الإفتاء : الإسلام حث على تعليم البنات والإحسان إليهن
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إن تعليم البنات حقٌّ واجبٌ شرعًا على الآباء، فهو من حقوق الولد ذكرًا كان أو أنثى، وإهمالُ الآباء في ذلك بمنعهم من الالتحاق بالمدارس أو تسريحهم منها هو حرمانٌ لهم مِن هذا الحق الأصيل.
الإسلام حث على طلب العلم ورغَّب فيهواوضحت الإفتاء أن الإسلام حث على طلب العلم ورغَّب فيه وأعلى شأن طالبيه؛ فقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 11]، وهذا الشرف حاصلٌ لـِمَنْ طَلَب علمًا دينيًّا يصلح به أمر آخرته، أو علمًا دنيويًّا يصلح به أمر دنياه؛ فقد نصَّ الفقهاء على أن طلب العلوم الدنيوية مما تتوقف عليه مصالح العباد يُعدُّ من فروض الكفايات.
والتعليم يُعدُّ من حقوق الولد على والده؛ لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6].
قال الإمام الجصاص في "أحكام القرآن" (3/ 624، ط. دار الكتب العلمية): [قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]، روي عن علي رضي الله عنه في قوله: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ﴾ قال: "عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ الْخَيْرَ"، وقال الحسن: "تُعَلِّمُهُمْ وَتَأْمُرُهُمْ وَتَنْهَاهُمْ".
قال أبو بكر: "وهذا يدل على أن علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الآداب"، وهو مثل قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132]، ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. [الشعراء:214].
ويدل على أن للأقرب فالأقرب منا مزية به في لزومنا تعليمهم وأمرهم بطاعة الله تعالى، ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، ومعلوم أن الراعي كما عليه حفظ من استرعي وحمايته والتماس مصالحه فكذلك عليه تأديبه وتعليمه: وقال عليه السلام: «فَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْأَمِيرُ رَاعٍ عَلَى رَعِيَّتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ»]اهـ.
ولا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى، فخطاب الشرع الشريف لم يفرِّق في الحث على طلب العلم بين ذَكَرٍ وأنثى، كما أنَّ حاجة الأنثى إلى التعليم كحاجة الذَّكَر تمامًا.
ولقد حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تعليم المرأة، وخَصَّص لها مجالس وأيامًا حتى تتزود من العلم ما يخصها ويتعلق بشئونها مما تتفرد به عن الرجل؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: «ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها، إلا كان لها حجابًا من النار فقالت امرأة: واثنتين فقال: صلى الله عليه وآله وسلم واثنتين» متفق عليه.
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" رواه ابن ماجه في "سننه".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البنات تعليم البنات الإسلام طلب العلم الإفتاء صلى الله علیه وآله وسلم وا أ ن ف س ک م قوله تعالى
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: اليأس ليس من صفات المؤمن.. والتشاؤم لا أصل له في الإسلام
أكد الدكتور نظير عياد- مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن حب الحياة والتفاؤل مبدآن إسلاميان أصيلان، وأن الإسلام جاء ليكرِّس هذه النظرة الإيجابية للحياة ويحث الإنسان على إعمار الأرض، مشيرًا إلى أن المسلم مطالب بأن ينظر إلى الحياة نظرة إيجابية قائمة على استيعاب مقاصد الاستخلاف في الأرض وغاية الخلق التي حددها القرآن الكريم.
وأوضح مفتي الجمهورية، خلال لقائه الرمضاني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" على فضائية صدى البلد، أن التأمل في النصوص القرآنية يكشف عن مقصدين أساسيين للحياة الإنسانية، الأول هو الاستخلاف الذي جاء في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، والثاني هو غاية الخلق التي حددها سبحانه بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وأشار إلى أن المسلم الذي يستوعب هذين المبدأين يعيش حياته برؤية واسعة، تتجاوز الضيق والاضطراب الذي قد يعيشه بعض الناس بسبب النظرة المحدودة أو الاعتقادات الظالمة والجائرة تجاه الحياة.
وأضاف مفتي الجمهورية أن بعض الفئات قد تتبنى رؤية متشائمة للحياة، سواء بسبب مفاهيم خاطئة أو اعتقادات سائدة قبل الإسلام، كما ورد في قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]، لكن الإسلام أكَّد أن الحياة لا تنتهي بالموت، بل هناك حياة أخرى أكثر خلودًا وأهمية، مصداقًا لقوله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64].
وأشار إلى أن السعي في هذه الحياة بإيجابية هو جزء من العقيدة الإسلامية، حيث حفلت النصوص الشرعية بالدعوة إلى التفاؤل والعمل الجاد، ومن ذلك ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: «اغتنم خمسًا قبل خمس -ومنها- حياتك قبل موتك»، حيث اعتبر الحياة مقدمة للمصير الأخروي، وهي المحطة الأولى التي تحدد ما بعدها.
وفي سياق متصل، شدد المفتي على أن التفاؤل وحب الحياة أمران متلازمان في الإسلام، لأن المسلم صاحب رسالة ومهمة، والله تعالى يقول: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]؛ مما يدل على أن تعمير الأرض والاستفادة مما فيها من موارد ومعارف هو جزء من التكليف الشرعي. وبيَّن أن حب الحياة والتفاؤل يمنح الإنسان القدرة على تجاوز الصعوبات، ويعينه على وضع الأمور في نصابها الصحيح، فلا يبالغ في تقدير الأزمات، ولا يتهاون في السعي لحلها.
وضرب مثالًا عمليًّا على أهمية التفاؤل وقوة الإيمان في مواجهة المحن، مشيرًا إلى أحداث غزوة بدر، حيث كان المسلمون قلة في العدد والعدة، لكن قوة الإيمان والتفاؤل بنصر الله كانا العامل الحاسم في تحقيق النصر. وأكد أن الأمر ذاته تكرر في حرب أكتوبر 1973، حيث استلهم الجنود من إيمانهم بالله العزيمة والقوة التي مكَّنتهم من تحقيق النصر ورفع راية العزة والكرامة للأمة العربية والإسلامية.
كما أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محبًّا للفأل، وكان دائم البشارة والتفاؤل، وكان يحرص على بث الأمل في نفوس أصحابه، وهو ما انعكس في أحاديثه وسيرته العطرة. وقال فضيلته: "الإسلام يزرع في المؤمن اليقين بأن كل ما يصيبه خير، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له».
كما تحدث عن أن النظرة المتفائلة للحياة تجعل الإنسان أكثر إيمانًا وثقة برحمة الله، وتمنحه القوة لعبور الأزمات، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي غرس في المؤمن قيم التوكل على الله واليقين بأن الأمور كلها بيده سبحانه: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك».
وأكد أن المسلم الذي يحمل هذه العقيدة في قلبه لا يعرف اليأس ولا يسمح للقنوط أن يتسلل إليه، بل يظل واثقًا بأن رحمة الله واسعة، وأن الأمل والتفاؤل من صميم الإيمان، مصداقًا لقوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
في ختام الحلقة، أجاب الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، على أسئلة المشاهدين، من بينها سؤال حول تشاؤم بعض الناس من أرقام معينة أو بعض الحيوانات، مثل القطة السوداء، وغيرها. وأوضح فضيلته أن هذه المعتقدات ترتبط بالأعراف والعادات وليست مستندة إلى أي دليل شرعي، مؤكدًا أنه ينبغي على الإنسان ألا ينشغل بها أو يهتم بها، لأن الانشغال بها قد يرسخ لديه اعتقادًا خاطئًا بأن أي مكروه يصيبه هو بسبب هذه الأمور، وهو ما نهت عنه الشريعة الإسلامية.
وفي معرض حديثه عن صحيح البخاري وما يتعرض له من انتقادات من حين لآخر، أكد المفتي أن هذه الحملات ليست جديدة، بل تعود إلى قرون طويلة، مشيرًا إلى أن استمرارها يؤكد مكانة الإمام البخاري وعظمة مصنفه الذي حظي بقَبول الأمَّة منذ تأليفه وحتى يومنا هذا. وأضاف أن الإمام البخاري كان من كبار الأئمة الذين قدموا خدمات جليلة للإسلام، حيث جمع الأحاديث النبوية وَفْقَ شروط دقيقة، حتى بات كتابه "أصح الكتب بعد القرآن الكريم".
وأشار إلى أن الهجوم على صحيح البخاري هو في الحقيقة هجوم على السُّنَّة النبوية بأكملها، وأن التشكيك في رواة الحديث، الذين كان بعضهم من كتَّاب الوحي، يمثل محاولة غير مباشرة للطعن في القرآن الكريم.
وفي حديثه عن الأحاديث المتواترة وأحاديث الآحاد، أوضح فضيلة المفتي أن العلماء قسموا الحديث إلى متواتر وآحاد، مشيرًا إلى أن الأحاديث المتواترة قليلة في السُّنَّة النبوية، بينما يشكل حديث الآحاد الجزء الأكبر من الروايات التي نقلت تفاصيل الدين، من أحكام الطاعة والعبادة والمعاملات. وأكد أن إنكار حديث الآحاد يعني عمليًّا إنكار جزء كبير من الدين، لأنه المصدر الأساسي لتفصيل وبيان الأحكام التي وردت مجملة في القرآن الكريم، مثل أحكام الصلاة والصيام والزكاة وغيرها.
وفيما يتعلق بتجديد تناول السُّنَّة النبوية في ضوء مستجدات العصر، شدد فضيلة المفتي على أن الاستفادة من النُّظم الحديثة والتقنيات الرقْمية في عرض السُّنة والتعريف بها أمر مطلوب، موضحًا أن المنصات الإلكترونية ووسائل الإعلام الحديثة يمكن أن تساهم في تقديم السُّنَّة النبوية بصورة أكثر تفاعلية ووضوحًا. ومع ذلك، أكد أن التعامل مع السُّنة طوال القرون الماضية كان مضبوطًا بضوابط علمية دقيقة، ولم يظهر ما يثبت وجود خلل في منهجية التوثيق والنقل.
وحول حكم اعتكاف المرأة في المسجد، أشار المفتي إلى أن هذه المسألة خلافية بين الفقهاء، حيث يرى بعضهم جواز اعتكاف المرأة في المسجد استنادًا إلى قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾، فيما يرى آخرون أن الأولى أن يكون اعتكافها في بيتها، موضحًا أن الفتوى المعتمدة تقضي بأن الاعتكاف يكون في المسجد.