تتحفظ المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) على تاريخ الضربة التي أجازت تسديدها لتأديب المجلس العسكري في النيجر وتوقيتها وشكلها، جراء انقلابه الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم.

ورغم أنه لا شيء حتى الآن يؤكد قدرة إيكواس على محاصرة المعلومة المهمة، التي يعتقد أن تداولها يجب أن يكون محصورًا بين أجهزة عسكرية وأمنية محلية ودولية محدودة؛ فإن إطلاق الرصاص في وجوه انقلابيي نيامي، لا يزال خيارًا تقف أمامه عقبات متعددة، ويثير مخاوف مؤلمة في مآلاته بالنسبة لدول المنطقة، التي يرسم فيها الرعب والموت خريطة ألم تتسع كل صباح.

خيارات محدودة أمام تدخل مبهم

وإذا تجاوزت إيكواس كل العقبات السياسية والتنظيمية التي لا تزال تعترض طريق هذا التدخل العسكري، فإن شكله وتوقيته وأهدافه قد تكون هي الأخرى عقبات عملية أمام هذا "الغزو"، الذي يتباين زخمه الإعلامي صعودًا وهبوطًا بشكل متواصل.

ويشير محللون ومتابعون للأوضاع إلى أن من أبرز "سيناريوهات" هذا التدخل، ما يلي:

إنزال جوي وإقامة جسر طيران عسكري

وذلك لاحتلال مطار العاصمة نيامي وبقية المطارات الأخرى، ومن ثم التحرك نحو المؤسسات الحيوية والأساسية؛ وفي مقدمتها: القصر الرئاسي، والبرلمان، وصولًا إلى تحرير محمد بازوم، واستعادة الحكم المدني في البلاد.

غير أن هذا الخيار سيواجه دون شك عقبات؛ أبرزها:

نظام الدفاع الجوي النيجري الذي عززته البلاد خلال العقد المنصرم في سياق حربها ضد الإرهاب، وضمن تعاونها مع القوى الغربية؛ وفي مقدمتها: الولايات المتحدة وفرنسا. التترس بالمدنيين: وتحويلهم إلى دروع بشرية تمنع إيكواس من قصف هذه الأهداف الأساسية، وذلك من خلال السيطرة على مدارج المطار بتحويلها إلى ساحة احتجاج مدني، وحشد آلاف المتظاهرين فيها، وهو ما سيجعل قصفه مستحيلًا بشكل كامل. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون الحرس الجمهوري الذي أطاح بالرئيس ويقود زعيمه البلد حاليًا، ويتألف من 700 عنصر، هو حجر الزاوية ومحور المقاومة في هذه الحالة، خلافًا للتدخل البري.


الغزو البري.. اللهب القادم عبر الحدود

يجب أن يمر أي تدخل بري عبر حدود النيجر مع نيجيريا أو بنين أو كليهما، والتحرك عبر بضع طرق سريعة إلى نيامي.

وهذا الخيار هو الأصعب عمليًا، حيث يتوجب على جيوش إيكواس أن تعبر الحدود حصرًا من نيجيريا أو من بنين، وهو ما يحتم عليها قطع مئات الكيلومترات لكي تصل العاصمة النيجرية نيامي، حيث تبعد الحدود النيجيرية عن نيامي نحو 260 كيلومترًا، بينما تصل المسافة بين العاصمتين أبوجا (نيجيريا)، ونيامي (النيجر) إلى حوالي 922 كيلومترًا.

كما تبعد حدود بنين وعاصمتها عن نيامي مسافات مشابهة، وهو ما يضيف مزيدًا من العوائق أمام هذا الخيار، ويتطلب بالتالي:

حشدًا هائلًا على الحدود: حيث يتوقع أن يكون عدد جيش إيكواس المعدّ للتدخل في النيجر بالآلاف إن لم يكن عشرات الآلاف، وحشد هذا العدد برجاله وعتاده ومعداته، وفي وقت قصير ومناطق محدودة ومن دول عدة، يتطلب -دون شك- وقتًا وجهدًا كبيرًا وربما مساعدة أجنبية، رغم أن هذا يمثل الجزء الأسهل في المهمة. زحفًا طويل المدى، لجيش من آلاف الجنود بوسائلهم وقدراتهم المتعددة، وهو ما قد يجعل هذا الجيش عرضة لكمائن متعددة من الجماعات المسلحة، وكتائب المقاومة الشعبية، ومن الجيش النيجري بشكل أساسي. كما أن هذا التحرك الطويل سيمنح الجيش النيجري فرصة لتعزيز مواقعه الدفاعية في العاصمة النيجرية، وحول الأهداف الأساسية التي يتوقع أن تستهدفها ضربات إيكواس، خاصة إذا حافظ الجيش النيجري على تماسكه، أو دفع الغزو الأجنبي القوى المترددة إلى الالتحام والتصدي للغزاة، ويتأكد الأمر في ظل الحملة الدعائية القومية التي ينفذها المجلس العسكري لتجييش الدعم الشعبي لصالحه في وجه " العدوان المرتقب".

عملية برية خاطفة

ويتمثل هذا الخيار في خوض عملية بقوة أرضية من القوات الخاصة أقل حجمًا، تكون أسرع في التجميع، ويرجح أن تركز على الاستيلاء على المواقع الأمنية والإدارية الرئيسة، وإنقاذ بازوم من الإقامة الجبرية وإعادة حكومته.

دمج الخيارات

وإضافة إلى الخيارات السابقة، فيمكن -أيضًا- الحديث عن دمج الخيارات، واعتماد ضربات جوية خاطفة ومفاجئة، أو غزو بري خاطف بعملية سريعة ومحددة، لكن كل الخيارات المذكورة لن تكون نزهة، بل سيكون تنفيذها مكلفًا للغاية، ومآلاتها مؤلمة لمختلف الأطراف على الأرجح.

المقاومة المرتقبة.. هل هي كتائب شعبية أو دروع بشرية؟

لا يتوقع أن يستقبل الانقلابيون "الغازي الإيكواسي" بالورود، بل يمكن القول إن قادة الانقلاب قد شرعوا بالفعل -وفقًا لما يظهر من تصريحات وتحركات- في وضع خطط الدفاع وتنظيم المقاومة، التي يمكن أن تأخذ أكثر من وجه وعبر أكثر من جهة، ومن أبرز جبهات المقاومة المتوقعة.

مواجهة واسعة من الجيش: بمختلف كتائبه، خاصة قوات النخبة والحرس الرئاسي، رغم أنه لا يُعرف -حتى الآن- مستوى تماسك الجيش النيجري، في ظل رهان أطراف مقربة من النظام المخلوع على أن وحدات عسكرية متعددة لا تزال تدين بالولاء لبازوم، لكنها تتفادى إشعال حرب داخل الجيش، في مقابل رهان الطرف الآخر على وحدة الجيش وعناصره أمام التدخل العسكري الأجنبي. الإسناد الشعبي: من خلال الكتائب الشعبية التي دعا قائد الانقلاب إلى تشكيلها تحت شعار التطوع للدفاع عن البلاد، وهي ما قد يتحول لاحقًا إلى وقود لمليشيات مسلحة، قد يكون دورها حاسمًا في مزيد من التدهور في النيجر. دعم الانقلابيين: في مالي وبوركينافاسو، الذي بدأت بوادره من خلال طائرات عرضها التلفزيون النيجري، تأكيدًا أن البلدين اللذين يحكمهما جنرالات انقلابيون سيدعمون نظيرهم الجديد، رغم أن بعض المحللين يتوقع أن يكون إسنادهم رمزيًا أكثر مما هو عملي وذو طبيعة حاسمة، بحكم صعوبة تحرك جيوشهم نحو النيجر؛ لانشغالها بمعاركها الداخلية مع الجماعات المسلحة، ولانتشار عناصر هذه الجماعات في المناطق الحدودية بين البلدان الثلاثة.


حماية الأنظمة وردع طموحات الضباط

ورغم قوة التوقعات بأن تبعات التدخل العسكري ستكون مؤلمة، فإن دوافع إيكواس وحلفائه للتدخل العسكري لإنقاذ النظام المدني في النيجر، متعددة وقوية هي الأخرى؛ ولعل من أبرزها:

الوقوف في وجه سيل الانقلابات التي اجتاحت منطقة غرب أفريقيا، التي أسقطت أنظمة عدة، بعضها كان قويًا وعميق الصلة بفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، ولأن روافد هذا السيل الانقلابي قد تعددت مع الوجود الروسي في المنطقة، فإن التصدي له بات واجبًا وغير قابل للتأخير لدى صقور إيكواس. حماية الديمقراطية الهشّة التي حظيت بربيع أفريقي خلال العقدين المنصرمين، قبل أن تتحول إلى هشيم سياسي تحرقه إخفاقات الأنظمة، وهوس الجنود الأفارقة بالانقلابات والرهانات الدولية المتناقضة. الحماس الشخصي لبعض قادة إيكواس، وبشكل خاص الرئيس النيجري بولا تينوبو الساعي إلى فرض نفوذه زعيمًا قويًا في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، مع انهيار الأنظمة القوية في محيطه، وفي الصدد نفسه يظهر دور الرئيس الغاني نانا أكوفو أدو الذي احتضنت بلاده الاجتماعات المكثفة الأخيرة لقادة جيوش إيكواس، ويذهب وزير خارجيته إلى أن نجاح الانقلابيين في النيجر يعني هزّ الاستقرار في كل المنطقة. سوابق التدخل العسكري: لفرض الاستقرار وإخفاق الانقلابات العسكرية، كما حصل في كوت ديفوار وليبيريا عام 2003، وما حصل في غامبيا 2017، حيث تمكنت إيكواس من إرغام الرئيس الغامبي السابق يحيى جامي، على التخلي عن السلطة بعد هزيمته على يد الرئيس الحالي آداما بارو، وغيرها من التدخلات. الرهان الفرنسي على التدخل العسكري: بما يقتضيه ذلك من دعم عسكري وتحريض سياسي وأمني، خاصة أن نجاح الأفارقة في كسر شوكة الانقلاب العسكري، قد يكون رادعًا مستقبليًا لأي تفكير انقلابي، كما سيرمّم -كذلك- الوجود الفرنسي في المنطقة، ليكون عاملًا في استقرار الأنظمة الهشة، بعد أن أصبح وجودها عنوان الاضطراب السياسي والأمني. وتتأسس على تلك الاعتبارات والمطامح مساع أفريقية لتقوية وتعزيز دور إيكواس، لتكون مؤسسة فاعلة في تدبير أزمات القارة، خاصة بعد أن اتضح أن مستقبل المنطقة يكاد يكون متقاسمًا بين الأفارقة أنفسهم، ومن يصفهم بـ"الغزاة الجدد" (الروس) القادمين من بلاد الثلج، مع تراجع كبير في النفوذ التقليدي للفرنسيين والأميركيين، ومحدودية الدور الصيني حتى الآن. التفوق العسكري: حيث تراهن إيكواس على قوتها العسكرية، وتحالفها مع فرنسا التي لديها قواعد عسكرية داخل النيجر.

ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن جيش نيجيريا هو أكبر جيوش هذه الدول، ويبلغ تعداده 230 ألف جندي، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من قوات الاحتياط، ويمتلك 177 دبابة و144 طائرة عسكرية، ويبلغ حجم الإنفاق العسكري حوالي 3.5 مليارات دولار.

أما جيش ساحل العاج فهو ثاني أكبر جيوش الإيكواس، ويحتل المرتبة 19 أفريقيًا، بإجمالي قوات يصل إلى 40 ألف جندي، في حين يحتل الجيش السنغالي المرتبة 30 أفريقيًا، ويصل تعداد قواته إلى 17 ألفًا، ويمتلك 27 طائرة عسكرية، ونحو 1100 مدرعة عسكرية.

كما يضم الجيش الغاني 15 ألف فرد، ويمتلك 20 طائرة عسكرية، وأكثر من 1656 مركبة عسكرية، ويصل الإنفاق السنوي العسكري إلى 226 مليون دولار.

وفي المقابل، فإن تعداد جيش النيجر يقارب 30 ألف عنصر، بينهم حوالي 11 ألفًا منتشرين في ساحة القتال، وهو ما يعني تفوقًا هائلًا عدة وعتادًا لجيوش إيكواس على جيش النيجر، ورديفيه المالي والبوركينابي اللذين يواجهان -أيضًا- أزمات داخلية كبيرة، قد تجعل قتالهما خارج الحدود مسمارًا قويًا في نعش أنظمتهما العسكرية.

جدار في وجه الرصاص.. تردد ومخاوف ومعارضات

ومع كل تلك الدوافع، ورغم ما يشبه الإنذار الأخير الذي وجهته إيكواس إلى انقلابيي النيجر، على إيقاع الهُتاف المتواصل لطبول الحرب في المنطقة، فإن عقبات كثيرة لا تزال ماثلة أمام التدخل العسكري؛ ومن أبرزها:

الإشكال القانوني تجاه التدخل العسكري الذي يتطلب -وفقًا للأعراف- رخصة من الاتحاد الأفريقي، وموافقة من مجلس الأمن بعد ذلك، ودون تلك الموافقات لن يكون لرصاص إيكواس صوت مفزع للمجلس العسكري في نيامي. ومع استحالة صدور موافقة من مجلس الأمن على التدخل العسكري في النيجر، فقد أكدت إيكواس أنها ليست بحاجة لموافقة المجلس، الذي ينتظر أن تستخدم روسيا ورقة "الفيتو" لمنع موافقته. وضعية الانقسام والتردد: خاصة أن دولًا من أعضاء إيكواس قد رفضت بشكل قاطع التدخل العسكري في النيجر، ويتعلق الأمر بشكل خاص بدولتي مالي وبوركينافاسو اللتين يقودهما انقلابيون، يُضاف إلى ذلك رفض الجزائر ذات التأثير الكبير في القرار الأفريقي، وتحفّظ موريتانيا وتشاد، إضافة إلى ضعف التماسك الداخلي في نيجيريا تجاه التدخل العسكري، وانقسام برلمان إيكواس تجاه خطة الحسم العنيف. تمويل التدخل العسكري: الذي يتوقع أن يتجاوز 2.3 ملياري دولار وفق المقترح المثالي الذي توقعته إيكواس عند إنشاء قوتها المتخصصة في منع حدوث أو استقرار الانقلابات، والأكيد أن تأمين هذا المبلغ الهائل سيكون صعبًا جدًا، خاصة أن المنطقة عاجزة عن تأمين مبالغ مماثلة للأمن الغذائي والخدمات الصحية. المخاوف من اتساع دائرة اللهب: خصيصى إذا ما قررت أنظمة مالي وبوركينا فاسو السير في طريق الحماس العسكري، وتشكيل حلف مقاومة في وجه "الغزو إيكواسي" للنيجر، وتتعزز المخاوف بشكل كبير إذا ما تحركت "كتائب المقاومة الشعبية" الداعمة للمجلس العسكري، ليتحول الأمن الهش في النيجر إلى فوضى قد تمد أذرعتها إلى باقي المنطقة. المساومة على سلامة الرئيس: ستكون حياة الرئيس النيجري ورقة مهمة للمساومة بيد المجلس العسكري، حيث ستكون المعاملة الطيبة جزءًا من سعي المجلس لتحسين صورته أمام العالم، بينما ستكون المساومة على حياته أو تهديدها ثمنًا متوقعًا للتدخل العسكري، الذي لا يتوقع أن يستقبله انقلابيو النيجر بغير المقاومة. طول فترة الاستعداد: وتجميع الجيوش وتحريكها، إضافة إلى ما قد يتطلبه ذلك من موافقات البرلمانات المحلية في الدول المشاركة، وهي فترة كافية لأن يتقدم الانقلابيون في مشروعهم الخاص، ويعززوا مواقعهم، بل ويفككوا جزءًا من حالة الغضب الأفريقي تجاه انقلابهم، الذي لم يكن الأول، ولن يكون الأخير في الساحل وغرب أفريقيا. الرهانات السياسية للانقلابيين: وتمثّل هي الأخرى حاجزًا محتملًا أمام التدخل الأجنبي، خاصة مع جنوحهم أخيرًا إلى الحوار مع إيكواس، وإعلان قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني عن خطة العودة إلى الحياة الدستورية، التي تتضمن فترة انتقالية من ثلاث سنوات، وهو المشروع نفسه الذي نفذته حركات انقلابية أخرى، تحولت بعد ذلك إلى أنظمة مدنية قوية.

وبين مختلف هذه الاحتمالات التي تؤطّر أزمة الانقلاب والتدخل العسكري المرتقب في نيامي، يعيش المواطنون هناك على ضفاف أمل في انفراجة تجبنهم السير الحثيث إلى ألم قاتل، يضفي عناصر انهيار إلى المنظومة الاقتصادية والأمنية لأفقر بلدان أفريقيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التدخل العسکری الجیش النیجری العسکری فی هذا الخیار جیش النیجر فی النیجر یتوقع أن وهو ما فی وجه إلى أن

إقرأ أيضاً:

صفقة خطيرة أبرمها السيسي تُدخل مصر عقدا مظلما

نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مقال رأي للكاتب أحمد عابدين تقريرًا سلط فيه الضوء على العقد المظلم الذي تعيشه مصر، والذي بُني على صفقة خطرة أبرمها رئيس النظام عبد الفتاح السيسي الذي سمح للجيش بالسيطرة على ثروات الدولة ومؤسساتها مقابل ولائهم له، كما شملت هذه التنازلات حتى قضايا أمن قومي مثل تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

وقال الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر أعلن موافقته على ترشيح عبد الفتاح السيسي للرئاسة قبل عقد من الزمان، ليضع مبدأ أساسيا سيصبح حجر الزاوية في حكمه على مدى السنوات العشر التالية: مصالح الجيش وقيادته لها أولوية قصوى، فالكيان الذي أوصله إلى السلطة هو الوحيد القادر على إزاحته. وطوال هذا العقد المظلم، تطوّر دور الجيش من كونه حارسًا للدولة، كما كان الحال لعقود من الزمن، ليصبح المالك والمدير والمنفذ لجميع الجوانب المهمة للأمة.


وفي مقابل الولاء والطاعة، سمح السيسي للجيش بالسيطرة على ثروات الدولة ومؤسساتها حيث يدير أفراد الجيش هذه الموارد في المقام الأول لمصلحتهم الخاصة، دون أي مساءلة. ويمتد ولاء الجيش للسيسي حتى إلى القرارات التي يمكن أن تعرض الأمن القومي للخطر، مثل تنازله للمملكة العربية السعودية عن السيادة على جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر، الواقعتين في خليج العقبة.

وتستمر معادلة الحكم الراسخة منذ فترة طويلة بين الرئاسة والجيش: فالرئيس يستمتع بالسلطة المطلقة، شريطة أن يحافظ على السيطرة والاستقرار، وفي أوقات الاضطرابات يتدخل الجيش ويفرض شروطه، كما حدث في انتفاضة كانون الثاني/ يناير 1977 وثورة كانون الثاني/ يناير 2011 وقد تكرر هذا النمط بعد الاحتجاجات الضخمة في أيلول/سبتمبر 2019.

وفقا للكاتب، لعبت خبرة السيسي الواسعة في الجيش دورًا حاسمًا في الحفاظ على الاستقرار الداخلي داخل المؤسسة، من حيث كبح الطموحات الشخصية، ومنع تكوين مراكز القوى واستخدام نهجي الترغيب والترهيب. وأصبحت التغييرات السريعة والمنتظمة على مستوى القيادة سمة مميزة، وتم إضفاء الطابع المؤسسي عليها من خلال تقليص مدة تولي المناصب العسكرية العليا من أربع سنوات إلى سنتين فقط بينما يحتفظ السيسي بالسلطة لتمديدها مما يضمن السيطرة والولاء المطلقين.

الثروة والامتيازات
وأوضح الكاتب أن المزايا والمكافآت والحوافز على الولاء ازدادت، مما أدى إلى إغراق الضباط العسكريين بمشاريع ومناصب تجلب ثروات وامتيازات هائلة، مما يجعل أي تمرد يبدو انتحارياً. وأولئك الذين تجرأوا على تحدي السيسي، مثل رئيس أركان الجيش السابق سامي عنان، واجهوا عواقب وخيمة. وكما هو الحال مع جميع رؤساء مصر السابقين، عمل السيسي بلا كلل لتأمين منصبه، مستفيدًا من تجارب أسلافه، وتبقى أحداث كانون الثاني/يناير 2011 في صدارة ذهنه، وربما ذكرها في خطاباته أكثر مما ذكرها الثوار أنفسهم.

ولفت |إلى أن الثورة التي أطاحت بنظام حسني مبارك الذي دام ثلاثة عقود في سنة 2011، عندما طغت موجة هائلة من الناس على قوات الأمن، تركت النظام الحاكم مكشوفا تماما، لكن الجيش سرعان ما استعاد السلطة بسهولة، تماما كما فعل في صيف سنة 2013 للإطاحة بمحمد مرسي، مستفيدا من السخط الشعبي.

لقد ركز السيسي على منع حدوث مثل هذا الأمر من خلال ضمان عدم تصاعد أي مظاهرات، مهما كانت صغيرة، إلى انتفاضة شاملة. لقد سحق كل محاولات المعارضة السلمية المنظمة، وتجاوزت حملته القمعية أي فترة أخرى في تاريخ مصر الحديث.

لقد أظهر العقد الماضي أن المَخرج الوحيد من هذه الحلقة المفرغة هو عودة السلطة إلى أصحابها الشرعيين: الشعب المصري، الذي يجب أن يستعيد دوره في مساءلة السلطات، لكن الحراك الشعبي يحتاج إلى القيادة والتنظيم، وهي الأدوات التي دمرها السيسي بشكل منهجي.


وأكد الكاتب، الذي عمل مستشارًا سياسيًا في حملة قائد المعارضة المسجون أحمد طنطاوي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أن إيجاد طريقة يستطيع بها الشعب العودة إلى المعادلة السياسية كانت مهمة تحملها هو وطنطاوي ومجموعة من رفاقهم. وكانت استراتيجية ما أُطلق عليه "مشروع الأمل" تتلخص في وقف دائرة الاستبداد من خلال إعادة دمج جميع شرائح السكان في العملية السياسية، وتعزيز المنظمات السياسية وتعزيز بيئة مواتية للمشاركة العامة واسعة النطاق.

صمت عالمي
وأشار الكاتب إلى أنهم راهنوا على عودة سلطة الشعب عبر صندوق الاقتراع الذي اعتبروه أكثر أمنًا من الاحتجاجات، وما لم يكن متوقعًا هو المشاهد المرعبة لآلاف البلطجية في جميع أنحاء البلاد وهم يمنعون الناس من التوقيع على عرائض منح طنطاوي حقه في الترشح للرئاسة.

وقد تحصنت قوات الأمن وأجهزة الدولة في مصر ضد إرادة الشعب، وحتى لو كنا نتوقع ذلك، ماذا كان بوسعنا أن نفعل تجاه العصابات المسلحة التي تعتدي على المواطنين في الشوارع؟ والأكثر إثارة للدهشة هو صمت المجتمع الدولي، إذ لم تكتفِ الدول بعدم الرد على تصرفات نظام السيسي المناهضة للديمقراطية فحسب، بل كافأت الزعيم القمعي أيضًا بمليارات الدولارات لتجنب الانهيار الاقتصادي.

وأضاف الكاتب أن السبب الرئيسي لذلك هو علاقة السيسي بإسرائيل، فمن الواضح أن المجتمع الدولي يهتم بأمرين فقط عندما يتعلق الأمر بمصر: منع انهيارها، وهو ما قد يؤدي إلى تدفق المهاجرين إلى شواطئ أوروبا، وضمان أمن إسرائيل - وهي المهمة التي برع فيها السيسي.


قبل الانقلاب العسكري سنة 1952، تنافست قوى متعددة على السلطة في مصر: الملك، والاحتلال البريطاني، وأحزاب سياسية مختلفة، لكن الانقلاب الأخير في سنة 2013 ركّز كل السلطة في يد الرئيس، مع احتفاظ الجيش بمفاتيح الرئاسة. ثم وضع الرئيس السابق أنور السادات تلك المفاتيح في أيدي الولايات المتحدة، ومع تنامي نفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، أصبحت أهمية أي نظام يحكم مصر تقاس بعلاقته بإسرائيل.

تحرير فلسطين
أفاد الكاتب بأن السيسي أدرك هذه المعادلة جيداً، وتجاوز الصداقة مع تل أبيب ليصبح حليفًا وثيقًا لها، وهذه الشراكة مفيدة للطرفين ذلك أن احتمالات الديمقراطية في مصر تهدد كلا الطرفين. فالديمقراطية بالنسبة للسيسي تعني فقدان عرشه، خاصة بعد مستويات غير مسبوقة من الفشل والقمع والفقر في البلاد. أما بالنسبة لإسرائيل، فمن المرجح أن تؤدي الديمقراطية في مصر إلى حكومة تعكس إرادة الشعب المصري - معادية لإسرائيل وتعتبر نفسها جزءًا من القضية الفلسطينية - وهي أيديولوجية لم تتغير منذ الأربعينيات، عندما سافر العشرات من المصريين إلى فلسطين للقتال ضد غزو العصابات الصهيونية.

لا يمكن المبالغة في أهمية ما يحدث في غزة وفي جميع أنحاء فلسطين اليوم. لعقود من الزمن، كان الشعار السائد هو أن تحرير فلسطين من الاحتلال يبدأ بتحرير القاهرة من الدكتاتورية، واضعًا مصر باعتبارها العمود الفقري القادر على توحيد العرب، ولكن يبدو أن العكس هو الذي يحدث. إن التغيرات التي جلبتها الحرب في غزة لن تشكل مستقبل فلسطين فحسب، بل وأيضًا مستقبل مصر ـ بل وربما المنطقة بالكامل. وتحوّل الرأي العام الدولي ضد الاحتلال الإسرائيلي سوف ينعكس في السياسات العالمية تجاه مصر.

في المستقبل، من الممكن أن تصبح الديمقراطية وحقوق الإنسان أساس العلاقات الدولية مع مصر، بعيدًا عن الاتجاه الذي السائد منذ عقود الذي دعم الأنظمة الفاسدة فقط لحماية ومساعدة الاحتلال الإسرائيلي، حتى في خضم الإبادة الجماعية واسعة النطاق في فلسطين. ويؤكد هذا الوضع تأكيد المحللة نعومي كلاين مؤخرًا أن "الصنم الكاذب للصهيونية يساوي بين الأمان الإسرائيلي والديكتاتورية المصرية والدول العميلة".

مقالات مشابهة

  • جيش النيجر يقضي على أكثر من 100 إرهابي قرب حدود بوركينا فاسو
  • ماذا وراء الخطوة الأجرأ للسيسي في وزارة الدفاع؟
  • السودان: «القضارف» تدعو المنظمات الدولية للتدخل ومواجهة موجة النزوح
  • جيش النيجر: مقتل أكثر من 100 إرهابي
  • حكومة النيجر تقبل إجراء محادثات لإصلاح العلاقات مع بنين
  • صفقة خطيرة أبرمها السيسي تُدخل مصر عقدا مظلما
  • بلا صوت في المجلس العسكري.. ماذا تعرف عن رئيس أركان الجيش المصري الجديد؟
  • «سيؤدي إلى فوضى».. أنباء عن انسحاب بايدن من سباق الرئاسة الأمريكية
  • المقاومة بغزة تعيد تنظيم صفوفها وتسليحها وسط توقعات بـ حرب استنزاف طويلة
  • جيش تشاد يعلن تصفية 70 إرهابيا ينتمون لجماعة "بوكو حرام"