علي جمعة: حين يغيب قلبك عن ذكر الله يغيب نور الله عن قلبك
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان هناك قلوب قاسية، وهناك قلوب عليها أقفال، وهناك قلوب عليها غلف، وهناك قلوب عليها ران، وهناك قلوب عليها حجاب، وهناك قلوب مظلمة... وهكذا. وكل نوع من هذه الأنواع يشترك في شيء واحد ويتعدد في صفات كثيرة؛ كل هذا يشترك في الغفلة عن الله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}.
وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. سارع إلى الله؛ فعندما تُذكِّر الإنسان يتذكر، وعندما تُذكِّره بالله يرجو وجه الله أو يخاف من عذاب الله. ولكن هناك قلوب تُذكِّرها بالله فكأن في آذانها وقر. يقول تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ}؛ يعني لا ينفع فيها الذكر {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ}. والكاف للتشبيه والتمثيل، والحجارة شأنها الصلادة والصلابة، والحجارة شأنها أنها لا تتحرك إلا بمحرك. فالحجارة صلبة وليست لينة بحيث إذا أصابت أحدنا فإنها تصيبه، لكن لو نزل علينا ماء لا يصيبنا بشيء. {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }. يبدو أن التشبيه بكون قلوبهم كالحجارة فيه شيء من الظلم للحجارة نفسها. لماذا؟ لأن بعض الحجارة، إذا دُقَّ فيها مسمار، يدخل دون أن تمانع أو ترفض. بل إن الحجر قد يتكسر إذا تعرض لضغط كافٍ. ومع ذلك، هناك قلوب لا تلين أبداً، وتبقى قاسية بشكل مستمر، لا تتأثر ولا تتغير.
{أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} يبين لنا نقطة مهمة جدًا، وهو الإنصاف في إدراك الواقع. في كل آيات القرآن شيء خفي يعلم المسلم العدل والإنصاف. هل كل القلوب هكذا؟ قال: لا، بعضهم. وهل بعضهم على درجة واحدة؟ قال: لا، بعضهم كالحجارة، وبعضهم أشد قسوة من الحجارة. إذًا يعلمني نقطة مهمة في كيفية إدراك الواقع: أني لا آخذ الآخر جملة واحدة، فمنه ومنه. فالآخر يوجد منه من هو ضدك ويدبر للقضاء عليك، ومنه من هو معك ويؤيدك ويحبك، ومنه من لا يعرفك ولا يعرف عنك شيئًا ولم يسمع عنك شيئًا من قبل، ومنه من عنده صورة مشوهة لك من كذب وافتراء الناس، ومنه من هو عدوك لكنه شهم لا يؤذيك. فدائمًا تعلم الإنصاف. فربنا -سبحانه وتعالى- يأمرك بالعدل ويأمرك بالإنصاف. وفي كل الأمثلة عندما تفتش فيها ستجد فيها معاني، وهذه هي هداية الكتاب المبين
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}. وأيضًا لم يقل كل الحجارة: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ }. هل الناس التي قلوبها كالحجارة ممكن أن يأذن الله بأن تتفجر منها الأنهار؟ طبعًا، الله يفعل ما يشاء. فحينئذ يستطيع هذا الذي كان قلبه كالحجارة، وبإذن الله، وعندما يمن الله عليه ويهديه، أن تتفجر منه منابع الخير.
وهذا يوصلنا إلى نقطة مهمة: ألا نحتقر أحدًا من الناس ولا نحتقر عاصيًا. وإنما نكره فعله السيئ، لكن لا نكره الإنسان حتى ولو فعل هذا الفعل. ننكر عليه، وننكر فعله، ويمكن أن نعاقبه أيضًا، ولكن لا نكرهه.
إذن، فالآية تشير إلى أننا لا نحتقر أحدًا من البشر، ولكن نحقر أفعالهم وقسوة قلوبهم، ونتمنى لهم الخير والسعادة. نقول إن هذا الحجر يمكن أن يتفجر منه الأنهار، فنفتح له باب الرحمة وباب الخير وعدم اليأس من رحمة الله.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ذكر الله فضل ذكر الله المزيد ال ح ج ار ة ومنه من
إقرأ أيضاً:
ما هي مفاتيح النجاة؟.. علي جمعة يكشف عنها
كشف الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهوربة السابق، وعضو هيئة كبار العلماء، عن مفاتيح النجاة.
وقال عبر منشور له عبر صفحته على فيس بوك: إن من مفاتيح النجاة: التوكل على الله تعالى.
وذكر أن الإمام الغزالي عرَّف التوكل بأنه اعتماد القلب على الوكيل وحده.
وتابع: إذا اعتقد الإنسان اعتقادًا جازمًا أنه لا فاعل إلا الله، وآمن مع ذلك بكمال علمه وقدرته سبحانه وتعالى، وأنه هو الفاعل الحقيقي لكل شيء، فإن هذا هو حقيقة التوكل.
وأوضح أن التوكل على الله يعني الاعتماد عليه، أي: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ولفت إلى أن هذا التوكل بهذه الكيفية ينشئ في القلب التسليم والرضا، وهو مبنيٌّ على أمر الله تعالى، وعلى حب الله لهذا المقام، قال سبحانه: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}، وقال: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}،
وقال أيضًا: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، وقال: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
وأشار إلى أنه لابد أن نتدبر ونتفكر أن {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}، فإذا كان الله سبحانه يملك خزائن السماوات والأرض، فكيف يُتوكل على غيره؟!
وأضاف: وقد قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} كل شيء بأمر الله تعالى، {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.
إذن، التوكل أمرٌ مهمٌّ جدًّا، وله آثار طيبة في الدنيا والآخرة؛ ولذلك قال رسول الله ﷺ: «يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب». قيل: من هم يا رسول الله؟
قال ﷺ: «الذين لا يكتوون، ولا يتطيرون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون». والمفتاح هنا أنهم "على ربهم يتوكلون".
الفرق بين التوكل والتواكل
وبين انه لابد من التنبه إلى الفرق بين "التوكل" و"التواكل":
- فالتواكل هو ترك الأسباب، وهذا جهل.
- أما التوكل فهو: فعل الأسباب مع الاعتماد على الله.
وقد قيل: "ترك الأسباب جهل، والاعتماد عليها شرك".
وقد ثبت أن ترك الأسباب لم يكن من سنة الأنبياء عليهم السلام.
ويقول سيدنا النبي ﷺ: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا».
فالتوكل مأمور به، وهو يولد الرضا والتسليم.
وقال رسول الله ﷺ: «من سره أن يكون أغنى الناس، فليكن بما عند الله أوثق منه بما في يده».