صباح الأحد.. يوم مجيد يسطر البطولة والتضحية والصمود
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
مع بدء دخول الهدنة حيز التنفيذ غدًا الأحد، سيلتقط أهل غزة أنفاسهم ويبدأون بلملمة جراحهم بعد مضي أكثر من 15 شهرًا على أبشع إبادة جماعية في العصر الحديث. سيكتشف العالم أن الأرقام التي جرى نشرها تباعًا والمشاهد التي نقلتها وسائل الإعلام خلال أيام الإبادة لا تعبر عن حجم الكارثة، وأنها أكبر وأبشع بكثير.
أهل غزة، الذين عايشوا أهوال الحرب، ودُمرت البيوت على رؤوسهم، وفقدوا أحباءهم، وهُجروا، وجُرحوا، وشُردوا، وجُوعوا، خرجوا إلى الشوارع كبارًا وصغارًا يتراقصون فرحًا فور توارد الأنباء عن اتفاق وقف إطلاق النار، في تعبير عن حبهم للحياة رغم ما تعرضوا له من تقتيل وتدمير.
حق لأهل غزة أن يحتفلوا ويفرحوا؛ فما عايشوه من أهوال الحرب تنوء الجبال بتحمله. صمدوا أمام أطنان القنابل التي صوّبت نحوهم برًا وبحرًا وجوًا، مستهدفة كل مظاهر الحياة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فما تناقلته وسائل الإعلام وما سمعنا عنه هو جزء يسير مما سيكتشفه الغزيون أنفسهم والعالم بعد انقشاع غبار الحرب.
وفي تأكيد على وحشية الاحتلال، وأنه لا يولي أي اهتمام لقدسية الحياة، وأنه لا يزال متعطشًا للدماء، استهدف بقنابل الموت في حملة قصف عشوائية فور الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار مراكز إيواء النازحين وكل مكان ينبض بالحياة، مما أدى إلى ارتقاء عشرات الشهداء وإصابة المئات، هذه المرة، الهدف علاوة على الإمعان في استمرار القتل هو إبادة فرحة الغزيين.
حق لأهل غزة أن يحتفلوا ويفرحوا؛ فما عايشوه من أهوال الحرب تنوء الجبال بتحمله. صمدوا أمام أطنان القنابل التي صوّبت نحوهم برًا وبحرًا وجوًا، مستهدفة كل مظاهر الحياة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فما تناقلته وسائل الإعلام وما سمعنا عنه هو جزء يسير مما سيكتشفه الغزيون أنفسهم والعالم بعد انقشاع غبار الحرب.سيتعرف أهل غزة على حجم الكارثة الحقيقية التي لحقت بالبشر والشجر والحجر مع بدء عودة عشرات الآلاف من المهجرين إلى مدنهم وأحيائهم ليبدأوا رحلة البحث عن منازلهم المدمرة وأحبائهم الذين فقدوا تحت الركام أو الذين ضلوا طريقهم خلال رحلة النزوح أو الذين اختطفهم الاحتلال واختفت آثارهم.
فصل جديد من فصول حرب الإبادة الجماعية سيطل برأسه، عنوانه الكبير “النتائج الكارثية للإبادة”، الذي سيعيد للأذهان رسم تفاصيلها وكأنها تحدث لتوها. حقائق مرعبة سيتعرف عليها العالم الذي وقف متفرجًا بكل صلافة ولم يقم بأي شيء يُذكر حتى للتخفيف من آثارها. سيتساءل الكثيرون: كيف استطاع سكان القطاع الصمود والبقاء في هذه الأرض التي ضجت من آلاف أطنان القنابل التي أُلقيت عليها؟
صباح سريان وقف إطلاق النار هو إيذان بانبعاث جديد لكل سكان قطاع غزة، تمامًا كما تنبعث الحياة من بين فرث ودم. إنه يوم ميلاد مجيد يسطر الصبر والصمود والتحدي. لقد واجهوا الموت الذي أحاط بهم من كل جانب برًا وبحرًا وجوًا، لم يستسلموا وتشبثوا بالحياة غير آبهين بخذلان المتخاذلين وخيانة الأقربين.
صباح يوم الأحد هو التاريخ الذي يسجل البطولة والتضحية والصمود أمام أعتى آلة حرب في التاريخ الحديث، ومن خلفها ضباع تجمعوا بكل ما أوتوا من قوة لدعمها، للفتك بـ2.5 مليون إنسان لتحقيق ما أسموه “الانتصار” المزعوم. لكنهم فشلوا جميعًا، فالدم المسفوك هزم سيفهم وفضح وحشيتهم، ليصبح أهل غزة مضرب الأمثال في التضحية والفداء والتمسك بأرض الآباء والأجداد.
هناك من يؤلمهم الحديث عن نصر أهل غزة بعد 15 شهرًا من المقتلة، ووحدة قياسهم هي الخسائر البشرية والمادية. نعم، إنها خسائر فادحة، وكل قطرة دم سالت عزيزة وغالية. ولو ملك أهل غزة الوسيلة لحقن الدماء لفعلوا لأنهم يقدسون الحياة. لكن الاحتلال، الذي يقدس موت الآخرين ويلهو بالخراب والتدمير، لم يترك لهم متسعًا إلا أن يصبروا ويصمدوا لينتصروا.
لقد انهزم نتنياهو وجيشه وكل القوى التي وقفت خلفهم، من الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة، ومن المطبعين العرب. دُفنت أحلامهم وأهدافهم التي أعلنوها منذ بدء العدوان في رمال غزة. وأولئك الذين دعموا نتنياهو من المطبعين العرب خابت آمالهم، لتبقى غزة جذوة الثورة المشتعلة التي تقض مضاجعهم، وترفد شعوب المنطقة بمعاني العيش بحرية وكرامة.
مشاهد القنابل التي تبيد أحياءً بأكملها، والنيران التي تلتهم أجساد الضحايا أطفالًا ونساءً ورجالًا، وأشلاء الضحايا والرؤوس المقطعة وصراخ النساء والأطفال من تحت الركام طوال 15 شهرًا، لم تكن كافية لإدارة الصهيوني بايدن والحكومات الغربية لتقف موقفًا صارمًا في مواجهة الفاشي نتنياهو لوقف الإبادة. بل على العكس، استمروا بدعمه وتبرير جرائمه والتشكيك بهذه المشاهد.
لم تكن كافية لمن يشتركون مع أهل غزة في الدين واللغة والعروبة أن يقطعوا علاقاتهم الدبلوماسية مع الكيان أو يجمدوها. بل استمروا في علاقتهم وتطبيعهم بوتيرة أعلى. فالتقارير الموثوقة تحدثت عن جسر بري لنقل البضائع إلى الكيان، في الوقت الذي يتضور فيه أهل غزة من الجوع. وخلف الأبواب المغلقة، دعموا الإبادة وأسدوا النصح لنتنياهو بالصبر حتى تحقيق "النصر".
حسابات القتلة وداعميهم كانت الاستمرار حتى إبادة غزة عن آخرها. لكن صمود أهل غزة وقرب تنصيب ترامب وتهديداته قلب كل هذه الحسابات. فهذا التاجر تمكن في يوم سبت من أن يدوس عليهم جميعًا ويجبر نتنياهو على القبول بصفقة كانت مطروحة منذ مايو من العام الماضي، ونجح بعقليته التجارية العدوانية في تحقيق ما عجز عن تحقيقه السياسي المخضرم بايدن، الذي خضع لتهديدات وابتزاز اللوبي الصهيوني.
الإعلام الغربي، الذي خضع لرواية اللوبي الصهيوني، وما فتئ يروج لها متجاهلًا الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بشكل يومي، لعب دورًا مهمًا في استمرار الإبادة. تساوق مع الرواية الصهيونية منذ بدء الأحداث لتبرير الإبادة، ثم استمر بالتساوق مع هذه الرواية للتشكيك في الجرائم التي يرتكبها الاحتلال كماً ونوعًا. وتبرع باستخدام معاداة السامية لشيطنة كل من يخرج إلى الشوارع أو العالم الافتراضي تضامنًا مع سكان قطاع غزة.
لقد انهزم نتنياهو وجيشه وكل القوى التي وقفت خلفهم، من الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة، ومن المطبعين العرب. دُفنت أحلامهم وأهدافهم التي أعلنوها منذ بدء العدوان في رمال غزة. وأولئك الذين دعموا نتنياهو من المطبعين العرب خابت آمالهم، لتبقى غزة جذوة الثورة المشتعلة التي تقض مضاجعهم، وترفد شعوب المنطقة بمعاني العيش بحرية وكرامة.لا شك أن الدعاية الخبيثة لمنظومة الإعلام الغربي، التي اتخذت مسارًا في تغطية الإبادة على غرار دعاية جوبلز في العهد النازي، أعطت الضوء الأخضر للاحتلال وشجعته على ارتكاب الكثير من الجرائم، وعلى وجه الخصوص تدمير المشافي وحرقها، بالترويج أن هذه المشافي قواعد للمسلحين وأنها تستخدم لاحتجاز رهائن. وما كان الاحتلال ليرتكب معظم هذه الجرائم لو وقف هذا الإعلام موقفًا يتسق مع ميثاق الشرف الإعلامي، الذي اختفى بشكل كلي خلال حرب الإبادة.
الذين ساءهم إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بعد بن غفير وسموترش كثر، نذكر منهم عباس وقبيلته في مقاطعة رام الله الذين اعتبروها “سخيفة ولا تساوي الحبر الذي كتبت به” لأنهم لم يصيبوا منها شيئًا كما كانوا يحلمون، رغم الخدمات الجليلة التي قدموها للاحتلال خلال الإبادة، من ملاحقة النشطاء وحماية المستوطنين، حتى حصار مخيم جنين على طريقة الاحتلال وتحييد الضفة طوال أيام الإبادة.
المثير أن عباس الذي سَفَّه الاتفاق صرح بأن "السلطة جاهزة لفرض سيطرتها على القطاع". هذه نكتة سمجة لم يسبقه أحد إليها، فلا يوجد عاقل في قطاع غزة يسمح لهؤلاء أن تطأ أقدامهم تراب غزة الذي جُبل بدماء عشرات الآلاف من الضحايا لمنع الاحتلال من السيطرة عليه. فكيف سيسمحون لعملائه بتحقيق ما ضحوا من أجل منعه؟
على عباس أن يهتم بمصيره ومصير سلطته بعد دخول وقف إطلاق النار حيز النفاذ، وأن يترك غزة لأهلها فهم أدرى بشؤونهم وأحوالهم. صانع القرار الأمريكي الجديد وحكومة نتنياهو عاقدون العزم على التخلص من هذه السلطة بعد أن استنفدت وظيفتها ومكنت للاحتلال الذي التهم الضفة بالاستيطان. هذا مصير الخونة؛ يلفظهم الشعب ويتخلى عنهم أسيادهم ليكون مصيرهم كما مصير أمثالهم الذين حدثنا عنهم التاريخ.
تبقى ثقتنا أن أهل غزة بعد هذه المقتلة قادرون على النهوض بأنفسهم بدعم من بعض الجهود المخلصة القليلة من حولهم، ستعود غزة كما كانت تنبض بالحياة، نعم، الطريق طويل وشاق، لكن مع الإرادة الصلبة التي يملكها الغزيون، والتي عبّروا عنها طوال أشهر الإبادة، تذلل كل الصعاب، وواجبنا أن نمد لهم يد العون بكل ما أوتينا من قوة، وأن نستمر في دعمهم على كل الصعد، وأن نسعى دون كلل أو ملل لملاحقة الفاعلين والشركاء في هذه الإبادة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة فلسطين غزة رأي وقف اطلاق نار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقف إطلاق النار القنابل التی أهل غزة بکل ما
إقرأ أيضاً:
الخارجية القطرية: وقف إطلاق النار بغزة يبدأ صباح الأحد
أعلنت وزارة الخارجية القطرية، اليوم السبت، أن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة سيدخل حيز التنفيذ عند الساعة 8:30 (06:30 تغ) من صباح غد الأحد.
وقال المتحدث باسم الوزارة ماجد الأنصاري على منصة إكس: “بناء على التوافق بين أطراف الاتفاق والوسطاء. سيبدأ وقف إطلاق النار في قطاع غزة في تمام الساعة 8:30 من صباح يوم الأحد بالتوقيت المحلي في غزة”. وأوصت الوزارة بضرورة “أخذ الحيطة وممارسة أقصى درجات الحذر وانتظار التوجيهات من المصادر الرسمية”.
وفي وقت سابق السبت، أعلنت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة بدء انتشار أجهزتها في محافظات القطاع. مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ غدا الأحد.
والأربعاء الماضي، أعلن رئيس الوزراء وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن، نجاح جهود الوسطاء (الدوحة والقاهرة وواشنطن) في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، على أن يبدأ تنفيذه غدا الأحد.
ويتكون اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى من 3 مراحل مدة كل منها 42 يوما.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور