موقع النيلين:
2025-01-18@18:38:07 GMT

تجويع المدنيين جريمة حرب

تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT

منذ عصور قديمة كانت هناك رغبة بدافع ديني أو فلسفي لجعل الحرب أكثر إنسانية، وقد وردت أفكار لحكماء وفلاسفة صينيين قدماء (القرن الرابع والقرن الخامس قبل الميلاد) ، تحث علي احترام أعراف معينة في الحروب لمن لا يشاركون في الحرب والسعي نحو حرب نبيلة المقاصد والأخلاق، وقد كان أهم دافع لهؤلاء الفلاسفة هو حماية حياة الإنسان ، فمنذ ذاك الزمان والعالم يبحث عن سبل تخفيف معاناة الحرب على المدنيين وحماية وجودهم في الحياة ، ورغم قسوة تلك المجتمعات الا أنه كانت هناك أعراف صارمة متبعة في الحرب.

مع تطور الحياة الإنسانية وتطور الافكار والعلوم وظهور الاديان السماوية أصبح الحق في الحياة حقا انسانيا مكفولا في كل الشرائع السماوية وله ضمانات في القوانين الوضعية ، وهو أول حق في منظومة حقوق الإنسان العالمية، وحق الحياة محل التزام لكل الدول في مختلف الأحوال سلما وحربا خاصة للمدنيين.

وليكون حق الحياة موجودا علي أرض الواقع لابد من توافر عناصر مهمة منها توفير الأشياء الأساسية لحياة الإنسان وأهمها الغذاء ، وهذا يتطلب ثلاث نقاط جوهرية هي الوفرة ، وإمكانية توصيله للأشخاص المعنيين من السكان المدنيين ، وكذلك الكفاية بمعني أن يكفي حاجتهم للعيش .

تتعدد أساليب تجويع المدنيين في الحرب أما بتدمير مخازن الأغذية أو حرق أو إتلاف المحاصيل الزراعية في الأسواق والمطاحن والمخابز، أو عبر التحكم بفتح أو إغلاق سدود المياه أو شبكات الري أو بفرض حصار على المدن ومنع وصول المواد الغذائية أو الاغاثات والمساعدات الغذائية للمدنيين.

تجويع المدنيين كتكتيك حربي يستخدم منذ القدم فالتاريخ الإنساني حافل بالعديد من صور الحصار والتجويع للمدنيين وموتهم نتيجة الجوع بأعداد كبيرة، لذلك دعا المجتمع الدولي عقب الحرب العالمية الثانية إلى ضرورة إجلاء المدنيين ، أو علي الأقل يسمح لهم بمغادرة أماكن الاشتباك حماية لهم .

أما في العصر الحديث فهو محظور دوليا لأن القانون الدولي الإنساني يشمل جميع المدنيين بالحماية من الجرائم التي ترتكب بحقهم في الحروب دون أن يكونوا مشاركين فيها لكنهم يفقدون حياتهم بسببها، لذلك حظر العديد من الجرائم التي قد تقع عليهم ومنها تجويع المدنيين بحرمانهم من دخول المواد الغذائية ومنع وصول المساعدات الإنسانية حيث يعتبر دليلا كافيا علي قصد التجويع للمدنيين وبالتالي وقوع جريمة حرب.

و بما أن القانون الدولي الإنساني يجرم تجويع المدنيين و هذه القاعدة القانونية تستمد شرعيتها من مبدأ التمييز المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني عبر المادة 14 في البرتوكولين الاضافيين لعام 1977م وكذلك مادة 24 فقرة (2) التي تقر بحماية المدنيين وحظر تجويعهم .

وكذلك تنص المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية علي أن إخضاع مجموعة بشرية عمدا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئياً، ينطبق عليه مفهوم الإبادة الجماعية، هذه وجهة نظر قانونية أخرى إضافية بمعنى أن تجويع المدنيين قد يصنف جريمة إبادة جماعية أو قد يصنف جريمة حرب ، في الحالتين هي جريمة دولية يعاقب عليها القانون الدولي الانساني ويعتبر من يرتكبها أو يشارك فيها أو يحرض عليها مجرم حرب .

في 6 ديسمبر 2019م تم تعديل نظام روما الأساسي ليشمل التجويع المتعمد للمدنيين باعتباره جريمة حرب في النزاعات المسلحة غير الدولية، والقاعدة 156 من القانون الدولي الإنساني العرفي والتي تعتبر تجويع المدنيين وحرمانهم من الغذاء للبقاء علي قيد الحياة، جريمة حرب.

كما اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 24 مايو 2018م قرارا يدين استخدام تجويع المدنيين كأسلوب للحرب ، وكذلك منع وصول المواد الغذائية أو الاغاثات والاعانات التي لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة، ودعا جميع الدول الأعضاء إلى تجريم التجويع واعتباره جريمة حرب.

في كل الأحوال يلتزم القانون الدولي الإنساني بتوفير الحماية للمدنيين الذين يغادرون منطقة محاصرة أو الذين يجري إجلاؤهم منها طوعا لحمايتهم .

علي ضوء ما سبق نجد أنه مع استمرار المعاناة الناتجة عن الحرب في السودان، اتهم خبراء تابعون للأمم المتحدة مليشيا الدعم السريع الإرهابية باستخدام أساليب التجويع بحق المدنيين كأسلوب حرب مما يضاعف معاناة المدنيين ويقتل الأطفال وكبار السن .

إضافة إلى تجويع المحتجزين قسريا في سجون المليشيا، والأمثلة كثيرة، ذكرت منها بعض الحالات في صحيفة تايمز البريطانية حيث نشرت تقريراً مطولاً يسلط الضوء على الافراج عن العديد من الأسرى والمحتجزين قسريا في سجون المليشيا بعد انتصارات القوات المسلحة في ود مدني ، وكيف خرج الالاف من الأسرى في حالة صحية متردية وسوء تغذية وأنهم تعرضوا للضرب والتعذيب الوحشي والمعاملة القاسية ونتيجة لذلك مات منهم عدد كبير ، وأن الأسرى المفرج عنهم يحتاجون للرعاية الصحية والتغذية الصحيحة لتجاوز مرحلة سوء التغذية ، جميعهم يروون قصصاً يشيب لها الولدان من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والتجويع المتعمد مع إعطائهم (كوب صغير من العدس) فقط في اليوم، ومثله من الماء .

من جهة أخرى نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما حدث في مارس 2024 م حين احتجزت المليشيا شاحنات المساعدات الإنسانية المقدمة من (اليونسيف) وكانت في طريقها للفاشر للمساهمة في تخفيف الأزمة الغذائية والصحية في معسكرات النازحين خاصة بعد انتشار سوء التغذية بين الأطفال ، فقامت المليشيا بقطع الطريق على قوافل المساعدات الإنسانية و حشدت مرتزقتها عبر طريق مليط – الفاشر واستولت على المساعدات الإنسانية، ونددت اليونسيف بالواقعة واعتبرتها مخالفة للقانون الدولي الإنساني، العجيب في الأمر أن المليشيا نفسها هي مَن نشر الخبر عبر الوسائط الإعلامية !!

في يناير 2025م ونقلا عن وكالة الأنباء السودانية دشنت مفوضية العون الإنساني دخول شحنات مساعدات إنسانية من جمهورية الصين الشعبية تتمثل في (1200) طن من الأرز وجهت لعدد من الولايات التي تأثرت بالحرب ، وذكرت الأستاذة سلوى آدم بنية مفوضية العون الانساني في تصريح صحفي مشترك مع السفير الصيني تشاينغ شيانغ أن الشحنات تستهدف السكان المدنيين في عدد من الولايات إلا أنها وجهت اتهامات للمليشيا بتعمدها منع وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين واستخدام ذلك كسلاح في الحرب ضد المدنيين ، مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة ضد المليشيا الإرهابية، والأمثلة كثيرة.

لكنها صورة أخرى من الصور القاتمة والمؤلمة وجريمة أخرى ضمن سلسلة جرائم الحرب التي ترتكبها المليشيا وهي تبحث كذبا عن (الديمقراطية) بين دماء الأبرياء وأرواح الأطفال .

د.إيناس محمد أحمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القانون الدولی الإنسانی المساعدات الإنسانیة تجویع المدنیین جریمة حرب فی الحرب

إقرأ أيضاً:

مؤسسة وجود تصدر بيان : (ضعوا حداً لتهديدات الأمن الإنساني)

 

 

 

خاص /مؤسسة وجود

 

إدراكاً من أن الهدف من الأمن الانساني هو حماية كرامة الانسان وتحرره من الخوف ومن الحاجة، وإذ تشير جميع المؤشرات إلى أن تهديدات الأمن الإنساني في البلاد عموماً؛ وفي عدن العاصمة المؤقتة والمحافظة بشكل خاص؛ أصبحت تتبلور في مجتمع مهدد في العمق؛ تحدق به المخاطر من كل صوب وحدب؛ وتتعاظم بصورة متنامية مع مرور الوقت في اتجاه يعكس حالة عدم الرضا العام ومدى الاحباط من السياسات والبرامج الحكومية غير الفعالة والتدخلات الإجرائية المؤقتة ليس هذا فحسب بل تمتد آثارها الى استمرار الوضع المأساوي الحرج في انحدار مستويات الخدمات الاجتماعية على نطاق واسع التي تؤدي الى الحرمان من الحقوق الأساسية؛ بما فيها توفر خدمات المياه والحصول على المياه المأمونة النظيفة الصالحة للشرب والكهرباء والغذاء التي لا غنى عنها للإنسان لضمان بقائه على قيد الحياة؛ وعلاوة على ذلك؛ تفاقم تهديد الأمن الاقتصادي مع الظروف القاسية المتسارعة في مضاعفة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية أمام انعدام فرص الحياة الكريمة للجميع بصورة كبيرة ضمن عدد من المشاكل القائمة مثل عدم انتظام صرف الرواتب والمعاشات وشحة فرص العمل لمن يعتمدون على سبل العيش بالأجر اليومي التي يحمل العبء الأكبر منها الفئات المستضعفة والمحرومة بما فيهم النساء المعيلات للأسر؛ الذين يشكلون غالبية الفئات الهشة في أوساط المجتمع ممن هم يكابدون لتأمين الاحتياجات الأساسية لمعيشتهم الذين يجدون أنفسهم في قلب التهديدات؛ وأيضاً في استمرار تدهور العملة الوطنية وتأثيرها في ارتفاع الأسعار ما يؤدي إلى تهديد الأمن الغذائي وغيرها من منغصات العيش الكريم؛ وتجاوز قدرة شرائح كبيرة من السكان على التحمل مما زاد من حدة الفقر والبطالة؛ ومع ضعف نظم الحماية الاجتماعية؛ إلى قلق أوسع للأمن الشخصي من مختلف التهديدات الناجمة عن الجريمة أو انتهاكات حقوق الإنسان؛ وكذلك للأمن الاجتماعي وانتشار الآفات الاجتماعية المختلفة وعدة ظواهر أخرى من التمييز والعنف الاجتماعي؛ وكثرت بالوقت نفسه ظاهرة التلوث البيئي والاعتداء على التنوع البيولوجي مما جعل الأمن البيئي في خطر كبير حيث أضحى يشكل تهديدا حقيقياً على الأمن الصحي العام؛ بالإضافة إلى أزمة تغير المناخ غير المسبوقة والانعكاس الخطير التي يؤثر تأثيراً ضاراً في تصاعد تهديدات حقيقية للسكان في عدن خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة إلى حدٍ لا يحتمل ويهدّد الحياة؛ وتهديدات بيئة معيشية صحية من ذلك انتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها.

 

ومن المرجح أن تزداد الأوضاع سوءً مع سد منافذ الحلول الموضوعية؛ بالإضافة إلى تقويض سبل المعالجات وإزالة العوائق التي تسبب استمرار الوضع على حالة دون محاولات حقيقية؛ وهذا تكرر مع عجز عدة حكومات والسلطة المحلية في الوفاء بالتزاماتها الأمر الذي يكشف أن على السكان في عدن كل عام أن يواجهون انتهاكات لا يمكن تصورها لحقوق الإنسان إزاء مجموعة واسعة من الأزمات وعدم الاستقرار وتغول الفساد المالي والإداري الذي يجعل هذه التهديدات مفرطة في التعقيد؛ ومعقدة لإجراءات الوقاية منه ومكافحته وخاصة مع صعوبة تفكيك شبكة المصالح الخاصة. فالجميع بات يدرك خطورة تفشي الفساد ومدى تأثيره الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وتهديده الدائم لاستقرار المجتمع وأمنه الإنساني وتعطيل حكم القانون وتقويض القيم الاخلاقية.

 

إن تهديدات الأمن الإنساني من الممكن تجاوزها إذا توفرت ارادة سياسية حقيقية وجادة في تحمل المسؤولية من قبل المجلس الرئاسي والحكومة والسلطة المحلية والمجلس الانتقالي الجنوبي بدلاً من التغاضي عنها وتجاهلها على نحو يعكس عدم احترم مواطنيها بصورة عامة وصون حقوقهم، على عكس المأمول ما أصبح واضحًا بأن هناك حاجة قوية لحماية الأمن الإنساني من جميع التهديدات الحرجة والواسعة الانتشار.

 

هناك حاجة قوية أكثر إلحاحاً وضرورة لحماية الناس من جميع التهديدات الحرجة والأخطار التي تهدد حياتهم المعيشية تهديداً بالغاً واسع الانتشار التي لم تُعد منحصرة على السلم والحرب إذ توجد أنماط أكثر خطورة أخرى من الجوع والفقر والعوز؛ ومع هذا الواقع القاتم؛ ما تزال خيبة الأمل لدى العامة تجاه قادة البلاد؛ ومن واقع مسئوليتنا تجاه المجتمع وملامستنا للظروف الصعبة والشديدة، نؤكد بأنه لا يجب أن تتخذ أي إجراءات للحلول في شكل معالجات وقتية آنية سريعة غير فعالة ومستديمة كما هو معتاد؛ ولاسيما عندما تتعلق بمحدودية تنفيذ استجابات متكاملة لمجموعة واسعة من القضايا المعقدة؛ وبالنظر لطبيعتها المتعددة الأبعاد.

 

ومن منطلق ذلك؛ فإن مؤسسة وجود للأمن الإنساني تطالب المجلس الرئاسي والحكومة والسلطة المحلية بضرورة التغلب على الفجوات المتزايدة بين الحكومة والسلطة المحلية والمجلس الانتقالي الجنوبي بغية تعزيز قدرتها على الاستجابة للتهديدات الحالية والناشئة للأمن الإنساني؛ باتخاذ حزمة إجراءات صارمة من الإصلاحات يمكن الاطمئنان إليها وفق أسس برنامج عمل ملموس يكون مناسباً وممكناً في آن واحد لمعالجة المخاطر الحرجة والواسعة الانتشار يعتمد ترتيب الأولويات ويأخذ في الحسبان معالجة الأسباب الجذرية والعوامل المتسببة في تهديدات الأمن الإنساني؛ وألا تعتمد على محاولات لا تفي بالالتزام تجعلها غير قادرة على ضمان توفير مقومات إصلاحات فعالة تجسد أهميتها المرتبطة في التركيز بدرجة أساسية على الشفافية والمساءلة.  ويتطلب ذلك مزيداً من التعاون والشراكة بين الحكومة والسلطة المحلية والمنظمات الدولية والإقليمية ومنظمات المجتمع المدني.

 

 

 

صادر عن مؤسسة وجود للأمن الإنساني

 

15 يناير 2025

مقالات مشابهة

  • الجامعة العربية تدين استهداف سد مروي وتعتبره انتهاك جديد لمبادئ القوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني
  • البنك الدولي يتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا بنسبة 2% خلال 2025
  • مؤسسة وجود تصدر بيان : (ضعوا حداً لتهديدات الأمن الإنساني)
  • هجوم مسلح يستهدف القوة المحايدة لحماية المدنيين في شمال دارفور
  • الأمم المتحدة: الحرب في السودان تزداد خطورة على المدنيين بعد الهجمات في ولاية الجزيرة  
  • ???? لا تلومن المليشيا إلا نفسها إن لم تعرد وانتظرت الجيش في الخرطوم!
  • 40% من عناصر المليشيا الذين قاتلوا مع المليشيا فى الجزيرة هم من جنوب السودان
  • حزب المؤتمر: الهدنة في غزة خطوة مهمة لوقف النزيف الإنساني
  • ???? جنود المليشيا يتركون أسلحتهم وعرباتهم القتالية ويغادرون الخرطوم