د. عبدالله الأشعل **

كل المفاهيم تتغير بعد اتفاق غزة وهو أكبر دليل على انتصار المقاومة على غطرسة القوة الإسرائيلية والأمريكية، فقد هَزَمَتْ المقاومةُ الجيشَ الإسرائيلي درع المستعمرين، وترتب على ذلك بوار "صفقة القرن"؛ لأنَّ المرشحين للهجرة أدركوا أنَّ إسرائيل بدأت مشوار الزوال، ولم ينفع إسرائيل سكوت المحيط العربي والإسلامي الذي تخلى عن غزة، ودفعت غزة الثمن كاملًا ولا فضل لأحد عليها؛ بل ورفعت قدر مصر حين أرغمت إسرائيل على الانسحاب من غزة ومعبر رفح الذي احتلته إسرائيل وخط الحدود المصري الفلسطيني (محور صلاح الدين "فيلادلفيا")، ولاشك أن الاتفاق حرَّر غزة بالكامل من سطوة إسرائيل، لصالح الأمن القومي المصري.

ورغم أن الاتفاق مُتشعِّب ومُفصَّل، ويمُر بثلاث مراحل، لكن في النهاية كان الجيش المعتدي مُنهكًا واعترف رئيس الأركان الإسرائيلي بذلك منذ عدة أشهر. والاتفاق يُحقق شروط المقاومة الخمسة: الأول انسحاب إسرائيل خاصة من شمال غزة، والثاني إعادة إعمار ما خلفته الحرب من دمار، والثالث تدفق المساعدات، والرابع عودة النازحين الأحياء إلى بيوتهم، وأخيرًا (الخامس) البقاء في غزة وإدارتها.

وكثيرًا ما تحدثت إسرائيل عن غزة بعد الحرب وأثارت لغطًا كبيرًا، وحاربت المقاومة قوى الشر في الإقليم والعالم، وفي مقدمتها واشنطن، بكل قوتها، كما حاربت أمن السلطة التي تحالفت مع إسرائيل في جنين، على أمل أن تقتنع إسرائيل بجدوى خدمات السلطة حتى تعهد إليها بإدارة غزة! المهم أن عمليات المقاومة وصمودها قد غيَّرت مضمون القضية الفلسطينية، فقد أصبحت الحقائق كاشفة وهي أن الشعب الفلسطيني يفقد أرضه وحياته بفعل الصهاينة ويتعرض للإبادة، وبالتوازي مع ذلك اندلعت مظاهرات متعددة في الدول الغربية وأمريكا بالذات، للمطالبة بتحرير غزة ووقف الإبادة الجماعية.

وقد استوجب انتصار المقاومة النتائج الحاسمة الآتية:

أولًا: ضرورة إعداد برنامج عمل وطني تشارك فيه كل أطياف المجتمع الفلسطيني؛ بمن فيهم "عرب 1948" الذين أثبتوا أنهم جزء من الشعب الفلسطيني رغم قيود إسرائيل.

ثانيًا: سقوط مسرحيات كثيرة ساقتها الدول الغربية مثل "حل الدولتين"، رغم أنها تعلم أن المشروع الصهيوني يُريد كل فلسطين وإبادة أهلها يُضاف إلى ذلك أن إسرائيل أصدرت قانونًا عام 2017 بتحويل إسرائيل إلى دولة يهودية، وأول آثاره طرد عرب 1948 من داخل إسرائيل. كما أصدرت إسرائيل عام 2023 قانونًا يحظر إقامة دولة فلسطينية في فلسطين باعتبارها ضارة بالدولة العبرية.

ثالثًا: حقوق الشعب الفلسطيني اتسعت كثيرًا، فقد أصبح الهدف الآن تحرير كل فلسطين وإقامة دولة فلسطينية واحدة تضم الصهاينة في إسرائيل الذين يرغبون في البقاء في فلسطين، ومعنى ذلك أن الدولة الفلسطينية الواحدة سوف تقوم بعد زوال إسرائيل.

رابعًا: زخم جديد لحق العودة، بعد أن كان هذا الحق غير معترف به إلّا بالنسبة للصهاينة، وبالفعل أصدرت إسرائيل قانون العودة في بداية خمسينيات القرن الماضي. وقام قانون العودة إلى فلسطين على كذبة كبرى وهي أن الصهاينة كانوا في فلسطين منذ آلاف السنين ومن حقهم أن يعودوا إلى فلسطين.

خامسًا: سقوط أساطير إسرائيلية كثيرة، من بينها موافقة إسرائيل على قيام دولة فلسطينية، وموافقة إسرائيلية لإجراء الانتخابات في فلسطين وسقوط مخطط إغفال اسم فلسطين وإبراز اسم إسرائيل.

سادسًا: أن الاتفاق يشمل ترتيب أوضاع، لكنه لا يوقف قضايا الإبادة في محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية. كما إن الاتفاق لا يمنع المقاومة من مهاجمة إسرائيل إذا تلاعبت إسرائيل بهذا الاتفاق، حتى لا تتفق إسرائيل مع غزة، ثم تتفرغ لجبهات المقاومة التي تضامنت مع غزة. ومؤدى الاتفاق هدوء جبهات المقاومة الأخرى بشرط أن إسرائيل لا تنفرد بالجبهات فرادى.

سابعًا: تحويل "الاونروا" إلى منظمة تدعم الدولة الفلسطينية ولا يقتصر الدعم على اللاجئين؛ فقد مضى الزمن الذي كانت كل القضية إنها قضية لاجئين في قرار مجلس الأمن رقم 242.

ثامنًا: سقوط مصطلحات المصالحة، لكن الجميع مطالب بالتوصل معًا إلى هذه القواسم المشتركة التي تشكل البرنامج الوطني الفلسطيني.

تاسعًا: لا بُد أن تدرس القمم العربية إبراز صيغة عملية تعكس الواقع الجديد.

عاشرًا: تخليد شهداء الشعب الفلسطيني والمقاومة، وبالذات قيادات المقاومة مثل: حسن نصر الله ويحيى السنوار وإسماعيل هنية، إلى جانب الإشادة بجهود إيران ومواقفها في دعم المقاومة ومساندتها والتمسك بوحدة الساحات.

حادي عشر: التمسك بمساندة اليمن والعراق وحزب الله في لبنان إذا هاجمتهم إسرائيل.

إنَّ عصرًا جديدًا بدأ الآن، والفضل لله أولًا وأخيرًا، بقي بعد ذلك الدروس الإيمانية التي تخرج بها من هذه الملحمة.

ثاني عشر: تفرغ مركز بحوث في الغرب يعمل به باحثون عرب لدراسة أسباب عجز المحيط العربي والإسلامي عن إنقاذ غزة. أما وفاء إسرائيل بالتزاماتها في الاتفاق فهو أمر مشكوك فيه.

ثالث عشر: ضرورة تعديل قرار الجامعة العربية بوصم إحدى جماعات المقاومة بالإرهاب؛ لأنه لا يُعقل أن تنتصر المقاومة على الجيش الذي حمل أسطورة الجيش الذي لا يُقهر وتظل في نظر العرب إرهابًا!

رابع عشر: كان يتعين ان تتوقف اعمال الابادة بمجرد التوقيع، والاصوب ان نصف الاتفاق لوقف الابادة وليس وقف إطلاق النار. أما الفضل في التوصل للاتفاق فهو لمساندة حزب الله لصمود المقاومة. وليس للرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي زعم فضل إبرام الاتفاق لنفسه، وليس لهذيان الرئيس المنتخب دونالد ترامب فضل فيه.

لقد أظهرت حرب الإبادة التي امتدت لأكثر من عام و3 شهور، بشاعة الوحش الإسرائيلي وإجرام القاتل الأمريكي، وكشفت عن أسوأ السلوكيات الإجرامية لديهما.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

“العشائر الفلسطينية” تبارك عمليات المقاومة في غزة

الثورة نت/..
باركت تجمع القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية، عمليات المقاومة في غزة والتي نالت من جيش العدو الصهيوني المتوغل في القطاع بعد إسقاطه لاتفاق الهدنة في 18 مارس الفائت.
وثمن تجمع العشائر الفلسطينية، في بيان له اليوم الاثنين، ما تقوم به المقاومة في غزة من أعمال بطولية تتصدى للعدوان الغاشم على قطاع غزة منذ 18 شهراً والذي راح ضحيته أكثر من 166 ألف ما بين شهيد وجريح جلهم من الأطفال والنساء.
واعتبر البيان أن هذه الأعمال البطولية تمثل بارقة أمل على طريق الحرية والدولة الفلسطينية العتيدة المنظورة.
وشدد تجمع العشائر الفلسطينية، على أن بطولات للمقاومة يثبت أن هذا السلاح هو سلاح حر نظيف يجابه ويؤلم المحتل رغم تواضعه، ولابد وأن يبقى مشرعاً في وجه المحتل الغاصب.
وختم البيان بالقول إن سلاح المقاومة يجابه أعتى الأسلحة التي يستخدمها العدو ضد المدنيين من الشعب الفلسطيني الأعزل، “فنعم الرجال أنتم يا أبناء القبائل والعشائر والعائلات الغزية”.
وكانت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، قد عرض ، مشاهد لكمين أطلقت عليه اسم “كسر السيف” الذي استهدف قوة عسكرية صهيونية شرقي بيت حانون شمال قطاع غزة يوم السبت الماضي.
وأظهرت المشاهد التي عددا من مقاتلي “القسام” ويهم يخرجون من فوهة أحد الأنفاق، ويرصدون حركة آليات الاحتلال على شارع العودة قرب السياج الفاصل شرقي بيت حانون، قبل أن يهاجموا جيبا عسكريا من نوع “ستورم” من النقطة صفر وانقلابه والإجهاز على من فيه.

مقالات مشابهة

  • عاجل - الرئيس الفلسطيني يشكر السيسي والملك عبد الله الثاني على مواقفهم في دعم القضية الفلسطينية
  • عبد العاطي: استراتيجية حقوق الإنسان أولوية وطنية ومصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية
  • رفضوا توظيف القضية لخدمة أجندات خارجية.. نواب أردنيون: «الإخوان» تستغل «شماعة فلسطين» لتقويض أمن الدولة
  • «برلمانية الوطني»: حل القضية الفلسطينية يحقق الأمن
  • أحمد موسى: البابا فرنسيس كان محبًا لمصر.. ودائم الدفاع عن القضية الفلسطينية
  • “العشائر الفلسطينية” تبارك عمليات المقاومة في غزة
  • المؤتمر الوطني الفلسطيني يحذر من محاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • حماس: دعوات وزراء الاحتلال لفرض السيادة على الضفة محاولة يائسة لتصفية القضية
  • اللواء طارق نصير من بغداد: القضية الفلسطينية قضية مصر الأولى والعرب
  • لدعمها القضية الفلسطينية.. الإفريقي التونسي يكرم ابنة غوارديولا على هامش الديربي