لماذا ندعم الجيش السوداني؟
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
محمد تورشين
يتبادر إلى أذهان الكثيرين من المهتمين بالشأن السوداني، سواء كانوا سياسيين، أكاديميين، أو متابعين عامةً، سؤال محوري: لماذا ندعم الجيش السوداني؟ الإجابة عن هذا السؤال تُعد المفتاح لفهم طبيعة الأزمة الراهنة، خصوصًا بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، والتي جاءت نتيجة محاولة فاشلة من قوات الدعم السريع للسيطرة على السلطة.
هناك من يرى أن الإسلاميين كانوا السبب في إشعال هذه الحرب، إلا أن استخدام مصطلح “الإسلاميين” يبدو فضفاضًا وغير دقيق. الحركة الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في عام 1989 تعرضت لانقسامات متتالية منذ مطلع الألفية، مما يجعل من الصعب اختزالها في كيان واحد. قد يكون لبعض المجموعات المرتبطة بالنظام السابق دورٌ في تأجيج الأزمة، ولكن القضية أعقد من ذلك بكثير. ما يحدث في السودان هو جزء من مشروع “الثورات المضادة”، حيث إن نجاح الثورة السودانية يشكّل تهديدًا مباشرًا لمصالح قوى إقليمية ودولية تدعم قوات الدعم السريع، وعلى رأسها الإمارات. نجاح الثورة يعني سيادة السودان على موارده الاقتصادية، خصوصًا الذهب، وتحقيق استقلال سياسي واقتصادي يعيد تشكيل الدولة السودانية، مما يضعف نفوذ تلك القوى.
إلى جانب ذلك، هناك أطراف إقليمية ودولية تسعى إلى إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السودانية لتتناسب مع أجنداتها، وهو ما لم يكن ممكنًا تحقيقه في ظل أوضاع طبيعية. هذا المخطط، الذي أُعد له منذ فترة طويلة، يشكّل أحد الأسباب الرئيسية للحرب.
دعم المؤسسة العسكرية السودانية في هذه المرحلة ليس خيارًا، بل ضرورة وطنية للحفاظ على وحدة الدولة السودانية وتماسكها. فالجيش لا يمثل مجرد قوة عسكرية، بل يُعد العمود الفقري للدولة، خاصةً في ظل ضعف المؤسسات المدنية الأخرى. يمتلك الجيش القوة والسلاح والنفوذ اللازم لحماية كيان الدولة، وهو ما يجعله الطرف الوحيد القادر على مواجهة مليشيا الدعم السريع، التي أثبتت أنها تعمل خارج إطار الدولة وتسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب استقرار البلاد.
أما الحديث عن دمج الدعم السريع في الجيش السوداني، فقد كان ممكنًا في مراحل سابقة عندما كانت إمكانيات المليشيا محدودة، إلا أن تأجيل هذه الخطوة بسبب حسابات سياسية أو مخاوف داخلية أدى إلى تعقيد المشهد. اليوم، لا يمكن الحديث عن عملية انتقالية حقيقية في ظل تعدد الجيوش، ولا يمكن المضي في أي تسوية سياسية دون إنهاء هذه الظاهرة.
المرحلة الانتقالية في السودان يجب أن تكون قصيرة ومحددة المهام. أولى هذه المهام هي ترسيم الدوائر الانتخابية وإجراء انتخابات لمجلس تأسيسي يتولى مناقشة القضايا الدستورية وتنظيم الانتخابات الرئاسية والفيدرالية لاحقًا. الفيدرالية تُعد الحل الأمثل للسودان نظرًا لتنوعه الجغرافي والعرقي، حيث يمكنها معالجة الكثير من التحديات التاريخية. كما يجب أن تشمل الإصلاحات إعادة بناء المؤسسة القضائية لضمان نزاهة المحاكم وقدرتها على محاسبة كل من ارتكب جرائم فساد أو انتهاكات ضد الشعب السوداني.
دعم الجيش السوداني في الوقت الحالي لا يعني دعمه للاستمرار في السلطة بعد انتهاء الحرب. دوره يجب أن يقتصر على إنجاز المهمة العسكرية الحالية، وبعد ذلك يتوجب على قياداته التنحي وترك المجال للقوى السياسية لإدارة شؤون الدولة. استمرار الحرب ضد قوات الدعم السريع قد يكون مكلفًا وقاسيًا، ولكنه الخيار الوحيد المتاح لتحقيق استقرار البلاد واستعادة سيادتها. أي حديث عن الإبقاء على الدعم السريع كما كان قبل 15 أبريل 2023 مرفوض تمامًا، وسيؤدي إلى تعقيد المشهد أكثر مما هو عليه الآن.
ختامًا، دعم الجيش السوداني في هذه المرحلة الحاسمة هو خيار استراتيجي للحفاظ على وحدة البلاد، تمهيدًا لبناء نظام ديمقراطي تعددي يحقق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة. السودان بحاجة إلى جيش موحّد ومؤسسات قوية قادرة على مواجهة التحديات وإعادة البلاد إلى مسارها الصحيح إقليميًا ودوليًا.
باحث وكاتب سوداني ، متخصص بالشأن المحلي والشؤون الإفريقية
الوسوممحمد تورشينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجیش السودانی الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
أمريكا تعتزم فرض عقوبات على البرهان وقائد الجيش السوداني يرد
متابعات – تاق برس- نقلت وكالة رويترز، اليوم الخميس، عن 3 مصادر وصفتها بـ”المطلعة” أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتزم فرض عقوبات مالية على رئيس مجلس السيادة الإنتقالي قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.
وأشارت المصادر إلى أن العقوبات تهدف لإظهار استهداف الولايات المتحدة لطرفي الصراع بالمثل، ودفعهم باتجاه العودة إلى “مسار حكم بقيادة مدنية”.
وكانت واشنطن -في وقت سابق من هذا الشهر- قد اتخذت إجراءات عقابية ضد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ونقلت رويترز أن الجيش السوداني لم يرد على طلبها للتعقيب على ما أشارت إليه مصادرها، كما لم يرد متحدثون باسم وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين على طلبات للحصول على تعليق حول هذه المسألة.
ويأتي هذا الخبر بعد ساعات من وصول رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، اليوم الخميس، لمدينة ود مدني بعد سيطرة الجيش السوداني على المدينة التي خضعت لسيطرة الدعم السريع على مدى عام كامل.
وللمفارقة، فإن رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني كان قد أشار -في كلمة بثتها قناة الجزيرة- إلى العقوبات التي تسعى جهات دولية لفرضها على قادة الجيش، وقال وهو محاط بمجموعة من الجنود المتواجدين في ود مدني “أي عقوبات تفرض علينا مقابل خدمة البلد فنحن نرحب بها”.
وأضاف ” القانون والدولة هي المسؤولة عن حماية الناس، ومحاسبتهم أيضا”.
وأفاد البرهان بأنه “واثق من انتصار الجيش في معركته التي يخوضها ضد قوات الدعم السريع”، في إشارة للمعارك الدائرة في مناطق مختلفة في السودان.
وأضاف البرهان أنه وجّه والي ولاية الجزيرة بالإسراع في استعادة الخدمات بمدينة ود مدني.
وطالب البرهان مواطني ولاية الجزيرة بالتعايش السلمي وعدم السماح بانتشار الفتنة في أواسطهم، وقال إن “السودان سيسع الجميع”.
امريكاعقوبات على البرهانقائد الجيش السوداني