الجزيرة:
2025-02-07@00:35:46 GMT

العلاقات المصرية التركية في مسارها الجديد

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

العلاقات المصرية التركية في مسارها الجديد

يمثل التقارب المصري التركي الأخير تأكيدا جديدا على أن كثيرا من دول العالم أصبحت تقتنع أكثر فأكثر بأن الأزمات السياسية والاقتصادية العميقة التي تعانيها -خصوصا تلك التي أعقبت الحرب في أوكرانيا- من الصعب جدا الوصول إلى تسوية مريحة لها، ما لم يسبق ذلك اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية إستراتيجية كانت إلى وقت قريب تبدو غير ممكنة ومن الصعب القبول بها.

في هذا السياق، يمكن فهم التطورات الأخيرة في العلاقات المصرية التركية، فبعد قرابة 12 سنة من التوتر والقطيعة والتنافر في المواقف والتوجهات حيال الملفات الإقليمية والدولية، يبدو أن الدولتين في طريقهما نحو تجاوز ذلك والدخول في مرحلة جديدة من العلاقات تستجيب للضرورات الاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية، التي تفرضها متطلبات البيئة الدولية الحالية بكل ما فيها من براغماتية تتجاوز كل ألوان الخطوط، بما فيها اللون الأحمر المعبر عن اللاممكن والمستحيل، وبطريقة يتم فيها تحقيق أكبر قدر من التفاهمات الممكنة وإعادة ترتيب أولويات الملفات الخلافية وتهميش أو تجاهل ملفات كانت إلى وقت قريب حجر عثرة في طريق تطبيع العلاقات فيما بينهما.

هنا يبرز الملف الليبي بوصفه أحد أهم الملفات التي يتوقع أن تتحول من ملف صراع إلى ملف فيه كثير من الفرص والمصالح السياسية والاقتصادية، وقد يؤدي التفاهم والتنسيق حوله إلى نقلة كبرى في شكل وطبيعة العلاقات البينية للبلدين، وستمتد تأثيرات ذلك لتشمل الإقليم كله، بل والمحيط الدولي.

فحجم التدخل الإقليمي والدولي في الملف الليبي يجعل من التقارب المصري التركي حوله مثارا لقلق قوى أخرى قد تسعى -في إطار حماية مصالحها- إلى إعاقة أي خطوات مشتركة تقوم بها البلدان هناك. ويتوقع كثيرون أن تشهد الزيارة المرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا الإعلان رسميا عن هذه السياسة المشتركة في الملف الليبي التي تطوي صفحة كل خلاف سابق.

هناك زوايا فهم كثيرة قد تفسر بها أي تطورات محتملة في التعاون المصري التركي، فبالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية المتفاقمة التي يمر بها البلدان، خاصة مصر التي هبطت عملتها النقدية إلى مستويات قياسية وتسيطر على اقتصادها معدلات متزايدة وغير مسبوقة من التضخم، فإن التطورات الأخيرة على الساحة السودانية وما ترتب عليها من دخول البلاد في صراع مسلح دامٍ منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي ولا تبدو في الأفق المنظور فرصة لانتهائه سلميا أو عسكريا؛ هذا الصراع خلق حالة مشابهة للحالة الليبية في الخاصرة الجنوبية للدولة المصرية، الفاعل الرئيس فيها قوى إقليمية نافذة.

يبدو أن ما تمر به مصر من ظروف اقتصادية خانقة والإرهاق الذي تعانيه دبلوماسيتها في إدارة الملفين الليبي والفلسطيني قد جعلاها مضطرة إلى إعادة صياغة خارطة تحالفاتها الإقليمية والدولية وفق رؤى جديدة تفسح الطريق أمام بناء علاقات مع تركيا تتجاوز الأزمات القائمة وتراجع شبكة التحالفات مع قوى إقليمية أخرى، لا سيما أن تقارير ذات مصداقية قد أظهرت أن تلك القوى الإقليمية تنتهج سياسات ظاهرها التعاون والتنسيق مع مصر، لكنها لا تتحرج -سرا- أن تأخذ مواقف تتعارض بشكل واضح مع المصالح العليا للأمن القومي المصري في ليبيا وإثيوبيا والسودان وفي منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

ربما لا تسمح كثافة الغيوم وغابة الخطوط الاستخباراتية المتشابكة في ليبيا بقراءة رصينة وواقعية لحقائق الوضع في ليبيا، وما قد تسمح به من فرص مشتركة للتعاون المصري التركي، ولكنها على الأقل أمدت صانع القرار -المصري تحديدا- بخبرة كافية تتيح بلورة سياسة أكثر نجاعة مع الأزمة السودانية التي تشبه إلى حد كبير نظيرتها في ليبيا من حيث سياقها العام وحجم التدخل الإقليمي والدولي.

معطى آخر يجب أن ننتبه إليه عند الحديث عن العلاقات المصرية التركية هو أن البلدين أصبحا يدركان أن الوضع الإقليمي والدولي أصبح أكثر براغماتية. فمع مرور العالم بأزمة اقتصادية وتداعيات ما بعد جائحة كورونا وتعقيدات الحرب الروسية الأوكرانية، يصبح من الضروري تجاوز العقبات السابقة والسعي نحو تفاهمات مشتركة اقتصادية وسياسية وأمنية.

والتطورات الحالية في العلاقات السعودية الإيرانية المبنية على أساس قراءة جديدة للواقع المعقد تساعدنا في توقع أن تكون العلاقات المصرية التركية تتجه نحو مرحلة جديدة عنوانها تصفير المشكلات التي شابت علاقاتها مع دول الجوار الإقليمي المهمة.

وأسهم الفوز الأخير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية، وما أعقبه من مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليكون أول مهنئيه، في مزيد من تهيئة الأجواء لدخول المرحلة الجديدة، وسيكون التتويج العملي لهذه المرحلة في الزيارة المرتقبة للرئيس المصري إلى تركيا، والتي كانت مقررة في الأصل يوم 27 يوليو/تموز الماضي ثم تأجلت لموعد لم يحدد بعد في أغسطس/آب أو سبتمبر/أيلول 2023.

ستثبت الأسابيع القادمة إذا ما كانت "البراغماتية" ستحدد المسار المستقبلي للعلاقات المصرية التركية أو أن القوى الإقليمية النافذة التي تخشى تداعيات هذا التقارب ستنجح في إفشاله أو إعاقته.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المصری الترکی فی لیبیا

إقرأ أيضاً:

بعد تهنئة السيسي.. تعرف على تاريخ العلاقات المصرية الغانية

 

العلاقات المصرية الغانية.. تصدرت محركات البحث خلال الساعات القليلة الماضية وذلك تزامنًا مع اتصال الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم بنظيره الغاني، الرئيس جون دراماني ماهاما، لتهنئته بفوزه في الانتخابات الرئاسية وتوليه المنصب للمرة الثانية.

وأعرب السيسي عن حرص مصر على تعزيز العلاقات الثنائية مع غانا في مختلف المجالات، مشيرًا إلى أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وتوسيع نشاط الشركات المصرية في غانا.

من جانبه، أعرب الرئيس ماهاما عن تقديره لمصر وأكد رغبة بلاده في تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، التعليم، والأمن، بالإضافة إلى التنسيق في القضايا الإفريقية المشتركة،كما تم التأكيد على أهمية التعاون بين الدول الإفريقية لتعزيز الاستقرار والتنمية في القارة.

 

تاريخ العلاقات المصرية الغانية

تعتبر العلاقات المصرية الغانية من أقدم وأعمق العلاقات الثنائية في القارة الإفريقية، وقد مرت هذه العلاقات بعدد من المراحل التي تعكس التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين البلدين، الذي يرتكز على التاريخ المشترك والرؤى المشتركة لإفريقيا.

تعود جذور العلاقة بين مصر وغانا إلى العصور القديمة، حيث شهدت بعض الدراسات التاريخية وجود تواصل بين الحضارات المصرية القديمة وحضارة شعوب الآكان، التي تشمل الشعب الغاني، وكان هناك تشابه ثقافي وديني بين مصر الفرعونية وشعوب غرب إفريقيا، وهو ما ألقى بظلاله على العلاقات الحالية بين البلدين.

مرحلة ما قبل الاستقلال: التعاون الثقافي والديني

قبل استقلال غانا، كانت العلاقات المصرية الغانية تتمحور حول التعاون الثقافي والديني، حيث أثرت الحضارة المصرية على العديد من الثقافات الإفريقية، بما في ذلك ثقافة شعوب غانا. ووجد الباحثون أوجه شبه في النقوش الدينية في غرب إفريقيا وفي بعض الطقوس الجنائزية والتصورات الروحية بين المصريين القدماء وشعوب غرب إفريقيا.

مرحلة الاستقلال: تدعيم العلاقات السياسية

في الخمسينيات من القرن الماضي، شهدت العلاقات بين مصر وغانا تحولات كبيرة، إذ كان للزعيم المصري جمال عبد الناصر دور مهم في دعم استقلال الدول الإفريقية.

وقد أقام الزعيم الغاني كوامي نكروما علاقات وثيقة مع مصر خلال تلك الفترة، حيث كانت غانا من أوائل الدول الإفريقية التي نالت استقلالها في عام 1957.

 في هذه الفترة، كانت مصر تعتبر من أهم حلفاء غانا في النضال ضد الاستعمار، وساهمت مصر بشكل فعال في دعم غانا في مواجهة الاستعمار البريطاني وتقديم الدعم الفني والتعليم في مختلف المجالات.

وقد برزت الصداقة بين نكروما وعبد الناصر، حيث تبادل الزعيمان الزيارات وعملا معًا على تعزيز التعاون بين مصر وغانا في شتى المجالات. كما قدمت مصر الكثير من الدعم الفني لغانا، خاصة في مجالات التعليم والتدريب الفني، وكان هذا التعاون محورًا أساسيًا في بناء قدرات غانا الحديثة بعد الاستقلال.

مرحلة السبعينيات والثمانينيات: استمرار التعاون

استمرت العلاقات بين مصر وغانا قوية في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، رغم التغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة، واصل البلدان تعزيز التعاون في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية، وفي هذه الفترة، كان من المهم ملاحظة التبادل المستمر في القيم الأفريقية المشتركة والدعوة للوحدة الإفريقية عبر محافل مثل منظمة الوحدة الإفريقية.

مرحلة التسعينيات والألفية الجديدة: تعزيز التعاون الاقتصادي

منذ التسعينيات، شهدت العلاقات المصرية الغانية تطورًا ملحوظًا على المستوى الاقتصادي، حيث أصبحت مصر وغانا تعملان على تعزيز التجارة والاستثمارات بين البلدين.

نظمت مصر العديد من الفعاليات الدبلوماسية والاقتصادية لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين، كما كانت غانا واحدة من الدول التي استفادت من المبادرات المصرية في مجال التعاون الفني وبناء القدرات من خلال "الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية".

العلاقات الحديثة: تعاون مستمر وتطلعات للمستقبل

في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين مصر وغانا نموًا ملحوظًا، حيث تم عقد العديد من الاجتماعات بين كبار المسؤولين في البلدين، تم توجيه اهتمام خاص لتوسيع التعاون التجاري والاستثماري، وخاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتعليم.

وقد لعبت الشركات المصرية دورًا مهمًا في تطوير قطاع البنية التحتية في غانا، حيث ساهمت في مشاريع الطرق والموانئ والطاقة.

كما أن مصر وغانا ملتزمتان بالعمل المشترك من أجل تعزيز السلام والأمن في القارة الإفريقية، ويعملان على حل الأزمات الإقليمية عبر الحوار والتعاون، بما يخدم مصالح شعوب القارة.

العلاقات الثنائية في محافل إقليمية ودولية

على الصعيد الإقليمي والدولي، تتعاون مصر وغانا في العديد من المنظمات الإفريقية والدولية مثل الاتحاد الإفريقي ومنظمة الأمن والتعاون الإفريقي، كما تجمع بين البلدين علاقات قوية في إطار مجموعة الـ77 وحركة عدم الانحياز.

وتحرص مصر وغانا على تعزيز هذه التعاونات من خلال تبادل الرؤى حول القضايا الإفريقية المشتركة مثل مكافحة الإرهاب، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الاستقرار السياسي في القارة.


في النهاية تستند العلاقات المصرية الغانية إلى أسس تاريخية وثقافية عميقة، ويعكس التعاون الثنائي بين البلدين رغبة قوية في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية.

تعد مصر وغانا نموذجًا للتعاون الإفريقي الفعال، مما يعزز من مكانة القارة على الساحة الدولية ويدعم تطلعات الشعوب الإفريقية نحو التنمية والازدهار.

مقالات مشابهة

  • الخارجية تتسلم نسخة من أوراق اعتماد سفير الجمهورية التركية الجديد
  • فيدان: العلاقات التركية السورية ستكسب زخماً كبيراً خلال المرحلة القادمة
  • أخبار جنوب سيناء.. الاحتفال بمرور 100 عام علي العلاقات المصرية التركية.. وطائر البلشون على شواطئ طور سيناء
  • 7 تصريحات مهمة جمعت العلاقات السياحية والأثرية المصرية التركية
  • بعد تهنئة السيسي.. تعرف على تاريخ العلاقات المصرية الغانية
  • محمد بن زايد ومحمد بن سلمان يؤكدان أهمية الحفاظ على الاستقرار الإقليمي
  • في ذكرى وفاتها.. نادية لطفي أيقونة السينما المصرية التي لا تغيب (بروفايل)
  • وزير الخارجية يلتقي نظيره التركي لبحث العلاقات الثنائية
  • وزير الخارجية التركي: العلاقات المصرية التركية باتت أقوى من أي وقت مضى
  • الخارجية تحتفل بمرور 100 عام على إقامة العلاقات الدبلوماسية المصرية التركية