* لا يخالجني أدنى شك في صدق ما تردده حكومة الجنوب بحديثها عن حرصها على علاقتها مع السودان وضرورة حماية مواطنيه المقيمين في الجنوب ومنع الاعتداء عليهم، بعد أن وقفت على حجم المخطط الشيطاني الآثم الذي يستهدف إشاعة الفوضى في الجنوب، واتخاذ الفتنة الحالية مدخلاً للانقلاب على حكومة الرئيس سلفاكير.

* معلوم للكافة أن الرئيس سلفاكير ميارديت شرع في إجراء تغييرات عديدة أقال بموجبها معظم قادة الأجهزة الأمنية في بلاده مؤخراً، بعد أن استوثق من وجود مخطط خطير يستهدف إشاعة الفوضى في بلاده ومحاولة استغلال الأزمة الاقتصادية المستفحلة للانقضاض على حكومته، فأقال الجنرال أكول كور كوك مدير جهاز المخابرات، وعيّن في مكانه الجنرال أكيم تونغ أليو (الحليف المقرب للرئيس).

* في شهر ديسمبر من العام الماضي أقدم الرئيس سلفاكير على إقالة قائد الجيش وقائد الشرطة ومحافظ البنك المركزي، وعيّن بول نانغ ماجوك قائداً جديداً للجيش، وجوني أوهيسا محافظاً للبنك المركزي، وإبراهام بيتر منيوات مفتشاً عاماً للشرطة، وقبل أيام من الآن تمت إقالة توت قلواك من منصبه كمستشار أمني وعسكري للرئيس سلفاكير.

* معلوم كذلك أن دولة الجنوب دفعت ثمن الحرب المندلعة منذ زهاء العامين في بلادنا غالياً بتوقف صادراتها النفطية عبر خط الأنابيب الذي يمر بالأراضي السودانية وصولاً إلى ميناء بورتسودان، وتسبب ذلك التوقف في فقدان دولة الجنوب لأكثر من تسعين في المائة من موارده المالية، وخلق أزمةً اقتصادية مستفحلة، سيما وأن الدولة الوليدة عجزت بسبب ذلك التوقف عن تسديد مرتبات الجيش والقوات النظامية الأخرى وكل موظفي الدولة.

* ليس لجنوب السودان أدنى مصلحة في معاداة السودان، وما تردده حكومته عن سعيها لتأمين وحماية مواطني السودان الموجودين في أراضيها صادق ولا شبهة كذب فيه، لأنها تعلم يقيناً أن الاحتجاجات التي اندلعت بادعاء تعرض عدد من مواطني دولة جنوب السودان لاعتداءات في مدينة ود مدني لم تكن السبب الحقيقي لحالة الفوضى التي حدثت في عاصمة الجنوب ومناطق أخرى.

* هناك جهات متآمرة على الجنوب تحاول الاستثمار في ذلك الحدث وتوسيع نطاقه كي تنتشر الفوضى وتعم البلاد وتسهل الانقضاض على السلطة الحالية، بتخطيط متقن وتمويل ضخم من قوى دولية وإقليمية لا يعجبها التقارب الحالي بين حكومتي جنوب السودان والسودان، وترغب في دق إسفين بين الدولتين بتوسيع نطاق الفتنة، لذلك أتى رد فعل حكومة الجنوب قوياً وعالي النبرة وحمل تحذيراً ساخناً لكل من تحدثه نفسه بمواصلة الفوضى والخروج على القانون.

* تعلم حكومة الجنوب بوجود عدد كبير من مواطنيها الذين يقاتلون في صفوف مليشيا آل دقلو الإرهابية، وتدرك جيداً أن معظم الفرق التي تشغل بطاريات المدفعية للمتمردين في الخرطوم ودارفور والجزيرة وكردفان من أبناء الجنوب، ومن قبيلة النوير على وجه التحديد، وقد وصل عدد هؤلاء (بحسب تقارير استخبارية) إلى ما يقارب الثمانية آلاف مقاتل.

* تعلم حكومة سلفاكير أيضاً بأن قادة أولئك المتمردين تلقوا وعوداً من زعيم التمرد بتسهيل إيصالهم إلى الحكم في الجنوب حال انتصاره على الجيش السوداني، وقد نجح الجيش في القبض على عدد كبير من أولئك المرتزقة وسجل اعترافاتهم وقدمها لحكومة الجنوب التي اعتذرت بأن بعض المناطق التي يتم تفويج المقاتلين منها إلى السودان شبه خارجة عن نطاق سيطرتها، وتعهدت بالاجتهاد لوقف تجنيد المقاتلين من أراضيها.

* بالطبع حاولت بعض القوى السياسية السودانية المساندة للتمرد إزكاء نيران الفتنة بتضخيم ما حدث في مدني، وتحريض الجنوبيين على الحكومة السودانية وما درت بأنها تعرض (بذلك الفعل القميء الأرعن) حياة أعداد ضخمة من اللاجئين السودانيين إلى خطرٍ داهم، وقد حظيت تلك المساعي الآثمة بدعم قوي من قوى سياسية معارضة لحكومة سلفاكير في الجنوب، تربطها علاقات تاريخيّة قوية مع جماعات اليسار السوداني ومجموعة الحرية والتغيير، وتمتلك مصلحة مباشرة في إشاعة الفرص في الجنوب للاستثمار في هشاشة الأوضاع الأمنية فيه كمدخل لإسقاط حكومة سلفاكير، لذلك أتى رد الفعل الحكومي قوياً وشمل تحذيراً عنيفاً لدعاة الفتنة ومن يحاولون إشاعة الفوضى في البلاد بأنهم سيواجهون بقوة وحزم!

* مطلوب من حكومتي (وحكماء) الدولتين عدم الانجرار إلى الفتنة والتعامل معها بحكمةٍ وتروٍ سيما وأنها تستهدف إشاعة الفوضى في دولة الجنوب لتلحق بالسودان، الذي نجحت قوى الشر في تدميره وحرقه، وقد سعدنا بحديث وزير الإعلام الجنوب سوداني مايكل ماكوي عندما تساءل عن مسببات وجود 29 مواطناً جنوبياً في مدينة ود مدني؛ وقال (ماذا كانوا يفعلون هناك)؟

* السؤال منطقي وموضعي للغاية، لأن مواطني مدينة ود مدني خرجوا منها بالملايين عقب سقوطها في يد التمرد، وكان في مقدمتهم أسرة الفنان السوداني الأشهر إبراهيم الكاشف رحمة الله عليه، فما الذي يدفع مواطنين من دولة الجنوب لدخولها والبقاء فيها ما لم تكن لهم علاقة مباشرة مع المتمردين؟

* ختاماً نذكر أن جنوب السودان مستهدف بهذه الفتنة أكثر من السودان، وأن قوى الشر التي حرقت السودان لن تترك الجنوب في حاله، ولن ترضى باستمرار حالة التنسيق العالي الذي يربط حكومتي البلدين منذ بداية الحرب، وستستمر في مساعيها الشيطانيّة لتخريب تلك العلاقة ووصولاً إلى تغيير النظام الحاكم في الجنوب، واستبداله بسلطة خاضعة طيِّعة، تفعل ما تؤمر به، وتجتهد في مساعدة متمردي السودان للخروج من الورطة التي دخلوا فيها.. وهيهات!

د. مزمل أبو القاسم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: حکومة الجنوب دولة الجنوب فی الجنوب

إقرأ أيضاً:

من نزع فتيل البارود في وجه الشماليين في جنوب السودان !

 

منتصر إبراهيم الزين

تقبل الله ضحايا العنف في جنوب السودان، والخزي للقتلة في شماله، نتيجة الأعمال الانتقامية التي راح ضحيتھا ثلاثة مدنيين في مدينة جوبا وعدد سبعة من الجرحى حسب بيان الشرطة في جوبا، وقتلى الأعمال الوحشية على يد القوات المسلحة بعد دخولھا إلى مدينة واد مدني.

في أدبيات تحليل النزاع، دائماً ما تكون الأعمال الانتقامية، نتاج تراكمات وتھيئة نفسية مسبقة وليست فجائية واستجابة لحظية كما يتبادر لدى البعض، وأحياناً لا يتم التساؤل عن كيفية حدوث الأعمال الانتقامية لأن التركيز يكون منصبا حول ھول الصدمة وتداعيات الكارثة!

تم ارتكاب مذبحة الإبادة الجماعية في حق التوتسي بموقف مسبق تم تشكيله من فترة طويلة، بخطاب كراھية وتحريض عنصري ممنھج؛ فقد كانت تبث في إذاعة الھوتو نعرات وتوصيفات ھيأت التوتسي لسلب الصفة البشرية من ضحاياھم المحتملين بإطلاق تسمية “أنينزي” أي الحشرات، وبذلك لم يكن من الصعب ارتكاب تلك الأهوال التي حفرت اسمها في سجل التاريخ!

للحقيقة يكاد المرء غير المدرك للأوضاع في جنوب السودان يشعر بالاستغراب من الأعمال الانتقامية في حق السودانيين من جانب الجنوبيين ويحق أن نتساءل: كيف استطاع الجنوبيون تجاوز مظالمھم التاريخية أثناء الانفصال ولم يشرعوا في طرد الشماليين وسلب أموالھم والانتقام منھم من تركة الحرب الأهلية، أضف إلى ذلك أن الجنوب قد انفصل وتطارده لعنات خطاب كراھية من غلواء الانفصاليين الشماليين، رغم ذلك وبينما يوفر الانفصال بعض التبرير، لكن لم نشھد أي موقف متطرف انتقامي، ونشأت أجيال جديدة بوجدان جديد، وشھدت مدينة جوبا في وقت قريب قبل أقل من أربعة شھور تلاحما كرويا في دوري أبطال الأندية الأفريقية، التي رسم الجنوبيون فيھا لوحة تضامن وتآزر منقطع النظير أعطت أملا بأن حروب السودان رغم بشاعتھا لم تستطع أن تفرق تلاحم الشعوب ووجدانھا المشترك !!!

ماذا حدث، إنه خطاب الكراھية والتھيئة المسبقة، فأبحثوا عن الفاعل!

ھناك خطاب كراھية وتحريض موجه من إعلاميين معروفين في جنوب السودان، فإذا لم تتحرك سلطات الجنوب في مواجھتهم وتحميلھم مسؤولية ما حدث، فإن الحريق سيتجاوز حدود الشماليين الجنوبيين، ليشتعل بين مكونات الجنوب نفسه، والواقع في الجنوب في منتھى الھشاشة، وتعتبر الأحداث الأخيرة مقياسا لذلك، وبداية لحريق أكبر على السلطات أن تتحسب له، وتواجهه من الآن بموقف رادع .

جوبا، مدني، حرب السودان

مقالات مشابهة

  • أوساط سياسية تتحدث عن حكومة لبنان القادمة.. 24 حقيبة وزارية والمالية بيد الشيعة
  • من نزع فتيل البارود في وجه الشماليين في جنوب السودان !
  • الإمارات ضمن قائمة الـ35 دولة التي تمتلك أكبر الأساطيل البحرية العالمية
  • شبكة أطباء السودان تحمّل حكومة جوبا مسؤولية مقتل طبيب سوداني في مدينة واو
  • سفارة السودان بجوبا تدعو السودانيين بالجنوب لتوخي الحيطة والحذر وتشيد بخطاب الرئيس سلفاكير
  • الخارجية السودانية: نُثمن خطاب سلفاكير ميارديت بشأن الأحداث المؤسفة في جوبا
  • سلفاكير يحث مواطني دولة الجنوب على ضبط النفس وعدم الإنتقام من السودانيين
  • المراكز الصحية في البقاع والجنوب اللبناني تواجه أعباء مضاعفة بعد الحرب
  • صمتت حكومة الجنوب على ألاف الضحايا الجنوبيين في المدرعات وبحري والمهندسين والفاشر وبابنوسة، فما الذي جعلها تستيقظ فجأءة ؟