموضوعي أن التعافي منها وتحقيق السلام الدائم العادل ممكنان قبل عقودٍ قادمةٍ. ولذلك فلا ينبغي تجنب طرح الأسئلة الصعبة ونقاشها بصورة جادة بما في ذلك الإقرار بأننا لا نملك إجاباتٍ عليها. الأسئلة التي يجب أن تكون هاديةً لنقاشات الحزب والقوى السياسية ومبادراتها حول الحرب يجب أن تنطلق من كيف يمكن حفظ حياة الناس وسلامتهم وممتلكاتهم وسبل عيشهم الآن وفي المستقبل، وما هي الأطراف التي يمكن أن تقوم بدورٍ في تحقيق هذه الأهداف، وما هي الأفعال التي يمكن للجماهير القيام بها لتحقيقها.
بالنظر عبر هذا الإطار ربما رأينا شعار "لا للحرب" شعاراً صحيحاً قابلاً للتنفيذ قبل قيام الحرب وفي أيامها الأولى – بما يعنيه من دعوة المتقاتلين لوقف إطلاق النار فوراً. وربما كانت الدعوة للتفاوض التي تستتبع الشعار صحيحةً وقابلةً للتنفيذ حينذاك أيضاً – بما تعنيه من تفاوضٍ بين المتقاتلين لا يمكن أن يفضي إلا لعودة الأمور لما كانت عليه قبل 15 أبريل مباشرةً.
ولكنهما أُفرغا من أي معنىً وقدرةٍ على حفظ حياة الناس وسلامتهم بعد تلك الأيام الأولى مع تمدد الحرب جغرافيةً وبأساً. وانضمت "لا للحرب" لقائمةٍ من الشعارات الجذابة الصحيحة المتفق عليها والعاجزة بذاتها عن القيام بأي فعل، من شاكلة السلام سمح، ووحدتنا في تنوعنا، والعدل أساس الملك. وانضمت الدعوة لمائدة التفاوض التي تنتهي عندها كل الحروب لقائمةٍ مشابهةٍ من الوسائل التي لا يرفضها عاقل، ولكنها لا تعني أي فعلٍ محددٍ، مثل العدالة الانتقالية، والمؤتمر الدستوري، وقسمة السلطة والثروة.
لم تتواضع القوى السياسية – بما فيها الحزب الشيوعي – حينذاك بالاعتراف لشعبنا بعجزها عن إيقاف الحرب، وأن قرار الحرب ووقفها بيد حملة السلاح وداعميهم من القوى الأجنبية. ولم توضح كيف يمكن للجماهير أن تُنَزل "لا للحرب" لبرامج وأفعال يمكن أن تُوقف إطلاق النار وتحمي حياة الناس، ولم تُفَصل المآلات المحتملة لمفاوضات سلامٍ بين الجيش والدعم السريع، وهل من بينها عودة الجيش للثكنات، وحل مليشيا الدعم السريع، وتخلي الطرفين – أو أحدهما – عن السلطة والاقتصاد، وتقديم قادتهما مجرمي الحرب الانقلابيين للمحاسبة؟
لم يكن مطلوباً من الحزب الإجابة على كل تلك الأسئلة، ولكن عدم قيامه بطرحها أبعده عن الجماهير المكتوية بنار الحرب أو التي تحسست لهيبها، وصرفه عن السعي لتقديم برنامجٍ عمليٍّ مبنيٍّ على "لا للحرب" قابلٍ للنقاش والتحقيق، يمكن أن يحشد دعم الذين تتهدد الحرب أرواحهم كل ساعةٍ، ومستقلٍ عن الصورة الشائهة للشعار التي أسهمت في رسمها مواقف قحت/تقدم/صمود وأخطاؤها، مثلما أسهمت في زيادة الاستقطاب وعودة الروح لجسد الكيزان ونظامهم المتعفنين.
ليس هناك توهمٌ أن الجماهير وهي تصارع للبقاء تنتظر تنظيراً سياسياً أو إرشاداتٍ من أحدٍ، ولكنها لن تنسى مواقف القوى السياسية في أعسر لحظات بقائها. كما أن هناك كثيرين خارج مناطق الحرب المباشرة ممن يبحثون عن ما يمكنهم القيام به لإيقافها.
لا يمكن إنكار تناول الحزب الشيوعي لمهام حفظ الحياة وسبل البقاء، وإسهام كادره مع الجماهير في مبادرات غرف الطوارئ وتقديم خدمات الطعام والمأوى والمسارات الآمنة والصحة والتعليم وغيرها، ولكنه تحاشى الإقرار الصريح بأن هذه المهام تعمل في مستوىً مختلفٍ عن إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار الذي كان يبتعد كل يومٍ أكثر عن متناول القوى السياسية المدنية، ويقترب من قوىً دوليةٍ يمكن الزعم بأن بعضها أكثر قدرةٍ على اتخاذ هذا القرار من الأطراف المتحاربة نفسها. ولم يصرح الحزب أنه وإن توقفت الحرب على أيادي المتحاربين أو القوى الدولية، فإن ما سيتحقق في المدى القصير ليس سلاماً بل هدنةٌ مؤقتةٌ، وأن ما يمكن لجماهير الشعب وقواه السياسية أن تقوم به الآن العمل على بناء واقعٍ جديدٍ تملكه الجماهير ينطلق من القواعد لمستقبلٍ قد يبعد بعدد السنين ولكنه يظل قريباً بعمر الشعوب.
من الأسئلة الواجب طرحها ونقاشها، خيارات الشباب والجماهير من الثوار وغيرهم، الذين لم تكن "لا للحرب" لتنجيهم حين ووجهوا بمقاتلين من دمٍ ولحمٍ وسلاحٍ وعنفٍ بالغٍ، تابعين لمليشيا فقدت السيطرة والتحكم في قواتها، فتحولت إلى مليشياتٍ متعددةٍ تجند مقاتلين برخصةٍ مفتوحةٍ للتغنم، نهباً وسلباً وخطفاً واغتصاباً، بدلاً عن المرتبات العالية التي عرفت بها فيما مضى (مقارنة بمرتبات القوات المسلحة). ويتبع ذلك نقاش الموقف ممن رأوا أن لا خيار أمامهم إلا حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم، بدلاً عن انتقادهم وتسفيههم والحسرة عليهم، ونقاش خياراتهم في حمل السلاح، بين الانضمام للقوات المسلحة أو لمليشياتٍ قائمةٍ أو تكوين مليشياتٍ مستقلةٍ. ومناقشة أوضاع المواطنين الذين يتعرضون لهجمات القوات المسلحة والمليشيات المقاتلة معها، والمواطنين الذين اضطروا للبقاء في مناطق سيطرة المليشيا.
ومما لا يمكن تبريره تقصير الحزب الشيوعي عن التحليل الماركسي للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لمظاهر تحقق ثورة الجياع المسحوقين بما يسهم في تخفيف الحنق الاجتماعي من كادحي الشعب الذين فقدوا ممتلكاتهم على يد من هم "أكدح" منهم.
يجب على الحزب والقوى السياسية أيضاً مناقشة احتمالات وقف إطلاق النار بشفافيةٍ مع جماهير الشعب السوداني، وهل يمكن ذلك بدون التواصل والحوار مع الأطراف المتقاتلة وداعميهم محليين ودوليين، ومن يمكن أن يضطلع بهذه المهام، ومتى، وشروط وحدود هذه الحوارات، وهل يشمل الحوار كوادر المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية. وعلى الحزب يقع واجب القيام بتحليلٍ موضوعيٍّ مستندٍ على المنهج الماركسي للقوات المسلحة وقيادتها وأفرادها، والحركات المسلحة والمليشيات المتحالفة معها، ومقاتلي مليشيا الدعم السريع، ومواقف جماهير الشعب السوداني من هؤلاء جميعاً الآن وفي المستقبل.
تظهر المبادرة أن الحزب الشيوعي متنازعٌ بين ممارسة السياسة التقليدية الرسمية، بطريقتها الفوقية التي تدار في غرفٍ مغلقةٍ، بين مسميات أحزابٍ وأجسامٍ وشخصياتٍ، يستمد بعضها شرعيته من الخارج، ومخترقةٍ حتى النخاع بالأجهزة الأمنية الكيزانية، وبين ابتدار طريقٍ مختلفٍ صعبٍ وطويلٍ، ولكن رفقته الجماهير الواصلة ولو بعد حين.
لا تخوين بالضرورة لأصحاب الخيار الأول، ولكن التفرقة واجبةٌ بين إمكانيات التغيير والوسائل والمدى الزمني والحلفاء للخيارين. فإذا عزم الحزب على الأول، فليتوكل، وليقارع الكناتين الداخلية والمزادات الخارجية، خابراً أساليبها الانتهازية المتعجلة والمراوغة. أما مواصلة كونه الاثنين معاً، فتستوجب تقييماً صارماً لتاريخ وحاضر الحزب والسودان، وموازنة الجهد المبذول مع النتائج المتوقعة.
ومهما كانت خياراته، يعلم الحزب يقيناً أنه لن ترضى عنه الأحزاب ولا المجتمع الدولي والإقليمي، وأن طريق الشعب أوسع من زحام الضيق وقلب الشعب أرحب من رحاب الضو.
رابط المبادرة:
https://www.facebook.com/share/p/15mqYx8ivK/
husamom@yahoo.com