د. محمد بن خلفان العاصمي
عند قراءة مشهد التحوُّل التاريخي الذي حدث في هذا اليوم المجيد من أيام عُمان الخالدة لا بُد من الوقوف على محطات مُهمة وفواصل تاريخية ومحاولة ملامستها حتى تتجلى أهمية هذا اليوم، وحتى ندرك أن ما قبله لم يكن مثل ما سيأتي بعده. لكن قبل كل ذلك علينا أن نستذكر ما قاله حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في خطابه يوم الحادي عشر من يناير 2025 بمناسبة ذكرى مرور 5 سنوات على تولي مقاليد الحكم في البلاد؛ حيث قال: "وقد تعاقبتْ عليها أنماطُ حُكمٍ عديدةٍ أدَّى كلٌّ منها دورَهُ الحضاريّ وأمانتَــهُ التاريخيّةَ وإننا نستذكرُ في هذا اليومِ الأغرِّ قادةَ عُمان الأفذاذِ على مرِّ التاريخِ قادةً حملوا رايةَ هذا الوطنِ ووحَّدوا أُمَّتَه وصانُوا أرضَه الطاهرةَ ودافعوا عن سيادتِه"؛ فكُل قادة وحكام عُمان عبر التاريخ ساهموا في ما تحقق اليوم لهذا الوطن العظيم".
وكغيرها من الأمم مرت بلادنا بمراحل من القوة ومن الضعف وكغيرها من أنظمة الحكم لابد من لحظات قوة وازدهار ولحظات خبو وصراع، فهذا ديدن السلطة وهكذا هي مراحل الدول كما ذكرها ابن خلدون؛ حيث تستقيم وتزدهر بالعدل والكرامة وتبقى ما بقيت، ولا يعرف التاريخ خطرًا على الدول كخطورة الصراع على السلطة، فهو ما يفتح الباب أمام العدو المتربص للدخول بين أبناء البيت الواحد، تأجيجًا للصراع وطمعًا في استغلال الظروف لتحقيق مطامع سياسية واقتصادية والسيطرة على تلك الدول بالاحتلال والتوسع، وربما هناك مئات الشواهد على هذا الوضع في التاريخ.
لقد وصلت عُمان في بدايات القرن الثامن عشر إلى مرحلة الصراع القبلي وخاصة ذلك الصراع التاريخي المعروف والذي انقسمت فيه عُمان إلى حزبين متناحرين هما (الهناوية والغافرية) وكان ذلك نتيجة الخلاف والجدال حول إمامة الإمام سيف بن سلطان الثاني، وضعف الدولة اليعربية وانقسام بيت الحكم حول هذا الأمر؛ مما سمح للفًرس بالدخول إلى عُمان؛ ليضيف هذا الدخول ضعفًا آخر عانت منه الدولة في تلك الفترة الزمنية، ويبقى ما قدمته الدولة اليعرُبية من تاريخٍ مُشرفٍ وأعمال خالدة في التاريخ العُماني لا ينكر ولا يختزل وخاصة طرد البرتغاليين واتساع الدولة وتمددها إلى سواحل أفريقيا.
ما مرت به البلاد في تلك الفترة له عديد الأسباب ونتجت عنه حالة من الفوضى الداخلية ساهمت في تزايد الحروب القبلية وفقدان الأمن والاستقرار وتأثرت المناطق الخاضعة للحكم العُماني خاصة في أفريقيا والتي انتشرت فيها حركات التحرر وفقدت أغلبها، بعد أن حرر العُمانيون الساحل الأفريقي من البرتغاليين وامتدت لتصل إلى داخل القارة الأفريقية، كما وجد الفرس الفرصة سانحة لمعاودة محاولاتهم الدخول إلى عُمان وهو ما تحقق لهم خلال هذه الفترة العصيبة من فترات التاريخ العُماني.
في خضم كل ذلك أخذ والي صحار أحمد بن سعيد البوسعيدي الأدْميّ على عاتقه مسؤولية الحفاظ على سلامة هذا الوطن والدفاع عنه وجمع شتاته ورص الصفوف الداخلية مرة أخرى، حتى لا تصبح هذه الدولة في ذكرى التاريخ بعدما كانت ذات شأن كبير، وبحكمته وشجاعته استطاع أن يتعامل مع ملف الفرس في البداية من خلال هدنة مؤرخة وخرج الفرس مع بقاء حامية في مسقط مقابل جزية سنوية، ثم راح يجمع الشتات ويلم الشمل الداخلي ليوقف سلسلة الحروب الداخلية، ولولا حنكة هذا القائد الفذ وشجاعته وحسن إدارته للأمور وما يتمتع به من علاقات بين القبائل خاصة مع شغله منصب مستشار الإمام قبل تعيينه واليًا على صحار، لم يكن ليتحقق هذا خاصة مع اشتعال الفتنة القبلية وشدتها.
وفي يوم 20 نوفمبر من عام 1744م، اجتمع أهل الحل والعقد في الرستاق عاصمة الدولة العُمانية ليختاروا هذا القائد الشجاع إمامًا لعُمان، ورغم المعارضة من قبل بعض من لم يرغب في انتقال الحكم إلّا أن كل ذلك انتهى، واجتمعت الأمة على كلمة سواء حول الإمام المؤسس، والذي بدأ معه عهد جديد على عُمان؛ حيث بدأ في التخلص من جزية الفرس، بعد أن استعاد زمام الأمور في الداخل، كما استرجع عديد المناطق في الشرق الأفريقي؛ بل إنه ساهم في محاربة الفرس حتى خارج الحدود وساعد الدولة العثمانية في فك حصار البصرة عندما أرسل ابنه هلال بقوة بحرية لهذا الأمر.
لقد بنى الإمام المؤسس دولة كما تذكر ذلك كتب التاريخ؛ حيث اهتم بإنشاء قوة عسكرية تحمي البلاد واهتم بالتجارة والزراعة وعين الوكلاء والولاة والمستشارين، وأسس نظامًا إداريًا للدولة، واهتم بالعلم والعلماء، وعمل على مد العلاقات مع دول المنطقة والدول الكبرى في ذلك الوقت، وعرفت عُمان مرحلة من الاستقرار الداخلي والنمو والتوسع والازدهار. وهكذا بدأت مرحلة جديدة من مراحل التاريخ العُماني مع أسرة البوسعيد التي سطرت تاريخًا ناصعًا وصفحات جديدة من صفحات التاريخ العُماني الممتد عبر الزمن ومازالت تكتب التاريخ عبر سلاطين عرف عنهم العزم والإخلاص والحكمة والعدل.
إنَّ هذا اليوم هو امتداد لدولة شامخة عبر العصور، وحريُّ بنا أن نحتفي به وأن نفخر به، فما الدول إلا ثوابت في التاريخ ومفاخر عبر الزمن، ومن لا ماضي له لا مستقبل له، وهذا اليوم شهد اجتماع كلمة عُمان على مؤسس مخلص وشجاع فذ أنقذ البلاد من خطر محدق وشتات وجمع شمل أبنائه تحت راية واحدة ومهد لسلسلة من الأئمة والسلاطين الذين مضوا على هذا النهج ووضعوا عُمان في قلوبهم لتكون عُمان التي نراها اليوم.
"20 نوفمبر هو اليوم الذي تشرفت فيه الأسرة البوسعيدية بخدمة هذا الوطن العزيز". هيثم بن طارق سلطان عُمان.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
45 دقيقة فقط.. تعرف على صاحب أقصر رئاسة في التاريخ
#سواليف
غالبا ما تمتد فترة الحكم لأي رئيس حول العالم الديمقراطي سنوات، إلا أن #رئيس_المكسيك #بيدرو_لاسكوراين، كسر تلك القاعدة وحطم أول رقم قياسي في هذا المجال.
فبعد 45 دقيقة في منصبه فقط، استقال مانحاً رئاسة البلاد للجنرال فيكتوريانو هويرتا.
وفي التفاصيل، ما بين عامي 1910 و1920، عاشت المكسيك على وقع ما يعرف بالثورة المكسيكية التي مثلت تحولا تاريخيا هاما ساهم برسم ملامح البلاد المعاصرة بعد نحو 35 سنة من حكم الدكتاتور بورفيريو دياز (Porfirio Díaz).
مقالات ذات صلةوخلال هذه الفترة العصيبة التي أسفرت عن مقتل نحو مليوني شخص، شهدت البلاد العديد من الانقلابات.
فيما مثل انقلاب شباط/فبراير 1913 الذي التحق به الجنرال فيكتوريانو هويرتا (Victoriano Huerta) واحدا من أغرب الانقلابات حينها حيث أسفر الأخير عن تولي رجل يدعى بيدرو لاسكوراين (Pedro Lascuráin) الرئاسة لمدة 45 دقيقة فقط ضمن ما وصف بأقصر فترة رئاسية على مر التاريخ.
عزل الرئيس السابق
فصباح يوم 9 شباط/فبراير 1913، شهدت المكسيك بداية ما يلقبه المكسيكيون بالعشرة أيام التراجيدية. حيث اتجه خلالها، الجنرال هويرتا إلى تغيير تحالفه لينقلب بذلك على الرئيس فرانسيسكو ماديرو (Francisco I. Madero) الذي كان قد تولى الرئاسة منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1911.
إلى ذلك، تمكن هذا الجنرال الذي تلقى دعما أميركيا وألمانيا، خلال بضعة أيام من اعتقال ماديرو وعدد من أفراد حكومته.
ثم وعد نحو 24 ساعة من اعتقاله فقط، وافق الرئيس وأفراد حكومته على تقديم استقالتهم.
في الأثناء، مثل بيدرو لاسكوراين، الذي شغل حينها، منصب وزير الخارجية، أحد أهم الأشخاص الذين أقنعوا ماديرو بالاستقالة، عبر إقناعه بوجود مخطط لقتله وضمان انتقال الرئاسة لشخص آخر، حسب ما نص عليه دستور 1857، بعد وفاته في حال تعنته ورفضه الاستقالة.
45 دقيقة
وحسب هذا الدستور، مثل نائب الرئيس والنائب العام ووزير الخارجية ووزير الداخلية الشخصيات المؤهلة لخلافة الرئيس حسب الترتيب.
وأملا في بلوغ السلطة، أجبر الجنرال فيكتوريانو هويرتا كلا من نائب الرئيس خوسيه ماريا بينو سواريز (José María Pino Suárez) والنائب العام أدولفو فاليس باكا (Adolfo Valles Baca) على الاستقالة.
بينما حاول إضفاء بعض الشرعية على إزاحة ماديرو، عبر تعيين وزير الخارجية (بيدرو لاسكوراين) رئيسا للبلاد.
لكن لبلوغ سدة الحكم بأسرع وقت، أجبر الجنرال الرئيس الجديد على تعيينه وزيرا للداخلية ليصبح بذلك الشخصية التالية في طابور الرئاسة في حال استقالته.
بعدها، لم تدم فترة حكم لاسكوراين سوى 45 دقيقة فقط حيث استقال ليمنح الرئاسة لهويرتا.
لذا صنفت الفترة الرئاسية لبيدرو لاسكوراين كأقصر فترة رئاسية بالتاريخ.
يشار إلى أنه بحلول يوم 22 شباط/فبراير 1913، أعدم الرئيس السابق رفقة نائبه خوسيه ماريا بينو سواريز رميا بالرصاص، بأوامر من هويرتا، بعد محاولتهما الهرب من المعتقل.
وبفضل الخدمة التي قدمها له أثناء توليه الرئاسة لمدة 45 دقيقة فقط، عرض هويرتا منصبا على لاسكوراين بحكومته.
لكنه رفض هذا العرض واعتزل الحياة السياسية مفضلا العودة إلى عمله السابق في مجال المحاماة.