لماذا حذر النبي من الكذب المتعمد عليه ؟ .. علي جمعة يجيب
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، إن من العوارض البشرية "الإكراه من الغير سواء أكان أدبيًّا أو ماديًّا"، لافتاً إلى أن كل هذه العوارض التي تعتري الإنسان تجعل الأصل أنه لا ينسب لساكت قول.
العوارض البشريةولفت علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إلى أن الناقل قد يقع في شيء من العوارض البشرية، فإذا سكت المنقول عنه لا ينسب له قول ذلك القائل ولابد من التحري، ومن هنا اخترع المسلمون علوم التوثيق في جانب القرآن وضبطوا المسألة غاية الضبط ليس فقط على مستوى الآية أو الكلمة أو الشكلة، بل على مستوى الأداء الصوتي.
وتابع: في جانب السنة أبدعوا أكثر من عشرين علما لضبط الرواية، والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر من هذا فيقول: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» [متفق عليه]، وفي جانب العلوم المختلفة أوجدوا أسانيد الدفاتر أي الكتب في العلوم جميعاً، ونراهم في جانب القضاء يؤكدون على العدالة والضبط في الشاهد، فليس كل أحد تقبل شهادته، بل لابد من حالة نأمن فيها تقليل العوارض البشرية وضبط النقل متمثلا بالحديث النبوي الشريف فعن ابن عباس قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة. قال: «هل ترى الشمس»؟ قال: نعم. قال: «على مثلها فاشهد» [البيهقي في الشعب].
واستطرد علي جمعة : أما إذا لم يكن قد صدر عنه القول أو الفعل أصلا فهو أشد من الحالة الأولى، ولا يكلف قطعا برد كل بهتان عليه ويذكر الإمام السخاوي في الضوء اللامع أبياتا عن شيخه يلخص فيها تلك الحالة:
كـم من لئيم مشى بالزور ينقله
لا يتقي الله لا يخشى من العـار
يـــود لـو أنـه للمـرء يهلكه
ولـم ينله سـوى إثـم وأوزارِ
فـإن سمعـت كـلاماً فيك جاوزه
وخـل قائله في غيه ساري
فما تبالي السما يوماً إذا نبحت
كل الطلاب وحق الواحد الباري
وقــد وقـعــــت ببيــت نظمـه درر
قد صاغه حاذق في نظمه داري
لـو كـل كلـب عوى ألقمته حجرا
لأصبح الصخـر مثقالاً بدينارِ
وشدد عضو هيئة كبار العلماء على أنه على الرغم من تقرر هذه القاعدة في الشرع نقلا وشهادة وقضاء وعلمًا فإن الشرع استثنى منها شأن كل قاعدة ما يستوجب الاستثناء لغرض صحيح آخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْبِكْر تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ. قَالَ: سُكَاتُهَا إِذْنُهَا» [أحمد والبخاري]، فأيام ما كانت الناس تستحي وكان الحياء خلقا كريمًا كانت البنت تخجل عندما يتقدم لها خاطب؛ فإذا سألها أبوها استحت فقدَّر الشرع هذا الحياء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» [المسند المستخرج على صحيح مسلم، ومسند الشهاب] فاكتفى بصمتها عن إذنها، وهي أيضا إذا كرهته أو رفضته لا تخجل من إبداء رأيها والجهر به، ومن هنا جاء في الثقافة الشائعة (السكوت علامة الرضا) وهو علامة قاصرة على البكر التي تستحي فتعميم هذه العلامة ليس بسديد.
وتساءل علي جمعة في ختام حديثه: هل لنا أن نؤصل أصولاً لحياتنا الثقافية نرجع إليها جميعا وتكون بمثابة الدستور أو بمثابة ميثاق الشرف الثقافي أو إننا سنظل هكذا في متاهة حوار الطرشان نسير من غير أصول نسعى في حياتنا الثقافية على غير هدى.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الكذب المزيد صلى الله علیه وسلم علی جمعة فی جانب
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: التجلي الإلهي يجعل الإنسان مستحضرًا لله في كل شيء
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن التجلي الإلهي هو أن الله -سبحانه وتعالىٰ- وراء كـل شيء: { فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.وَفِي كُلّ شيء لَهُ آيَة * تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن التجلي الإلهي يجعل الإنسان مستحضرًا لله في كل شيء، في كل سكنة، في كل حـركة. وعندما تقرأ كتــاب (الحِكَم) للإمام ابن عطاء الله السكندري -رحمه الله- تجد أن جميع حكمه مبنية على هذا المعنى : على أنه لا حول ولا قوة بي ، وإنما الحول والقوة لله، وبالله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وأن الأمر كله بيد الله.
ومع ذلك ، فإن الاعتماد على الأسباب شرك، وترك الأسباب جهل، فعندما أراد النبي ﷺ أن يخرج إلى أُحُد ،خالف بين درعيه. [أبو داود] أخذًا بالأسباب، ليعلمنا المنهج الأمثل في التعـامل مع كون الله تعالى. فبيّن لنا أن حقيقة التوكل هي الأخذ بالأسباب، فقال ﷺ: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» [الترمذي] .
وقد قال العلماء: الطير تغدو وتروح، تأخذ بالأسباب، لا تمكث في أوكارها، بل تبذل جهدها، فيرزقها الله -سبحانه-. فقوله ﷺ : (تَغْدُو وتَرُوح) يشير إلى وجود حركة، فهي إذن لا تترك الأسباب. وكأن الحق سبحانه يربي الأكوان كلها على التأدب بأدب الله في الأخذ بالأسباب التي أوجدها وخلقها في كونه.
ويعلّمنا أيضًا أن المؤمن ، رغم أخذه بالأسباب، إلا أنه لا يعتمد عليها؛ فالفلاح يلقي الحب، ثم يدعو الله قائلًا: (يا رب).
هذا هو المسلم الذي أقام حضارةً، حضارةً يؤمن فيها بالتجلي الإلهي.
والتجلي الإلهي مبني أيضًا على أن الحق سبحانه له أسماء، وأسماء الله الحسنى في القرآن الكريم مائة وثلاثة وخمسون اسمًا ، وفي السُّنَّة المطهرة مائة وأربعة وستون اسمًا، ومع حذف المكرر منها، تكون أسماؤه -سبحانه- مائتين وعشرين اسمًا. وهذه الأسماء تمثل منظومة القيم التي عاشها المؤمنون، ومنها:
• أسماء الجمال: (الرحمن، الرحيم، العفو، الغفور، الرؤوف).
• أسماء الجلال: (المنتقم، الجبار، العظيم، شديد المحال، جل جلال الله).
• أسماء الكمال: (الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الضار، النافع، المعز، المذل، السميع، البصير).
وهناك أيضًا ما يسمونه بـ (الأسماء المزدوجة)، مثل:
• (الأول الآخر) معًا يشكلان اسمًا.
• (الضار النافع) معًا يشكلان اسمًا.
• (الظاهر الباطن) معًا يشكلان اسمًا، لأن بهما الكمال المطلق لله رب العالمين.
هذه المنظومة توصلك إلى ثلاث مراحل:
- التخلي: أن تخلي قلبك من القبيح.
- التحلي: أن تحليه بالصحيح.
- التجلي: أن يتجلى الله بأنواره وأسراره على قلبك.
وحينها، تخرج من دائرة الحيرة إلى دائرة الرضا، كما قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.