لجريدة عمان:
2025-01-31@09:20:30 GMT

خريطة طريق للعمل الاجتماعي 3/3

تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT

نستكمل في هذه المقالة الجزء الثالث من مناقشة موضوع البرامج والسياسات التي يمكن من خلالها رصد حركة المجتمع، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للتقليل من آثار وتداعيات المشكلات الاجتماعية، والحد من الظواهر الاجتماعية الناشئة. حيث استعرضنا في الجزء الأول من المقالة الهواجس الرئيسية الخمسة التي يجب أن تركز عليها السياسات الاجتماعية المستجدة، وناقشنا في الجزء الثاني تحديات (المعرفة بالمجتمع) وبيئة البيانات والمعلومات وصيغ البحث في سياق رصد حركة المجتمع في سلطنة عُمان؛ غير أننا في هذا الجزء سنحاول وضع بعض البرامج والسياسات المقترحة للتعامل مع الحالة الاجتماعية الراهنة.

ولنبدأ في سؤال رئيس: ما هي المشكلات الاجتماعية (القصوى) التي تؤثر في حركة المجتمع اليوم في سلطنة عُمان؟ والواقع أنه عند طرح هذا السؤال قد تتباين الإجابات؛ نظير ثلاثة عوامل رئيسية: أولها قدرة المستجيب أو المؤسسة على التحصل على بيانات (حية) حول حركة المجتمع، وتحديث تلك البيانات. والثاني يتمثل في القدرة على التقاط الصورة الكلية لحركة المجتمع، من غير تضخيم أو تقزيم في المشكلة أو الظاهرة الناشئة نتيجة مناقشتها مناقشة عرضية. والثالث يتصل بمدى جودة التحليلات والبحوث التي تحول البيانات الكمية (الظاهرية) إلى معنى في سياق البحث والتحليل الاجتماعية.

في تقديرنا ينبغي اليوم التركيز على أربعة نطاقات للمشكلات الاجتماعية في المجتمع العُماني: المسائل المتصلة بتكوين الأسرة (الزواج - الطلاق - مسائل الإعالة الاقتصادية والقدرة عليها - جودة التربية الأسرية - الاتجاهات المتغيرة للإنجاب)؛ هذا النطاق يشكل أساسًا لمختلف المشكلات الاجتماعية الناشئة التي يمكن في حالات كثيرة أن تكون مصدرًا لمشكلات أكثر تعقيدًا في الحالة الاجتماعية. النطاق الثاني من المشكلات التي نعتقد بأنها ذات أهمية قصوى هي المشكلات المرتبطة بآثار السياسات الاقتصادية والمالية (المسرحين من أعمالهم - الباحثين عن عمل - كفاية وكفاءة منظومات الدعم لتلبية احتياج الفئات الأكثر احتياجًا)؛ هذا النطاق من المشكلات يشتبك مع أساسات مهمة لعمل الدولة، ويؤثر على مقدار ثقة المجتمع بالسياسات الحكومية، وعلى المدى البعيد -ما لم توجد له معالجات جذرية- سيؤثر على مدى تفاعل المجتمع مع حركة التنمية عمومًا. أما النطاق الثالث من المشكلات القصوى فهي مشكلات التغير الاجتماعي (تغير المفاهيم التربوية اختلال بعض أنماط القيم المجتمعية - سطوة وسائل التواصل الاجتماعي على تكوين المفاهيم والمنظومات الفكرية للأفراد - ضعف دور مؤسسات وعوامل الضبط الاجتماعي - تقلص الحوار بين الأجيال)؛ السيطرة على هذا النطاق من المشكلات هي المهمة (الأصعب) بالنسبة للمؤسسات والسياسات الاجتماعية؛ كونه يتشكل وفق أطر فكرية ومفاهيم ويرتبط بالاتجاهات الفردية بشكل رئيس، ويتأتى دور تقاطعي على المؤسسات الاجتماعية في توجيهه والتعامل معه. النطاق الرابع من المشكلات الاجتماعية يتصل بمشكلات تتأتى من مصادر مختلفة ومتباينة، وتختلط فيها العوامل المسببة لنشوء هذه المشكلات، كما تختلف تداعياتها ومنها (أنماط الجرائم الناشئة - النزعة الفردية وتأثيرها على التضامن الاجتماعي - مشكلات الثقافة المالية - الاستهلاك التفاخري). هذه في تقديرنا النطاقات الرئيسة التي تتضمن جملة من المشكلات الاجتماعية ذات أهمية قصوى للنقاش ضمن حركة المجتمع وتغيراته.

أما بالنسبة للبرامج والسياسات المقترحة فنرى ضرورة الآتي:

- أن يتوسع الإعلام في تعزيز مساحات البرامج المعنية بالشؤون الأسرية، والمساحات في البرامج التي تقدم المفاهيم الصائبة للزواج الناجح، وتصحيح المعتقدات الخاطئة لدى المقبلين على الزواج، وأرباب الأسر، كما نرى بضرورة أن تقدم نماذج الأسرة الناجحة ضمنيًا في المادة الإعلامية وترسخ من خلال تلك الضمنيات المفاهيم المرادة لشكل الأسرة المرغوب في المجتمع العُماني.

- نكرر دعوتنا لضرورة عقد المختبر الاجتماعي، وهو مختبر وطني يجمع المؤسسات والمختصين والخبراء والباحثين لمناقشة الحالة الاجتماعية والتعمق فيها على مدار مكثف، والخروج ببرامج عمل تطبيقية واضحة لمعالجة المتفق عليه من المشكلات الاجتماعية.

- تأسيس مبادرات لـ (دعم التماسك الأسري) على مستوى المحافظات، وتعنى بتمكين الأسر وحمايتها في حالات الاحتياج الأقصى؛ كحالات فقدان القدرة المالية نتيجة ظرف مفاجئ، أو حالات المرض العضال لأحد أفرادها، أو حالات نشوء أية مشكلات قد تؤثر على تماسكها واستمراريتها.

- تمكين الحوار بين الأجيال عبر آليات مؤسسية مستدامة، هذا الحوار من شأنه أن يقود إلى نقل الخبرة والإرث والضمانات القيمية عبر الأجيال، ويؤكد استدامتها، شريطة أن يكون هذا الحوار جذابًا لكلا الجيلين، وحيويًا في مواضيعه وأطروحاته.

- وضع برامج وطنية تستثمر في الحوافز القائمة على علم السلوك لتحفيز الزواج، والدخول في برامج تدريبية تتصل بالتهيئة له، وإجراء الفحوصات الطبية المسبقة له، ثم تحفيز الإنجاب المقرون بالتربية السليمة، وتحفيز متابعة الأبناء، والتطوع في الفعاليات العائلية. شريطة أن تكون مثل هذه الإجراءات ضمن برنامج وطني منسق ومتسق يحدد توجهات الدولة لما تريده من شكل للأسرة والمجتمع والحالة الاجتماعية.

هذه أفكار متفرقة، ويبقى أن كل مشكلة اجتماعية لها خصوصيتها في الحل واقتراح البرامج، غير أن هناك ثلاثة رهانات لنجاح أي برنامج أو سياسة اجتماعية في المرحلة الحالية حسب تقديرنا: أولا: أن تكون مبنية على بيانات موضوعية وذات جودة وكفاءة ودورية منتظمة - لا أن تكون بيانات ظاهرية مجتزأة -، ثانيا: أن تكون منسقة ومتسقة قطاعيًا بحيث أن لا تقترح مؤسسة ما برنامجًا يعارضه في مقاصده برنامج أو سياسة في قطاع أو مؤسسة أخرى، ثالثًا: أن تكون جاذبة للمجتمع ومتسقة مع تحولات أنماط التفكير لأفراده، فحملات التوعية وخدمات الإرشاد العام وحدها اليوم لا يمكن أن يراهن عليها لتكون حلولًا جذرية للمشكلات الاجتماعية.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المشکلات الاجتماعیة حرکة المجتمع من المشکلات أن تکون

إقرأ أيضاً:

الهاشمي: نواصل مبادرات تعزيز التماسك الاجتماعي لتحقيق «رؤية القيادة»

أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة 1.25 مليار درهم سيولة «سوق أبوظبي» والمؤشر بالمنطقة الخضراء مكتوم بن محمد: الإمارات وجهة عالمية للاستثمار والابتكار المالي عام المجتمع تابع التغطية كاملة

في إطار إعلان القيادة الرشيدة عام 2025 «عام المجتمع»، سلط اتحاد الجوجيتسو الضوء على دوره الرائد في تعزيز التلاحم والتماسك المجتمعي من خلال المبادرات والبرامج المتنوعة، التي تعتمد بشكل أساسي على الأسر كنواة للمجتمع وأهمية حضورها وتأثيرها في المشهد بالنسبة للاعبين واللاعبات.
ويحرص الاتحاد طوال العام على تنظيم بطولات وفعاليات تستهدف مختلف فئات المجتمع، ما يسهم في تعزيز التفاعل المجتمعي، والتشجيع على اتباع نمط حياة صحي.
ومن أبرز هذه الفعاليات، بطولة خالد بن محمد بن زايد للجوجيتسو، التي انطلقت العام الماضي، وتُقام جولاتها في مختلف إمارات الدولة، بمشاركة فئات عمرية متنوعة تبدأ من 4 سنوات فما فوق، وتهدف هذه البطولة إلى تعزيز المشاركة المجتمعية والتبادل الثقافي، وترسيخ قيم التلاحم المجتمعي، من خلال توفير أجواء فريدة ومميزة تتيح للعائلات والأسر الاستمتاع بالبطولة، وتشجيع أبنائهم وبناتهم، وتحفيزهم لتقديم أفضل ما لديهم.
ويقول عبدالمنعم السيد محمد الهاشمي، رئيس اتحاد الجوجيتسو: «الإعلان عن 2025 عاماً للمجتمع، فرصة لإبراز دور رياضة الجوجيتسو في دعم التلاحم المجتمعي، فهي تمثل أسلوب حياة يعكس قيم الوحدة والتعاون، ونسعى من خلال فعالياتنا وشراكاتنا مع المؤسسات الوطنية، إلى بناء مجتمع صحي نشط يضع الأسرة في صلب اهتماماته، ونواصل تطوير مبادرات تعزز التماسك الاجتماعي بما يتماشى مع رؤية القيادة الرشيدة».
وأعلن الاتحاد أنه في إطار الشراكات المجتمعية، يرتبط الاتحاد باتفاقيات تعاون وثيق مع العديد من مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص، وإحدى تلك المؤسسات دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، التي تسهم بدور بارز في دعم الفعاليات الرياضية، ومن أبرز أوجه هذا التعاون، إنشاء «الحي الرياضي» ضمن بطولات الجوجيتسو، والذي يمثل منصة مجتمعية مبتكرة تجمع بين الرياضة، والترفيه، والثقافة، ما يعزز التلاحم الاجتماعي ويشجع أفراد المجتمع على تبني أسلوب حياة صحي، بالإضافة إلى ذلك، يواظب الاتحاد على تنظيم مبادرات ملهمة بالتعاون مع العديد من مؤسسات المجتمع المدني، مثل مبادرة توزيع سلال الإفطار خلال شهر رمضان المبارك، ما يعكس التزام الاتحاد بخدمة المجتمع، ويسلط الضوء على القيم النبيلة التي تنطوي عليها رياضة الجوجيتسو، وأبرزها التماسك والتلاحم المجتمعي، فضلاً عن فريق أوسس التطوعي، الذي تأسس تحت مظلة اتحاد الإمارات للجوجيتسو، ويقدم خدماته ومبادراته لخدمة المجتمع في مختلف الفعاليات والمناسبات الرياضية والمجتمعية.
كما يقوم اتحاد الجوجيتسو بدور ريادي مهم في تنظيم مسابقات لفئة الباراجوجيتسو من أصحاب الهمم، ما يعكس شمولية رياضة الجوجيتسو، وجهود الاتحاد لتحفيز الجميع على ممارستها ونشرها بين مختلف شرائح المجتمع.

مقالات مشابهة

  • ليبيا – باشاآغا: تصاعد السلوكيات المنحرفة يهدد النسيج الاجتماعي ويتطلب حلولًا جذرية
  • الاطلاع على سير تنفيذ مشروع شق طريق في مديرية الجميمة بحجة
  • فتح طريق التحدي أمام حركة المرور للعائدين إلى الخرطوم
  • الصوفي يطلع على سير تنفيذ مشروع شق طريق في مديرية الجميمة بحجة
  • الهاشمي: نواصل مبادرات تعزيز التماسك الاجتماعي لتحقيق «رؤية القيادة»
  • انطلاق المؤتمر الإقليمي للرعاية البديلة ودور التنمية المستدامة.. «الحماية الاجتماعية للأطفال والشباب والتمكين الاجتماعي والاقتصادي والاستدامة وبناء مؤسسات معاصرة» أبرز المحاور
  • السيدة الأولى لكينيا تزور وزارة التضامن الاجتماعي بالعاصمة الإدارية وتطلع على برامج الحماية الاجتماعية
  • أمير الجوف يستقبل وكيل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للضمان الاجتماعي والتمكين المكلَّف
  • خولة السويدي: عام المجتمع يجسد رؤية القيادة الرشيدة في تعزيز التلاحم الاجتماعي
  • خولة السويدي: عام المجتمع يجسد رؤية القيادة في تعزيز التلاحم الاجتماعي