قبل 9 كانون الثاني من العام 2025 لم يكن مسموحًا للبنانيين بأن يحلموا، وإن هم فعلوا كانوا يصطدمون بواقع يحول دون تحقيق ما كانوا يحلمون به. فعلى مدى سنوات عانى هؤلاء اللبنانيون ما لم يعانه غيرهم من الشعوب المنتمية إلى دول تُحترم فيها حقوق الانسان الطبيعية. فقبل هذا التاريخ ظنّ كثيرون أن لا نهاية لهذا النفق الطويل والمظلم.
جلّ ما أراده جميع اللبنانيين من دون استثناء هو قليل من كثير. وهذا الكثير وجدوه في خطاب القسم وفي البيان الذي تلاه القاضي نواف سلام على أثر تكليفه بتشكيل الحكومة العتيدة. فما كان حلمًا بالأمس قد يصبح اليوم وغدًا واقعًا ملموسًا. وهذا الحلم لا علاقة له بطموحات شخصية وفردية، بل هو نتيجة شعورهم بأن معاناتهم الطويلة قد أصبحت على قاب قوسين أو أدنى من أن يوضع لها حدّ. فخامة الرئيس، ما يحلم به أي مواطن في الجنوب والبقاع والشمال والجبل وبيروت هو الحلم نفسه الذي راودكم قبل التاسع من الشهر الجاري كقائد للجيش، وقبل ذلك بكثير يوم تسلّمت سيف التخرّج من المدرسة الحربية. فالمواطن العادي الساعي إلى رزقه بعرق الجبين يريد أن يرى وطنه محرّرًا من كل الاحتلالات والوصايات، يريده أن يكون أولًا قبل أي أول آخر.
هذا المواطن الذي عانى الأمرّين، ولا يزال، يريد أن يعيش مثله مثل أي مواطن في دول العالم، لا أقل ولا أكثر. فما عاناه جيل الحرب منذ العام 1975 حتى الآن، أي قبل خمسين سنة، يستأهل أن يعيش "كم يوم متل الناس"، ويستأهل أن يحلم بغد أفضل لأولاده وأحفاده.
يوم تمّ تعيينك قائدًا للجيش زرتك للتهنئة في بيتك المتواضع في بيت الشعار. وكم كانت فرحتي عارمة لأني أدركت منذ تلك اللحظة أنك مؤهل لمسؤوليات أكبر. وسبب فرحتي هو أنك آتٍ من بيت يشبه بيوت أغلبية اللبنانيين. وهذا ما دفعك إلى أن "تعتل" هم العسكريين، الذين تكاد رواتبهم لا تكفيهم لإعالة "العيال"، ولإشباعهم خبزًا "حافًا".
سمعت أناّت العسكريين فسعيت إلى تأمين ما يسدّ حاجاتهم اليومية ولو بما تيسرّ من "فلس الأرملة"، على أمل أن يُسمح لصوت الشعب بالوصول إلى مسامعك، فتستطيع أن تتبنى ما كان يردّده الرئيس الراحل الياس سركيس "أنا منكم وأنا لكم".
ما جاء في خطاب القسم يطمئن إلى أن الغد سيكون أفضل بكثير من الأمس، وفيه ما يكفي من عناوين سيادية تسمح لنا بالتفاؤل، ولو بحذر، بأن ما حلمنا به طيلة خمسين سنة بدأ يتبلور، وبدأ يقترب إلى خط النهاية، نهاية المعاناة، ونهاية المآسي.
هذا هو الوطن الذي وُعدنا به، والذي نحلم به ليلًا ونهارًا، لا ذاك الوطن الذي يُذّل فيه المواطن في حياته اليومية. نحلم بوطن لا ينخر إداراته الرسمية الفسادُ، ولا تسوده الفوضى والرشاوى واستقواء القوي على الضعيف و"السلبطة" و"تهبيط الحيطان" على من ليس لديه "ضهر" أو من ليس تابعًا لهذا الزعيم أو ذاك الحزب المتنفذ.
نحلم بوطن فيه قانون يُطبّق على الجميع سواسية، باعتبار أن جميع اللبنانيين متساوون في الحقوق والواجبات.
نحلم بوطن لا شرعية فيه لأي سلطة غير السلطة اللبنانية على كل أراضيه.
نحلم بوطن لا تكون كلفة فاتورة الكهرباء فيه سنويًا ملياري دولار، تقتطع من جيوب الناس، وهي بالكاد تصل إلى البيوت والمعامل والمكاتب.
نحلم بوطن لا يموت فيه الفقير المريض على أبواب المستشفيات.
نحلم بوطن تكون فيه كرامة الإنسان مصانة في الممارسة وفي الواقع.
نحلم بوطن تكون فرص العمل متوافرة للآف الشباب الذين يتخرّجون من الجامعات والمعاهد مشاريع عاطلين عن العمل، فلا يجدون سوى اللجوء إلى السفارات بحثا عن "فيزا" تمّكنهم من السفر إلى الخارج تفتيشًا عن لقمة عيشهم وتأمين مستقبل لائق لهم، ومن بعدهم لأولادهم.
هذا بعض مما نحلم به ويحلم به كل لبناني، وهذا ما وعدتنا به فخامة الرئيس بالأمس القريب، هذا ما نحلم به وما حاول فخامة الرئيس قوله عسى ان يتحقق الحلم ويبدأ عهد التنفيذ.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الاستقرار في المنطقة.. هل يطال لبنان؟
من الواضح ان مسار التطورات الدولية والاقليمية يسير بشكل ثابت نحو استقرار جدي، الا ان المشكلة الفعلية تكمن في قرارات رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بالحصول على مزيد من المكاسب وهذا الامر يحظى بتشجيع الإدارة الاميركية برئاسة دونالد ترامب، ما يطرح اسئلة كثيرة عن مصير دول المنطقة.عملياً تريد إسرائيل توسيع نفوذها في المنطقة بشكلٍ حاسم خصوصاً انها استطاعت اضعاف كل من "حماس" و"حزب الله"، ما اضعف بدوره أيضاً إيران، لكن في الوقت نفسه يسير العالم نحو سباق بين التهدئة والتسوية الشاملة وبين الصدام الكبير في ظل إدارة ترامب التي تعمل بشكل متناقض، ففي حين انها تسعى الى التهدئة مع روسيا ترفع سقف التصعيد مع دول اخرى.
لكن هل من الممكن ان تؤدي هذه التطورات إلى عودة اشتعال المعارك في المنطقة؟
لعلّ الخطر الاكبر يحوم حول غزة، اذ ان تسليم المقاومة الفلسطينية "حماس" للأسرى وسط عملية تبادل قد يدفع نتنياهو في لحظة ما الى اعادة اشعال الحرب لتحقيق مزيد من المكاسب، خصوصاً ان الهدف الفعلي هو تهجير اهالي غزة الى خارج فلسطين المحتلة وهذا لا يمكن ان يتمّ من دون تجدّد الحرب.
اما في ما يخص لبنان، فلا يبدو ان هناك مخاطر كبرى، بغض النظر عن كل الهواجس من إسرائيل وأدائها، لكن تل ابيب هي التي قد بادرت الى طلب وقف اطلاق النار حيث كانت غير قادرة على استكمال الحرب لانها أدركت أن المقاومة لا تزال تحتفظ بجزء كبير جداً من قوتها، وفي الوقت نفسه تعتقد تل ابيب انها حققت انجازات كبرى و اعادت "الحزب" سنوات طويلة الى الوراء وهذا ما يؤكّد استبعاد حصول مواجهة عسكرية قريبة.
من جهة اخرى، فإنّ التطورات في سوريا وإغلاق المنفذ البري للحزب يجعل من اعادة بناء قدراته من وجهة نظر إسرائيلية أمراً صعباً للغاية، وهذا ما تسعى اسرائيل الى منعه بشكلٍ كامل. لذلك فإنّ اشعال حرب جديدة ليس بالأمر السهل ويمكن حتماً الاستغناء عنه في هذه المرحلة. وعليه فإنّ الاستقرار من جهة ومخاطر الحروب من جهة اخرى قد لا تطال لبنان فعلاً وبشكل مباشر.
المصدر: خاص لبنان24