تتزايد التكهنات حول مشاركة الطيران المصري والإريتري في المعارك الأخيرة بالسودان، حيث تلقي هذه المشاركة الضوء على الأهداف والمرامي السياسية لكل من القاهرة وأسمرة في بلد مضطرب يعاني من أزمات متفاقمة. تبدو مشاركة هاتين الدولتين في الصراع السوداني وكأنها جزء من لعبة إقليمية معقدة تسعى من خلالها القوى المختلفة إلى تعزيز نفوذها وتأمين مصالحها في سودان ما بعد الحرب.


مصر، بحدودها الطويلة مع السودان وتاريخ العلاقات المشتركة بين البلدين، لديها دافع قوي لضمان استقرار المنطقة، أو على الأقل السيطرة عليها بما يخدم أهدافها الاستراتيجية. تتحرك القاهرة في هذا السياق بدافع الحفاظ على أمنها القومي، خاصة فيما يتعلق بأزمة سد النهضة الإثيوبي، الذي ترى فيه تهديداً مباشراً لمواردها المائية. السيطرة على مناطق محددة في السودان أو التأثير على الأطراف الفاعلة فيه يمكن أن يُترجم إلى ورقة ضغط قوية على إثيوبيا، ويمنح مصر القدرة على التأثير في المعادلات الإقليمية المحيطة بالسد. بالإضافة إلى ذلك، فإن السودان يمثل عمقاً استراتيجياً بالنسبة لمصر، وبالتالي فإن أي عدم استقرار فيه قد يُحدث ارتدادات خطيرة على حدودها الجنوبية.
أما إريتريا، الدولة الصغيرة التي طالما سعت إلى تثبيت وجودها الإقليمي، فتبدو أهدافها مختلفة ولكن لا تقل أهمية. تُدرك أسمرة أن السودان يُعد بوابة مهمة نحو العالم العربي والإفريقي، لذا فإن تأمين نفوذها في مناطق داخل السودان يمكن أن يُعزز مكانتها الإقليمية ويفتح أمامها آفاقاً جديدة للتأثير السياسي والاقتصادي. علاوة على ذلك، يبدو أن الحكومة الإريترية تسعى إلى تقوية موقفها في مواجهة المعارضة الإريترية التي تجد أحياناً ملاذاً لها داخل الأراضي السودانية. في هذا السياق، فإن دعم طرف أو آخر في الصراع السوداني قد يُساعدها على تحقيق أهدافها الأمنية والسياسية الداخلية.
يجدر الإشارة إلى أن كلا البلدين، مصر وإريتريا، لا يتحركان بمعزل عن القوى الدولية التي لديها مصالح في السودان. فالخرطوم، الغنية بمواردها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي، تمثل ساحة مفتوحة للتنافس بين القوى الكبرى. من خلال التدخل في الصراع، ربما تسعى كل من القاهرة وأسمرة إلى تأمين مقعد لهما على طاولة إعادة ترتيب الأوضاع في السودان بعد الحرب، سواء عبر تحالفات مع الأطراف الفاعلة محلياً أو من خلال استثمارات عسكرية وسياسية مباشرة.
ولكن، هل يمكن أن تكون لدى مصر وإريتريا أهداف توسعية في السودان؟ الإجابة تكمن في تحليل سياق التدخلات وحدودها. بالنسبة لمصر، من غير المرجح أن يكون الهدف توسيع الحدود أو السيطرة المباشرة، بل يتعلق الأمر أكثر بتأمين العمق الاستراتيجي وحماية المصالح الحيوية. أما إريتريا، فقد يكون الطموح التوسعي أكثر وضوحاً، حيث تسعى أسمرة منذ زمن إلى تعزيز وجودها في المنطقة الشرقية للسودان، التي تربطها بها روابط ثقافية وتاريخية معقدة.
في النهاية، تبقى التدخلات العسكرية من قبل مصر وإريتريا في السودان جزءاً من مشهد إقليمي شديد التعقيد. وبينما تتجلى أهدافهما المعلنة في تحقيق الاستقرار وحماية المصالح المشتركة، فإن الأجندات الخفية قد تحمل في طياتها طموحات أوسع، تتعلق بتوسيع النفوذ وضمان السيطرة في سودان ما بعد الحرب. هذا الواقع يفرض على السودانيين أنفسهم مواجهة تحدٍ كبير، يتمثل في الحفاظ على سيادتهم ومنع تحويل بلادهم إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مصر وإریتریا فی السودان

إقرأ أيضاً:

هل بدأت رياح ترمب تهب في السودان ؟

محمد المكي أحمد:

رفعت الولايات المتحدة في شهر يناير 2025 سقف اهتمامها بالوضع المأساوي في السودان، الناجم عن الحرب، التي اندلعت في 15 أبريل 2023، ويتصدر ساحاتها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان ( حميدتي) و”شركاء” للقائدين ، في معارك التدمير للسودان والأذى الشديد للسودانيين.
أبرز دليل على ارتفاع معدلات الضغط الأميركي جاء في قرارات فرضت عقوبات، شملت في البداية ( حميدتي) ثم اتسعت الدائرة لتشمل البرهان في 16 يناير 2025 ، وترى واشنطن ان قوات ( الدعم السريع) والقوات المسلحة السودانية ارتكبت جرائم حرب بقيادة القائدين العسكريين.
حينما أعلنت واشنطن فرض عقوبات على قائد ( الدعم السريع) ابتهجت أوساط تدعم البرهان لمواصلة الحرب، لكن سرعان ما فاجأتها أميركا بفرض عقوبات على البرهان، فأصابتها صدمة، بسبب ضعف الخيال السياسي، والفشل في قراءة مسارات الأحداث في واشنطن ، وداخل الأمم المتحدة التي شهدت خلال الفترة الماضية جلسات نقاش مهمة، هيأت الراي العام الدولي لقرارات مرتقبة ، تهدف لوقف الحرب وحماية السودانيين من الحرب والجوع والمرض.
لم يكن هناك خيار مُتاح أمام دعاة الحرب وداعميها ،ومن يصبون الزيت على نيرانها سوى الصمت أوالتنديد سرا ، بعيدا عن الأضواء بعد صدور قرار العقوبات ضد البرهان .
لا خيار أمام آخرين مؤيدين لاستمرار الحرب، وهم قلة، سوى التنديد العلني بالقرار الأميركي، تحت تأثير المصالح الشخصية وأعباء الدور الوظيفي.
أصوات بعض هواة الشجب للقرارات الايجابية الداعمة لحقوق الانسان عالية ، لأن منافقة الحاكم تتيح المزيد من أعمال التسويق للذات والمتاجرة بأوجاع الناس، سعيا وراء مصالح شخصية لا علاقة لها بكرامة الانسان، ومصالح الشعب، المطحون بمواجع التشرد، واللجوء ، والجوع.، والمرض
لم استغرب صدور قرارات عقوبات أميركية ضد حميدتي والبرهان وآخرين ، لأن الانتهاكات لحقوق الانسان السوداني والممارسات السيئة لا يمكن انكارها، وقد اعترف قائد الدعم السريع بحدوثها،.
لكن البرهان لا يعترف بارتكاب قواته وقوات حلفائه انتهاكات صارخة لحقوق الانسان السوداني، وهو لم يعترف حتى الآن أنه نفذ انقلابا على حكم انتقالي مدني في 25 اكتوبر 2021، ويصف انقلابه بـأنه ” تصحيح مسار”.
كان حميدتي اعترف بخطأ مشاركته في الانقلاب ولكن بعد فوات الأوان، وكان هو الخاسر الأكبر كما كتبت في مقال بعد مشاركته في الإنقلاب.
كتبت في وقت سابق مقالات تنتقد التعنت، ورفض ايقاف الحرب واستمرار قتل وتشريد السودانيين، وانتهاك الأعراض واقتحام البيوت وتدميرها ومواصلة قصف المدنيين والمنشات العامة بالطائرات بمختلف مسمياتها .
شجبت عدم التجاوب مع مبادرة ” منبر جدة” وقلت إن القادة العسكريين يسعون إلى شرعية مستحيلة، بعد انقلابهم على حكومة مدنية انتقالية، ورأيت وما زالت أرى أن الملاحقة الأميركية والأوروبية لقادة الحرب والدمار في السودان والمنتهكين لحقوق الانسان ستستمر، و ستطالهم اليوم أو غدا عقوبات دولية متعددة الأشكال.
القرار الأميركي الأخير الذي أدخل البرهان في دائرة العقوبات الأميركية جاء غداة انتهاكات صارخة طالت مدنيين أبرياء في ولاية الجزيرة ( ود مدني) وأقبح ما فيها أنها انطلقت من نزعات عنصرية بغيضة، وكشفت روحا شريرة ، تستهين بانسانية الانسان، فتقتله بدم بارد، وتذبحه، وترمي به في النيل!!!!
القرار الأميركي ضد البرهان تزامن مع تأكيدات جديدة لقائد الجيش يؤكد مضمونها أنه يدعم استمرار الحرب، ولا يستجيب للنداءات الاقليمية والدولية بحل الصراع بالمفاوضات، كما استخف بالعقوبات الأميركية بعدما تسربت للصحافة الأميركية وقبل صدورها رسميا في بيان للخارجية الأميركية.
لا توجد حرب في العالم كله توقفت من دون تفاوض، وحتى في السودان فان الحرب التي خاضتها كل الحركات التي (تمردت) وقاتلت الحكومة المركزية خلال سنوات مضت، وبينها حرب خاضتها قبل سنوات حركات مُشاركة في حرب البرهان- حميدتي قد توقفت بعد جلسات تفاوض خارج السودان .
اللافت في توقيت القرارات الأميركية ضد حميدتي والبرهان أنها جاءت في الأيام الأخيرة لفترة حكم الرئيس الأميركي جو بايدن ، أي عشية جلوس الرئيس المنتخب دونالد ترامب على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض في 20 يناير 2025.
تحليلي أن بايدين وهو يودع البيت الأبيض يسعى للقول أنه حقق انجازات شملت الاهتمام بقضية حرب السودان، وهو حاول أيضا التأكيد في اطلالة تلفزيونية بأنه ساهم في نجاح مفاوضات الدوحة” ببلورة اتفاق ينص على وقف اطلاق النار في غزة والافراج عن رهائن أميركيين واسرائيليين، وكلام بايدين صحيح نسبيا.
مسارات الأحداث تؤكد أن بصمات ترامب قبل دخوله إلى البيت الابيض بدت واضحة من خلال ضغوط شديدة حملتها تصريحاته التي هددت بـ ” جحيم ” و” مشكلات كبيرة” ستحدث في حال عدم التوصل لاتفاق بشأن غزة يضمن اطلاق الرهائن، وبينهم أميركيون.
أعتقد بان رياح ترامب بدأت تهب في السودان، وأن مقدماتها بدت واضحة في قرارات إدارة بايدين التي تناولت حميدتي والبرهان ، إذ ان هناك تنسيقا بين إدارتي بايدين وترامب بشأن غزة والسودان وملفات اخرى.
ترامب عشية دخوله إلى البيت الابيض طرح عنوانا لافتا لآلية تنفيذ سياسته التي قال إنها تهدف إلى إحلال السلام في العالم ، وهي آلية تستخدم ( القوة) لتحقيق السلام وفقا لتصريحاته ، وهذا يعني أن السودان لن يكون بمنأى عن سياسة ترامب الجديدة.
لكن هل سيمارس ترامب مجددا سياسة الابتزاز للجالسين على كراس ” الحكم” الانقلابي في السودان مثلما مارسها في فترة الحكومة المدنية الانتقالية ، بشأن قضية ( التطبيع) وهل سيلجأ البرهان أو حميدتي إلى استخدام ورقة ( التطبيع) مع اسرائيل كورقة لتجنب يد ترامب الطويلة وقراراتها الحاسمة؟
ترامب سيكشف عن سياسته الجديدة بشأن السودان بعد دخوله البيت الأبيض، لكن أعتقد أن أية مراهنة من البرهان أو حميدتي على ورقة ( التطبيع) ستكون خاسرة، لأن انقلابهما على الحكم المدني في العام 2021 أفقدهما شرعية مستمدة من ( انحيازهما) لثورة الشعب، وقد أطاح انقلابهما بهذه ( الشرعية) أي لا شرعية لهما حاليا، ولا شرعية للحكم في السودان بعد الانقلاب وفي ظل الحرب .
ورقة ( التطبيع) ستكون ورقة خاسرة أيضا لأن ترامب فرض ضغوطا شديدة على صديقه بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي كي يوافق على اتفاق الدوحة، بشأن وقف اطلاق النار في غزة،.
لا اعتقد بأن ترامب سيُجامل البرهان وحميدتي بشأن استمرار حرب السودان، أو يدعمهما أو يدعم أحدهما ليواصل حكم السودانيين بالحديد والنار.
مشكلة البرهان الكبرى تكمن أيضا في حلفائه الذين يسمون أنفسهم بـ ( الإسلاميين) وهم من أجنحة متشددة ومتطرفة ولا تمثل كل ( الحركة الإسلامية) وفقا للمواقف المعلنة، وتعكس تصريحات الأمين العام لحزب( المؤتمر الشعبي) دكتور علي الحاج خلافا واضحا مع داعمي الحرب، اذ يدعم السلام والحكم المدني.
أصحاب المواقف المتطرفة حكموا السودان 30 عاما، وقدموا تجربة حكم فاشلة، ويخوضون الحرب مع البرهان بشراسة ، ويسعون إلى استعادة حكمهم على انقاض بلد دمرته الحرب وشردت انسانه.
هذا التحالف يصطدم مع تطلعات معظم أهل السودان، ودول فاعلة في الاقليم ، والدول الكبرى التي تعلن من وقت لآخر دعمها لاستعادة الحكم المدني في السودان .
قلت في مقال قبل عام إن البرهان وحميدتي غير مؤهلين لحكم السودان ليوم واحد بعدما انقلبا على الحكم المدني.
وهاهي أميركا تقول في توقيت متأخر جدا في بيان لوزارة خارجيتها في 16 يناير 2025 أن ” أيًا من الرجلين ( البرهان وحميدتي) غير لائق لحكم السودان المستقبلي المسالم، تظل الولايات المتحدة ملتزمة بمحاسبة المسؤولين عن الفظائع المرتكبة في السودان ودعم الانتقال الديمقراطي المدني).
هذا الموقف الأميركي رسالة ساخنة وواضحة وتحمل انذارا واضحا للقائدين العسكريين ، وأعتقد بأن هذا الموقف سيجد دعما من حلفاء واشنطن في العالم، وخصوصا من بريطانيا ، في إطار احكام الحصار على كل الاطراف التي تساهم في الحرب الشرسة في السودان، في سبيل وقف شلال الدم ، وبدء مرحلة جديدة في السودان.
قناعتي التي أكررها هي أن لا مستقبل للانقلابيين في السودان والعالم ، سواء صدق ترامب في قوله بأنه يسعى إلى السلام في العالم أم أنه يرمي بتصريحاته إلى اطلاق بالونات اختبار، للضغط على قيادات في العالم يسعى لتغيير سياساتها؟.
المستقبل في السودان للسلام والحرية والعدالة والحكم المدني الذي يحترم حقوق الانسان، ولا يستهين بأرواح البشر باختلاف أديانهم وأعراقهم وتوجهاتهم السياسية.
mohamedelmaki.com

   

مقالات مشابهة

  • الشهادة السودانية كرقصة التانغو (1-2)
  • مجلس الصحوة الثوري – قيادة موسى هلال: الاحتفالات التي عمت أرجاء البلاد استفتاء حقيقي لدعم الشعب للقوات المسلحة
  • فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
  • ما بين جوبا وودمدني، السياسة ووجدان الشعوب
  • هل بدأت رياح ترمب تهب في السودان ؟
  • الخارجية السودانية تعبر عن قلقها إزاء الأحداث في جوبا إثر الاعتداءات التي استهدفت أشخاص وممتلكات المواطنيين السودانيين
  • الدور على السودان وليبيا واليمن
  • دماء داخل البيوت.. الجرائم الأسرية عرض مستمر.. خبراء: من أخطر الظواهر التي تهدد المجتمعات الحديثة وغياب الأدوار الثقافية والتربوية سبب رئيسي
  • انهيارات أرضية وفيضانات تهدد لوس أنجلوس بعد الحرائق.. الخطر لم ينتهي بعد