حفلات الكشف عن جنس المولود.. لحظات سعيدة تتحول إلى كارثة
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
في عام 2008، انطلقت أولى حفلات الكشف عن جنس المولود وكان أمرا غريبا. واليوم، أصبحت تلك الحفلات شائعة للغاية، حيث يؤدي البحث السريع على موقع يوتيوب إلى ظهور مئات مقاطع الفيديو لأزواج يكشفون عن جنس طفلهم في احتفال يضم أحد اللونين، الأزرق للصبي والوردي للفتاة.
ورغم بساطة الفكرة، فإن الإفراط في استخدامها وتكلفتها وما يترتب عليها جعلها محلا للجدل.
قبل 17 عاما، احتفلت جينا كارفونيديس بحملها، ونشرت على مدونتها "هاي غلوس آند صوص"، قبل ظهور إنستغرام، مقطع فيديو يكشف عن جنس الطفل من خلال تقطيع كعكة مليئة بالكريمة الوردية. وانتشر الحدث وسرعان ما أصبحت "حفلات الكشف عن جنس المولود" اتجاها شائعا، ونسب الفضل إلى كارفونيديس في إطلاق ذلك الاحتفال.
وبعد 8 سنوات من ذلك الحدث، وصفت كارفونيديس حفلات الكشف عن جنس المولود المتزايدة، لشبكة "إن بي آر"، بأنها "كابوس".
واعتبرت كارفونيديس تلك الحفلات، التي يتشارك فيها الوالدان مع أفراد العائلة والأصدقاء خبر معرفة نوع الجنين للمرة الأولى، بأنها أصبحت "خارجة عن السيطرة"، ويرجع ذلك جزئيا إلى تكلفتها المرتفعة وإلى الأضرار الناجمة عنها.
وأشارت إلى أن تلك الحفلات قد تسبب أضرارا لأشخاص آخرين، بعدما شاهدت مقطع فيديو لحفل الكشف عن جنس المولود الذي تسبب عن غير قصد في اندلاع حريق هائل أتى على ما يقرب من 47 ألف فدان. وقالت كارفونيديس "لا نحتاج إلى الحصول على سعادتنا من خلال التسبب في الألم للآخرين. أعتقد أن هناك طريقة جديدة لإقامة هذه الحفلات وهذه الفكرة بسيطة مثل تناول الكعكة فقط".
إعلانقد تكون الأميركية كارفونيديس هي من ابتكر فكرة حفلات الكشف عن جنس المولود، لكن هذه الظاهرة تجاوزت حدود الولايات المتحدة وانتشرت عالميا. ومع انتشارها، يتعرض الآباء لضغوط متزايدة لإقامة هذه الحفلات بمجرد معرفة جنس الجنين، وغالبا ما يكون ذلك بين الأسبوع 18 والأسبوع 24 من الحمل.
لكن الضغوط لا تقتصر على إقامة الحفل فحسب، بل تشمل أيضا التباهي والمزايدة في تنظيم حفلات مكلفة تصل تكاليفها إلى آلاف الدولارات.
بعض حفلات الكشف عن نوع المولود تجاوزت حدود السلامة لتصبح مأساوية أحيانا (شترستوك)وأشارت الكاتبة والناقدة الأميركية جانيس هاريدا، في تقرير على موقع "ميديوم"، إلى أن العصر الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي يلعبان دورا كبيرا في تعزيز هذا الاتجاه. إذ تسهم منصات مثل "إنستغرام" و"تيك توك" و"بنترست" في عرض أفكار مبتكرة ومشاهد احتفالية متقنة، مما يضع الآباء تحت ضغط اجتماعي غير مباشر للإبداع والتميز لجذب الانتباه.
ويؤدي هذا السعي لتحقيق لحظة استثنائية وجذابة على وسائل التواصل الاجتماعي غالبا إلى تضخم التكاليف بشكل غير متوقع. وتشمل هذه التكاليف الديكورات الفاخرة، والمؤثرات الخاصة، والتصوير الاحترافي، وأحيانا الاستعانة بمخططي حفلات متخصصين.
في حين تتراوح تكلفة الحفلات البسيطة ما بين 250 إلى ألف دولار، أوضحت هاريدا أن بعض الحفلات قد تتجاوز تلك الحدود لتصل إلى مبالغ طائلة قد تصل إلى ملايين الدولارات، خاصة عندما يكون الهدف هو خلق لحظة استثنائية تنتشر عبر الإنترنت.
واستخدام مطور العقارات المليونير البريطاني، ستيفن هاميلتون، سيارة لامبورغيني أوروس جزءا من حفل الكشف عن جنس مولوده، مما جعلها واحدة من أبرز الأمثلة على حفلات الكشف الباهظة عالميا. ووفقا لموقع "أوتوفوليشن"، تم تغليف السيارة باللون الأزرق، وبلغت التكلفة الإجمالية للحفل، بما في ذلك تخصيص السيارة واستئجار الموقع، نحو 500 ألف دولار.
إعلانوأسهم هذا النوع من المبالغة في ازدهار سوق تجاري مخصص لتلبية احتياجات هذه الاحتفالات، حيث يتم تشجيع الاستهلاك من خلال سهولة الحصول على المنتجات عبر الإنترنت أو من المتاجر الكبرى. ببضع نقرات فقط، يمكن للوالدين اختيار مجموعة واسعة من المنتجات المصممة خصيصا لهذه المناسبات، مثل الهدايا التذكارية، ودفاتر الضيوف، وأغلفة الحلوى، والملابس المميزة التي تحمل عبارات طريفة مثل "أنا هنا فقط من أجل الكعكة" أو "فريق صبي/ بنت".
ولم يعد الأمر يقتصر على المنتجات الأساسية، بل تطورت الصناعة لتشمل زينة باللونين الوردي والأزرق، وبالونات تكشف عن جنس المولود عند انفجارها، وعروضا ضوئية، وألعابا نارية مخصصة. كما انتشرت خدمات متخصصة في تخطيط وتنظيم هذه الحفلات، مما يضيف مزيدا من التعقيد والكلفة لهذه المناسبات.
ولا تقتصر هذه السوق على تلبية الطلب فقط، بل تعكس تحول حفلات الكشف عن جنس المولود إلى صناعة مزدهرة بحد ذاتها، مدفوعة برغبة الأهل في تقديم حدث استثنائي يلفت الأنظار، سواء في الواقع أو عبر منصات التواصل الاجتماعي.
السعي لتحقيق لحظة استثنائية على وسائل التواصل الاجتماعي يؤدي غالبا إلى تضخم التكاليف بشكل غير متوقع (شترستوك) أكثر "الحفلات" كارثيةتحولت المنافسة الشديدة في تنظيم حفلات الكشف عن جنس المولود إلى ظاهرة معقدة ومكلفة، لكن بعض هذه الحفلات تجاوزت حدود السلامة لتصبح خطيرة، بل مأساوية في بعض الأحيان. من أبرز الحوادث:
1- حريق هائلفي يوليو/تموز 2021، ذكرت صحيفة الغارديان أن زوجين من كاليفورنيا وُجهت إليهما 30 تهمة جنائية لدورهما في إشعال حريق هائل بمنطقة إلدورادو عام 2020. والحريق اندلع بسبب استخدام جهاز ألعاب نارية خلال حفل للكشف عن جنس المولود، مما أسفر عن تدمير نحو 23 ألف فدان، و5 منازل، و15 مبنى آخر. كما تسبب الحريق في وفاة رجل إطفاء أثناء محاولته السيطرة عليه.
إعلان 2- تحطم طائرةفي أبريل/نيسان 2021، نقلت شبكة "إيه بي سي نيوز" حادث تحطم طائرة كانت متجهة إلى المكسيك، ويخرج منها دخان وردي للإعلان عن جنس المولود. والطائرة تحطمت وسقطت في المحيط، مما أدى إلى وفاة شخصين كانا على متنها.
3- خسائر في الأرواحفي عام 2019، شهدت ولاية أيوا الأميركية حادثة مأساوية خلال حفل للكشف عن جنس المولود، عندما استخدمت العائلة جهازا يدوي الصنع لإنتاج دخان ملون. وكان الجهاز مصمما بشكل غير آمن، فتحول إلى قنبلة انفجرت بعنف، وأدت الشظايا إلى مقتل جدة الطفل المنتظر على الفور.
وفي حادثة مماثلة بعد عامين، توفي رجل يبلغ من العمر (28 عاما) في نيويورك أثناء صنع جهاز للكشف عن جنس مولوده، حيث انفجر الجهاز بشكل مفاجئ وتسبب في إصابته القاتلة.
4- كارثة بيئية وتعويضات ماليةفي أريزونا الأميركية عام 2017، قام الضيوف بإطلاق النار على هدف مملوء بمادة "تانيرايت"، وهي مادة شديدة الانفجار. وبحسب سي إن إن، كان الهدف يحمل كلمتي "ولد" و"فتاة"، وعند انفجاره تصاعدت سحابة زرقاء، معلنة أن الجنين ذكر.
لكن الاحتفال سرعان ما تحول إلى كارثة بيئية، حيث تسببت شدة الانفجار في إشعال الشجيرات الجافة المحيطة، مما أدى إلى اندلاع حريق غابات هائل امتد إلى 47 ألف فدان، محدثا أضرارا بملايين الدولارات.
انتهى الحفل بشكل مأساوي، حيث تم تحميل المسؤولين عن الحفل تكاليف التعويضات التي تجاوزت 8 ملايين دولار نتيجة للدمار الذي لحق بالبيئة والممتلكات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات التواصل الاجتماعی هذه الحفلات
إقرأ أيضاً:
لحظات ما قبل وقف إطلاق النار.. الإبادة مستمرة وآلام الفقد أشد
الثورة /
انتظر الفلسطينيون يوم الأربعاء الماضي طويلاً أمام شاشات هواتفهم التي قارب شحنها على النفاد، وفي أماكن قليلة تتوفر فيها شاشات التلفاز بعد ورود أخبار إعلامية عن مؤتمر طال انتظارهم له، حتى أطل رئيس الوزراء القطري معلنا التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ما يعني وقف حرب الإبادة التي استمرت 15 شهراً.
فرح الناس، كبروا وهللوا، سجدوا لله شكرا، عانقوا بعضهم، خرج صبيتهم في تجمعات يهللون ويصرخون فرحا بانتهاء حرب طويلة أنهكتهم، استمر هذا الأمر ساعات وكأنها كانت السكرة، حتى جاءت الفكرة وتساءلوا عن ساعة الصفر لبدء سريان التهدئة.
تضاربت الأنباء، ومعها زادت الضربات الصهيونية الإجرامية قسوة على بيوت الآمنين وخيامهم، بل وضربت الطائرات الصهيونية ضربات أعادت لأذهان الغزيين أوقات الأحزمة النارية والضربات العنيفة في أول أيام الحرب.
ومع الوقت، عرف الناس أن الأحد الموافق 19/01/2025 الساعة الثانية عشر والربع ظهرا هو موعد سريان التهدئة، ما يعني أن لدى جيش الاحتلال متسعا من الوقت لقتل المزيد والمزيد من الفلسطينيين، وهو ما خلق فصلاً جديداً من فصول الفقد خلال هذه الحرب عنوانه شهداء ما بعد إعلان التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.
ووفق معطيات نشرها جهاز الدفاع المدني، أمس الجمعة، فقد ارتفعت حصيلة عدوان الاحتلال منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار الأربعاء الماضي، إلى 113 شهيداً، منهم 28 طفلا و31 امرأة، علاوة على إصابة 264 آخرين.
عوائل تباد وأحلام تنتهي
عائلة الفلسطيني محمد غراب “أبو عدي” كانت واحدة من العائلات التي أصبحت حكايتها مؤرخة بما بعد الإعلان عن اتفاقية وقف إطلاق النار، حيث استهدف الاحتلال منزل العائلة المكون من طابقين والواقع في أرض المفتي شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بصاروخين كبيرين، ما أدى إلى استشهاد كل من كان في المنزل.
“أبو عدي” يعمل محاسباً، لم يكن ينتمي إلى أي من الفصائل الفلسطينية المقاومة، ثبت في منزله طوال الحرب سوى من بعض الأوقات القليلة التي اضطر فيها للخروج بسبب الوضع الأمني الصعب في المنطقة.
عرفه جيرانه رجلاً مسالماً، محبا للخير، سخر كل ما يستطيع لمساعدتهم في وقت الحرب، خاصة أنه يمتلك ألواح الطاقة الشمسية، ما جعله محطة يستفيد منها كل جيرانه لشحن هواتفهم، وبطارياتهم.
“كان يستقبلنا بوجه ضاحك بشوش، لم يرفض لأي من جيرانه طلبا، كنا إذا جلسنا عنده يدق بابه الناس مرات كثيرة، فلا يتأفف يسلم هذا هاتفه بعد شحنه ويستلم من غيره بطارية وكل ذلك بابتسامته الجميلة”، يقول الجار أبو محمد.
من وجهة نظر جاره، فإن أبو عدي يستحق الاصطفاء الرباني له ليرتقي شهيدا بعد كل هذا الخير الذي قدمه للناس على مدار أيام وشهور الحرب، لكنه يستدرك بالسؤال عن الذنب الذي اقترفه ليقتل بهذه الطريقة وبهذا الكم من الحقد والإجرام.
تفتت جسد أبو عدي واثنين من أبنائه، ولم تستطع الجهات الصحية والدفاع المدني من العثور على أي آثار لجثتهم، فيما انتشلت أجزاء من جثمان زوجته، وشقيقه الذي كان عنده زائراً.
ومن ينظر إلى حالة المنزل المقصوف وهو المكون من طابقين، وكيف تحول إلى مجرد حجارة صغيرة مفتتة ومتناثرة على مساحة واسعة، يعتقد يقينا أن الجثامين تبخرت بفعل شدة القصف الصهيوني.
وبقي ثلاثة من أبناء أبو عدي لم يتواجدوا في المنزل وقت القصف أحياء، يتجرعون مرارة يتم الأب والأم، وهم الذين حلموا باستعادة حياتهم بشكل طبيعي بعد أيام قليلة، حيث يدخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
الحصاد المر
ووفق معطيات رسمية منشورة، فإن حرب الإبادة الجماعية على غزة، خلّفت أكثر من 25 ألف طفل يتيم الأب أو الأم أو كليهما.
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية، إن حرب الإبادة الجماعية على غزة تسببت في تسجيل أكبر حصيلة ضحايا من المدنيين في العالم.
وفي اليوم الـ469 للعدوان الصهيوني على قطاع غزة ارتفعت الحصيلة إلى 46,876 شهيدا و 110,642 جريحاً.
ورغم هذا الإجرام الذي يأبى أن يتوقف، فقد صبر الشعب الفلسطيني وثبت في أرضه، وأفشل كل مخططات تهجيره وتطهيره عرقيا، وانتصر بصموده وأفشل كل مؤامرات الاحتلال، فانتصر بذلك رغم الدمار الهائل والفقد المهول الذي لا تفيه لغة الأرقام حقه.
*المركز الفلسطيني للإعلام