تساؤلات حول مصير اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة.. مسار هش للسلام وسط انقسامات عميقة.. الدماء والأرض والسياسة على المحك بعد أكثر الصفقات تعقيداً فى التاريخ
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعد أربعمائة وستة وستين يوماً من هجوم حماس ورد إسرائيل القاتل، ربما تكون المدافع قد سكتت أخيراً. ومع ذلك، فإن تداعيات الحرب تمتد إلى ما هو أبعد من المشهد المدمر في غزة، حيث تغيرت الديناميكيات الإقليمية والعالمية بطرق لم يكن أحد يتوقعها.
تعتبر هذه الحرب أطول وأشد صراع عسكري تخوضه إسرائيل، حيث تمثل أعلى تركيز للدمار في قطاع غزة الذي يبلغ طوله ٢٥ ميلاً.
واقع سياسى جديد
وسط الأنقاض، هناك أمل هش في أن يمهد وقف إطلاق النار الطريق لاتفاق سلام دائم وربما دولة فلسطينية، وهي الفكرة التي بدت ذات يوم بعيدة المنال بشكل لا يمكن تصوره.. لقد أجبرت الحرب على إعادة تقييم التحالفات الجيوسياسية القائمة منذ فترة طويلة، مما دفع حتى الدول الغربية إلى الإشارة إلى تحولات في السياسة.
لقد اختبر سلوك إسرائيل أثناء الحرب تحالفاتها، وخاصة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وفي حين استمرت هذه العلاقات، إلا أنها كانت متوترة إلى حد كبير. كما تحدت الحرب مفهوم القانون الإنساني الدولي ذاته. في قرار تاريخي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع آنذاك يوآف جالانت. بالنسبة لمؤيدي المحكمة الجنائية الدولية، كانت هذه لحظة فاصلة، مؤكدة أن القانون الدولي ينطبق على الجميع، وليس فقط القادة من الجنوب العالمي. ومع ذلك، بالنسبة لإسرائيل وحلفائها الغربيين، اعتبرت هذه الخطوة شائنة، مما أثار الشك في مصداقية الغرب.
الصدمات العالمية
لقد تجاوزت عواقب الحرب الشرق الأوسط إلى حد كبير، حيث أثرت على المشهد السياسي في الولايات المتحدة. وهناك أدلة مهمة على أنها أضعفت دعم جو بايدن بين الناخبين الديمقراطيين. وقد ادعى ترامب، المعروف بأسلوبه غير المتوقع، الفضل بالفعل في التوسط في وقف إطلاق النار، ووصفه بأنه أول إنجاز كبير في ولايته الثانية من قبل أن تبدأ. ولكن هذا الترتيب المعقد والهش يعكس إراقة الدماء عميقة الجذور، والنزاعات الإقليمية، والاضطرابات السياسية التي حددت الصراع بين إسرائيل وغزة. وحتى مع تكشف المراحل الأولى من الاتفاق، فإن شبح الاضطرابات السياسية يلوح في الأفق.. يُعتقد أن حماس والفصائل المسلحة الأخرى في غزة تحتجز ٩٨ رهينة، بما في ذلك رفات ما لا يقل عن ٣٦ فردًا أكدت السلطات الإسرائيلية مقتلهم. وفي الوقت نفسه، يُحتجز أكثر من ١٠ آلاف فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وكثير منهم بدون اتهامات رسمية أو محاكمة أو تقنين وضعهم.
تبادل مدروس
تعبر الطبيعة المرحلية للاتفاق عن حالة عدم اليقين الكبيرة المحيطة بالسلام الطويل الأمد وإحجام الجانبين عن الالتزام بحل نهائي. تشهد الأسابيع الستة الأولى من الاتفاق إطلاق سراح الرهائن المدنيين الإسرائيليين على مراحل، وفي المقابل، ستفرج إسرائيل عن حوالي ١٠٠٠ سجين فلسطيني - ٣٠ لكل رهينة مدنية إسرائيلية و٥٠ لكل جندية إسرائيلية يتم تحريرها.
وبحلول اليوم السادس عشر، تبدأ المفاوضات حول الجانب الأكثر إثارة للجدال في الاتفاق: "الهدوء المستدام". هذه العبارة، التي تعد تعبيراً دبلوماسياً ملطفاً لوقف إطلاق النار الدائم، تواجه بالفعل مقاومة من داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل. وإذا استمرت جميع المراحل كما هو مخطط لها، فسوف تنسحب القوات الإسرائيلية بالكامل من غزة بحلول الأسبوع الثاني عشر. لكن المرحلة الأخيرة والأكثر صعوبة ستكون إعادة إعمار غزة، وهي العملية التي من المتوقع أن تستغرق أكثر من عقد من الزمان، مع إشراف مصر وقطر والأمم المتحدة على المراحل المبكرة.
الاعتبارات الإقليمية
الولايات المتحدة، في عهد الرئيس القادم دونالد ترامب، لديها مصالح استراتيجية في استقرار المنطقة، بينما تبدو المخاطر الجيوسياسية عالية. في حين كانت إسرائيل تاريخيا الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، فإن إدارة ترامب القادمة تضغط بشكل متزايد على إسرائيل للحد من الأعمال العدائية. كما يحث اللاعبون الإقليميون إسرائيل على خفض التصعيد إذا كانت ترغب في الحفاظ على دعمهم.
في نهاية المطاف، يهدف الاتفاق إلى إرساء الأساس للديمقراطية والتعاون الاقتصادي والسلام الطويل الأجل، على غرار عملية المصالحة التي شهدتها أيرلندا الشمالية. ومع ذلك، فإن الانقسامات السياسية العميقة والتطرف الإيديولوجي وحجم الدمار الهائل في غزة تشكل عقبات كبيرة أمام تحقيق الاستقرار الدائم.
يقدم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بصيصًا من الأمل، لكنه يظل مسعى محفوفًا بالمخاطر. ويعتمد نجاح الاتفاق على الجهود الدبلوماسية المستدامة والإرادة السياسية وقدرة الجانبين على مقاومة الاستفزازات التي قد تعيد إشعال العنف. وكما أظهر التاريخ، فإن أي مسار نحو السلام في المنطقة محفوف بعدم اليقين، وستختبر الأشهر المقبلة قدرة جميع الأطراف المعنية على الصمود، ذلك أن تأثير الحرب بين إسرائيل وحماس سوف يستمر في الظهور خارج حدود غزة. ومع تفكك تحالفات إسرائيل، وتحول ميزان القوى في الشرق الأوسط، وتغير المشهد السياسي العالمي، فإن التأثير الطويل الأمد لهذه الحرب سيستمر في تشكيل التاريخ لسنوات قادمة. وسوف يواجه المجتمع الدولي معركة شاقة في معالجة الأزمات الإنسانية والسياسية التي خلفتها الحرب.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: إسرائيل غزة وقف إطلاق النار فی غزة
إقرأ أيضاً:
لبنان تحت نيران الغارات وتصعيد داخلي ضد حركة فلسطينية
بين هدير الطائرات الإسرائيلية فوق بلدة حولا، وتحذيرات المجلس الأعلى للدفاع في بيروت، تتأرجح الساحة اللبنانية على حافة تصعيد خطير، في وقت يمدّ فيه الخليج العربي، وتحديداً الإمارات، يد الدعم للدولة اللبنانية عبر أفق تعاون استثنائي، وفي خضم هذا المشهد المتشابك، يبرز اتفاق وقف إطلاق النار كخط دفاع هش بين حرب محتملة وسلام مأمول.
ففي تصعيد جديد، أصيب خمسة مواطنين بجروح جراء غارة نفذتها طائرة مسيّرة إسرائيلية استهدفت غرفتين مسبقتي الصنع قرب محطة وقود في بلدة حولا، جنوب لبنان، حيث تأتي الغارة رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 نوفمبر الماضي، الذي نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية وتولي الجيش اللبناني مسؤولية الأمن، بالتعاون مع “اليونيفيل”.
لبنان يحذر “حماس”.. لا نسمح بتهديد أمننا القومي
وجّه المجلس الأعلى للدفاع اللبناني تحذيراً شديد اللهجة لحركة “حماس”، متهماً إياها باستغلال الأراضي اللبنانية لشن عمليات قد تمسّ بالأمن القومي.
جاء ذلك عقب توقيف عدد من عناصر الحركة في مخيمات عدة ضمن حملة أمنية واسعة، وسط تحقيقات تشير إلى روابط مع مخطط أُحبط في الأردن.
وبناءً على تقارير أمنية، بدأ الجيش اللبناني تنفيذ خطوات تهدف لإنهاء نشاط “حماس” المسلح في الجنوب اللبناني، شملت مصادرة أسلحة وتقييد حركة المسلحين داخل المخيمات، لا سيما في صيدا وصور، والتحقيقات متواصلة بحق الموقوفين على خلفية إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل في مارس الماضي.
في السياق، اعتبر كبير مستشاري الرئيس ترامب، مسعد بولس، أن اتفاق وقف إطلاق النار كرّس سيادة الدولة اللبنانية ونزع سلاح “حزب الله”.
وأكد أن الجيش اللبناني مطالب ببسط سلطته على كامل الأراضي، لا فقط جنوب الليطاني، مشيداً بتعاون بايدن وترامب في تحقيق هذا “الإنجاز الأمني”.
وكان اختتم الرئيس اللبناني، جوزيف عون، زيارته الرسمية الأولى إلى الإمارات، مؤكداً على “الحفاوة والتفاهم العميق” مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد.
ونتج عن الزيارة اتفاقات في مجالات الأمن والتنمية، تشمل إنشاء مجلس أعمال مشترك، وزيادة التنسيق الدبلوماسي، ومشاركة الإمارات في تقييم مشاريع تنموية بلبنان.
يذكر أنه ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024 وحتى مطلع مايو 2025، قُتل ما لا يقل عن 68 شخصاً في لبنان نتيجة الغارات والضربات الإسرائيلية المتواصلة، معظمهم من المدنيين.