النفط في جنوب السودان شريان الحياة الاقتصادية مهدد بالانسداد
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
سلطت الحرب السودانية المستعرة منذ قرابة العامين الضوء على قطاع النفط في دولة جنوب السودان التي صارت من "ضحاياها الجانبيّين" مع تصاعد المواجهات بين طرفي الحرب، وتعرض البنية التحتية النفطية لأضرار جسيمة مما أدى إلى توقف تصدير النفط الجنوب سوداني لقرابة 10 شهور.
وتعد الصناعة النفطية شريان حياة الاقتصاد في جنوب السودان بمساهمة تبلغ 90% من عائدات الدولة، غير أن هذا الاعتماد المفرط على هذا القطاع جعل البلاد عرضة للتقلبات الاقتصادية والسياسية المرتبطة بهذه السلعة العالمية.
يمتلك جنوب السودان كمية كبيرة من احتياطات النفط المؤكدة تضعه في المرتبة الثالثة أفريقيا، وفي عام 2020 بلغ إجمالي تلك الاحتياطات نحو 3.5 مليارات برميل معظمها غير مستغل بسبب ضعف البنية التحتية وقلة الاستثمارات، ومؤخرا أعلن وزير النفط بوت كانج شول أن بلاده ستستأنف إنتاج النفط الخام بمعدل يصل إلى 90 ألف برميل يوميا.
وقد شهد هذا الرقم في السابق تذبذبا كبيرا، إذ بلغ الإنتاج ذروته في 2011 مع الانفصال عن السودان بـ350 ألف برميل يوميا، لينخفض لاحقا إلى 148 ألفا عام 2015، في حين بلغ 150 ألفا قبل اندلاع الحرب السودانية في أبريل/نيسان 2023.
إعلانووفقا لتقرير صادر عن "موردر إنتلجنس"، وهي مؤسسة مختصة بدراسة الأسواق، فإن هذا التفاوت يعزى إلى مجموعة من العوامل، يأتي على رأسها الحرب الأهلية المستمرة وعدم الاستقرار السياسي، اللذان قوّضا قدرة البلاد على الوصول إلى ذروة الإنتاج، حيث يشكل انخفاض ثقة المستثمرين والوضع الأمني عقبات كأداء أمام قدرة الحكومة على تعزيز إنتاج النفط الخام.
تتركز حقول النفط في شمالي الدولة، وتتوزع المخزونات النفطية على مجموعة من الكتل من أهمها الموجودة في حوض ملوط الذي يحتوي حقولا رئيسية كبالوج وتقدر احتياطاته بـ900 مليون برميل، وكتل حوض مجلد وتتضمن حقول الوحدة وهجليج وتوما، والكتلة 5 وأهم حقولها ثارجات ومالا.
وتنشط في جنوب السودان مجموعة من الشركات الأجنبية العاملة في مجال الصناعة النفطية، ومن بين اللاعبين الرئيسيين في هذا السوق شركة النيل للبترول، وشركة أكون للتكرير المحدودة، وشركة البترول الوطنية الصينية، وشركة بتروليام ناسيونال بيرهاد (بتروناس) وغيرها.
ويتضمن القطاع النفطي في جنوب السودان عددا من المصافي المهمة التي تعمل على تكرير التفط الخام، ومن أبرزها مصفاة بانتيو في ولاية الوحدة الغنية بالنفط، والتي تهدف إلى إنتاج 10 آلاف برميل يوميا، وفقا لتصريحات أيان مالونج نائب المدير العام ومدير إدارة المصب في مؤسسة النيل للبترول.
وبلغت تكلفة بناء المصفاة 100 مليون دولار، وهي واحدة من خمس مصاف من المقرر أن تبلغ طاقتها التكريرية الإجمالية المخطط لها 127 ألف برميل يوميا لتغطية احتياجات السوق المحلية والإقليمية.
وتعتمد البلاد الحبيسة على السودان في تصدير إنتاجها النفطي عبر خطين، يمتد أحدهما بطول أكثر من 1500 كيلومتر من حوض ملوط في ولاية أعالي النيل إلى ميناء بشائر السوداني على ساحل البحر الأحمر، في حين ينقل خط أنابيب آخر النفط من ولاية الوحدة إلى الميناء ذاته.
يمثل القطاع النفطي العمود الفقري للاقتصاد في دولة جنوب السودان منذ إعلان انفصالها عام 2011، ويشكل النفط حوالي 98% من إجمالي الإيرادات الحكومية، و60% من الناتج المحلي الإجمالي، والمصدر الرئيسي للنقد الأجنبي، وهو واقع يواجه العديد من التحديات:
إعلان أحد أهم التحديات التي تواجهها الصناعة النفطية في جنوب السودان تتمثل في البنية التحتية الضعيفة التي تؤثر على القدرة الإنتاجية. اعتماد الدولة الحبيسة على جارتها الشمالية السودان لتصدير إنتاجها، مما يجعلها عرضة لتداعيات التوترات السياسية بين البلدين وتكاليف نقل عالية بلغت في بعض المراحل قرابة 25 دولارا لكل برميل. جانب آخر من التحديات أنتجته حالة عدم الاستقرار الأمني والحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات، والتي دمرت البنية التحتية، كما أنها دفعت المستثمرين إلى الإحجام عن الانخراط في السوق النفطي للبلاد. الفساد وانعدام الشفافية يشكلان تحديا آخر لا يقل خطورة، حيث يشير تقييم صادر عن مؤسسة "جاين إنتجريتي" لتقديم الاستشارات حول الأسواق إلى أن صناعات الموارد الطبيعية والاستخراجية في جنوب السودان تعج بالفساد، حيث سمح سوء الإدارة لموارد البلاد النفطية لكبار المسؤولين داخل الحكومة باستنزاف الأموال دون عقاب، وقد اتهم الرئيس سلفاكير ميارديت عام 2012 عددا كبيرا من المسؤولين بسرقة 4 مليارات دولار من الخزينة العامة.ويبدو أن الحال لم يتغير كثيرا بعد أكثر من عقد من الزمان، إذ صنف تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية جنوب السودان ضمن قائمة الدول الأكثر فسادا، وفقا لمؤشر مدركات الفساد الصادر عنها لعام 2023، وهي عتبة لم تبتعد عنها كثيرا، وفقا للمؤشر نفسه، بين عامي 2013 و2023.
الاعتماد الكبير لاقتصاد جنوب السودان على القطاع النفطي يحمل في طياته العديد من المخاطر يأتي على رأسها تقلبات أسعار الخام في الأسواق العالمية والتي تلقي بظلالها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي خاصة الفقراء والفئات الضعيفة، وقد أشار تقرير للبنك الدولي إلى أن 76% من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر الوطني عام 2022.
إعلانمن جانب آخر، فإن تحول جنوب السودان إلى دولة تعتمد على الريع النفطي يعيق تطوير القطاعات الاقتصادية الأخرى في ظل غياب الخطط الكفيلة بالانتقال نحو سياسات التنويع الاقتصادي، كما أنه يخلق العديد من التحديات المرتبطة بالتنمية المستدامة مع صعوبة توجيه عائدات النفط نحو خدمة هذا الهدف.
الواقع البيئي كان أحد المتضررين من التلوث المرتبط باستخراج النفط والذي أثر بشكل كبير على جودة المياه والهواء والتربة متسببا في أضرار صحية وبيئية للمجتمعات المحلية.
كما أن ضعف البنية التحتية للصناعة النفطية في البلد واعتماده على السودان في التصدير لا يبقي اقتصاد البلاد رهينة للعلاقات بين الخرطوم وجوبا فقط، بل يرتبط أيضا بالاستقرار الأمني في الجارة الشمالية وفي البحر الأحمر.
هذا الواقع الهش تجلى بشكل واضح مع اندلاع الحرب في السودان التي أدت تداعياتها إلى توقف انسياب قدر كبير من النفط من جنوب السودان إلى ميناء بشائر السوداني للتصدير على البحر الأحمر، حاملاً معه خسارة للخزينة في جوبا، قدّرها الخبير الاقتصادي السوداني محمد إبراهيم بـ100 مليون دولار شهريا.
على إثر ذلك صرح وزير المالية أوو دانيال تشوانج بأن الحكومة سوف تجد صعوبة في دفع رواتب الموظفين بسبب العجز في الإيرادات، في حين تراجع سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار، مما أدى مباشرة إلى ارتفاع تكاليف الحياة في دولة تستورد كل شيء تقريبا من الخارج.
إجراءات حكوميةفي مواجهة التحديات والمخاطر السابقة، اتخذت الحكومة عددا من الخطوات منها إدخال المناقصات التنافسية لمنح امتيازات النفط بدلاً من المنح المباشرة، مما يؤدي إلى زيادة الشفافية في هذا القطاع، كما تعمل جوبا على جذب تمويل المانحين والاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
على المستوى البيئي، عمدت الحكومة إلى إجراء تدقيق بيئي لقياس الأضرار التي لحقت بالأرض والمجتمعات المحلية، مع التأكيد على التطبيق الصارم لقوانين مثل قانون البترول لعام 2012، الذي يتطلب الامتثال لمعايير الصحة والسلامة البيئية في عمليات استخراج النفط.
إعلانكما تخطط جوبا لإنشاء أنبوب نفط إلى جيبوتي عبر إثيوبيا، في خطوة من شأنها إيجاد حلول لأزمة توقُّف صادرات النفط عبر السودان، حيث ناقش سيلفاكير ميارديت مع رئيس شركة البترول الوطنية الصينية داي هوليانغ إنشاء هذا الخط لتعزيز قدرات التصدير لتوسيع الاستخراج في المربعين 3 و7.
ورغم أن هذه الإجراءات تهدف إلى معالجة تحديات مثل الشفافية وجذب الاستثمار وتطوير القطاع والحد من الآثار البيئية، فإن هناك العديد من المخاطر الماثلة بما في ذلك عدم الاستقرار الأمني، والعجز عن كبح الفساد الذي ينخر اقتصاد الدولة في ظل وجود طبقة سياسية وبيروقراطية منتفعة، والحاجة الملحة إلى إدارة أكثر فعالية للشركات المملوكة للدولة في قطاع النفط.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی دولة جنوب السودان فی جنوب السودان البنیة التحتیة برمیل یومیا العدید من النفط فی
إقرأ أيضاً:
جيش جنوب السودان يستعيد بلدة رئيسية من الجيش الأبيض
قال جيش جنوب السودان إنه استعاد بلدة مهمة في ولاية أعالي النيل، كان قد فقد السيطرة عليها خلال مارس/آذار الماضي لحساب ما يعرف بـالجيش الأبيض، في اشتباكات أدت إلى اعتقال ريك مشار النائب الأول للرئيس وتفاقم أزمة سياسية.
وقال المتحدث باسم جيش جنوب السودان لول رواي كوانج في بيان صحفي إنهم تمكّنوا من استعادة بلدة " ناصر" التي وصفها بالتاريخية، مشيرا إلى أنهم تمكنوا من تجنب كمين في ثولوك بفضل الدعم الجوي المصاحب، وأضاف "جرى رصدهم أثناء تجمعهم وأطلق عليهم النار ثم تفرقوا".
وفي المقابل قال المتحدث باسم الجيش الأبيض هونسون تشول جيمس، إنهم نفذوا انسحابا تكتيكيا، مضيفا أن 17 شخصا قُتلوا خلال قصف عنيف على قرية ثولوك.
ويتهم أنصار الرئيس سلفاكير ميارديت قوات مشار بإشعال الاضطرابات في بلدة ناصر، بالتعاون مع ما يعرف بالجيش الأبيض، الذي يضم مقاتلين من عرقية النوير التي ينتمي إليها مشار. وفي الفترة ذاتها، اعتقلت سلطات جنوب السودان عددًا من الشخصيات السياسية والعسكرية المقربة من مشار، وفُرضت عليه الإقامة الجبرية.
والرئيس سلفاكير ميارديت جزء في حكومة تقاسم سلطة مضطربة مع مشار، منذ أن أنهى اتفاق سلام أُبرم في 2018 حربا أهلية بين مقاتلين موالين لكل منهما أودت بحياة مئات الآلاف.
إعلانوأثار وضع مشار رهن الإقامة الجبرية، لاتهامه بمحاولة إثارة تمرد من خلال دعمه المزعوم لجماعة الجيش الأبيض المسلحة في أعالي النيل، مخاوف دولية من تجدد الصراع على أسس عرقية.
وزار الرئيس الأوغندي يوويري كاجوتا موسيفيني نظيره كير في وقت سابق من الشهر الجاري، بعد نشر جيشه للمساعدة في تأمين جوبا، عاصمة جنوب السودان، وسط تصاعد التوتر السياسي.
ويقول قائد قوات الدفاع الأوغندية الجنرال موهوزي كينيروجابا، وهو أيضا نجل موسيفيني، إن قواته قتلت منذ ذلك الحين 1500 مقاتل من جماعة الجيش الأبيض، التي قاتلت إلى جانب قوات مشار في الحرب الأهلية.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، بدا أن حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان -بزعامة مشار- بدأ في الانقسام، وأعلن أحد الفصائل أنه استبدل مشار مؤقتا في رئاسة الحزب، بينما أكد الجناح المسلح أنه لا يزال مواليا لزعيمه المعتقل.