1 القرار الأمريكي الذي صدر بالأمس تجاه الرئيس البرهان كان بمثابة هدية، إذ أعلى من قدره وصعّد مكانته بين شعبه، وسرعان ما سرى هاشتاق (كلنا البرهان) في الأسافير فاشتعلت بعبارات النصرة والتأييد. وانهالت موجة كبيرة من المحبة حُظي بها الرئيس البرهان في أعقاب قرار أراد أن يهز مكانته، فثبّته في وجدان شعبه وصعّده إلى آفاق البطولة، وحصدوا هم رماد كيدهم.

خرج الرئيس البرهان بالأمس محاطا بشعبه في عطبرة مستهزئًا بقراراتهم، قائلًا: “مهما تكالبت علينا الدول والأعداء، سننتصر في النهاية.” ما قصة هذا القرار وما هي عجائبه؟
2

في الدقائق الأخيرة من عمر الإدارة الأمريكية، أفلحت جنجويدات (مولى في، فيكتوريا نولاند) – واللّتان قال عنهما د. عشاري محمد أحمد: “هم الأقانيم الثلاثة المضخّمة، الأزوال، متصنّعو البراءة والنزاهة، الفالصو، جنجويد الإمبراطورية الأمريكية الذين يدّعون أنهم يتحكمون في قرار السودانيين في بلادهم السودان” – في نثر هباء كثيف في الأجواء وهنّ يغادرن إلى العدم.
الغثاء الذي أُثير ليس له مترتبات سياسية ولا قانونية ولا اقتصادية، لا على الرئيس البرهان، ولا أحمد عبد الله، ولا أي شخص آخر. إذن، لماذا سارعت الجنجويديات بهذا القرار وهن على باب الخروج؟

السبب أنهن إنما ينتقمن لأنفسهن بسبب الفشل المزمن الذي شهدته فترتهن في إدارة بايدن، من عجز عن إحداث أي تقدم أو نجاح في الملف السوداني. ثم إنهن يسعين لوضع العصي في دواليب الإدارة الجديدة لتعجز هي الأخرى عن تحقيق أي نجاح بسبب مثل العراقيل التي خلفتها وراءهن.
3
تُرى، ما هي الأسباب التي استندت إليها إدارة بايدن في فرض العقوبات على الرئيس البرهان؟ استند القرار إلى ثلاثة أسباب:

الأول: (الفظائع الموثقة التي ارتكبتها قواته في ذلك القصف العشوائي للمدنيين). أين وكيف وما هي الجهات التي وثّقت الفظائع؟ كل اللجان الدولية كانت تتحدث عن “انتهاكات” ، ووثقت جرائم المتمردين، وهي الجرائم التي عجزت أمريكا لزمن طويل عن إدانتها.
4
الثاني: (استخدام المجاعة كسلاح حرب). شوف جنس الكذب ده! عندما ادّعت جهات أن هناك مجاعة في السودان دون أن تقدم أي دليل، سارعت الحكومة بنفي المجاعة، وأقرّت بنقص في الغذاء نتيجة لممارسات المتمردين في تهجير المزارعين ونهب أدوات الإنتاج. ولكن، رغم ذلك، فتحت الحكومة كل المطارات والمعابر لكل منظمات الإغاثة، وأصدرت أكثر من 2000 تأشيرة لموظفي وكالات الإغاثة، وسمحت بتوزيع الإغاثة في كل أنحاء البلاد، حتى تلك التي يسيطر عليها المتمردون، رغم كل المخاطر التي تحيط بالعمليات الإغاثية المشبوهة في (أدري) وخلافها. إذن، كيف عرقل الرئيس البرهان الإغاثة؟ إنه كيدهن، وكيدهن عظيم.

5
الثالث: (عرقلة جهود السلام). ويلٌ للكاذبين! كيف عرقل الرئيس البرهان جهود السلام وهو الذي سارع في أول ثلاثة أسابيع للتفاوض في منبر جدة، ووصل لاتفاق بإعلان جدة، ورفض المتمردون تنفيذه؟ وللعجب، منبر جدة من دعت له أمريكا، ومن رعته أمريكا، ومن تخاذلت عن فرض تنفيذ مقرراته أمريكا! مشكلة الرئيس البرهان أنه رفض الإذعان للأوامر الأمريكية بالذهاب فورًا إلى جنيف، وهذا ما جر عليه غضب الأمريكان وأوقعه في مكائد الجنجويديات وتابعهن وزير الخارجية بلينكن.
6
ثم انظر إلى ما قاله نائب وزير الخزانة، والي أديموا: “ستواصل الولايات المتحدة استخدام أدواتنا لتعطيل تدفق الأسلحة إلى السودان وتحميل هؤلاء القادة المسؤولية عن تجاهلهم الصارخ لأرواح المدنيين.” عجيب أمر الأمريكان، لا يتوقفون عن الكذب! كم من الأدلة قدمتها اللجان الدولية على أن الإمارات تزوّد الجنجويد بالسلاح، فلم تأبه لها أمريكا ولم تقم بأي خطوة لمنع الإمارات أو حتى تحذيرها من مواصلة دعمها للمتمردين بالسلاح!

أمس، قدمت الإدارة الأمريكية إجابتها على تساؤلات الكونغرس الأمريكي حول مواصلة الإمارات دعم الجنجويد، وللأسف كذبت على الكونغرس وقالت إن الإمارات توقفت عن إمداد المليشيا بالسلاح! ولسوء حظها، صدر التقرير الخاص16 يناير 2025 عن مختبر الأبحاث الإنسانية التابع لمدرسة ييل للصحة العامة، وهي واحدة من المؤسسات الأكاديمية الرائدة عالميًا والمعروفة بدورها في تقديم تحليلات دقيقة ومستقلة حول القضايا الإنسانية والصراعات المسلحة كشف التقرير (عن وجود طائرات مسيّرة (UAVs) متقدمة في مطار نيالا بجنوب دارفور، الذي تسيطر عليه مليشيا قوات الدعم السريع (RSF)، قامت الإمارات العربية المتحدة بتوفيرها لصالح المليشيا في الفترة بين بين 9 ديسمبر 2024 الي 14 يناير 2025.
تقرير مدرسة بيل أثبت أن الإمارات لا تزال حتى نهاية الشهر الماضي تواصل دعمها للجنجويد، ونشرت صورًا لطائرات وحاويات تحمل أسلحة بمطار نيالا!.( راجع تفاصيل التقرير فيما كتبه د. أمجد فريد في موقع الصحيفة أو أدنى هذا المقال).

هكذا ستغادر إدارة بايدن البيت الأبيض، وكل سيرتها موشّحة بالسواد وملطخة بالأكاذيب بسبب مكر الجنجويديات الفاشلات وتابعهن بلينكن.
7
ما هي النتيجة السلبية التي تمخضت عن كل تلك الاتهامات؟ مجرد هباء.. أي والله! فبحسب قرار الخزانة الأمريكية: (تجميد الأصول المملوكة لهؤلاء الأفراد والكيانات داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى منع أي تعاملات مالية أو تجارية معهم من قبل أشخاص أو شركات أمريكية). بما أن الرئيس البرهان ليس له أصول أو ممتلكات أو أموال أو معاملات تجارية في أمريكا أو في أي حتة، فهذه عقوبة عبثية لن تضره بشيء. (لن يضروكم إلا أذى).
8
ما هي النتيجة الإيجابية التي حصل عليها السودان من إعلان عقوبات على الرئيس البرهان؟ سيجعل القرار التدخل الأمريكي في ملف السودان صعبًا أو له ثمن، وهو أن تنظف الإدارة الجديدة (إدارة ترمب) ملف السودان وتلغي سخف جنجويديات إدارة بايدن. إذ يصعب أن تضع السودان في قفص الاتهام ثم تدّعي أنك وسيط نزيه.ثم لابد للإدارة الجديدة من التفريق بين التعامل مع المليشيا وتعاملها مع الدولة، إذا قدّرت أن تنشط في الملف السوداني مرة أخرى.

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الرئیس البرهان إدارة بایدن

إقرأ أيضاً:

محمد كركوتي يكتب: موانئ الإمارات من قفزة إلى أخرى

لا تهدأ التوسعات الخارجية للموانئ الإماراتية، التي تستند إلى استراتيجية شاملة، تحاكي الحراك العالمي في هذا المجال، وتتقدم على الساحتين الإقليمية والعالمية ككل. ويأتي ذلك في ظل إمكانيات هائلة يتمتع بها هذا القطاع. فالإمارات تمتلك أقوى شبكة ربط مع الموانئ البحرية على المستوى العالمي في دول المنطقة. ولأن الأمر كذلك، فقد تصدرت في السنوات الثلاث الماضية الدول العربية كلها في مجال الربط البحري مع موانئ العالم. ولأسباب عديدة أخرى، فالموانئ الإماراتية قادرة على استقطاب استثمارات عالمية كبيرة. ومن بين هذه الأسباب، تصدرها مؤشر جودة البنية التحتية للموانئ عموماً في الشرق الأوسط. فقد أظهر حراك هذا القطاع المحوري، قدرة ليس فقط على صعيد التنافسية، بل المحافظة على جودة الخدمات والعمليات عبره.
وتمكنت الإمارات في السنوات الماضية من تطوير أكبر شبكة موانئ بحرية في المنطقة، ما أسهم في قيامها بتوسعات خارجية كبيرة، بلغت قيمتها في العام الماضي 12 مليار درهم تقريباً. وهذه التوسعات شملت (كما هو معروف) 12 دولة، قامت بها كل من «موانئ أبوظبي» و«موانئ دبي». وتساهم استراتيجية متبعة تستند إلى التكنولوجيا والابتكار، بهدف تعزيز نمو القطاع، الذي يمثل محوراً مهماً في مسار النمو الاقتصادي عموماً. والتوسعات المحلية والخارجية التي يجري تنفيذها تقوم أساساً على أحدث الحلول التكنولوجية. وهذا ما يفسر نجاح الإمارات في إدارة وتشغيل موانئ في 11 بلداً، بما فيها بريطانيا والسعودية، والهند وإندونيسيا، وغيرها. وحتى في الفترة التي شهدت فيها سلاسل التوريد العالمية اضطرابات كبيرة، كانت إدارة هذه السلاسل من قبل موانئ الإمارات، تتم في أعلى معايير الجودة والأدوات المتطورة.
لا شك في أن الاستثمارات المكثفة في الموانئ البحرية بالإمارات، وفرت لها زيادة كبيرة في طاقاتها الاستيعابية، وهذا محور أساسي في كل الموانئ الناجحة عالمياً. فاستقبال السفن العملاقة والتعاطي معها بسلاسة، عزز تنافسية القطاع بقوة. فقطاعات مثل التصنيع والغذاء والتكنولوجيا والنفط والغاز والبناء وغيرها، شكلت أكثر من 64% من الطلب في السنوات الأخيرة. مسار موانئ الإمارات يمضي قدماً وفق أسس تشكل انطلاقاً تلو الآخر، نحو آفاق إقليمية وعالمية واسعة، أعطت نتائج عالية الجودة محلياً وخارجياً.

أخبار ذات صلة محمد كركوتي يكتب: الرسوم في مواجهة النمو العالمي شركات الموانئ الإماراتية تسرع وتيرة التوسعات الخارجية

مقالات مشابهة

  • ‎أمريكا تعثر على الصندوقين الأسودين للطائرة التي تحطمت في واشنطن
  • أبو بكر الديب يكتب: من نيكسون لترامب.. هل يخشى الأمريكان عملة "بريكس"
  • الخروج من صفوف المليشيا.. البرهان يلتقي وفد تنسيقية قبيلة السلامات
  • عادل حمودة يكتب: البوسطجي
  • عادل حمودة يكتب: لوحة «الحقيقة العارية» لجان ليون جيروم ١٨٩٦
  • عادل حمودة يكتب: الجيوب والقلوب
  • أحمد ياسر يكتب: "مشروع إستر" نموذج لمبادرات القمع الأمريكية
  • العقوبات الأمريكية على الإمارات: لعبة الشطرنج السياسي والدبلوماسي في السودان
  • اسرار العقوبات الأمريكية على حميدتي ومأزق الإمارات والسعودية
  • محمد كركوتي يكتب: موانئ الإمارات من قفزة إلى أخرى