من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. تدخين الأرواح
تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT
#تدخين_الأرواح
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 3 / 9 / 2016
الزحف المقدّس نحو #كرسي_الزعامة، هو خط إنتاج #صناعة_الديكتاتور، حتى الذين يناهضون سياسة الجلاد ويبحثون عن #الديمقراطية ،هم يكرهون تفرده في السوط ليس إلا، عندما يَحْبون على سجادة #فرعون_السلطة ، يصبحون مثله تماماً، ففي العقل الباطن تكبر بذره الرهبة من الزعيم الأوحد في تربة الصمت وعندما تنضج فجأة تأكل كل المبادئ…
**
تقول الحكاية أو الأسطورة – في البلاد العربية لا فرق – أن زعيماً كُسرت ساقه أثناء نزوله عن درجات القصر، فخاف الأطباء أن يخبروه بذلك؛ قالوا له أن المسالة لا تعدو أن تكون مجرد التواءٍ في الكاحل، ثم نصحوه بلفّها و تجبيرها وممارسة السطوة المعتادة.
أتساءل دائماً بعد أن يغلب الموت “فرعون السلطة” كأي كائن حي.. لماذا يصر دائماً من هم في حاشية الديكتاتور وورثته في التألّه أن يصنعوا تماثيل للزعيم؟
أحد مقربيه وأكثر الناس فهماً له نصح جميع الوزراء والقادة العسكريين أن يأتوا في اليوم التالي وهم يعرجون من كل فج عميق ، كل يحمل عكازه بعد أن يجبّر رجله زيفاً…وعند الاجتماع سألهم الزعيم بدهشة مفروشة بالفرح ما الذي أصابهم دفعة واحدة !!..فروى كل منهم قصته بشكل مختلف كي لا يبدو المصاب متفق عليه..
ضحك #الزعيم طويلاً وانفرجت أساريره وتابع اجتماعه بعد أن تساوى مع طاقمه في الضرّاء …وتقول الحكاية أو الأسطورة – في البلاد العربية لا فرق- أن نائبه الذي استلم من بعده كأن أكثر ديكتاتورية منه..فلم يرق له أن يتساوى في المصاب فيما لو حدث له نفس العارض مستقبلاً ..وفور تقلده سلطاته اللا دستورية كسر أرجِل كل رفاقه ليسبقهم في المسير دوماً..
**
كنت أتساءل دائماً بعد أن يغلب الموت “فرعون السلطة” كأي كائن حي أو كأي فنجان سقط سهواً من يد النادل ..لماذا يصر دائماً من هم في حاشية الديكتاتور وورثته في التألّه أن يصنعوا أشياءً ضخمة تخلّد مقتنيات و جسد الزعيم لتصبح رمزاً للدولة ، فيحاولون قدر الإمكان المبالغة في الرمزية بصورة لافتة ومنفّرة.
لا أدري لماذا يصرّون في التركيز على أدوات فوقيته وقبضة حُكمه وإبرازها للعالم على إنها انجاز فريد يُحتفى به، ربما لأنهم يدركون أن الدكتاتور مهما كان معمّراً وباطشاً، وضخماً في “الجبس” يظل “صغيراً ” في عيون الأحرار و المقموعين في “الحبس” ، لذلك يريد من يخلفه أن يظهره عملاقاً من “باطون” أو صرحاً شامخاً من النحاس المذاب..
**
تمثال شاهق في وسط المدينة، الزعيم يشهر سيفاً بعلو ناطحة سحاب مقابل أهم مركز ثقافي، الزعيم فوق حصان يصهل ويقف على رجلين خلفيتين أمام مبنى العجزة يحيي الغيوم الشاردة، البندقية الإسمنتية في يمناه وإصبعه المتجمّد على الزناد مقابل أقدم مدرسة في المدينة، وغيرها من أوثانٍ يختارون وضعياتها بعناية فائقة..
انتصارات “خراسانية” مسكوبة في قوالب من الخيال السياسي ليس إلا…لا يوجد تمثال لزعيم معاصر إلا ويحمل سيفاً أو بندقية ،رغم أن جلهم قد تورّط بهزائم أثقلت كتب التاريخ، لم أر تمثالا لزعيم من ديكتاتورياتنا المعاصرة يحمل قلماً ويكتب أو يعزف قيثاراً أو ينفث ناياً لقطيع من الخراف الصغيرة..
**
الوطن علبة كبريت والشعب أعواد ثقاب..كلما هتفت لحريتها..شُحطت على أوتستراد الموت ونالت العقاب..
قبل أسابيع وعلى الطريقة العربية ،صنع المواطن الكوبي “خوسيه كايرو” سيجاراً بطول ملعب كرة القدم بمناسبة الذكرى التسعين لميلاد الزعيم الكوبي السابق فيدل كاسترو، وبعد أن تأكد من تدوينه في “غينيس” كأطول سيجار زعيم أو أطول زعيم لسيجار في العالم – لا فرق – قام بإهدائه للرئيس المتقاعد كتعبير عن المحبة والفخر..تسعون متراً من “التبغ” وعشرات من أفخاذ العذارى – حسب الأسطورة الكوبية – شاركت في حمل ولف وحشو السيجار الذي حطّم الأرقام القياسية…سيجار الزعيم يستحق أن يدخل غينيس قبل عدد المدارس ودواوين الشعر التي قرأها والمستشفيات التي بناها!!!..
ترى ماذا لو ظهر لدينا “خوسيه كايرو” بالنسخة العربية ،ماذا سيخّلد في ذكرى ميلاد زعيمه ، عصا بطول النيل، سوط بتعرّج دجلة ، خازوق بحدة جبال طوروس، أم خيمة لجوء بحجم قصر الوالي!!..
جميلة هدية “خوسيه كايرو”، فكلما سمع “خشخشة” أصوات الخصوم دق الزعيم مؤخرة سيجاره بسطح الطاولة …ثم اشتهى تدخين الأرواح، فالوطن لديه مجرّد “علبة كبريت” إذا ما أطل رأس من علبة العبيد يطلب حرية أو عدالة ، سحله على إسفلت التعذيب وأشعل سيجاره منه ثم نفخ عليه ورماه جثة هامدة…
الوطن علبة كبريت والشعب أعواد ثقاب..كلما هتفت لحريتها..شُحطت على أوتستراد الموت ونالت العقاب..
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الديمقراطية الزعيم بعد أن
إقرأ أيضاً:
أحمد الزعبي: ما بين حريتين ومنفى
#أحمد_الزعبي: ما بين حريتين ومنفى
#شبلي_العجارمة
عند سرد حكايات وجع القضبان المحلاة بسكر اللامبالاة ، هناك موطن وجعٍ ونزفين ونصف آه ثكلى، والقصة أكبر من سجنٍ وحرية ، حين قطعت حقيقة سجنه أي شكٍ في خرافة البوق التي تشدق بها الكثير ، بأن ابن كرمة العلي لديه خط عريض أن يكتب بدغدغة خاصرتين نقيضتين ؛ خاصرة الحكومة وخاصرة الشعب الثقل بكل العذابات المتخيلة وغير المتخيلة ، هنا وشح صفحة الرماد بتوقيعه فتى حوران وجذعها السامق العتيق بحريته ، حين غيبت القضبان قلمه وأنفاسه ، ومغزل الوجع الذي كان يشكله لنا بعرائس دمى من السكر على مسرح صباحنا والتقاط أنفاس مساءات شقائنا.
كيف سيروي أحمد الزعبي كل هذا الألم لأطفاله بان الوطن ليس أفعى تعض بطنها ، كيف سيحكي قصةً ما بين وجعين بسردية الضحك ؟ ، كيف سلون لنا غيابه بأنه استراحة المحارب المغصوب فكره وقلمه ورئة بوحه ؟ ، كيف سيشرب كل هذه العذابات ويقنع مرآته الصباحية وهو يجفف ذقنه بأن الأحرار يغصون بالشهد ويتقيأون العسل ؟.
لكن الحاكورة التي استعمرها الجفاف ،وحاصرها فضول العشب وتطفل الندى ، سيداعب كبدها بفأسه ومحراثه ، سوف ينفض غبار الشرفة العجوز ، ويحلم في ليلةٍ ربيعية قمراء وهو يتجاذب أطراف الحديث مع فوانيس اللبل ،وهو يتلحف فروته ، وسيلمع دراجته الهوائية التي ابتاعها مستخدمة من أحد الباعة الذي أكرمه بخصم خاص ؛ منفاخ هواء للعجلات وبوق ألماني بنغمة الطوووووط ، وسيركب شروق شمس البساتين ؛ ليعود محملًا بحكايا طازجة ، كحريته الطازجة ووطنيته الأبدية العتيقة.