«الجدل».. فن الحوار والنقاش
تاريخ النشر: 18th, January 2025 GMT
الجدل نوع من الحوار والمناقشة يتصف بالصراع والخصام والنزاع الكلامي، بين فردين لهدف تحقيق الغلبة بإظهار الاتجاهات والمذاهب والآراء، بالأدلة ونفي حجج الخصم ودحضها وتفنيدها من أجل احقاق حق، أو ابطال باطل، أو من أجل ابطال حق أو احقاق باطل. وينقسم الجدل إلى نوعين، الجدل المحمود: وهو ما كان مستندا فيه المجادل إلى ثوابت علمية أو براهين عقلية ونقلية بهدف احقاق حق أو ابطال باطل.
عزيزي القارئ مصطلح "الجدل" من أصل يوناني (باليونانية: διαλεκτική – بالإنجليزية: Dialectic) ويُقصد به أنا أناقش، أتحدث، أحاور، وهو يعني في الاصطلاح الفلسفي، علم القوانين العامة لتطور الطبيعة والمجتمع، ونظرية ومنهج دراسة ظواهر الواقع في تطورها، في حركتها الذاتية الناشئة من التناقضات الداخلية، أو بعبارة أخرى "علم عن التطور التاريخي الشامل أو الحافل بالمتناقضات".
إلا أن مصطلح الجدل قد أخذ معاني متعددة في المدراس الفلسفية المختلفة؛ فنجد السفسطائيون استخدموا المنهج الجدلي كأداة تقنية مهنية تعليمية نقدية معًا. فكانوا خبراء بلاغة وخطابة يبيعون قوة تخصصهم مقابل أجر، مارسوا فن إنشاء الإنسان بتوسط الكلام أي مهنة التعليم. لذلك نجد أن السفسطائية قد نحتت مفاصل الجدل وإشكالياته المنهجية التي ستلازمه في مراحل تطوره اللاحقة من أفلاطون إلى هيجل وماركس وصولًا إلى اعتراضات ونقد الفكر المعاصر.
وإذا انتقلنا إلى سقراط نجد أن الجدل عنده تركز على نقاط مضادة لخصمه السفسطائي، وهم على النحو التالي:
1- ثقة تامة بقدرة العقل على الوصول إلى الحقيقة. 2- إمكانية انشاء مقاييس ثابتة لها. 3- التساؤل المستمر حول النتائج التي يتواصل العقل إليها. 4- الحوار التوليدي منهج الحقيقة. 5- اللاعلم أو الجهل السقراطي، فالفلسفة لا تٌقدم حلولًا جاهزة وعقائد إنما تشق طرقًا وتفتح آفاقًا جديدة. وفي جملة واحدة، الجدل السقراطي هو، مناقشة على حوار وسؤال وجواب.
ومع وصولنا إلى أفلاطون نجد أن الجدل عُرِفَ بشكل أوضح وأعمق. فقد بدأ بوضع نظريته في المعرفة معتمدًا على منهجه في الجدل؛ حيث لاحظ أن الحوار هو الطريق الوحيد للبحث عن الحقيقة ومن ثم الطريق الوحيد للبحث في الفلسفة، ولذلك ذهب أفلاطون إلى أن الجدل هو المنهج الذي يرتفع به العقل من المحسوس إلى المعقول دون وسيط حسي ولذلك وصفه بأنه العلم الكلي بالمبادئ الأولى، فالجدل منهج وعلم وهو المقابل لما اصطلح على تسميته بنظرية المعرفة Epistemology.
كما شهد الجدل تطورًا مع أفلاطون، وقام بتقسيم الجدل إلى قسمين، الجدل الصاعد والجدل الهابط، الأول: يُقصد به الصعود من ماهيات الأشياء إلى العالم المعقول، وبالتالي الوصول إلى المثل. أما الثاني: وقصد به النزول من المثل إلى ماهيات الأشياء، وهنا نستطيع القول بإن الجدل يُعد جزءًا من نظرية المعرفة.
ولهذا نجد أن أفلاطون أقام الديالكتيك على ثلاث قواعد:
1- التعريف: بد الحوار بتحديد المفهوم وتعريفه. 2- التركيب والتحليل طريقان: وهما الجدل الصاعد والهابط. 3- الحركية: ويستمر من التعريف إلى التركيب إلى التحليل إلى التفريق.
وإذا ما وصلنا إلى العصر الحديث ودخلنا إلى الفلسفة الهيجلية، نجد أن الجدل عند هيجل اتصف بمنطق الفكر وقانون الوجود؛ فكان أول من صور العالم عملية من الحركة الصاعدة الشاملة من التطور من الدرجات الدنيا إلى العليا، وقال بأن مصدر هذه العملية وقوتها الدافعة هو التناقضات التي تلازم كافة الظواهر وتشكل القوة الحيوية لكل الموجودات، كما قام هيجل بصياغة قوانين هذا التطور الأساسي ووضع نسقًا "لمقولات الديالكتيك".
وختامًا، نجد أن الجدل فنًا للتحاور بغية الوصول إلى الحقيقة، بطرح الفكرة والفكرة المضادة لها بشكل استدلالي عن طريق السؤال والجواب. وفي عبارة واحدة، الجدل هو الأداة الوحيدة التي تستطيع تحرير الأفكار من سجنها، وتوليد معنى وفهم جديد لها، وبالتالي هو الكاشف عن ماهية الفلسفة.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجدل
إقرأ أيضاً:
جبهة الخلاص التونسية: السلطة ترفض الحوار وتتآمر على المعارضة
قالت جبهة الخلاص المعارضة في تونس، اليوم الثلاثاء، إن التجاوزات والخروقات القانونية في قضية "التآمر" التي يلاحق فيها عشرات السياسيين المعارضين، لا تحصى ولا تعد، وهو ما يتطلب تدريسها أكاديميا، مشددة على أن "الحقيقة مفادها أن السلطة تتآمر على المعارضة".
وأوضحت الجبهة خلال ندوة حوارية بعنوان "المؤامرة والمتآمرون؟ أجوبة متقاطعة!"، أن "السلطة ترفض أي دعوة للحوار، ولا تقبل بمعارضة قراراتها، ولذلك رأت اجتماع السياسيين، لأجل التوافق والتحاور تآمرا ضدها".
وشارك في الندوة مختصون في القانون، وقال القاضي أحمد صواب: "التآمر انطلق قبل هذه القضية، حيث تم التآمر أولا على الدستور مرورا بالقضاء بعزل عشرات القضاة وحل المجلس الأعلى للقضاء".
ملف الظلم
ورأى صواب في تصريح لـ"عربي21" أن "ملف التآمر هو ملف اللاقانون والظلم، فقد تضمن 17جريمة من الحجم الثقيل جدا منقسمة بين قانون الإرهاب والمجلة الجزائية".
ولفت صواب إلى أن "الملف يتطلب تدريسا أكاديميا حتى يتم الوقوف على جميع خروقاته القانونية، من منطلق التمسك بقيام دولة القانون والمؤسسات"، مشددا على أن "ما حصل انقلابا فاسدا ولد ملفا وقضاء فاسدا".
ومنذ أكثر من سنتين تم إيقاف عدد من السياسيين المعارضين بتهمة "التآمر"، وتم إيداعهم السجن ويواجهون تهما ثقيلة جدا تصل حد الإعدام.
ومن المقرر أن تنظر المحكمة مجددا في نيسان/ أبريل المقبل في هذا الملف، بعد أن أثارت الجلسة الأولى والتي تقرر عقدها عن بعد، دون حضور المتهمين للمحكمة؛ جدلا كبيرا وتنديدا حقوقيا داخليا وخارجيا لفقدانها شروط المحاكمة العادلة.
وقال نائب رئيس جبهة "الخلاص" المحامي سمير ديلو: "هذه القضية مظلمة كبرى من المظالم التي تشهدها البلاد، ومن الأحسن لسمعة البلاد ووضعها إنهاء المظلمة وإطلاق سراح جميع المعتقلين ومن يتم تتبعهم".
الحوار الوطني ليس جريمة
وأكد ديلو لـ"عربي21" قائلا: "لم يتآمر أحد على بلاده وهم سياسيون شرفاء، والحوار الوطني لا يمكن أن يكون جريمة، والمسؤولية في هذا الملف لمن يقدم معطيات خاطئة ولا أساس لها من الصحة".
وقالت الناشطة السياسية وعضو الجبهة شيماء عيسى: "نحن في نظام سلطوي يحرم المواطن حتى من المحاكمة بكرامة، والسلطة اليوم هي من تتآمر على المعارضة وتمنعها من التواجد بالفضاء العام، فمنذ عامين والحياة السياسية في تصحر تام".
وأفادت عيسى في تصريح لـ "عربي21" بأنه "اليوم هناك مناخ من الخوف ويتم تجريم حتى الدعوة لحوار وطني وتجميع العائلة السياسية، لا أحد يمكنه إنكار حالة الفشل والظلم الذي نعيشه".
ويحاكم في هذا الملف أكثر من 40 شخصية أغلبهم سياسيون من مختلف الانتماءات السياسية، يقبع 7 منهم في السجن منذ عامين، وهم الناشط خيام التركي، والسياسي عبد الحميد الجلاصي، وأستاذ القانون جوهر بن مبارك، والمحامي رضا بالحاج، والمحامي غازي الشواشي، والأمين العام للحزب "الجمهوري" عصام الشابي، ورجل الأعمال كمال اللطيف.