غزة وصنعاء: حكايةُ الواجب والمبدأ
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
بسَّام شانع
حين تلتقي التضحية بالكرامة، تنبثق حكايات سامية تُخلَّد في صفحات التاريخ.
صنعاء وغزة ليستا مُجَـرّد مدينتين على خارطة العالم العربي، بل هما رمزٌ للثبات والصمود في وجه الطغيان.
ومع ذلك، يتساءل البعض بنبرة مُبطّنة، تُخفي تحتها نوايا مغرضة: “ما الذي استفادته غزة من مساندة صنعاء لها؟” سؤال يَحمل من الإجحاف والتشكيك أكثر مما يحمل من الموضوعية.
تخيَّلوا شجرة عتيقة، جذورها غائرة في الأرض، تتعرض لرياح عاتية تحاول اقتلاعها.
إنها شجرة اليمن التي تحمّلت الحصار والجوع، وقاومت العواصف التي لم تترك شريانًا من شرايين الحياة إلا وحاولت قطعه.
رغم ذلك، حين سمعت أنين شقيقتها فلسطين، مدت أغصانها التي بالكاد تنبض بالحياة لتغطيها من لهيب النار.
هل يُعاب على الشجرة أنها مدت ظلها رغم أوجاعها؟ أم يُمجَّد هذا الفعل كدليل على الأصالة والمروءة؟
من المفارقات العجيبة أن الذين يطرحون هذا السؤال يوجهونه نحو صنعاء وحدها، متجاهلين دولًا أُخرى تتمتع بكل عناصر القوة والاستقرار.
لماذا لا يُطالبون الدول المطلة على مضيق جبل طارق بمنع السفن الإسرائيلية من المرور؟ لماذا لا يُحمِّلون النظام المصري مسؤولية استمرار عبور سفن الاحتلال عبر قناة السويس؟ أليس الأولى بمن يعيشون في رغد العيش والأمان أن يتحَرّكوا قبل أن يُلام المُحاصر الذي بالكاد يجد قوت يومه؟
إنه لمن السخف أن يتم تجاهل الجهود الجبارة لصنعاء التي تتحدى التحالف الأمريكي البريطاني الصهيوني بكل شجاعة، بينما يتم التغاضي عن حكومات لم تحَرّك ساكنًا سوى إصدار بيانات الإدانة الخجولة.
غزة لم تحتَج إلى منافع مادية من صنعاء، بل إلى موقف يُعيد للأُمَّـة العربية كرامتها.
صنعاء قدمت ما هو أثمن من المال، قدمت موقفًا عزز الإيمان بأن فلسطين ليست وحدها.
لقد وقفت صنعاء لتقول للعالم إن الكرامة لا تشترى، وإن الشعب اليمني، رغم الجراح، قادر على إرباك حسابات أكبر القوى.
السؤال الذي ينبغي أن يُطرح ليس “ما الذي استفادته غزة من صنعاء؟”
بل “ما الذي يجب على الأُمَّــة فعله تجاه فلسطين؟” صنعاء أجابت على هذا السؤال، ليس بالكلمات، بل بالأفعال.
أما أُولئك الذين يهاجمونها، فهم إما جاهلون أَو أصحاب أجندات.
صنعاء وغزة، كجناحي طائر، ترفرفان رغم القيود، تُعلّمان العالم أن الحرية لا تُشترى، وأن الكرامة العربية، وإن غابت عن بعض العواصم، لا تزال تسكن قلوب الأحرار.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
خُط الصعيد.. حكاية «بعبع» يعود للقرين العشرين
لقب «خُط الصعيد» ارتبط بمجموعة من المجرمين الذين انتشروا في مناطق صعيد مصر، نتيجة لنشاطاتهم الإجرامية التي تخطت كافة الحدود القانونية واستغلالهم للمناطق الجغرافية الوعرة في تلك المناطق. في العصور الماضية، كانت صعيد مصر تضم العديد من القرى النائية والجبال الوعرة، التي وفرت للمجرمين أماكن آمنة بعيدًا عن رقابة السلطات.
كانت العصابات تسيطر على الطرق الزراعية الجبلية في صعيد مصر، حيث كانت هذه المناطق الوعرة ملاذًا لهم للهرب من القبضة الأمنية، ليشكلوا بذلك شبكة من الجرائم المنتشرة عبر الحدود الجغرافية بين شمال الصعيد وجنوبه. العصابات التي حملت لقب «خُط الصعيد» كانت منظمات إجرامية قوية تتضمن عمليات قتل وسرقة بالإكراه، بالإضافة إلى تجارة المخدرات، مما جعلهم يمثلون «خطًا» دائمًا من الجريمة عبر هذه المناطق. وكانت العصابات تُدار من قبل زعماء كبار يسيطرون على الجرائم بقبضة محكمة.
وبسبب قوة هذه العصابات وانتشار أنشطتها الإجرامية، أصبح «خُط الصعيد» مرادفًا للتهديد الكبير للأمن العام، وأصبح هذا اللقب يرتبط بالخوف والرهبة، خاصةً بسبب سمعة القتل الثأري والنهب التي كانت ترافقهم. كما أصبح «خُط الصعيد» رمزًا للتحدي الكبير أمام قوات الأمن في هذه المناطق، إذ كانت العصابات تتحدى السلطة الأمنية، لتصبح بمثابة خط مقاوم للقانون.
أول من حمل لقب «خُط الصعيد» كان محمد منصور، الذي وُلد في عام 1907 في قرية درنكة بأسيوط. نشأ في كنف والدته دون أن يكمل تعليمه، ولكنه اشتهر بذكائه وحيلته ودهائه، كما وصفه معاصروه. بدأت قصته عندما نشب خلاف بينه وبين شيخ الخفر في قريته، مما أسفر عن مذبحة قتل فيها بدم بارد تسعة أفراد من عائلة الشيخ انتقامًا لعمه. بعدها هرب إلى أحد جبال الغرب في أسيوط.
لم يكن محمد منصور يتمتع بقوى خارقة، لكنه استطاع أن يزرع الرعب في قلوب الناس، حتى أصبح يجرؤ على تحدي الشرطة علنًا، ويقوم بالسرقة والقتل في وضح النهار. بدأ أسطورته بعد نزاعه مع شيخ الخفر في قريته، مما أدى إلى مذبحة راح ضحيتها العديد من الأشخاص، ليصبح مطلوبًا للثأر ويهرب إلى الجبال مع أشقائه. هناك، جمع الفارين والمطاريد، وكون تنظيمًا مسلحًا يهاجم القرى ويسرق ويقتل، كما فرض الإتاوات على السكان.
تجاوزت جرائمه نطاق القرى الصغيرة، فشملت اعتراض طريق سيارات المسؤولين الحكوميين وإطلاق النار عليها، متحديًا الدولة بشكل علني. لم يكن من السهل القبض عليه، فقد تمكن من الإفلات من عدة حملات أمنية متتالية، ما جعل ثلاث حكومات متعاقبة عاجزة عن القضاء عليه. ومع تصاعد الضغط عليه، تم التخطيط لمداهمته بمساعدة الأهالي وبعض رجال الأمن السريين، وتمكنوا في النهاية من قتله بعد معركة استمرت لساعات. وبذلك سقط أول من حمل لقب "خط الصعيد"، لكن لم يكن الأخير.
اقرأ أيضاًإزالة منزل خط الصعيد محمد محسوب بالعفادرة
هارب من 191 سنة سجن.. تفاصيل القضاء على خط الصعيد محمد محسوب «عزت حنفي الجديد»
كيف قضت «الداخلية» على «خط الصعيد الجديد» وماذا عن ترسانة السلاح؟