لجريدة عمان:
2025-02-21@11:52:10 GMT

ذكرى سقوط زنجبار.. دروس وعبر

تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT

في الذكرى الحادية والستين لسقوط زنجبار وانتهاء الحكم العُماني لها التي وافقتْ الأسبوع الماضي يتساءل المرء في قرارة نفسه: ماذا لو كان النقل المباشر للأحداث في القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي منتشرًا بكثافة في الثاني عشر من يناير 1964 كما هو اليوم؟

ماذا لو أننا شاهدنا مذبحة العُمانيين هناك كما نشاهد اليوم مذبحة أهلنا في غزة على الهواء مباشرة؟ هل كانت أشياء كثيرة ستتغير؟ هل كان محمد فايق؛ المسؤول عن الملف الإفريقي في مصر سيمتنع عن إيقاظ جمال الناصر لإخباره برسالة أحمد اللمكي؛ سفير زنجبار في القاهرة الذي طلب إبلاغ الزعيم الكبير بالنبأ، بحجة أن القضية لا تستحق إقلاق نوم عبدالناصر؟ وهل كان الزعيم المصري سيصدّق وهو يرى القتلى العرب في كل حدب وصوب زعْم مستشاره أن هذه ثورة أهل البلاد الأصليين ضد الغريب الذي يحكمهم! وليست انقلابًا؟ وأن مطالب «الثائرين» اجتماعية وليست أكثر من ذلك؟ كثير من هذه الأسئلة دارت في رأسي وأنا أستحضر في داخلي أن نظرية «ماذا لو» هذه، هي التي تعيد كتابة التاريخ من جديد.

الفرق بين الحرب وجرائم الإبادة التي تجري اليوم في غزة، ونظيراتها قبل ستين عاما هو في النقل المباشر؛ فرغم أن مذبحة العُمانيين وثّقها مصوّر إيطالي في فيديو بالصوت والصورة، إلا أن هذا الفيديو ظلّ حبيس الأدراج ما لا يقل عن ثلاثين سنة، قبل أن يراه العالم أجمع، ويشهد على مذبحة وصفها الباحث العُماني ناصر الريامي في كتابه «زنجبار شخصيات وأحداث» بأنها «من أسوأ مذابح القرن العشرين»، فقد راح ضحيتها آلاف العُمانيين، الذي جرى قتلهم على الهُوية، ونُهبتْ بيوتهم ومزارعهم ومتاجرهم.

هذه الذكرى الجديدة لسقوط زنجبار تحمل هذا العام طعما مختلفا؛ لأنها تأتي للمرة الأولى من دون وجود سلطان زنجبار على قيد الحياة، فقد رحل السلطان جمشيد بن عبدالله؛ آخر سلطان عُماني في زنجبار قبل ثلاثة أسابيع فقط (في 30 ديسمبر 2024)، بعد أن قضى سنواته الأخيرة هنا في مسقط، وكان قد قضى ما يزيد على نصف قرن من حياته في منفاه في بريطانيا.

والمفارقة أنه رغم هذا العمر المديد الذي تجاوز خمسة وتسعين عامًا، لم يُقيَّض له أن يحكم زنجبار كدولة مستقلة إلا ثلاثة وثلاثين يومًا فقط، وقد روى عنه الريامي في كتابه (وكان قد أجرى معه مقابلة شخصية في منفاه البريطاني عام 2006) أنه كان لديه حدس قويّ وهو يغادر زنجبار على متن باخرة أن ذلك هو خروجه الأخير منها، وأنه حين كان ينظر من الباخرة إلى قصر الحكم الذي بناه جدّه السيد سعيد بن سلطان تولد لديه إحساس أن تلك كانت آخر نظرة له لذلك القصر.

أذكر أنني قبل أحد عشر عامًا خصصتُ حلقة كاملة مدتها ساعة من البرنامج الإذاعي «المشهد الثقافي» بمناسبة الذكرى الخمسين لسقوط زنجبار، واستضفتُ فيها في الاستوديو الزميل الكاتب زاهر المحروقي، الذي كان -ولا يزال- من أكثر من يكتب عن الوجود العُماني في شرق إفريقيا، وسرد لي أن المقدمات الحقيقية لما حدث كانت قبل ثلاث سنوات من سقوط زنجبار، وتحديدًا في عام 1961، في الانتخابات البرلمانية التي أجريتْ في زنجبار ذلك العام، حيث ارتكب الحزب الأفروشيرازي المناهض للوجود العماني والعربي في زنجبار جرائم قتل أدت إلى انتشار الفوضى في الجزيرة، وكأنها كانت «بروفة» لما سيحدث بعد ثلاث سنوات.

أما ماذا حدث في الثاني عشر من يناير من عام 1964 فقد عاد زاهر بالأحداث عدة أيام إلى الوراء، تقريبا ليلة الثامن من يناير أو التاسع منه، حين انتشرت شائعات في جزيرة زنجبار أنّ الأفارقة المناوئين للعرب يدبّرون أمرًا ما بترتيب من الحزب الأفروشيرازي، وقد أحسَّ العُمانيون أنّ شيئًا ما سيحدث كما حدث في عام 1961، فالتزموا بيوتهم ومزارعهم. وهنا يوجِّه زاهر إصبع الاتهام -كما كثيرين- إلى المؤامرة البريطانية، فكل ما حدث كان بتحريض عملاء بريطانيا على العُمانيين الذين اتهمهم هؤلاء العُملاء باستعباد الأفارقة واغتصاب الحكم منهم، متناسين أن السلطان جمشيد وأباه وجدّه ولدوا أصلًا في زنجبار وترعرعوا فيها، فهم زنجباريّون أبا عن جد، وليسوا غزاة كما هم البريطانيون. عدا ذلك، فإنه قبل الأحداث بقليل استبعد قائد الشرطة الإنجليزي في زنجبار نوابه من العُمانيين، ونقلهم إلى أماكن نائية، منها جزيرة بيمبا (الجزيرة الخضراء)، ومنهم بالذات نائب قائد الشرطة، ثم أغلق عنهم مخازن الأسلحة ومنعهم من التحرك، لأنه كان على علم أنّ شيئًا ما سيحدث في ذلك اليوم بالذات. هناك روايات تقول إنه حدث إطلاق نار مساء السبت (الحادي عشر من يناير)، ولكن الأمور هدأت في تلك الليلة، وتوهم الناس أنها مجرد مناوشات. غير أنه في صبيحة يوم الأحد 12 يناير 1964 وقعت المجزرة، وسقطتْ زنجبار.

وإذا كنّا نستعيد هذه الذكرى كل عام بكثير من الحزن والأسى فإنه لا ينبغي أن تكون مجرد استعادة لألم الماضي، بل فرصة للتعلم وبناء مستقبل أقوى وأكثر استقرارًا، حيث يصبح التاريخ درسًا للأجيال القادمة في كيفية الحفاظ على التاريخ المجيد ومنجزاته. ومن أهم هذه الدروس التي نتعلمها مما حدث عام 1964 أهمية الوعي بالتحولات السياسية، فقد رأينا كيف كانت قراءة الحكومة العُمانية للواقع السياسي في زنجبار في ذلك الوقت ضعيفة، ولم يكن لديها الاستعداد المفترض لمواجهة التحديات المتصاعدة. كما نتعلم أيضًا أهمية التوثيق وحفظ التاريخ، فقد ترك الإهمال في توثيق التاريخ العُماني في زنجبار، وفي شرق إفريقيا بشكل عام، مجالًا لتشويه الحقائق، والافتراء على العُمانيين ودورهم المهم هناك. وأظن هذا ما انتبه له في السنوات الأخيرة باحثون وشهود عيان ممن عاشوا تلك الحقبة وعايشوها في زنجبار وشرق أفريقيا، وقد بدأتُ شهادات هؤلاء المتأخرة وكتبهم عن هذه المرحلة تتوالى ولله الحمد، وأن تبدأ متأخرًا خيرٌ من ألا تبدأ أبدًا.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الع مانیین فی زنجبار الع مانی من ینایر ما حدث

إقرأ أيضاً:

في ذكرى ميلاده.. أسرار في حياة يوسف فخر الدين

يوسف فخر الدين يعد واحدًا من أشهر الفنانين في السينما المصرية، حيث قدم العديد من الأعمال السينمائية والتى ظهر فيها بدور الشاب الوسيم والمدلل .

يوافق اليوم ذكرى ميلاد يوسف فخر الدين وهو الشقيق الأصغر للفنانة مريم فخر الدين، وقد كانت بوابة العبور بالنسبة له إلى عالم الفن .

ولد الفنان يوسف فخر الدين فى حي مصر الجديدة فى 15 يناير 1935 لأب مصري وأم مجرية.

تعرّض يوسف فخر الدين لعديد من الأزمات فى حياته أهمها دخوله فى اكتئاب حاد بعد وفاة زوجته نادية سيف النصر عام 1974 في حادث سيارة، وقرر بعدها الابتعاد لفترة عن السينما ثم هاجر في نهاية السبعينيات إلى اليونان وتزوج هناك من سيدة يونانية وعمل في اليونان موظف استقبال في أحد الفنادق ثم انتهى به الحال بائع للإكسسورات في محل خاص بزوجته اليونانية، ودفن الراحل هناك فى مقابر زوجته، وسافرت شقيقته الفنانة مريم فخر الدين لحضور مراسم الدفن.

كانت الفنانة الراحلة مريم فخر الدين تَكبُر أخاها الأصغر يوسف فخر الدين بـ 4 سنوات، وتلك السنوات كافية لتفهم الطفلة الصغيرة مشاعر الغيرة، التي أصابتها فور ميلاد شقيقها الأصغر، فبدأت أولى مشاعر الغيرة، حين وُلد الصغير وأخذوا سريرها الخاص لينام فيه المولود، وذهبت هي للنوم في غرفة والدها.

وقالت مريم فخر الدين فى أحد حوارتها إنها عند إصابتها بمرض السعال الديكي وتنبيه الطبيب على والديها بعدم اقترابها من المولود، كانت تذهب إليه ليلاً وتكح ، حتى يُصاب بالمرض ويموت.

ولكن حين بلغت الفنانة الراحلة مريم فخر الدين الـ 18 عاما، وتزوجت من محمود ذو الفقار، وفي أحد الأيام تعرض والدها لحادث كبير، نُقل على أثره إلى المستشفى، وقبل وفاته، أمسك يدها، ويد شقيقها الأصغر يوسف، وقربهما من بعضهما البعض، ومن هذه اللحظة تحركت داخلها مشاعر الحب، والمسئولية تجاه يوسف.

أصبحت مريم فخر الدين تعامل شقيقها الأصغر يوسف وكأنه مسئول منها تمامًا، وكانت دائمًا تحقق كل رغباته، معبرة عن ذلك في أحد اللقاءات التليفزيونية: «دلعته دلع مرئ»، وعلى الرغم من أن والدتهما كانت قاسية عليه، وملتزمة، وأوصتها قبل سفرها ألا تتركه يشرب الخمر، ويخرج مع نساء، إلا أنها لم تسمع كلمة والدتها وتركته يفعل ما يحلو له.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى ميلاده.. سر اسم المنتصر بالله وأبرز محطاته الفنية
  • سفارة المملكة في تونس تقيم حفل استقبال بمناسبة ذكرى يوم التأسيس
  • قريـنة رئيـس إقلـيم زنجـبار تطلـع عـلى برامـج مؤسـسات الشـارقـة
  • في ذكرى ميلاده.. أسرار في حياة يوسف فخر الدين
  • في ذكرى ميلاده.. محطات في حياة جمال إسماعيل
  • الشهيد السيد حسن نصر الله في دروس ومحاضرات الشهيد القائد
  • خالد الجندي: الثقة في القيادة من أهم دروس تحويل القبلة
  • جواهر القاسمي تستقبل السيدة الأولى لإقليم زنجبار
  • الشيخة جواهر تبحث التعاون مع السيدة الأولى لزنجبار
  • اشتباكات خلال مباراة لكرة قدم في زنجبار بأبين