تُعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص عاملا هاما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة ودفع عجلة النمو الاقتصادي في مختلف دول العالم. فمن خلال هذه الشراكة، يتمكن القطاع الخاص من المشاركة في تنفيذ مشروعات البنية التحتية والخدمات العامة، مما يساعد الحكومة على تخفيف الأعباء المالية وتحقيق كفاءة أعلى في توفير هذه الخدمات.

كما أن هذه الشراكة تُعد أداة فعّالة لتقليل المخاطر المالية التي قد تواجه موازنات الدول، فضلًا عن تعزيز الابتكار وتوفير الحلول المستدامة في مجالات متعددة. إلا أن هذه الشراكة لا تخلو من تحديات، مثل التحديات الإدارية والفنية، وتضارب المصالح بين القطاعين، فضلًا عن الحاجة إلى رفع مستوى الوعي الفكري والثقافي بأهمية هذه المبادرات.

استطلعت "عمان" عددًا من الخبراء والأكاديميين لتسليط الضوء على أهمية الشراكة في تنفيذ المشاريع بين القطاعين العام والخاص، بما يحقق الأهداف المرجوة ويتغلب على تحديات تأخر المشاريع التنموية.

أهداف الشراكة بين القطاعين

أشارت الدكتورة حبيبة بنت محمد المغيرية، الأكاديمية والباحثة في مجال المالية والاقتصاد ورئيسة قسم الدراسات التجارية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية (فرع إبراء): إن الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص هي تعاون هام لإنجاز أو تمويل أو تجهيز البنية الأساسية والمرافق العامة وفقًا للقوانين والأطر التنظيمية المتفق عليها بين الطرفين. فهذه الشراكة آلية فعّالة للتقليل من المخاطر المالية وغيرها التي قد تؤثر على موازنة الحكومة وتعيق عملية النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.

بحيث تقوم الحكومة بتقليل الإنفاق لخفض العجز في موازنة الدولة بالشراكة مع القطاع الخاص الذي يملك التمويل والتكنولوجيا المتقدمة والخبرة في إدارة المخاطر وتطبيق معايير الجودة بشكل فعال. لذلك يعمل القطاع الخاص على تصميم وتخطيط وبناء وتشغيل وصيانة الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة، كما يسهم في ظل هذه الشراكة بتحقيق تنمية مستدامة نتيجة لانخفاض الإيرادات النفطية التي تعتمد عليها سلطنة عمان بشكل واسع لتمويل قطاعات عدة مثل الصحة والتعليم والنقل والخدمات والزراعة واللوجستيات ومختلف قطاعات البنية التحتية.

كما يقوم أيضًا بتدريب وتوظيف الأيدي العاملة العمانية، ويقدم مبادرات لتعزيز وصقل مهارات المواطنين الموظفين والباحثين عن عمل وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مختلف القطاعات، وذلك بحسب العقود المبرمة بين القطاعين. وبحسب الدراسات، فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تسهم، بحسب تقرير البنك الدولي، في التقليل من تأخر تنفيذ المشاريع والخدمات العامة التي تقدمها الحكومة بنسبة ١٥-٢٠٪.

كما أشارت المغيرية إلى أن وجود نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص قد لا يخلو من بعض التحديات، منها على سبيل المثال تحديات إدارية وفنية، وغياب سياسات، ونقص الموارد المخصصة لتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتضارب بعض المصالح، وانخفاض معدل الثقة بين القطاعين. أيضاً عدم كفاية الوقت لتنفيذ بعض الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى الحاجة إلى رفع مستوى الوعي الفكري والثقافي بأهمية تنفيذ برامج الشراكة بين مؤسسات المجتمع المختلفة.

وأوضحت رئيسة قسم الدراسات التجارية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية (فرع إبراء)، أن تعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي للدول، وتحقيق التنمية المستدامة، يعتمد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وذلك بتسخير كافة إمكانات القطاعين من طاقات وموارد وخبرات وتشغيلها لتحقيق الأهداف التنموية. لذلك، فإن الشراكة بين القطاعين أداة مهمة تساعد الحكومة على الاستفادة من الموارد المالية للقطاع الخاص، وخبرته وكفاءته، وتحفيز التنمية من خلال تقديم خدمات وحلول مبتكرة، وتبني المبادرات، وتنمية المهارات. كما تقوم أسس هذه الشراكة أيضا على تحقيق الاستدامة من خلال أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بضمان أن البنية التحتية والخدمات فعالة وطويلة الأمد وشاملة ومسؤولة بيئيًا.

كما أكدت المغيرية أن أهم أهداف الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو تعزيز البنية التحتية وتوفير الخدمات العامة في عدة قطاعات مختلفة، لا سيما عند نقص التمويل والخبرة الكافية من القطاع العام. ومن الأهداف الرئيسية للشراكة بين القطاعين العام والخاص هو التمويل والاستثمار الخاص، لتخفيف العبء المالي على موازنة الدولة.

وأضافت: "إن أهم أهداف الشراكة أيضا هو تقاسم المخاطر بين القطاعين، مثل مخاطر التمويل والبناء والعمليات التي يتحملها القطاع الخاص، ومخاطر تغيير السياسات والتنظيم التي يحتفظ بمسؤوليتها القطاع العام. وكذلك هناك هدف آخر من أهداف الشراكة هو الاستفادة من الخبرات والتقنيات التي يتميز بها القطاع الخاص لتحسين جودة وكفاءة وتوقيت استلام مشاريع القطاع العام. وأيضًا ضمان الصيانة واستدامة البنية التحتية على المدى الطويل، وتعزيز الكفاءة وتخفيض التكلفة."

العوائد والمخاطر

وأضافت المغيرية أن أهم عنصر عند إبرام الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو تحديد وحسم آلية توزيع العائد والمخاطر بين الطرفين، حيث لابد من توزيع المكافآت المالية للمشروع وتحديد المخاطر بطرق متوافقة. فإن تحديد وتحمل المخاطر بأنواعها عادةً ما يتحمله القطاع الخاص بحكم خبرته وقدرته على التعامل مع هذه المخاطر، ومن الأمثلة على هذه المخاطر: مخاطر الطلب ومخاطر البناء والتشييد والمخاطر المالية والمخاطر الجيوسياسية والطبيعية. كما أن هناك مخاطر أخرى يتحملها أيضًا القطاع العام منها تغيير السياسات والمخاطر المرتبطة بعوامل الاقتصاد الكلي وأيضًا المخاطر الطبيعية.

أما بالنسبة لتوزيع العوائد، فيعتمد على ترتيبات الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتي تلتف حول الأداء المالي للمشروع وذلك من خلال آليات ونماذج مختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر آلية الدفع على أساس الأداء والتي تقاس عن طريق عدة معايير متفق عليها سابقًا، منها التوقيت المناسب وجودة الخدمة والامتثال للمقاييس الأخرى في العقد بين الطرفين.

من جانبه، قال راشد بن عبد الله الشيذاني، الباحث والمحلل الاقتصادي، إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تمثل علاقة تعاقدية استراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص، وتهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز البنية التحتية. وأضاف أن هذه الشراكة تتجاوز مفهومها التقليدي المتعلق فقط بالمشاريع، مثل الطرق والمدارس والمستشفيات، لتشمل جميع أنواع المشاريع التنموية في مختلف المجالات.

وأوضح الشيذاني أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تتيح الاستفادة من الموارد والإمكانات المتاحة لدى كل طرف، حيث يسهم القطاع الخاص في تقديم الموارد المالية والخبرات الفنية، بينما يتولى القطاع العام توفير الإشراف والتنظيم، مما يعزز من فاعلية المشاريع ويقلل من المخاطر المحتملة على الطرف الحكومي. وأشار إلى أن من أبرز فوائد هذه الشراكة هي دفع عجلة التنمية في جميع القطاعات، فضلاً عن تطوير نماذج جديدة في البنية الأساسية، وزيادة الفرص الوظيفية من خلال تحفيز النمو الاقتصادي، كما تسهم في تعزيز تبادل الخبرات وتنمية الكوادر البشرية.

وأكد الشيذاني أن الشراكة بين القطاعين تهدف إلى تشجيع الابتكار في المشاريع التنموية، وتحقيق مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فضلاً عن تقليل العبء المالي على الحكومة من خلال تقاسم تكاليف إنشاء المشاريع.

وعلى الرغم من الفوائد العديدة لهذه الشراكة، أشار الشيذاني إلى وجود بعض التحديات التي قد تواجه تنفيذها. من أبرز هذه التحديات: الإخلال بشروط التعاقد بعد استقرار المشاريع، وتأثير المجتمع المدني على سير العمل الحكومي في حال عدم اعتماد مبدأ المشاركة المجتمعية في التخطيط والتنفيذ. كما أشار إلى ضرورة تعزيز الحوكمة لمتابعة أداء شركات القطاع الخاص خلال مراحل تنفيذ المشاريع، بما يضمن تحقيق الأهداف التنموية المرجوة.

كما أكد الشيذاني أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تظل أداة قوية لتحقيق التنمية المستدامة، بشرط أن يتم تفعيلها بشكل فعال ومنظم مع مراعاة التحديات المحتملة، مما يعزز فاعليتها في دفع عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي.

مشاريع استراتيجية

أما محمد العنسي، عضو مجلس الشورى ورئيس لجنة سوق العمل بغرفة تجارة وصناعة عمان بمسقط، قال: "تأتي أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص تماشياً مع التوجيهات الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، والمرتكزة على التنمية الاقتصادية من خلال التحفيز الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل، من أجل توسيع حجم الاقتصاد وانعكاساته الإيجابية على خلق فرص العمل وتحسين الوضع الاقتصادي، وهو ما يُعد الغاية الرئيسية من سياسات التنمية الاقتصادية، وزيادة الصادرات وتقليل الاعتماد على الواردات الخارجية، من أجل تعزيز دور الصناعات المحلية وتمكينها بما يعود بالنفع على التنمية الاقتصادية والمالية، وكذلك إيجاد فرص العمل. فمن ذلك المنطلق، تأتي أهمية الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP) بهدف تنفيذ مشاريع استراتيجية بطريقة مشتركة، حيث يشمل ذلك تقاسم المخاطر والموارد بين الطرفين بهدف استثمار الأموال والمهارات لتنفيذ مشاريع ضخمة ذات عائد أكبر وتحتاج إلى تمويل عالٍ".

وأضاف العنسي: "تتنوع الشراكات بين القطاع العام والخاص (PPP) بناءً على تنوع المشاريع، وكذلك كيفية توزيع المهام والمخاطر وآلية التمويل بين الطرفين، ومدى حجم هذه المشاريع وعائدها."

كما أكد العنسي أنه دائما ما تحكم الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP) إطار قانوني، لضمان تنفيذ المشاريع بشكل فعال وآمن، من أجل تنظيم العلاقات بين القطاعين العام والخاص، وضمان الشفافية والمساءلة واستدامة المشاريع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشراکات بین القطاعین العام والخاص الشراکة بین القطاعین العام والخاص الشراکات بین القطاع الشراکة بین القطاع التنمیة المستدامة النمو الاقتصادی البنیة التحتیة تنفیذ المشاریع أهداف الشراکة القطاع العام القطاع الخاص بین الطرفین هذه الشراکة ا القطاع من خلال

إقرأ أيضاً:

مدبولي: دعم القطاع الخاص وتنسيق الجهود مع المجتمع المدني لتحقيق النمو والرخاء

أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بدعم القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة، مشددًا على أن الحكومة تسعى لدفع عجلة عمل هذا القطاع إلى أقصى مدى ممكن.

وأوضح في مؤتمر صحفي نقلته قناة «إكسترا نيوز»، أن الهدف الأساسي للحكومة في المرحلة المقبلة، التغلب على العقبات التي تواجه الاقتصاد المصري، خاصة تلك التي تعيق نمو القطاع الخاص. 

وأضاف: «سنعقد لقاءات مع مؤسسات العمل الأهلي والمجتمع المدني لتنسيق الجهود، بهدف دعم الأسر الأكثر احتياجًا ومحدودة الدخل، ووضع خارطة طريق واضحة تتضمن خطوات تنفيذية على أرض الواقع خلال الأسابيع المقبلة».

وأشار رئيس الوزراء، إلى أنه سيتم التنسيق مع الكيانات المختلفة من خلال الحوار الوطني، بهدف تفعيل منظومة شاملة تعزز التعاون بين الأطراف المعنية.

وتابع: «تلقيت طلبًا من شباب رجال الأعمال لعقد جلسات مع كبار ممثلي القطاع الخاص في مصر لطرح أفكار جديدة ومبتكرة.. سيكون هذا اللقاء ضمن سلسلة اجتماعات خلال الفترة المقبلة، حيث سنعمل على إنشاء منظومة مستدامة للحوار بين الحكومة وجميع أطياف المجتمع، لتحقيق هدفنا المشترك المتمثل في تحقيق النمو والرخاء لمصر».

مقالات مشابهة

  • «مصر لمن يبنيها».. التحالف الوطني شراكة الدولة والمجتمع المدني لتحقيق التنمية المستدامة
  • “الرقابة الإدارية” تشارك بالاجتماع الإقليمي حول “الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص”
  • جمعية خبراء الضرائب: الدولة تواجه تحدي تحلية المياه بالتسهيلات الضريبية
  • المؤتمر: تطوير الإدارة المحلية خطوة محورية لتحقيق التنمية المستدامة في مصر
  • خبراء الضرائب: القطاع الخاص يحتاج تسهيلات ضريبية لمشروعات تحلية المياه
  • المؤتمر: استثمار الجيل الجديد من رواد الأعمال يُمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة
  • مدبولي: دعم القطاع الخاص وتنسيق الجهود مع المجتمع المدني لتحقيق النمو والرخاء
  • وزارة التربية والتعليم تستضيف الاجتماع الخليجي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
  • خبراء: التعاون الدولي يسهم في تحقيق التنمية المستدامة