والتي تتوج عامًا كاملًا من التفوق التقني والعملياتي والتكتيكي للقوات المسلحة اليمنية في معركة كانت كُـلّ نتائجها صادمة وعكسية بشكل فاضح للولايات المتحدة التي واجهت حالة غير مسبوقة أبدًا من الفشل في تحقيق الأهداف وانهيار القدرة على الردع والعجز التام عن احتواء التهديد أَو حتى فهمه بشكل جيد، وهي حالة لن تتوقف تأثيراتها بانتهاء جولة الصراع، بل ستلاحق البحرية الأمريكية وسمعة "الردع" الأمريكي لفترة طويلة.

من الشواهد الجديدة على الهزيمة الأمريكية، ما أوردته بعض وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بشأن انعكاس اتّفاق وقف إطلاق النار في غزة على الوضع في البحر الأحمر، حَيثُ نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين وخبراء في الأمن البحري وقطاع الشحن، قولهم: إن هناك توقعاتٍ بتوقف العمليات البحرية اليمنية بعد توقف الحرب في غزة، وهو ما يترجم نجاح اليمن في فرض وتثبيت واقع العلاقة بين العمليات البحرية والوضع في غزة كحقيقة باتت واضحة تمامًا لشركات الشحن نفسها برغم كُـلّ المحاولات الأمريكية والغربية للتشويش على هذه الحقيقة، والقول إن وقف العمليات اليمنية مرهون بالتحشيد العسكري ضد اليمن.

وفي هذا السياق أَيْـضًا، ذهبت صحيفة "لويدز ليست" البريطانية المتخصصة بشؤون الملاحة البحرية إلى ما هو أوضح من ذلك، وقالت بصراحة: إن "إعلان وقف إطلاق النار يفتح الباب أمام إمْكَانية عودة حركة الشحن إلى مضيق باب المندب" وإن " قطاعات صناعة الشحن التي أُجبرت على تغيير مسارها أَو اختارت ذلك بحرية لا تعتمد على الحراسة البحرية أَو المفاوضات الدبلوماسية لتقرّر ما إذَا كانت ستعود أم لا، بل تنتظرُ إشارة من الحوثيين أنفسهم" حسب وصفها، وهو ما يشير إلى أن القوات المسلحة لم تنجح فحسب في تثبيت واقع العلاقة بين الوضع في غزة والوضع في البحر الأحمر، بل ثبتت أَيْـضًا واقع سيطرتها التامة على الوضع؛ وكونها صاحبة القرار الحقيقي والنهائي أمام شركات الشحن، وهو ما يمثّل سقوطًا تاريخيًّا مدويًا لتأثير البحرية الأمريكية والقوات الغربية التي حاولت على مدى عام كامل أن تمسك هي بزمام الأمور، الأمر الذي يصدق على ما أكّـده السيد القائد عبدُالملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير حول "النتيجة الحاسمة" التي حقّقتها عمليات الإسناد البحرية في السيطرة على الوضع وفرض الحظر التام للملاحة المرتبطة بالعدوّ في منطقة العمليات.

تأكيدات قطاع الشحن على أن صنعاء هي صاحبة القرار الحقيقي وأن معادلة الارتباط بوقف الإبادة الجماعية في غزة هي الأَسَاس لوقف العمليات اليمنية، تكاملت في الوقت نفسه مع اعترافات جديدة بالهزيمة التي لم يسبق أن واجهتها البحرية الأمريكية في تأريخها، حَيثُ اعترف وزير البحرية الأمريكية كارلوس ديل تورو، الجمعة، في خطاب وداعي بواشنطن بأن الهجمات البحرية اليمنية "ليست روتينية بأي حال من الأحوال" وقال إن الولايات المتحدة "تخوض في البحر الأحمر أطول عمليات قتالية بحرية متواصلة واجهتها منذ الحرب العالمية الثانية".

 وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في تصريحات نقلها موقع "ميليتاري" العسكري الأمريكي: إن اليمنيين "يمثلون تحديًا صعبًا بشكل خاص؛ لأَنَّهم سيكونون سعداء بتوسيع نطاق الحرب مع الولايات المتحدة" معتبرًا أن "فكرة شن عملية كبرى بأعداد ضخمة من القوات الأمريكية على الأرض في اليمن ليست خيارًا جَذَّابًا بشكل خاص".

وفي حديثه عن استنزاف الذخائر الدفاعية المكلفة في البحر الأحمر، قال سوليفان: إن اليمنيين "يمكنهم بسرعة إنشاء أشياء أبسط كَثيرًا من تلك التي تنتجها الولايات المتحدة، صحيح أنها ليست بنفس الجودة، لكنها بالتأكيد جيدة بما يكفي لإحداث تأثير كبير في ساحة المعركة" حسب قوله.

وكان قادة في البحرية الأمريكية كشفوا بشكل رسمي أواخر الأسبوع الماضي أن البحرية الأمريكية استخدمت في البحر الأحمر 220 صاروخًا من ثلاث منظومات فقط هي (إس إم-2) و (إس إم-6) و (إي إس إس إم)، بتكلفة تتجاوز 650 مليون دولار، بدون الكشف عن تفاصيل بقية الذخائر الأعلى ثمنًا والتكاليف الأُخرى التي قدرتها مراكز أبحاث أمريكية في نوفمبر الماضي بأكثر من أربعة مليارات دولار.

والحقيقة أن لجوء المسؤولين الأمريكيين إلى اعتماد "الحرب العالمية الثانية" كمرجعية لقياس المواجهة في البحر الأحمر لم يعد سوى محاولة لتخفيف الواقع وتجاهل حجم الهزيمة؛ فالبحرية الأمريكية لم يسبق لها في التأريخ أن فشلت بهذا الشكل في مواجهة طرف واحد تصفه هي بأنه "جماعة غير حكومية"، وهذا يتجاوز المقارنة مع الحرب العالمية الثانية من حَيثُ طبيعة المواجهة ومن حَيثُ نتائجها.

وقد سلطت الاعترافات الأمريكية الجديدة المزيد من الضوء على الفشل العملياتي للبحرية الأمريكية وجوهره الكامن في عجز الأدوات المتطورة عن مواكبة التحدي اليمني غير المسبوق، حَيثُ قال وزير البحرية الأمريكية، ديل تورو، يوم الأربعاء الماضي: إن "المدمّـرات والطرادات التابعة للبحرية الأمريكية تحتاج إلى مغادرة ميدان المعركة الجارية في البحر الأحمر؛ مِن أجلِ إعادة تحميل خلايا صواريخها" مُشيرًا إلى أن ذلك "يتسبب بفجوة في الوجود ويشكل تحديًا حقيقيًّا، لا يقتصر على حملة البحر الأحمر فحسب، بل يمتدُّ أَيْـضًا إلى أية حربٍ مستقبليةٍ مع الصين عبر مساحة غرب المحيط الهادئ الشاسعة" وفقًا لما نقل موقع "ميليتاري" الأمريكي.

ويساهم هذا الاعترافُ في دحض الرواية المضلِّلة التي حاول البعضُ ترويجَها خلال الأشهر الماضية والتي تعيدُ سببَ الفشل الأمريكي في البحر الأحمر إلى عدم وجود قرار سياسي، حَيثُ تؤكّـدُ هذه الاعترافاتُ أن المشاكل التي تواجهُها الولاياتُ المتحدة في مواجهة اليمن تتجاوزُ قُدرةَ البيت الأبيض على حسمِها بأي شكل؛ لأَنَّ اليمنَ استطاع تجاوُزَ القدرات والتكتيكات والتقنيات الأمريكية نفسِها.

المسيرة

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

إقرأ أيضاً:

تقرير جديد يكشف واقع اليمن والتحديات المستمرة

يمن مونيتور/قسم الأخبار

أصدر مركز المخا للدراسات الاستراتيجية تقريره السنوي الرابع لعام 2024، حيث يقدم تحليلاً شاملاً للتطورات السياسية والاقتصادية والأمنية في اليمن. يسعى التقرير إلى تقديم صورة واضحة عن الوضع اليمني في ظل التحديات المتزايدة، مع التركيز على استشراف الاحتمالات المستقبلية.

يتناول التقرير مجموعة متنوعة من القضايا، بما في ذلك الأوضاع السياسية والعلاقات الخارجية، والتحديات الاقتصادية والتنمية المستدامة، إضافة إلى التحركات العسكرية والأمنية. كما يستعرض قضايا حقوق الإنسان، التعليم، التغيرات البيئية، وأوضاع النساء والأطفال.

ويعتمد التقرير على منهجية تحليلية دقيقة تستند إلى بيانات موثوقة، مما يجعله مصدراً مهماً لصناع القرار والباحثين والإعلاميين المتابعين للشأن اليمني. ويشير التقرير إلى الجمود السياسي داخل مجلس القيادة الرئاسي، حيث يعاني المجلس من خلافات داخلية، بالإضافة إلى تصاعد التوتر بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي.

وفيما يتعلق بجماعة الحوثي، يبرز التقرير سعيها لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال تصعيد الأنشطة العسكرية في البحر الأحمر. كما يوثق التقرير الاعتقالات والقمع الذي يستهدف المعارضين، خاصةً العاملين في منظمات المجتمع المدني.

اقتصادياً، يسجل التقرير تدهور قيمة العملة المحلية وزيادة الاعتماد على الدعم الخارجي، خصوصاً من السعودية. كما يلاحظ ارتفاع التضخم وأسعار السلع الأساسية، مما يؤثر سلباً على حياة المواطنين.

عسكرياً، يستعرض التقرير التوتر بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي، مع تزايد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، مما يعقد الوضع الأمني في المنطقة. ويشير إلى المخاطر الأمنية المتزايدة، مثل الهجمات الإرهابية والجريمة المنظمة.

إنسانياً، يؤكد التقرير أن أزمة اليمن تُعتبر من الأشد عالمياً، حيث تفاقم انعدام الأمن الغذائي وتسجيل انتهاكات لحقوق الإنسان.

ويختتم التقرير بتوصيات تتضمن إجراء إصلاحات اقتصادية فورية، وتعزيز الدبلوماسية لحل الجمود السياسي، وتطوير الاستجابة الإنسانية للتخفيف من الأزمات الغذائية والصحية.

 

 

مقالات مشابهة

  • لكبح قدرات الميليشيا المتمردة على استهداف الملاحة البحرية.. الطيران الأمريكي يواصل ضرباته لمراكز الحوثيين الإستراتيجية
  • اليمن يفرض معادلات جديدة لتفكيك هيمنة أمريكا في البحر الأحمر
  • مستشار الأمن القومي الأميركي يعترف: معظم حركة الشحن عبر البحر الأحمر توقفت بسبب الضربات اليمنية
  • أمريكا تكشف خسائرها جراء قرار صنعاء حظر الملاحة الأمريكية والإسرائيلية في البحر الأحمر
  • تقرير جديد يكشف واقع اليمن والتحديات المستمرة
  • صحيفة أمريكية: هزيمة الحوثي شرط أساسي لعودة ابحار سفن الشحن في البحر الأحمر (ترجمة خاصة)
  • بسبب الحوثيين.. 75% من حركة الشحن الأمريكية تتجنب البحر الأحمر
  • لهذه الأسباب عجزت أمريكا في البحر الأحمر!!
  • تقرير : البحرية الأمريكية في مأزق وجودي بالبحر الأحمر.. استنزاف غير مسبوق وتكلفة لا يمكن تحملها
  • تقرير: البحرية الأمريكية في مأزق وجودي بالبحر الأحمر