سودانايل:
2025-02-21@12:27:18 GMT

إليكم أعود .. وفي كفي القمر

تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT

قصة قصيرة :
إليكم أعود .. وفي كفي القمر
بقلم/ عمر الحويج

هو.. يركض ويركض ، وجهته الأفق البعيد .. هو يركض ويركض ، وكلبه يركض خلفه .. هو الذي يركض وكلبه هو الذي يلهث ويلهث .. هو الذي قدماه لا تلامسان الأرض ، يكاد يطير وكلبه هو الذي قدماه تغوصان في الرمال .. هو الذي يركض ويركض .. وكلبه هو الذي يلهث ويلهث .


***
هو الذي يستثيرهم بصمته ، يستفزّهم بعزلته ، يخيفهم حين غضبه . وإن كان صمته لا يفصله عنهم ، بل يجعله قريباً منهم ، فغضبه يبعده عنهم يختفي عنهم بالأيام ، وأكثر ، فلا يعودون يرونه فيفقدون وجوده الكبير والعظيم الشأن بينهم . وها هم الآن ، على موعد مع غضبه الكبير ، والأخير يبدو . فهم لم يرونه منذ البارحة . كانوا لا يعلمون دواعي غضبه ، حتى يعود إليهم بعد أيام إختفائه عنهم .
لا يأملون منه تفسيراً لدواعي غضبه لأنه ، حينها يكون دخل دورة صمته الجديدة .
هكذا هو : حامد الحفيان منذ أن وجد بينهم ، هكذا هو : حامد الحفيان.. منذ أن وُجدوا هم .. بينه .
***
قالوا عنه .. أنه لم يستقبل الحياة كالآخرين صارخاً . عاش عمره، قريباً من الجميع.
عاش عمره، بعيداً عن الجميع .. هكذا في آن :
حسبوه .. نقصاً في الخلق والتكوين .. ولكنهم اكتشفوا أن الأمر ليس .. كذلك .
جزموا .. إلى حين أنه الولي من أولياء الله الصالحين ، ولكنهم اكتشفوا أن الأمر ليس كذلك .
ظنوه .. الأبله ، من بين الجميع .. ولكنهم ، اكتشفوا أن الأمر ليس كذلك .
فتركوه هكذا ، يعيش بينهم ، هكذا .. يعيشون بينه ، دون أن يتأكّدوا ، من هو بالتحديد .
فقط .. اكتفوا ، أن يجدوه بينهم متى احتاجوه .. كيف يعرف حاجتهم إليه .. لا أحد يدري .
زماناً ، تساءلوا طويلاً ، في ما بينهم .. بحثاً عن معنى ، عن تفسير ، دون جدوى . حين أعيتهم الحيلة والإجابة ، تركوه هكذا .. ولم يعودوا يتساءلون .

***
وحده .. هو الذي كشف مكنون ذاته الذي ظلّ دفيناً : البداية كانت.. حين عايروه ، وهو صغير ، بأنه لم يصرخ يوم ميلاده .. كالآخرين . فقد تبيّن له كبيراً .. أنه صرخ بالداخل ، حين أحسّ بأن موعد .. خروجه قد أزف .. هو يعرف أن الآخرين لا يحسُّون بذلك ، إلا بعد الخروج .. فيصرخون حين ينفذون من بين جدار الصمت .. إلى ما وراء الجدار .. الضجيج . وهو أصلاً كان داخل الضجيج .
تأكّد من أمر ذاته وسرّه الدفين ، حين وجد نفسه يجهِّز خلسةً ، كل احتياجات الجنازة العائدة إلى والدته ، والتي لم تكن تشكو علّة حينها .. ماتت والدته حال فراغه من كافة تجهيزات .. الجنازة .
أصبح الأمر حقيقة بيّنة ، لا لبس فيها ، حين ارتحل إلى ربوة عالية ابتني له فيها بيتاً ، وما إنْ أتَمّ البناء ، حتى أتى ذلك الفيضان الكاسح ، الذي أتى على كل البيوت .. عدا بيته في تلك الربوة العالية .. كل هذا وسرّه المكنون ظلّ دفيناً .. أحسّه الآخرون ولكنهم لم يستطيعوا أن يتبيّنوه ، تلمّسه آخرون ، ولكنهم لم يتمكنوا ، أن يسمّوه.. وحدها هي سعدية التي أصبحت خرساء هي التي تعرف .. سعدية ، التي ابتنت في داخله .. مستودع الأحزا ن والأوجاع ووخز الضمير .. وحدها التي تعرف . لم يخبرها هو ، فقط عرفت .. لأن حامد الحفيان كان في داخلها .. فقط عرفت . لأن حامد الحفيان كان قريباً منها ، وإن كان بعيداً عنها . ما زالت تذكر ذلك اليوم ، حين ظهر لها فجأة .. من أين؟؟ .. هي لا تدري ، كأنما انشقّت السماء وليس الأرض وأرسلته ليسحبها لحظة الهلاك ، بعيداً عن طريق ذلك الثور الهائج .. ما أثار دهشتها وحيرتها وجوده ، حامد الحفيان في ذلك المكان ، في تلك اللحظة وهي التي تعرف أنه لم يكن يسمح لنفسه أبداً أن يحوم قرب الحيشان وقت القيلولة خاصة ، خوفاً من اتِّهامه بما لا يرضاه ، فقد كان عفيفاً.. تعرفه حامد الحفيان .

***
ما جعلها تعرف أكثر ، تتأكد أكثر ذلك اليوم الذي ظلّ ينتظرها فيه بالوقت الطويل ، كما أخبرها في ما بعد ، حين عادت آخر المساء مع الأخريات ، بعد جمع الحطب .. ولحظة الانفراد ، أشار عليها أن لا تذهب غداً إلى البئر لتَرِد الماء .. فلم تتردَّد أن تستجيب لطلبه ، وهي التي لم تكن تعلم حينها مقصده ، وإن كان نفسه لا يعرف مقصده.. !! ، فلم تذهب إلى البئر ذلك اليوم ، ذلك الوقت ، تلك اللحظة التي انهارت فيها تلك البئر ، فانهارت معها تحت الأنقاض بعض من يانعات القرية.. وجميلاتها اللائي كن يَرِدْن الماء وقتها .
اقترب منها أكثر .. حامد الحفيان ، أصبح في حناياها .. حامد الحفيان . يوم أتى حكيم القرية الجديد ، وحين عرضوها عليه قرر ، أن الحالة ميؤوس منها وإن لم يكن نهائياً .
يومها حزنت.. ولكن الذي حزن أكثر هو .. حامد الحفيان .. رآه الناس يبكي ، كانت المرة الأولى والأخيرة ، التي يراه الناس فيها ، ليس صامتاً كعادته .. ليس غاضباً كعادته .. إنما باكياً بغير عادته .
فقط ما تَوَدّ معرفته هذه المرة إلى متى سيمتدّ اختفاؤه .. وحزنت . وحده هو الذي يعرف .. إلى متى سيطول اختفاؤه .. وحده الذي يعرف .. وحدها هي التي تعرف، وحدهما معاً.. يعرفان أنه سيعود .. ولكن ليس إلى صمته ، المعتاد ، ليس إلى غضبه المعتاد ، ليس إلى حامد الحفيان .. المعتاد

***
جالساً لا يزال .. ومستودع الأحزان ، والأوجاع ، ووخز الضمير .. وفي مخبئه البعيد ، جالساً لا يزال ، ويده تمسح شعر كلبه المجعد .. وعقله يعجز ، أن يمسح تلك الصورة ، التي تترى في مخيلته ، وعيناه جاحظتان.. تحدقان ، ما زالتا في تلك .. الراجفة ، الزاحفة تدبّ على الأرض .. يقولون: تجمع مهرها .. لعرس القمر .

***
و.. ما زالت تلك الصور تترى في مخيلته ، عبثاً يحاول طردها . ولكن .. هيهات . لم يسبق له أن رآها ، بهذا الوضوح .. صور الزمن الآتي ، آه .. لو رآها هكذا .. يوم أصاب سعدية ما أصابها ، لما كان .. مستودع الأحزان ، والأوجاع ، ووخز الضمير .. سعدية التي لم تكن خرساء ، كانت السحر كله ، والقمر . كانت .. هي التي يرغبها الجميع : يرغبونها قبل خرسها.. بأي ثمن ، وأصبحوا يرغبونها بعد خرسها.. ولكن دونما ثمن .. وتضخّم مستودع الأحزان والأوجاع ووخز الضمير .. حين تأكّد له أن الجميع .. يودّ لو يستبيحها .. لهذا ظلّ دائماً قريباً منها حتى وهو بعيداً عنها .. لكن رغم ذلك سعدية ، التي أصبحت خرساء استباحوها .. و .. تضخّم مستودع الأحزان ، والأوجاع ، ووخز الضمير .. وسعدية، التي أصبحت خرساء ، إستباحوها .. جاءوها ثم أتوها ، فأستباحوها .

***
جالساً لا يزال .. ومستودع الأحزان ، والأوجاع ، ووخز الضمير . وفي مخبئه البعيد .. جالساً لا يزال ، ويده تمسح شعر كلبه المجعد ، وعقله يعجز أن يمسح تلك الصورة التي تترى في مخيلته .. وعيناه جاحظتان.. تحدقان لا زالتا .. في تلك الراجفة ، الزاحفة .. تدبّ على الأرض.. يقولون: تَجْمَع مهرها لعرس القمر .

***
ما زالت ، تلك الصورة ، تترى في مخيلته . عبثاً يحاول طردها . ولكن هيهات .. لم يسبق له أن رآها بهذا الوضوح ، صور الزمن الآتي .. إنه النعيم الجمعابي : بشحمه ، بلحمه ، بعظمه .. بالغرة الدكناء في جبينه : النعيم الجمعابي .. إنه يراه الآن ، أمامه :
من الماضى السحيق أتى .. النعيم الجمعابي .. وبالماضى البعيد يعود .. النعيم الجمعابي .. وفي وجه الجميع .. يوجه النداء اسمعوا وعُوا :

ـ أن يبدل الناس .. كل الناس أسماءهم التي يحملونها .. لماذا؟؟.. قال لهم النعيم الجمعابي : حين تركتكم .. لم تكن أسماؤكم غير هذه التي أعرفها والآن لا زلتم .. تحملونها .

وبدّل الناس .. كل الناس أسماءهم . ومن امتنع .. عامداً أو ساهياً .. كان قطافه قد حان .
هكذا يراهم الآن .. حامد الحفيان .. إنها رؤوسهم قد أينعت .. فتساقطت أمام ناظريه هو.. حامد الحفيان : والنعيم الجمعابي يضحك .. ليس إلا .

ـ أن يبدل الناس ، كل الناس جلودهم .. لماذا؟؟ : قال لهم .. النعيم الجمعابي : حين تركتم .. لم تكن جلودكم غير هذه التي أعرفها .. والآن لا زلتم تكتسونها . وبدَّل الناس .. كل الناس جلودهم ، ولم يعودوا يعرفون بعضهم البعض : الابن أنكر أباه .. والزوج تاه عن زوجته .. وأنجبت الزوجة من غير زوجها . ومن امتنع .. عامداً ، أو ساهياً .. كان قطافه قد حان .. هكذا يراهم الآن حامد الحفيان.. أنها رؤوسهم قد أينعت .. فتساقطت أمام ناظريه هو .. حامد الحفيان : والنعيم الجمعابي.. يضحك.. ليس إلا .

ـ إنكم، تمشون بخلاف ما كنا نمشي : فمَشَى الناس كل الناس كما رغب النعيم الجمعابي : على الأيدي مشى بعضهم وإلى الأعلى كانت الأقدام .. ومن لم يستطع . على أربعاته مشى . ومن لم يستطع .. لا عامداً ، لا ساهياً .. كان قطافه قد حان .. هكذا يراهم الآن .. حامد الحفيان ، إنها رؤوسهم قد أينعت .. فتساقطت أمام ناظريه ، هو حامد الحفيان : والنعيم الجمعابي يضحك .. ليس إلا .

***
جالساً لا يزال .. ومستودع الأحزان ، والأوجاع .. ووخز الضمير ، وفي مخبئه البعيد جالساً لا يزال ويده تمسح شعر كلبه المجعد .. وعقله يعجز أن يمسح تلك الصور ، التي تترى في مخيلته .. وعيناه جاحظتان تحدقان ما زالتا .. في تلك الراجفة ، الزاحفة .. تدبّ على الأرض .. يقولون : تجمع مهرها .. لعرس القمر . وما زالت صور الزمن الآتي تترى في مخيلته .. ويده تخنق لا تمسح شعر كلبه المجعد والنعيم الجمعابي .. من الماضي البعيد أتى .. وإلى الماضي البعيد يعود . وسعدية التي أصبحت خرساء ..جاءوها ، ثم أتوها فاستباحوها .. وكلبه بشعره المجعد ينبح .. كلبه بشعره المجعد .. ما عاد ينبح .. عاد ينبح.

***
هو .. يركض ويركض .. وجهته الأفق البعيد .. هو يركض ، ويركض وكلبه يركض وراءه .. هو الذي يركض ، وكلبه هو الذي يلهث.. هو ، الذي قدماه لا تلامسان الأرض يكاد يطير .. وكلبه هو الذي قدماه تغوصان في الرمال .. هو الذي يركض .. ويركض، وكلبه هو الذي، يلهث ويلهث.. ولم تعد عيناه جاحظتان ، تحدقان في تلك الراجفة ، الزاحفة .. تدبّ في الأرض يقولون : تجمع مهرها .. لعرس القمر . وسعدية التي أصبحت خرساء .. هي التي يناديها.. سعدية التي استباحوها يناديها .. يناديهم : إليكم أعود.. وفي كفى القمر .

omeralhiwaig441@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: سعدیة التی التی تعرف کل الناس هی التی ما زالت لا یزال لم تکن فی تلک

إقرأ أيضاً:

سلسلة تعاميم لوزير الداخلية.. إليكم مضمونها

 صدر عن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، اليوم الثلاثاء، البيان الآتي:

"أصدر وزير الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار سلسلة تعاميم بناء على مراسلات المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، حيث أصدر تعميما إلى كل من محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية طلب بموجبه التعميم على كل البلديات واتحاد البلديات التنسيق مع المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قبل تنفيذ أي أشغال تتعلق بتنظيف مجرى نهر الليطاني في الحوض الأدنى.

كما أصدر تعميما موجها إلى كل من محافظة لبنان الجنوبي، محافظة بعلبك الهرمل، محافظة النبطية، ومحافظة البقاع، طلب بموجبه اتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية بحق البلديات التي تقوم بإساءة استغلال الصلاحية المعطاة لها بمنح تراخيص بالبناء من أجل تكريس أو استحداث تعديات على الأملاك النهرية ووجوب حماية الضفاف التابعة لنهر الليطاني وروافده من خلال التقيد بكل البنود الواردة في كتاب المصلحة الوطنية لنهر الليطاني.

وأصدر وزير الداخلية تعميما موجها إلى محافظة لبنان الجنوبي تضمن التوجيه بالإيعاز إلى البلديات المعنية في جبال العيشية والريحان بوجوب فرض التقيد بكل الشروط القانونية والبيئية، عند منح تراخيص إنشاء و/أو استثمار مزارع الأبقار و/أو الطيور الداجنة و/أو الحيوانات الأليفة القائمة التي تؤثر على نوعية المياه وتلوث المجاري المائية التي تصب في نهر الليطاني، إضافة الى مراقبة تلك الأنشطة بيئيا وصحيا".

مقالات مشابهة

  • جدول جديد للمحروقات.. إليكم الأسعار
  • إليكم الطرقات المقطوعة بالثلوج
  • لسائقي الشاحنات المتوجهين إلى ضهر البيدر... إليكم هذا الخبر
  • إليكم الطرقات الجبلية المقطوعة بسبب الثلوج
  • زيادة المبلغ بالدولار... إليكم هذا الخبر عن التعميمين 158 و166
  • أمين الفتوى بدار الإفتاء: الأفضل أن تكون العقيقة في المكان الذي يعيش به صاحبها
  • أمين الفتوى بدار الإفتاء: الربح من التطبيقات التي تعتمد على التفاعل الوهمي حرام
  • سلسلة تعاميم لوزير الداخلية.. إليكم مضمونها
  • أمين الفتوى: الربح من التطبيقات التي تعتمد على التفاعل الوهمي حرام (فيديو)
  • وأمَّا(ثُ…مُود) فاستحبوا المداهنة علی المواجهة !!