قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان هناك قلوب قاسية، وهناك قلوب عليها أقفال، وهناك قلوب عليها غلف، وهناك قلوب عليها ران، وهناك قلوب عليها حجاب، وهناك قلوب مظلمة... وهكذا. وكل نوع من هذه الأنواع يشترك في شيء واحد ويتعدد في صفات كثيرة؛ كل هذا يشترك في الغفلة عن الله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}.

كل هذه الصفات تغفل عن الله -سبحانه وتعالى- فتتوه في هذه الحياة الدنيا بجزئياتها، بتكاثر جهاتها، وبمجالاتها المختلفة، بنكدها، بكدرها، بشواغلها ومشاغلها. فما دام قد غاب قلبك عن ذكر الله وغاب الله عن قلبك، فإنك ستتصف بصفة من هذه الصفات ولابد: { قَسَتْ قُلُوبُكُمْ}؛ يعني أنها لم يعد يؤثر فيها الذكر.

وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. سارع إلى الله؛ فعندما تُذكِّر الإنسان يتذكر، وعندما تُذكِّره بالله يرجو وجه الله أو يخاف من عذاب الله. ولكن هناك قلوب تُذكِّرها بالله فكأن في آذانها وقر. يقول تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ}؛ يعني لا ينفع فيها الذكر {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ}. والكاف للتشبيه والتمثيل، والحجارة شأنها الصلادة والصلابة، والحجارة شأنها أنها لا تتحرك إلا بمحرك. فالحجارة صلبة وليست لينة بحيث إذا أصابت أحدنا فإنها تصيبه، لكن لو نزل علينا ماء لا يصيبنا بشيء. {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }. يبدو أن التشبيه بكون قلوبهم كالحجارة فيه شيء من الظلم للحجارة نفسها. لماذا؟ لأن بعض الحجارة، إذا دُقَّ فيها مسمار، يدخل دون أن تمانع أو ترفض. بل إن الحجر قد يتكسر إذا تعرض لضغط كافٍ. ومع ذلك، هناك قلوب لا تلين أبداً، وتبقى قاسية بشكل مستمر، لا تتأثر ولا تتغير.

{أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} يبين لنا نقطة مهمة جدًا، وهو الإنصاف في إدراك الواقع. في كل آيات القرآن شيء خفي يعلم المسلم العدل والإنصاف. هل كل القلوب هكذا؟ قال: لا، بعضهم. وهل بعضهم على درجة واحدة؟ قال: لا، بعضهم كالحجارة، وبعضهم أشد قسوة من الحجارة. إذًا يعلمني نقطة مهمة في كيفية إدراك الواقع: أني لا آخذ الآخر جملة واحدة، فمنه ومنه. فالآخر يوجد منه من هو ضدك ويدبر للقضاء عليك، ومنه من هو معك ويؤيدك ويحبك، ومنه من لا يعرفك ولا يعرف عنك شيئًا ولم يسمع عنك شيئًا من قبل، ومنه من عنده صورة مشوهة لك من كذب وافتراء الناس، ومنه من هو عدوك لكنه شهم لا يؤذيك. فدائمًا تعلم الإنصاف. فربنا -سبحانه وتعالى- يأمرك بالعدل ويأمرك بالإنصاف. وفي كل الأمثلة عندما تفتش فيها ستجد فيها معاني، وهذه هي هداية الكتاب المبين

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}. وأيضًا لم يقل كل الحجارة: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ }. هل الناس التي قلوبها كالحجارة ممكن أن يأذن الله بأن تتفجر منها الأنهار؟ طبعًا، الله يفعل ما يشاء. فحينئذ يستطيع هذا الذي كان قلبه كالحجارة، وبإذن الله، وعندما يمن الله عليه ويهديه، أن تتفجر منه منابع الخير. 

وهذا يوصلنا إلى نقطة مهمة: ألا نحتقر أحدًا من الناس ولا نحتقر عاصيًا. وإنما نكره فعله السيئ، لكن لا نكره الإنسان حتى ولو فعل هذا الفعل. ننكر عليه، وننكر فعله، ويمكن أن نعاقبه أيضًا، ولكن لا نكرهه.

إذن، فالآية تشير إلى أننا لا نحتقر أحدًا من البشر، ولكن نحقر أفعالهم وقسوة قلوبهم، ونتمنى لهم الخير والسعادة. نقول إن هذا الحجر يمكن أن يتفجر منه الأنهار، فنفتح له باب الرحمة وباب الخير وعدم اليأس من رحمة الله.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ذكر الله فضل ذكر الله المزيد ال ح ج ار ة ومنه من

إقرأ أيضاً:

ما هي أنواع الملائكة وحكم الإيمان بهم؟ علي جمعة يكشف

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الإيمان بملائكة الله الكرام واجب على كل مسلم ومسلمة، فيعتقد المسلم بوجود الملائكة الكرام، ويعلم أنهم خلق لله، فيؤمن المسلم بوجود الملائكة، ويؤمن بما ورد في الشرع الشريف من أسمائهم وأعمالهم كجبريل عليه السلام.

واستشهد على جمعة بقول الله تعالى: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوًا لِّلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة :97 ، 98].

وقال سبحانه لزوجتي النبي صلى الله عليه وسلم  اللتين تظاهرا عليه صلى الله عليه وسلم : ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم :4].

كما ذكر ربنا ملك الموت في كتابه كذلك، فقال تعالى : ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِى وَكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة :11]. وذكر ربنا خازن النار، وذكر اسمه وهو «مالك»، فقال تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ﴾ [الزخرف :77]

وذكر كذلك ملائكة النار فقال تعالى : ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر : 30 ، 31]

وذكر ربنا صنفًا من الملائكة آخر في كتابه وهم «الحفظة» فقال تعالى : ﴿وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام :61]، وقال سبحانه : ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾ [الرعد :11]، وعطف عليهم صنف الكاتبين، فقال تعالى : ﴿كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار :9].

وذكر كذلك السائق، والشهيد، والرقيب، والعتيد، فقال تعالى : ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق :18] ، وقال سبحانه : ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ [ق :21].

وأوضح على جمعة، ان هناك أصناف من الملائكة جاء ذكرها في السنة النبوية الصحيحة، ولم تذكر في القرآن فيجب الإيمان بها كذلك ومنها «ملك الرحم أو نفخ الروح» فصح عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال : «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه في أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه، ويؤمر بأربع، يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها».

وأكد انه يجب الإيمان بالملائكة إجمالاً، ويجب الإيمان بما أعلمنا الله منهم تفصيلاً مما ذكر في النصوص السابقة وفي غيرها.

وللإيمان بالملائكة أثر عظيم في ترقية المؤمن للوصول إلى ربه، فشعوره بوجود خلق كريم حوله يجعله دائما على استحياء من إتيان المعاصي، ويجعل بالأنس والراحة والسكينة بمجاورتهم إياه فيزيد إقباله على ربه، ووجودهم بجوار المؤمن من باب عون الله له على طاعته، رزقنا الله ذلك العون دائما وجميع المسلمين. كان ذلك فيما يتعلق بالإيمان بالملائكة.

مقالات مشابهة

  • المأثور عن النبي في شهر شعبان .. علي جمعة يوضح بالدليل
  • علي جمعة: هناك ملائكة لم تذكر فى القرآن كـ ملك الرحم أو نفخ الروح
  • ما هي أنواع الملائكة وحكم الإيمان بهم؟ علي جمعة يكشف
  • «أمين الفتوى»: مصر بلد الأنبياء وصلى فيها سيدنا النبي ركعتين (فيديو)
  • الطريقة الرفاعية: الليلة الكبيرة في مولد السيدة زينب لها مكانة خاصة في قلوب المصريين
  • رسالة من حزب الله إلى أهالي الجنوب والعدو.. إليكم ما جاء فيها
  • رسالة من حزب الله إلى أهالي الجنوب.. إليكم ما جاء فيها
  • أفضل الأعمال في شعبان.. فرصة للاستعداد لرمضان
  • 4 معاني عميقة في الإسراء والمعراج ستغير نظرتك للحياة
  • حالات يحظر التصالح فيها بمخالفات البناء طبقا للقانون.. تعرف عليها